الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل مذهب أو فكر أو فلسفة أو نظرية تخالف ما جاءت به السنة الشريفة فهي ضلال وغواية، وهذا الاعتقاد هو مقتضى التصديق بقوله- تعالى.: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا، حيث يستحيل عقلا أن تجتمع الهداية في الأمر وضده.
6- الإيمان به صلى الله عليه وسلم سبب السعادة في القبر:
عن أنس رضى الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «العبد إذا وضع في قبره وتولي وذهب أصحابه، حتّى إنّه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرّجل محمّد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النّار أبدلك الله به مقعدا من الجنّة» . قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «فيراهما جميعا، وأمّا الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول النّاس، فيقال: لا دريت ولا تليت. ثمّ يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلّا الثّقلين» «1» .
الشاهد في الحديث: أن العبد إذا سئل عن النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب إجابة المؤمنين أراه الله- سبحانه وتعالى مقعده من الجنة.
بعض فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
في علو قدر النبي صلى الله عليه وسلم وعظيم شأنه، يتبين ذلك من الأمور الآتية:
1-
أن العبد يحاسب على الإيمان به صلى الله عليه وسلم والتصديق برسالته فور تولي أصحابه عنه.
2-
شهادة العبد أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ورسوله وتوفيقه للنطق بها، هي سبب سعادة العبد طيلة بقائه في قبره، وكفى بذلك شرفا ورفعة للنبي صلى الله عليه وسلم فقد ورد في الحديث:«فيقال: انظر إلى مقعدك من النّار أبدلك الله به مقعدا من الجنّة» . قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«فيراهما جميعا» ، كما في قول قتادة:(وذكر لنا أنّه يفسح له في قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون)«2» . وفي المقابل ذكر الحديث العذاب الشديد للمنافق والكافر الذي لا يوفّق لتلك الشهادة.
3-
في الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين للأمة أنه عبد لله- سبحانه وتعالى وأنه لا يشارك الله أبدا في أي أمر من أمور الألوهية، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين ذلك أحسن
(1) البخاري، كتاب: الجنائز، باب: الميت يسمع خفقة النعال، برقم (1338) .
(2)
مسلم، كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، برقم (2870) ، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
البيان وأوضحه، ما حاسب الله العباد في القبر على إيمانهم أن النبي صلى الله عليه وسلم عبد لله، بل إن شهادة المؤمن يسبق فيها إثبات صفة العبودية للرسول صلى الله عليه وسلم على صفة الرسالة، وكأنها الصفة التي غلبت عليه صلى الله عليه وسلم وأراد أن يحققها طوال حياته وبالفعل حققها صلى الله عليه وسلم كأحسن ما يكون.
ويتفرع عليه: أن من اعتقد في النبي صلى الله عليه وسلم درجة أعلى من درجة العبودية لله- سبحانه وتعالى (وهي أعظم منازله صلى الله عليه وسلم بأن أثبت له شيئا يعلم أنه لا ينبغي إلا لله عز وجل فلن يوفق في إجابة سؤال الملكين.
كما أقول: إن من ابتدع في هذا الدين ما ليس منه، ورغب عن سنته صلى الله عليه وسلم قد يؤخر عن إجابة الملكين وقد يتلعثم فيها وقد لا يوفق لها أصلا وذلك بقدر ما ابتدع في هذا الدين أو رغب عن السنة الشريفة، ودليل ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «فأمّا المؤمن أو الموقن فيقول:
هو محمّد رسول الله جاءنا بالبيّنات والهدى فأجبنا وآمنّا واتّبعنا فيقال له: نم صالحا» «1» ، فكيف يوفق الله من ابتدع في الدين لقول:(آمنا واتبعنا) . وهو في الحقيقة لم يتبع.
4-
في الحديث دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث للناس كلهم جميعا، وأنهم كلهم مطالبون بالإيمان به وتصديقه صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:«إن العبد إذا وضع في قبره» ، وكلمة العبد تشمل كل جنس البشر، ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم:«وأما المنافق والكافر» . فهو دليل آخر على أن السؤال يشمل الناس جميعا، فالناس لا يخرجون عن أصناف ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وكافر، وأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم يدخلون في لفظ (كافر) .
فإن قال قائل: كيف يكون سؤال الملكين عن النبي صلى الله عليه وسلم كافيا لدخول العبد الجنة دون السؤال عن الله عز وجل ودين الإسلام؟ قلت: وردت أحاديث أخرى بسؤال العبد عن الرب- تبارك وتعالى: من ربك؟ ما دينك، ولكنها ليست في الصحيحين، لذلك لم أوردها في الكتاب، لما التزمت به من التقيد بأحاديث الصحيحين، ثم إنني أحببت أن أورد هذا الحديث الذي ليس فيه إلا ذكر السؤال عن النبي صلى الله عليه وسلم ليستقر في قلب وعقل كل مسلم عظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وأن الإيمان به واتباعه هو سبب السعادة في الدنيا والآخرة وما بينهما وهي حياة البرزخ. ثم أقول: إن إقرار العبد بأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله، يتضمن الإيمان بالله- تعالى- ودين الإسلام، وأوصي نفسي وإخواني من المسلمين بإجلال النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وكثرة الصلاة عليه وحبه أكثر من المال والأهل والولد، لعل الله عز وجل يثبتنا
(1) البخاري، كتاب الوضوء، باب: من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل، برقم (184) ، من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.