الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
الطائفة التجديدية:
وهي التي تدعو إلى إلغاء ما كان عليه السلف الصالح من الأصول والقواعد بدعوى تغير الزمان، والوسائل، وإيجاد أصول جديدة [تُنَاسِبُ العصرَ]!
وهذه الطائفة قد غَفَلَتْ عن أن الأصول والقواعد التي اتفق عليها فقهاء سلفنا الصالح إنما هي:
أصول فطرية، وقواعد عقلية مطلقة.
أي: ليس لها علاقة بزمان أو مكان، وليست منوطة بنصوص ولا أفراد، ولا بمؤمنين ولا كفار، بل هي كالأعداد الرياضية، والمسائل الحسابية تمامًا ..
كمسائل الجمع (3+3=6) مثلًا، ومسائل الطرح (10 - 5=5) مثلًا، فهي -كما ترى- قواعد ليس لها متعلق بشيء، إنسان كان أو حيوان، نبات كان أو جماد، فهي ثابتة على مدى الأيام، راسخة في كل مكان، غير قابلة للتجديد والاحتيال، ومن حاول ذلك فإنما يحاول في مُحَال، ومَثَلُهُ كمثل الذي يَعَضُّ حديدًا، أو يطاول سحابًا.
ويجدر بنا أن نوضح هذا بمثال مما أَصَّلَهُ سَلَفُنَا، وهو:
أن النص المقيد يُقَيِّدُ النص المطلق، ويقضي على إطلاقه
…
مثاله: قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158].
أي: بالصفا والمروة، فقد أطلق الله الطواف، ولم يحدد سبحانه له عددًا.
وجاءت السنة لِتُقَيِّدَ هذا الإطلاق بسبعة أشواط، فكيف يمكن ولو خيالًا أن نجدد هذه القاعدة؟ !
هل نقول: إن المطلق يبقى على إطلاقه، فنطوف كما نشاء! !
أو ماذا يمكن أن نقول غير ما قال السلف الصالح .. ؟ !
ائتونا بأصل يقابل هذا إن كنتم فاعلين! !
وكيف يمكن تجديد قاعدة:
((ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)).
هل نقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو مندوب أو محرم
…
أم ماذا يمكن أن نقول؟ !
وقاعدة:
((السابق إلى مباح أحق به)).
وقاعدة:
((دفع المفاسد مُقَدَّمٌ على جلب المصالح)).
وقاعدة:
((المتهم بريء حتى يدان)).
أو نقول: المتهم مدان حتى يبرأ
…
إلى غير ذلك من القواعد التي لا يمكن تغييرها إلا إذا تغير عقل الإنسان، أو فسدت نيته.
إننا نناشد إخواننا أن يَعُوا هذه القضية، وخطورة الخروج عن الأصول.
إن مقتضى التجديد يعني: أننا أعلم بمقاصد الشريعة، وأفهم لنصوص الكتاب والسنة ممن نزل عليهم القرآن بلغتهم، وحدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلهجتهم!
لأن التأصيل -أيها الأخوة- لا يكون على حسب الزمان والمكان، وإلا لم
تكن لِتُدْعَى أصولًا.
فالأصول إنما هي: ثوابت مجردة عن الزمان، والمكان، والأعيان .. وأما ما كان متعلقًا بالزمان، والمكان، والأعيان، فَيُسَمَّى فتوى، ولا يسمى أصلًا، وهذا الذي يتغير أحيانًا بتغير الزمان، والمكان، والأعيان، بضوابط علمية واضحة.
ويوضح هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسليك الغطفاني لَمَّا دخل يوم الجمعة، والرسول يخطب: ((قُمْ فَصَلِّ
…
))، فهذه فتوى
…
وقوله: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين))، فهذا حكم، فهو لكل زمان، ولكل مسجد، ولكل مسلم.
وللمسألة تفصيل أصولي ليس ههنا محله.
إن الخروج عن هذه الأصول والقواعد يعني إطلاقَ الْعَنَانِ للناس يعبثون بالنصوص كما يشاءون، ويفسرونها كما يشاءون، ما دام لا يوجد أصل يرجعون إليه، ولا قاعدة يعتمدون عليها، وبعد ذلك حَدِّثْ ولا حرج عن فوضى لا تُبْقِي ولا تذر، وعن الاختلافات العظيمة التي ستنشأ
…
الأمر الذي يعني تعطيل شرع الله، وإبطال نصوصه.
ولولا النهي عن سوء الظن لظننا بمن يدعو إلى ذلك أسوأ الظن؛ لِمَا يترتب على ذلك من خطر عظيم على نصوص الإسلام وأحكامه، حيث تصبح هذه الدعوى منفذًا لخصوم الإسلام
…
ويضحى الإسلام ملعبًا لأهواء الناس، وشهواتهم.
ثم يقال لهذه الطائفة:
هب أننا سلمنا معكم -جدلًا- أن هذه الأصول تحتاج إلى تبديل وتجديد، فهلَّا طرحتم أصولكم حتى ينظر فيها، وهلَّا عرضتم قواعدكم حتى يحكم عليها
…
إن الواجب على العاقل الذي لا يعجبه بيته أن يبني بيتًا جديدًا أولًا
…
ثم يتحول إليه
…
ثم يهدم بيته القديم ثانيًا.
أَمَّا أَنْ يهدم بيته، ويشرد أسرته، ثم لا يبني لهم بيتًا، فهذا أمر غاية في العجب! !
فلا هو أبقاهم في القديم على ما فيه -على زعمه- ولا هو بنى لهم بيتًا جديدًا! !
فهل يفعل هذا عاقل؟ ! ! فتأمل
…
إن مقتضى التجديد يعني هدمًا لكيان الأمة
…
وتضييعًا لجهود أئمة الملة
…
وتشتيتًا لشباب الصحوة
…
فهو في الحقيقة تحريف .. و .. تبديد ..
إن البقاء على أصولهم لا يعني الجمود عند قول فقيه .. لا .. وألف لا
…
فهذه مسألة، وَهِجْرَانُ أصولهم مسألة أخرى لا يدركها إلا الذين تفقهوا بأصول الطائفة الناجية التي أُمِرْنَا أن نكون منها.
وهذه الطائفة التجديدية لم يكن لهم مثيل في دعوتهم من قبل على الإطلاق.
حتى المعتزلة
…
لم يرُدُّوا أصول الاستنباط، ولا قواعد الفهم، ولكن بعضهم ضَلَّ في تطبيقها، وبعضهم كان يتهرب منها كل مهرب.
ورد عليهم سيد قطب رحمه الله فأحسن، إذ قال:
((وهو -أي: الإسلام- مِنْ ثَمَّ تصورٌ غير متطور في ذاته، إنما تتطور البشرية في إطاره
…
وهو مِنْ ثَمَّ كامل متكامل، لا يقبل تنمية، ولا تكميلًا)).
ثم قال: ((ولعل هذه الخلاصة أن تكشف لنا عن حكمة الله، ورعايته في حفظ أصول التصور الإسلامي بعيدة عن تحريف البشر، وعن خطورة أي محاولة باسم ((التجديد الديني))، أو التطور في الفكر الديني! ! )) (1).
فحذار -يا عبد الله- أن تقع في أفكار خادعة، وآراء مُزَيَّنَةٍ تدور بك، فتخسر دنياك وآخرتك.
واعلم أنه لا منجى لك ولا ملجأ من خِضَمِّ فتن الأفكار، وزحمة الآراء، إلا بسلوك مسلك الفرقة الناجية، وبمعرفة أصول الطائفة المنصورة.
ولا يكون ذلك إلا باتباع سبيل من أناب إلى الله من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
جعلنا الله وإياكم منهم.
(1) خصائص التصور الإسلامي (65 - 67 - 97).