الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحاصل:
أنه يجب علينا ألا نغتر بمن يحكم عقله في أمور الدين، بل نسلم كما كان يسلم أبو بكر وعمر، فننال ما نالا من الأجر والمثوبة.
المثال الثاني:
عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف اللّيل فصلّى في المسجد، فصلّى رجال بصلاته فأصبح النّاس يتحدّثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللّيلة الثّانية، فصلّوا بصلاته فأصبح النّاس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد من اللّيلة الثّالثة، فخرج، فصلّوا بصلاته، فلمّا كانت اللّيلة الرّابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق رجال منهم يقولون: الصّلاة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى خرج لصلاة الفجر فلمّا قضى الفجر أقبل على النّاس ثمّ تشهّد فقال:«أمّا بعد فإنّه لم يخف عليّ شأنكم اللّيلة ولكنّي خشيت أن تفرض عليكم صلاة اللّيل فتعجزوا عنها» «1» .
الشّاهد في الحديث:
قوله صلى الله عليه وسلم: «ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها» .
بعض فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
في الشمائل النبوية:
أ- شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأمة حيث ترك صلاة الليل، في المكان الذي خصصه لنفسه، مخافة أن تفرض صلاة الليل على هذه الأمة، ويعجز البعض عن القيام بها فيأثم بتركها.
روت عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحتجر «2» حصيرا باللّيل فيصلّي عليه ويبسطه بالنّهار فيجلس عليه «3» .
ومن الأحاديث التي توضح شفقته صلى الله عليه وسلم بهذه الأمة: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال:
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيّها النّاس قد فرض الله عليكم الحجّ فحجّوا» . فقال رجل: أكلّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتّى قالها ثلاثا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قلت: نعم. لوجبت، ولما استطعتم، ثمّ قال: ذروني ما تركتكم، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم
(1) مسلم، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان
…
، برقم (761) .
(2)
يحتجر: أي يتخذه مثل الحجرة فيجعله حاجزا بينه وبين غيره.
(3)
البخاري، كتاب اللباس، باب: الجلوس على الحصير ونحوه، برقم (5862) .
وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» «1» .
وأيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشقّ على أمّتي، أو على النّاس لأمرتهم بالسّواك مع كلّ صلاة» «2» .
ب- حكمته صلى الله عليه وسلم؛ فقد وازن بين مصالح أداء الناس صلاة الليل في المسجد، وهي مصالح عظيمة، منها: تعلق قلوب الناس بالمساجد، وسماع الذكر الحكيم، وزيادة الدرجات بالمشي إلى المساجد، وصلاة الملائكة على من ينتظر تلك الصلاة، وبين مفسدة أن تفرض صلاة الليل على الأمة فيعجز عنها الكثيرون، جزئيّا أو كليّا، فيأثمون على تركها، فدفع صلى الله عليه وسلم تلك المفسدة العظيمة بتفويت المصالح المترتبة على صلاة الليل، وهي قاعدة شرعية عظيمة في الشرع وأساسها (أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح) ويمكن أن نستدل بهذا الحديث على صحة القاعدة الشرعية المشار إليها.
والذي يؤكد لنا عظيم حكمته صلى الله عليه وسلم أن صلاة التراويح في رمضان، أصبحت من زمن عمر رضي الله عنه تقام في المساجد بلا خوف من فرضها على الأمة فتحققت المصلحة، ودرئت المفسدة، ولله الحمد من قبل ومن بعد.
ج- زهده صلى الله عليه وسلم في الدنيا وعدم الالتفات إليها، لما ورد عند البخاري في إحدى روايات الحديث:(كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار فيجلس عليه) ، فالأمر كله لم يتعدّ قطعة حصير، تكون له في الصباح فرشا يجلس عليه، وفي الليل يحوط به مكانا فيصلي فيه، والغريب أن قطعة الحصير واحدة للصبح والليل.
د- حسن معاملته صلى الله عليه وسلم لأصحابه حيث بيّن في أول لقاء معهم- وهو صلاة الفجر- سبب عدم الخروج إليهم والحكمة من ذلك.
وهكذا يجب أن يكون دأب الحاكم مع رعيته، الاهتمام بهم، يتمثل في قول الراوي:
(فأقبل على الناس) ، وعدم تأجيل ما يحتاج إلى بيان إلى وقت لاحق، حتى لا يكثر الكلام وتخرج الإشاعات، مع الاعتذار إليهم عما قد يسبب حرجا لهم، وشرح حكمة وأسباب ما اتخذه من قرارات قد يراها البعض ضد مصلحتهم، مع الحرص على عدم إنابة غيره، خاصة مع القدرة وأهمية الأمر.
(1) مسلم، كتاب: الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر، برقم (1337) .
(2)
البخاري، كتاب: الجمعة، باب: السواك يوم الجمعة، برقم (887) ، مسلم، كتاب: الطهارة، باب: السواك، برقم (252) .