الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإسداء النصح، وأصبح هذا الخلق له سمة وهذا الطبع له صفة، لا يعرف للمعروف، زمانا ولا مكانا، ولا أمة دون أمة، انظر إلى مؤمن القرية الذي تمنى بعد وفاته أن لو علم قومه ماذا أعد الله له من النعيم المقيم، حتى يؤمنوا بالله وحده، قال تعالى: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس: 26- 27] ، فإن كنا نحن من الذين يعرفون للناس فضلهم، ولا يجحدون معروفهم، فقد وجب علينا أن نشكر موسى عليه السلام، عرفانا منا بهذا الجميل، كما علّمنا نبينا صلى الله عليه وسلم.
الفائدة الرابعة عشرة:
الذي نعرفه من الجنة والنار أسماء فقط، ولكن طبيعة الأشياء تختلف عما نعرفه ونعلمه في الدنيا، وما هي إلا تشابه أسماء، وذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى وغشيها ألوان لا أدري ما هي» فالنبي قد رأى وعلم أن السدرة قد تجملت وتزينت بألوان، ولكنها ألوان لا يعلمها ولا يعرف أسماءها، ولكن يعلم فقط أنها ألوان.
الفائدة الخامسة عشرة:
يوضح الحديث طرفا يسيرا مما أعده الله لعباده المؤمنين في جنته دار كرامته فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «فإذا فيها حبايل اللؤلؤ وإذا ترابها المسك» ، فإذا كان التراب الذي هو في الدنيا أرخص ما يكون، لا يبالي الناس به يكون في الجنة مسكا، فإذا كان الذي يمشي عليه المؤمنون في الجنة مسكا، فما بالكم بالأسرّة والفرش، والمأكل والمشرب، واللباس والحور العين. إنه- والله- لنعيم مقيم لا يزول ولا يحول، فهل من العقل، أن نبيع جنة عرضها السماوات والأرض، النعيم فيها دائم، والسرور فيها قائم، والأمن فيها شامل، والغل فيها زائل، بدنيا النعيم فيها يزول، والسرور فيها يحول، والغل فيها يطول، وما من صحة إلا بعدها مرض، وما من فرح إلا بعده ترح.
الفائدة السادسة عشرة:
هل الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج مشروع أما لا؟ أقول:
1-
لم يثبت أن النبي احتفل بهذه الليلة، وهو أولى من يحتفل ويحتفي بها؛ لأنه المقصود بها، وليكون الاحتفال سنة، فيأخذ بذلك الأجر على تعليم الأمة، بل تكون مناسبة- كما يدعي البعض- أن يشكر الرسول ربّه على هذه النعمة العظيمة، ويتذكرها ويذكر أصحابه بها، وحيث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل، ولم يأمر الأمة بالاحتفال، علمنا قطعا أن ذلك غير مشروع، ولو كان في ذلك خير لدلنا النبي عليه، وكيف لا يدلنا على هذا الخير، وهو الذي علمنا كيف نصلي وكيف نصوم، وكيف يأتي الرجل أهله، وعلمنا أيضا كيف نأكل ونشرب، حتى شمل التعليم دخول الغائط والخروج منه، كيف يعلمنا كل ذلك، ويغافل أو
ينسى أن يعلمنا شيئا يتعلق بالإسراء والمعراج، وإن كان غفل أو نسي، فكيف بالذي لا يغافل ولا ينسى، لماذا لم ينبه نبيه على ذلك بل كيف لم يأمره بالاحتفال، ويبين له ما فيه من خير، أيترك الله شيئا ينفع نبيه وأمته من بعده فلا يبينه؟.
إن من اعتقد ذلك فقد أساء الأدب مع الله، وإذا كان الله سكت عنه، أفلا يسعنا نحن السكوت، وهل نرد قول الله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: 3] ، فالذي يرى أن الاحتفال بالإسراء والمعراج من الدين، ويؤجر العبد عليه وأن فيه خيرا لنا في الدنيا والآخرة، وأن هذا عمل يحبه الله ويرضاه، فكيف يوفق بين قوله هذا مع الآية التي أكدت إكمال الدين وإتمام النعمة، أيكذب بها؟ وكيف يرد ما (رواه البخاري) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ «1» » ، أيكون هذا العمل ردّا على صاحبه ويؤجر عليه، أيحكم الرسول بالرد، ويحكم الله بالقبول؟ هذا من أمحل المحال، وقد تم التنبيه على خطر البدعة، وكيف كان الصحابة يحافظون على السنة ولا يتجاوزونها بقول أو فعل، في مواضع كثيرة من هذا الكتاب، تحذيرا منها.
وأقول: إن أدل دليل على عدم مشروعية الاحتفال بها، هو عدم علمنا بتاريخها على وجه التحديد، ولو كان الرسول شرع للصحابة الاحتفال بها، لتناقلوا تاريخها، وعلموه لمن بعدهم، فهم الذين لم يفرطوا في حفظ أي أمر من أمور السنة، وإذا لم يحافظوا هذا التاريخ، علمنا من ذلك أنهم لم يتوقفوا عنده، وما كان لهم فيه عبادة، انظر كيف حافظوا خبر الإسراء وتناقلوه، حتى بلغ حد التواتر؛ لأن لهم فيه دروسا وعبرا، فلنتبع أثرهم ونكتفي بعملهم، أليس لنا فيهم قدوة وفي رسولنا أسوة؟!
فإذا قال قائل: الأمة الآن مشغولة بأمور عظيمة، أولى أن نبحثها ونتفق عليها، بدلا من الاختلاف على أمور يسيرة مثل مشروعية الاحتفال أو عدم الاحتفال بليلة الإسراء.
أقول باختصار: إن التمسك بسنة الهادي البشير، والعمل بها، ونبذ البدع، لهو أقرب طريق إلى توحيد الأمة، واستنصار المولى، فالله تعالى قد وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض، قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
(1) أخرجه البخاري، كتاب: الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697) ، مسلم، كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718) ، وأبو داود برقم (4606) ، وابن ماجه، برقم (14) .