الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفائدة الثالثة:
كان الصحابة الذين يعيشون مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يتحرجون من سؤال النبي، بينما لا يتحرج الأعراب من ذلك، وذلك لتأثرهم بالبيئة التي يعيشون فيها، وقلة صحبتهم للنبي، وكان الصحابة يفرحون أن يأتي الأعرابي فيسأل النبي عن أشياء، وهم جلوس يستمعون، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع
…
الحديث «1» .
الفائدة الرابعة:
في الدعاء:
أ- بيان أنّ الدعاء لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى
، فهو القادر وحده على جلب النفع، ودفع الضر، فمع قلة علم الأعراب وفقههم، يدخل الأعرابي المسجد، ويقول للرسول:
(فادع الله لنا) ، ولو كان أحد يمكن أن يدعى من دون الله، لكان أولى الناس بأن يدعى، هو النبي صلى الله عليه وسلم؛ لعظيم فضله، ولكان أولى الناس أن يتوجهوا له بالدعاء، هم أصحابه لأنهم أعلم الناس بمكانته، فلما لم يفعل الصحابة ذلك، مع وجود النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، علمنا قطعا أن الدعاء لا يكون إلا لله وحده؛ لأنه من العبادة، بل هو من أعظم العبادة، قال تعالى:
وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] فأطلق العبادة على الدعاء، من باب إطلاق الكل على الجزء؛ لبيان عظيم شأنه، ولو كان أحد يدعى مع الله، لبينت الآية ذلك، ولكن الله قال: ادْعُونِي.
كما بينت الآية أن الدعاء من مقتضيات الربوبية، فالرب هو الذي خلق ورزق وربى، فكيف نتوجه لغيره بالدعاء؟! لا شك أن ذلك من نواقض توحيد الرب تبارك وتعالى.
كما بينت الآية الكريمة الجزاء العظيم لمن يستكبر عن دعاء الرب تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غافر: 60] .
ويتفرع على عدم جواز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، عدم جواز دعاء غيره من باب أولى، وقد بين الله تبارك وتعالى سخف من يدعو غيره، فقال سبحانه وتعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ [الإسراء: 57] ، فبينت الآية أن هؤلاء الذين يتوجه الناس إليهم بالدعاء، هم أنفسهم يتقربون إلى الله بكل أنواع الطاعات تزلفا إليه وقربى، كما بين الله سبحانه وتعالى في آية أخرى ضلال من يدعو أحدا غيره، وذلك في قوله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ
(1) أخرجه البخاري، رقم (263) ، ومسلم (12) واللفظ له.
دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ [الأحقاف: 5- 6] فبينت الآيتان ضلالهم من عدة وجوه:
1-
أنهم يدعون من هو دون الله، فقد تركوا الغني من كل الوجوه ودعوا الفقير من جميع الوجوه، تركوا من يخلق ودعوا من لا يخلق، قال تعالى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ [النحل: 17] ، فكل أحد غير الله هو دون الله.
2-
أنهم يدعون من لا يستجيب لهم بجلب نفع أو دفع ضر، ولو استمر دعاؤهم إلى يوم القيامة، وهم- مع عدم استجابتهم- غافلون عمن يدعونهم، لعدم سماعهم الدعاء.
3-
أنهم يدعون من يناصبهم ويظهر لهم العداوة يوم القيامة، وينكرون عليهم دعاءهم، ويتبرؤن إلى الله من ذلك، وانظر كيف أطلقت الآية الكريمة العبادة على الدعاء، قال تعالى: وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ [الأحقاف: 6] .
أخيرا أهمس في أذن كل من يذهب إلى القبور لدعوة أموات، يرجون منهم الرزق والولد، وحل العقد، وأقول لهم: كيف تعرضون عن الله، وتتوجهون لمن هو دونه؟! إنّ من تدعونه هو في أشد الحاجة إلى من يدعو الله له- ولو كان من أهل بيت النبوة رضي الله عنهم جميعا- وأقول لهم: هذا العمل يخرجكم من ملة الإسلام بالكلية، لماذا تضيعون عليكم الدنيا والآخرة؟ لماذا لا تتلذذون بدعاء الغني الحميد وحده؟ فإذا قلتم: إنهم واسطة لنا عند الله عز وجل، قلت لكم: هذه حجة كفار قريش في عبادة الأصنام، قال تعالى:
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: 3] ، والعبد لا يحتاج إلى واسطة لدعوة خالقه، قال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة: 186] ، فإن السؤال مع أنه كان موجها إلى النبي، فقد جاءت الإجابة مباشرة من الله عز وجل، إلى السائلين عنه بغير واسطة، فلم يقل الله تعالى: قل: إني قريب، فإذا جاءت إجابة السؤال بغير واسطة، فكيف يشرع الدعاء بواسطة، وهذا إيذان بأنه لا واسطة أبدا لمخلوق عند دعاء المولى سبحانه وتعالى.
وتدبر أخي القارئ بقية أسئلة القرآن، مثل قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة: 189]، وقوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً [البقرة: 222]، وقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة: 219]، فإذا قال قائل: أريد واسطة بيني وبين الله، لكثرة ذنوبي وقلة طاعتي، قلت له: ألم تسمع لقوله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً