الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشاطبي: ((وَهُوَ -أَيْ: الِابْتِدَاعُ بِالرَّأْيِ- اتِّبَاعُ الْهَوَى فِي التَّشْرِيعِ، إِذْ حَقِيقَتُهُ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ)) (1).
فحذارِ أن تكون منهم وأنت تسمع قوله تعالى:
{تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} [النحل: 56].
عاقبة المبتدع:
وفضلًا عَمَّا يُحْدِثُهُ الابتداع في الدين من التبديل والشر، فإن المبتدعَ مُتَوَعَّدٌ بأشد أنواع العقوبة، ومنها:
- اللعن:
قال صلى الله عليه وسلم: ((
…
لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا)) (2).
وهذا في حق من آوى المبتدع ونصره .. فكيف بالمبتدع نفسه؟ !
- رَدُّ عمله، وإبطال أَجْرِهِ:
قال صلى الله عليه وسلم: ((أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ)) (3).
وقال الحسن رحمه الله:
((صَاحِبُ الْبِدْعَةِ لَا يَزْدَادُ اجْتِهَادًا -صِيَامًا وَصَلَاةً- إِلَّا ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ
(1) الاعتصام (1/ 52).
(2)
أخرجه مسلم (رقم 1978).
(3)
ابن ماجه (رقم 50)، وابن أبي عاصم (رقم 39)، وفيه ضعف، ويشهد له حديث:((إن الله احتجز))، وفي رواية:((حجب)) -وقد سبق- وصححه شيخنا في صحيح الترغيب (رقم: 51)، وضعفه في السلسلة (رقم 1492)، والله أعلم.
بُعْدًا)) (1).
- الضلال في الدنيا والعذاب في الآخرة:
اعلم -رحمك الله- أن المبتدع لا يُوَفَّقُ في الدنيا، علاوةً على ما يَدَّخِرُ الله له من العذاب يوم القيامة.
{قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [يونس: 69].
فكم ضل المعرضون عن الاتباع، فسقطوا في حمأة الابتداع، والافتراء على الله .. فحرفوا النصوص، وسفكوا الدماء، واعتقدوا الباطل، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا، فولاهم الله ما تولوا من الضلال.
قال ابن كثير عند قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} [الكهف: 103 - 104]:
((قال سعد بن أبي وقاص: "هم اليهود والنصارى".
وقال علي بن أبي طالب، والضحاك، وغير واحد:"هم الحرورية"، أي: الخوارج.
وهذا يعني أن الآية تشمل الحرورية، كما تشمل اليهود والنصارى.
ثم قال ابن كثير: هي أَعَمُّ من هذا
…
وإنما هي عامة في كل مَنْ عَبَدَ اللَّهَ على غير طريقة مرضية، يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول، وهو مخطئ، وعمله مردود)).
(1) الاعتصام (1/ 82)، ورواه ابن ماجه (رقم 49)، مرفوعًا، ولا يصح.
فاحذر -يا عبد الله- أن تكون منهم، فوالله لهي أخوف آية في كتاب الله لِمَنْ خاف بطلان عمله، وخاف عذاب الآخرة.
وأما عذاب الآخرة، فقال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 21].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)) (1).
أي: صاحبها في النار.
ثم بعد كتابة ما تقدم عثرتُ على كلام نفيس لابن القيم رحمه الله يلخص فيه خطورة الابتداع، ففرحتُ به، أنقله وَإِنْ طال بنا المقام، وتكررالكلام؛ وذلك لأهميته، وصدوره مِنْ قِبَلِ هذا الإمام الْفَذِّ.
قال -بعد أن ذكر أن أحب شيء للشيطان أن يظفر بالإنسان في عقبة الكفر والشرك، فَإِنْ فاته الإنسان فيها فـ-: ((الظفر به في عقبة البدعة أحب إليه -أي: من المعصية-؛ لمناقضتها الدين، وَدَفْعِهَا لِمَا بعث الله به رسوله، وَصَاحِبُهَا لا يتوب منها، ولا يرجع عنها، بل يدعو الخلقَ إليها ..
ولتضمنها القول على الله بلا علم، ومعاداة صريح السنة، ومعاداة أهلها، والاجتهاد على إطفاء نور السنة، وتولية من عزله الله ورسوله، وعزل من وَلَّاه الله ورسوله، واعتبار ما ردَّه الله ورسوله، ورد ما اعتبره، وموالاة من عاداه، ومعاداة من والاه، وإثبات ما نفاه، ونفي ما أثبته، وتكذيب الصادق، وتصديق الكاذب، ومعارضة الحق بالباطل،
(1) مسلم (2/ 592 و 593) دون زيادة: ((وكل ضلالة في النار)) وأخرجه النسائي بهذه الزيادة (2/ 188) وصححها شيخنا في ((صحيح النسائي)).
وقلب الحقائق بجعل الحق باطلًا، والباطل حقًّا، والإلحاد في دين الله، وتعمية الحق على القلوب، وطلب العوج لصراط الله المستقيم، وفتح باب تبديل الدين جملة، فإن البدع تستدرج بصغيرها إلى كبيرها، حتى ينسلخ صاحبها من الدين كما تنسل الشعرة من العجين، فمفاسد البدع لا يقف عليها إلا أرباب البصائر، والعُميان ضالون في ظلمة العمى {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40])) (1).
هذا هو كلام الإمام في خطورة البدع .. فهل فيه موعظة لمن أراد الآخرة، وأراد النجاة؟
فاحذر يا عبد الله من البدع، وَحَذِّرْ منها أَيًّا كانت، وأيًّا كان مُحْدِثُهَا، فوالله ما أفسد الأديان ودينَ النصارى مِنْ قَبْلُ إلا البدعُ، وما حصل الضلال في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا بالبدع، وما تفرقت الأمة، وتشتت شَمْلُهَا، وصارت فِرَقًا وأحزابًا إلا بالبدع.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66].
(1) مدارج السالكين (1/ 223).