الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معنى الابتداع:
اعلم -رحمني الله وإياك- أن الابتداع ضد الاتباع تمامًا، لغةً وشرعًا، وأنهما لا يلتقيان أبدًا.
الابتداع لغة:
إحداث طريق جديد لم يُسْلَكْ، واختراع قول لم يُسْبَقْ، وابتداء فعل لم يُفْعَلْ.
قال في اللسان:
((بدع الشيء: أنشأه، وبدأه)).
قال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117].
قال العلماء: أي: محدثهن، ومبدعهن على غير مثال سابق.
الابتداع الشرعي:
هو إحداث طريقة في الدين من عبادة، أو فكر، أو طريق لم يحث عليها الله عز وجل، ولم يفعلها رسول صلى الله عليه وسلم، ولم يسلكها سلف هذه الأمة.
أو تخصيص عبادة مشروعة بزمن، أو مكان، أو هيئة، ولم يَقُمْ دليل على هذا التخصيص.
قال الإمام الشاطبي في تعريفه الثاني للابتداع:
((الْبِدْعَةُ: طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٌ، تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ، يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا مَا يُقْصَدُ بِالطَّرِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ)) (1).
(1) الاعتصام (1/ 42). واعلم أنه ليس المقصود من هذا البحث التفصيل، وإنما المقصود الإشارة والتنبيه، وإلقاء نظرة على بعض المناهج المعاصرة، ومن أراد الاستقصاء فعليه بكتب هذا الموضوع، منها: الاعتصام للشاطبي، وعلم أصول البدع لعلي الحلبي، والبدعة لسليم الهلال، ي وحقيقة البدعة وأحكامها لسعيد الغامدي، وهذا الأخير أوسعها وأشملها.
أي: كل طريقة محدثة قُصِدَ بها التقرب إلى الله، توازي وتضاهي الطرق الشرعية، سواء كان ذلك الابتداع في الأفكار، أو العبادات، أو الطرق، أو العادات، وبهذا تدخل الطرق السياسية المعاصرة المحدثة التي تسلكها بعض الجماعات الإسلامية في تعريف البدعة، وفي مسمى الابتداع، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.
والأصلُ في العادات والوسائل: الإباحةُ إلا ما ورد الدليل بمنعه.
فإن قُصِدَ الاستعانة بها على طاعة الله عز وجل، كان صاحبها مأجورًا في فعلها، ونفقتها إن كانت ذات نفقة؛ كركوب المواصلات للحج، والاستعانة بمكبر الصوت في الأذان، وفي الدعوة إلى الله.
وإن قَصَدَ العبدُ التعبدَ بالعادة نفسها، وبالوسيلة ذاتها، صارت بدعة ضلالة.
كما أوضح ذلك الشاطبي في تعريفه للبدعة:
((
…
يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا مَا يُقْصَدُ بِالطَّرِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ
…
)) (1).
أي: يتقربون إلى الله بالعادة، والوسيلة نفسها، ويتخذونها عبادة.
وبعبارة أخرى: أن يرى الفاعل وجوب عادة ما، أو وسيلة ما، في عمل ما، من غير دليل شرعي، أو مصلحة بَيِّنَةٍ، كأن يرى وجوب الحج بالطائرة، بدعوى أنها أسهل، فيتخذها الناس سُنَّةً، أو يرى وجوب الجهاد في هذا الزمان
(1) الاعتصام (1/ 42).
بالسيف تعبدًا، بدعوى أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاهد بالسيف.
وفي أثر ابن مسعود:
((
…
وَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً، حَتَّى إِذَا غُيِّرَتْ قَالُوا: غُيِّرَتِ السُّنَّةُ)) (1).
أو يرى لزوم الاجتماع للعزاء، أو التزام عادة ما، في وقت ما
…
يتقرب بها إلى الله تعالى؛ كالاحتفال بليلة النصف من شعبان، أو ما أُحدث في يوم عاشوراء
…
وغيرها من أيام السنة.
أو اعتياد لبس لون معين من الثياب عند المصيبة، إلى غير ذلك من العادات التي صارت سننًا متبعةً عند كثير من الناس.
أما الذين لا يَرَوْنَ دخول العادات في البدع إذا اتُّخذتْ عبادة، فيُقال لهم:
مما لا شك فيه أنه إذا قُصِدَ بعبادة مشروعة مكانٌ مخصوص، أو زمان معين، أو اخْتُرِعَ لها هيئة، ولم يَرِدْ على ذلك دليل، فإن هذه العبادة تصبح بدعة؛ كقراءة سورة في يوم معين، أو صوم يوم معين، أو صلاة في وقت مخصص.
فإذا صارت هذه العبادات بدعًا بالرغم من أن أصلها مشروع، فكيف بعادة مباحة قصد بها -تَعَبُّدًا- زمانٌ، أو مكان معين؟
لا شك - والحال هذه - في دخولها في باب البدع من باب أولى.
ومن أدلة ذلك في هذه العجالة:
قول النبي صلى الله عليه وسلم للنفر الذين جاءوا أزواجه، فمنع أحدهم نفسه عن أَكْلِ اللحم تَعَبُّدًا، فغضب لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:((مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)) (2).
(1) الدارمي (رقم 185)، وروى ابن وضاح (58) معناه عن حذيفة.
(2)
مسلم (رقم 1401)، والنسائي (3217)، وغيرهما، وأصله في البخاري رقم (5063).