الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين مرّة» . قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك فضل الله يؤته من يشاء» «1» . [رواه مسلم] .
الشاهد في الحديث:
أن الصادق المصدوق- عليه الصلاة والسلام، أبلغ الفقراء أن الذي يسبح ويحمد ويكبر بعد كل صلاة ثلاثا وثلاثين إلا التكبير أربعا وثلاثين، يدرك بها قائلها فضل من سبقه بأعمال عظيمة، كالحج والعمرة والجهاد والصدقة، وهو ما يسمى بختم الصلاة، والذي لا يستغرق عشر دقائق، إذا كان بروية وتفكر وبقلب حاضر، فهل أدركنا عظيم فضل الله على هذه الأمة، هل هناك مشقة على أي أحد أن يلزم هذا الذكر السهل الميسر، لينال أجر الحاج المعتمر المجاهد في سبيل الله، والله، إن هذا لهو الفضل المبين على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
والعجيب أننا نرى بعض الناس لا يحافظون على هذا الذكر، بالرغم من ثوابه، فينتهون من الصلاة، وكأنهم كانوا في سجن طويل، يبادرون بالخروج من المسجد، كأن الخارج أولا، هو المقدم عند الله، فيضيعون على أنفسهم ما يثقّل موازينهم ويرفع درجاتهم، ويفوّتون عليهم إدراك من سبقهم من أهل العزائم والأموال الكثيرة.
في الحديث فوائد منها:
الفائدة الأولى:
تطبيق شرع الله- عز وجل في أمة من الأمم، لا يمنع أن يكون فيها فقراء، فالعهد النبوي رغم أنه خير القرون، فما زال فيه فقراء وأغنياء، ولم يؤمر الأغنياء أن يوزعوا جميع أموالهم بينهم وبين الفقراء، حتى يستوون في المعيشة، وهذه سنة الله في الكون أن يبتلي عبدا بالفقر، ليرى هل يصبر أم يجزع؟ هل يرضى بقضاء الله وقدره؟ أم يقول: لم جعلني الله فقيرا وغيري غنيا، ما حكمته في ذلك؟ أما كان الله يستطيع أن يغني الجميع؟ هل سيتمنى أن تزول نعمة أخيه الغني إن لم ينتفع بها؟!، مصداق ذلك قوله تعالى:
وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً [الفرقان: 20] ، فمن صبر على البلاء، وسلم بالقضاء، فله الأجر الكامل، والله إنه أجر لا يوازي مصيبته، بل يفوقه كثيرا، ألم تسمع لقوله تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر: 10] .
(1) أخرجه مسلم، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (595) .
ولا يحسب الأغنياء أنهم قد سلموا من الامتحان والاختبار، كيف ذلك؟ والله يقول:
وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35] ، ومن أعظم الخير وفرة المال، الذي يسعد صاحبه، في الدنيا والآخرة، فالغنيّ مبتلى في هذا المال، أيخرج زكاته أم يبخل بها؟ ألم يعلم أن هذا القدر المفروض في ماله ليس من حقه، بل هو حق للفقير، قدّره الله وشرعه، كيف يستحل العبد مالا ليس له، ويعيب على السارق الذي يسرق البيضة، ألم يعلم أن الله هو الذي استقرضه هذا المال؟ ويقع أولا في يديه الكريمتين قبل أن يقع في يد الفقير؟ ألم يعلم أن الله تعطيه بكل جزء سبعمائة جزء ويضاعف بعد ذلك لمن يشاء؟ ألم يعلم أن الذي أعطاه قادر على أن يسلبه ما أعطاه؟ ألم يعلم الغني ماذا فعل الله بقارون، الذي أوتي من المال، ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، أين هو الآن؟ خسفت به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، لم يكن مطلوبا منه إلا أن يشكر مسدي النعمة ويخرج زكاتها، هل تراه الآن يصبر على ما هو فيه من العذاب، مسليا ومصبرا نفسه بتنعمه في الدنيا؟ كلا والله، نسي ما كان من نعمة، مع أول غمسة في العذاب، والغنيّ لم يبتل فقط بإخراج الزكاة، بل ابتلي بأكثر من ذلك، ابتلي بمرض الكبر والعجب، وتعلّق أنظار الفقراء به، لحاجتهم له، وترفّع نظره عنهم لغناه بما عنده، ابتلاه الله بالخادم في المنزل، والسائق في السيارة، والفقير عند باب المسجد، والمسكين على قارعة الطريق، هل عطف عليهم؟ هل تواضع لهم؟ هل اهتم بهمومهم، هل قضى لهم حوائجهم، كل ذلك فتنة؟ يسأل عنها الغنيّ يوم القيام لذلك فالفقير والغني في الابتلاء سواء.
وأعود فأقول: مازالت الأمة فيها الفقير والغني، والرسول قد أوصى معاذا عندما ذهب إلى اليمن فقال له في حديث البخاري:«فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإيّاك وكرائم أموالهم، واتّق دعوة المظلوم، فإنّه ليس بينه وبين الله حجاب» «1» .
أي لا يأخذ من أموالهم إلا حق الفقير وهو الزكاة، فالإسلام لا يعرف الشيوعية ولا الاشتراكية ولا التأميم ولا مصادرة الأموال، بل إن تعظيم الشرع لحرمة المال قد وصل إلى أن قرن الله- سبحانه وتعالى بين القتل وأكل أموال الناس بالباطل، كأنهما في الإثم سواء، ومعلوم من الدين حرمة القتل وشناعة عقوبته. قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
(1) جزء من حديث أخرجه البخاري، كتاب: الزكاة، باب: أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء، برقم (1496) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.