الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو كنا ضعاف العدة، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم قد رد الله عنه كيد عدوه، بثقته بالله وحده وبدون أي أسباب أخرى مادية.
الفائدة الثّالثة:
إيثار الصحابة رضي الله عنهم النبيّ صلى الله عليه وسلم على أنفسهم حيث ورد في إحدى روايات البخاري: (فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يدل على عظيم حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وامتثالهم للتوجيهات الربانية لهم، مثل قوله تعالى: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ [التوبة: 12] .
الفائدة الرّابعة:
ومن شواهد حسن ثقته صلى الله عليه وسلم بالله- عز وجل ما رواه البخاري، عن ابن عبّاس:(حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قالها إبراهيم- عليه السلام حين ألقي في النّار، وقالها محمّد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) .
7- حسن تعليمه صلى الله عليه وسلم أمّته
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابيّ فقام يبول في المسجد. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه، مه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزرموه دعوه» ، فتركوه حتّى بال، ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له: «إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنّما هي لذكر الله- عز وجل والصّلاة وقراءة القرآن» ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء فشنّه «1» عليه)«2» .
الشّاهد في الحديث:
قوله صلى الله عليه وسلم لمن بال في المسجد: «إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنّما هي لذكر الله- عز وجل والصّلاة وقراءة القرآن» .
بعض فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
في الشمائل النبوية:
1-
حسن تعليمه صلى الله عليه وسلم: ويتبين ذلك من:
أ- أنه صلى الله عليه وسلم لم ينهر الأعرابي، ولم يوجه له أدنى عتاب لعدم علم الأعرابي باداب
(1) فشنّه عليه: أي صبّه وسكبه عليه.
(2)
مسلم، كتاب: الطهارة، باب: وجوب غسل البول....، برقم (285) .
المساجد، وإنما نصحه صلى الله عليه وسلم بمنتهى الرفق واللين، قال صلى الله عليه وسلم:«إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنّما هي لذكر الله- عز وجل» .
ب- ومن حسن تعليمه الجميل، أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأعرابي أن ينظف مكان النجاسة في المسجد، مع أنه أولى الناس بهذا الأمر، لأن الأعرابي قد يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعاقبه على ذلك، قال أنس:(فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه) ، وهذا والله غاية الرفق واللين.
ج- لم يتعجل النبي صلى الله عليه وسلم توجيه النصح للأعرابي وهو يقضي حاجته، بل انتظر حتى ينتهي، ليكون الأعرابي أوعى لقول النبي صلى الله عليه وسلم، قال الراوي:(ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه) .
د- فصّل النبي صلى الله عليه وسلم في نصحه تفصيلا بليغا حيث ذكر أولا وجوب تنزيه المساجد عن النجاسات والقاذورات، ثم ذكر الحكمة من بناء المساجد وكيفية إعمارها، وقد ذكر تنزيه المساجد أولا من النجاسات لأسباب، منها: حاجة الأعرابي الماسة لمعرفة هذا الحكم، وذكره أولا يكون أدعى لحفظه، كما أن الحكمة العظمى من بناء المساجد، وهي إقامة الصلاة، من أهم شروط صحتها: طهارة المكان، فطهارة المكان عمل يأتي قبل إقامة الصلاة، ومن حسن التعليم أيضا أن تأتي النصيحة خالية من التطويل الممل والاختصار المخل، وقد كانت كذلك، ولله الحمد.
وتخيل أخي القارئ، لو أن هذه الواقعة حدثت في وقتنا الحاضر من رجل حديث عهد بالإسلام، ماذا سيفعل به أهل المسجد؟ قد يفتكون به ويتهمونه بالكفر والزندقة، مع أنهم ليسوا بأحرص من النبي صلى الله عليه وسلم على طهارة المسجد ونظافته.
2-
حكمته صلى الله عليه وسلم حيث قال لأصحابه: «لا تزرموه دعوه» ، أي لا تقطعوا عليه بوله؛ لأن قطع البول سيضرّ جسمانيّا بالأعرابي، وقد يزيد من رقعة المكان الذي أصابته النجاسة، خاصة إذا قطعها وهو مضطرب.
3-
موافقة أقواله صلى الله عليه وسلم مع أفعاله، وهو الركن الأساسي في القدوة الحسنة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم بالرفق في الأمر ورغّبهم في ذلك، فقد روى مسلم بإسناده عن عائشة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يا عائشة، إنّ الله رفيق يحبّ الرّفق ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه» .
وعند مسلم أيضا، أن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حرم الرّفق