الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشّاهد في الحديث:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لاقى أذى شديدا من قومه فاحتمل ذلك وصبر عليه، ولم يتعجل هلاك قومه، ولم يدع عليهم بالاستئصال، بل رجا أن يخرج الله من أصلابهم من يوحد الله ولا يشرك به شيئا.
بعض فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
في شمائل النبي صلى الله عليه وسلم:
1-
عظيم ما لاقاه النبي صلى الله عليه وسلم من أذى في سبيل الدعوة إلى الله تعالى حيث إنه اضطر إلى الذهاب إلى الطائف، بعد موت خديجة رضي الله عنها وموت عمه أبي طالب، رجاء أن يجد فيها من يؤويه وينصره ويمنعه من الكفار، فردوا عليه بأقبح رد، بل أنهم أغروا به سفهاءهم فأدموا قدمه صلى الله عليه وسلم فرجع من الطائف مهموما، ولم يفق إلا في قرن الثعالب «2» ، السيل الصغير حاليا، وكان هذا اليوم عند الرسول صلى الله عليه وسلم أشد من يوم أحد.
2-
مظاهر عظيم اعتناء الله- سبحانه وتعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم:
أ- أن الله- عز وجل أرسل سحابة تظل نبيه صلى الله عليه وسلم وعلمنا أن السحابة أرسلت خصيصا له، من قوله صلى الله عليه وسلم «فإذا أنا بسحابة قد أظلتني» ، فإذا هنا تدل على المفاجأة، مما يدل على أن
(1) قرن الثعالب: بسكون الراء هو ميقات أهل نجد تلقاء مكة على يوم وليلة. انظر معجم البلدان [قرن] .
(2)
البخاري، كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، برقم (3231) ، مسلم، كتاب: الجهاد والسير، باب: ما لقى النبي....، برقم (1795) .
السحابة لم تكن في السماء وما كان يدل على تكونها شيء، بالإضافة إلى قوله صلى الله عليه وسلم قد أظلتني، ولم يقل: أظلت المكان، لإشعارنا أنها جاءت لتظله هو لا غيره.
ب- غضب الله العظيم لما قاله أهل الطائف للرسول صلى الله عليه وسلم لقول جبريل عليه السلام: «قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك» ، ومما يدل على أن غضب الرب جاء لتوجيه خطاب لا ينبغي أن يتوجّه به إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام قد استخدم كاف المخاطبة في قوله:«قول قومك لك» ، وفي قوله:«وما ردوا عليك» ، ومما يدل على حدوث الغضب إرسال جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال.
ج- إرادة الله- سبحانه وتعالى التسرية عن رسوله صلى الله عليه وسلم عما لاقاه من قومه، وإعلامه أن أهل الأرض، إذا آذوه وعاندوه وعادوه، فإن الله القوي العزيز، هو مؤيده وناصره، وكذا ملائكته الكرام، ويتجلى ذلك في إرسال جبريل، أعظم الملائكة، ومعه ملك الجبال، عليهما السلام، ونلمح في الإرسال ما يلي:
كان من الممكن إرسال ملك الجبال وحده، للرسول صلى الله عليه وسلم لإنفاذ أمره في قومه، ولكن الله- عز وجل أراد إظهار حفاوته برسوله صلى الله عليه وسلم خاصة في هذا الموقف الصعب، فأرسل جبريل، يعرّف النبيّ صلى الله عليه وسلم بملك الجبال، قبل حديث ملك الجبال معه، وهذا منتهى التكريم.
تلطف ملك الجبال في الحديث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قاله له: «وقد بعثني ربك» ولم يقل له: (وقد بعثني ربي) ، وقد يكون ذلك من باب الأدب أيضا، وهو أن يضيف لفظ الرب تبارك وتعالى إلى الأعلى منزلة، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.
من عظيم إكرام الله- سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن أمر ملك الجبال بالذهاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيأتمر بأمره، وينفذ له ما يشاء في قومه، وكأنّ هذا تفويض مفتوح من الله- سبحانه وتعالى لملك الجبال أن يفعل ما يأمره به النبي صلى الله عليه وسلم حتى دون الرجوع إلى الله، قبل تنفيذ الأمر، وتدبّر قول ملك الجبال:«لتأمرني بأمرك فما شئت» ، ولم يكتف بقوله:
(لتأمرني) ، وكان في ذلك الكفاية.
ويتفرع على ذلك: علم الله- سبحانه وتعالى حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وإلا ما أمر ملك الجبال بطاعته طاعة مطلقة.
د- حقق الله- سبحانه وتعالى رجاء رسوله صلى الله عليه وسلم أبلغ تحقيق، بأن أخرج من أصلاب