الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21- وفاؤه صلى الله عليه وسلم:
أولا: وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأنبياء الله:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله من أكرم النّاس؟ قال:
«أتقاهم» . فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال:«فيوسف نبيّ الله، ابن نبيّ الله، ابن نبيّ الله، ابن خليل الله» . قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «فعن معادن العرب تسألون؟
خيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» «1» .
الشّاهد في الحديث:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكرم الناس فقال: «يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله» .
بعض فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
في الشمائل النبوية:
أولا: وفاؤه بثنائه على الأنبياء:
أ- ثناؤه على يوسف عليه السلام حيث إنه لما سئل عن أكرم الناس، ذكر يوسف عليه السلام من حيث كونه نبيّا ابن نبي ابن نبي ابن نبي، فهو يوسف بن إسحاق بن يعقوب ابن إبراهيم، عليهم جميعا الصلاة والسلام.
ويتفرع عليه: أن نبي الله يوسف عليه السلام هو أفضل الناس على الإطلاق نسبا، من حيث اجتمع له شرف الأب والجد وجد الجد، ولو اجتمع لأحد غيره مثل هذا الشرف لذكره النبي صلى الله عليه وسلم خاصة أنه ذكر لفظ (أكرم) بصيغة أفعل التفضيل. وفي الحديث أيضا إثبات نبوة يوسف ويعقوب وإسحاق وإبراهيم- عليهم جميعا الصلاة والسلام..
ب- ثناؤه صلى الله عليه وسلم على النبي الكريم، إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث أثبت له الخلة، بقوله «ابن خليل الله» ، وقد ثبتت هذه الخلة له في كتاب الله العزيز بقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (125)[النساء: 125] .
ويؤخذ منه عظيم قدر إبراهيم، عليه الصلاة والسلام حيث إنه اتصف بصفة، وهي الخلة، لم يشاركه فيها أحد إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت من قبل أن إبراهيم، عليه الصلاة والسلام هو النبي الوحيد الذي تتنازع فيه كل أمة لإثبات انتسابها إليه، ولقد رد الله عليهم
(1) البخاري، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا، برقم (3353) .
بقوله: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)[آل عمران: 67] وبذلك تكون الأمة الوحيدة الآن المنتسبة بحق إلى إبراهيم عليه السلام هي أمة الإسلام، قال تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)[آل عمران: 68] .
2-
طهارة ونقاء قلبه صلى الله عليه وسلم وأنه ليس فيه أدنى أدنى حقد ولا حسد ولا غل، لإخوانه من الأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام، ودليله أنه كان صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرهم، ويعدد محاسنهم وماثرهم ليحبب الناس فيهم، بل ويمدحهم بما يظن السامع أنهم جميعا أفضل منه مكانة وأشد قربا إلى الله، فهو صلى الله عليه وسلم يقول عن يوسف: إنه أكرم الناس كما في حديث الباب، من حيث شرف النسب، وسيأتي- إن شاء الله- فائدة مستقلة لبعض نماذج الثناء على الأنبياء، فلم يكن صلى الله عليه وسلم ينظر إلى الأنبياء على أنهم منافسون له عند ربه أو عند الناس، بل المتتبع لسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم يتأكد أنه كان يريد أن يجعل الناس يتعبدون إلى الله- سبحانه وتعالى بحب الأنبياء وتعظيم شأنهم، وكان ينظر إلى الأنبياء جميعا بما فيهم هو صلى الله عليه وسلم بالعقد الواحد والبناء الجميل الذي لا يكمل جماله إلا باكتمال جميع لبناته، واللبنة لا يمكن أن تقوم بمفردها، بل هي في أشد الحاجة إلى غيرها ليشد عقدها ويقوي دعامتها. وهذا من أعظم دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم وأكبر دليل على أن الله- سبحانه وتعالى قد نزع من قلبه حظ الشيطان، وأن قلبه قد غسل قبل وبعد البعثة، ليكون قلبا طاهرا زكيا، مبرآ من كل ما يعيب المرء من الأدناس والأنجاس بل فيما هو أقل من ذلك بكثير، فإذا كنا نثني على من طهّر قلبه من الحسد والغل، فماذا نقول عمن حرص كل الحرص أن يحبب الناس في غيره ويظهرهم أنهم أفضل منه، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم الأفضل منهم منزلة، وهذا الإيضاح وتلك الفائدة هما المقصود الأول من إيراد هذا الباب.
3-
ارتباط علمه صلى الله عليه وسلم بايات الذكر الحكيم حيث إنه لما سئل عن أكرم الناس ذكر صلى الله عليه وسلم أن أكرم الناس هو أتقاهم، مصداقا لقوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: من الآية 13] ، كما أنه صلى الله عليه وسلم لما ذكر أكرم الناس من حيث المعدن اشترط تحصيل الفقه، وهو العلم في الدين، حتى يكون العبد من أكرم الناس منزلة، قال صلى الله عليه وسلم «خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» «1» ، يصدقه قوله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة: من الآية 11] .
(1) مسلم، كتاب الفضائل، باب: من فضائل يوسف عليه السلام، برقم (2378) .
وقال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 18] ، فقد قرن الله شهادته وشهادة ملائكته، بشهادة أولي العلم، يدل ذلك على أنهم أعدل الناس وأكرمهم عند الله.
وقد ذكر ابن حجر في الفتح أن المقصود بخيار الناس في الجاهلية هو من اتصف بالخصال المحمودة من ملائمة الطبع، وأن الشرف في الإسلام يكون بالخصال المحمودة شرعا.
ويتفرع على ذلك: علمنا بعظيم قدر التفقه في الدين حيث اشترط النبي صلى الله عليه وسلم وجوده فيمن اتصف بالخصال المحمودة ليكون من أكمل الناس، وإذا كان صاحب الفقه في الدين محمودا، فإن صاحب الجهل في الدين مذموم، خاصة إذا كان عنده قدرة من ناحية العقل والوقت، على تحصيل العلم الشرعي ثم تقاعس أو انشغل عنه بما هو أدنى منه.
3-
فصاحته ورجاحة عقله صلى الله عليه وسلم في تقسيم الناس: حيث إن الصحابة لما سألوه عن أكرم الناس، وكان سؤالا واسعا، يحتمل عدة معان، قسّم هو الناس، وبنى تقسيمه صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أمور، بدأ فيها بالأعظم، ثم الأهم، ثم المهم، فلما كانت تقوى الله والخوف منه هي أعظم الأمور- لأنها الباعث لكل خير، والرادع عن كل شر- بدأ صلى الله عليه وسلم بها دون غيرها، وقد تحققت ثلاث حكم بالبدء بالتقوى وهي:
أ- إثبات أن الأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام، هم أكرم الناس على الإطلاق ولا ينازعهم في ذلك أحد، لأنهم أتقى الناس لله- عز وجل ولو بدأ بيوسف مثلا لضاعت تلك الحكمة.
ب- إثبات أن ما يكتسبه الإنسان مقدم على ما لا دخل له فيه، والذي هو منحة خالصة من الله- سبحانه وتعالى لذلك قدم صلى الله عليه وسلم التقوى على شرف النسب، وهذا منتهى العدل الرباني.
ج- إثبات ما أثبته القرآن، أن أعظم مظاهر التفاضل بين الناس إنما يكون بتقوى الله، وقد مر قريبا.
ثم ثنى النبي صلى الله عليه وسلم بالنسب الشريف الطاهر، والذي هو منحة خالصة من الله- تبارك وتعالى وهي للنبي يوسف عليه السلام، ثم اختتم بعموم الناس الذين لهم فضل في الجاهلية باتباع العادات المحمودة وفضل في الإسلام باتباع المأمور شرعا مع الفقه في الدين.