الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين يقولون: نحترم هذه الأفكار، وَنُقَدِّرُهَا، ونُساويها بما كان عليه الصحابة
…
أم الذين يقولون: نرجع إلى ما كان عليه الصحابة، ونبطل كلَّ ما حدث بعدهم، مما كان سببًا في تفريق الأمة؟ !
إذا زال سبب التفرق الذي هو الابتداع؛ زال التفرق، وتوحدت الأمة .. {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78].
الابتداع مرض مُعْدٍ:
وفضلًا عن هذا الذي يُحْدِثُهُ الابتداع في الرأي من تَفَرُّقٍ، وإفساد، وضلال، واختلاف، فهو مرض مُعْدٍ خطير؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج، وقال:
((لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ)) (1).
لأنهم أولُ من أحدث في الإسلام الآراء، وابتدع الأفكار.
وَأَمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم هذا؛ حتى لا تنتقل عَدْوَاهُمْ، ولا يستطير شَرُّهُمْ؛ ولكي ينقطع نَسْلُ فكرهم تمامًا، كما يُؤْمَرُ باجتثاث الأمراض المعدية من أصلها، بل إن مرض الرأي أعظم من مرض البدن؛ لأن معظم البدع إنما كانت من الآراء، ومعظم الطوائف الضالة إنما وُجِدَتْ بسبب بدعة الرأي.
فالخوارج إنما كان أول ابتداعهم في الآراء، لا في العبادات .. والقدرية والمعتزلة إنما كان أول ابتداعهم في الأفكار، لا في العبادات.
(1) مسلم (2/ 741 و 742).
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم فيهم:
((الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ)) (1).
لأنهم أصحاب أفكار وآراء لم يُسْبَقُوا إليها.
قال ابن عباس: ((مَنْ أَحْدَثَ رَأْيًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَ اللَّهَ عز وجل)) (2).
(1) القدرية: هم الذين أحدثوا الآراء والبدع في مسألة القدر مخالفين بذلك أهل السنة والجماعة، وهم شعب وطوائف، من شرهم من قال: لا قدر، أو أن العبد مجبر على كل عمل، فهو في عبادته كمعصيته، والعياذ بالله.
والحديث أخرجه أبو داود (رقم 4691)، ومن طريقة الحاكم (1/ 85)، من طريق عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن ابن عمر به، وفي سماع أبي حازم من ابن عمر خلاف، لكن أخرجه الطبراني في الأوسط (رقم 2515)، من طريق زكريا بن منظور، حدثنا أبو حازم، عن نافع، عن ابن عمر، فأدخل بين أبي حازم وابن عمر نافعًا، فزال بذلك إشكال الانقطاع، غير أننا وقعنا في إشكال ضعف زكريا.
وأخرجه أحمد (برقم 2/ 86 و 5/ 407)، من طريقين عن عمر بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر به، وعمر هذا مولى غفرة ضعيف.
وللحديث شاهد أخرجه ابن ماجه (رقم 92)، والآجري في الشريعة (ص 190)، وابن أبي عاصم في السنة (رقم 328)، من طريق محمد بن المصفى، ثنا بقية بن الوليد، عن الأوزاعي، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم)).
وهذا سند ضعيف، فيه ثلاثة مدلسين: بقية، وابن جريج، وأبو الزبير، وأولهم شرهم.
وله شاهد آخر من حديث أنس، أخرجه الطبراني في الأوسط - كما في مجمع الزوائد (7/ 205) - وقال:((رجاله رجال الصحيح، غير هارون بن موسى، وهو ثقة)).
وبهذا يكون الحديث حسنًا لغيره في أقل أحواله، وقد صححه غير واحد من الحفاظ.
(2)
الاعتصام (1/ 81).
ففي قوله: ((مَنْ أَحْدَثَ رَأْيًا
…
)) دلالةٌ عظيمةٌ على ما نحن بصدده من حرمة ابتداع الآراء
…
وفي الفصول التالية نصوصٌ عن السلف في ذم البدع، والابتداع، وأهله.
والله الحافظ من كل بدعة، ورأي مذموم.