الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشاهد في الحديث
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن عبدا خيره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده» ، وقد حضرت عائشة رضي الله عنها واقعة التخيير، لما ثبت عند البخاري عن عائشة قالت: كنت أسمع أنّه لا يموت نبيّ حتّى يخيّر بين الدّنيا والآخرة، فسمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الّذي مات فيه وأخذته بحّة يقول:«مع الّذين أنعم الله عليهم»
…
«1» الآية فظننت أنّه خيّر.
بعض فوائد الحديث
الفائدة الأولى:
في الشمائل النبوية:
1-
علو منزلة النبي صلى الله عليه وسلم وكذا إخوانه من الأنبياء- عليهم جميعا الصلاة والسلام- ويظهر ذلك في تخييرهم قبل الوفاة، بين الدنيا والآخرة، ودليل اشتراكهم جميعا في ذلك، قول عائشة، رضي الله عنها:(كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة) ولفظ «نبي» نكرة في سياق النفي فيقتضي العموم.
2-
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إن عبدا» ولم يقل: نبيّا ولا رسولا، بل أتى بلفظ «عبد» نكرة، وقد مر أكثر من مرة شرف مقام العبودية لله، عز وجل، وأنها أسمى المقامات.
3-
زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وتقديمه جوار الله عز وجل على البقاء في الدنيا، مع أن هذا التخيير لم يقع على الدنيا بما فيها من أفراح وأتراح، مقابل الآخرة، بل وقع التخيير بين ما يختاره النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه من زهرة الدنيا- أي ما يشاء من صحة وعافية ومال وبنين، ويكون كل ذلك بلا هموم ولا غموم ولا أمراض ولا أسقام؛ لأن الإنسان لا يختار لنفسه إلا كل ما يسعده ويفرحه- وبين ما عند الله سبحانه وتعالى فاختار النبي صلى الله عليه وسلم ما عند الله، وذلك من كمال زهده وتمام حكمته وشوقه إلى لقاء ربه.
يتفرع على ذلك، أن ما عند الله، جل وعلا، هو خير وأبقى وأكمل للعبد المسلم، من دنيا فاز فيها بكل مرغوب، ونجا فيها من كل مرهوب، فإن وجدت مثل هذه الدنيا، وهو من أمحل المحال، فلا يفضلها عبد مؤمن على ما عند الله، من مساكن عاليات وأنهار
(1) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، برقم (4435) .
جاريات وحور مقصورات، وزينة من الفضيات، وملابس من الحريرات، وأكواب مذهبات، ونمارق من الاستبرق مشغولات، فضلا عن رؤية وجه الله العظيم، وصحبة النبي الكريم، ومجالسة الصحب الميامين، مع ما أعده الرب الشكور من دائم السرور وعميم الحبور.
4-
عظيم وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم جميعا، خاصة أبا بكر، صدّيق هذه الأمة، وسابقها لكل خير، ودليله من الحديث:«إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر» «1» ، وهذا منتهى الوفاء والاعتراف بفضل أهل الخير وردّ صنيعهم بما هو أجمل وأكمل. وقد ذكر صاحب الفتح أن معنى:«إن من أمنّ الناس عليّ» أي أبذل الناس لنفسه وماله؛ لأن المن هنا بمعنى العطاء والبذل، لا بمعنى المنة التي تفسد الصنيعة.
وكان من مظاهر رد النبي صلى الله عليه وسلم لأيادي أبي بكر البيضاء على الإسلام والمسلمين ما يلي:
أ- وجّه النبي صلى الله عليه وسلم الخطاب إليه، وهو على المنبر، بقوله:«يا أبا بكر لا تبك» كما في إحدى روايات البخاري، وهي منقبة عظيمة لأبي بكر، رضي الله عنه، حيث ناداه بكنيته، وواساه في حزنه بأمره بعدم البكاء وذكر فضله.
ب- أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكثر الصحابة صحبة وملازمة له، صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم إنفاقا، ودليله:«إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر» .
ج- أثبت النبي صلى الله عليه وسلم أهلية أبي بكر لأن يكون خليلا له، لولا وجود المانع، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم، خليل الرحمن، قال:«ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر خليلا» ، ولو أن في الصحابة من هو أفضل صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم لكان هو أولى من أبي بكر رضي الله عنه بخلة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن المقام بيان فضل الناس ولا ينبغي في حقه صلى الله عليه وسلم رفع المفضول على الفاضل.
د- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإغلاق جميع الأبواب التي تفتح بيوت الصحابة على المسجد، إلا باب أبي بكر الصديق، قال صلى الله عليه وسلم:«لا يبقين في المسجد خوخة إلى خوخة أبي بكر» ، وفي رواية عند البخاري:«لا يبقين في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر» «2» ، وهي منقبة عظيمة لأبي بكر، رضي الله عنه، وقد يكون من أسباب الأمر بسد جميع الأبواب، هو إظهار فضل
(1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد، برقم (466) .
(2)
سبق تخريجه قريبا.