الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن لم يكن السلف هم العلماء، ومعرفة حقهم هو اتباعهم، فلا أبقى الله لنا عالمًا.
العلامة الرابعة:
دينهم البرهان، ومذهبهم الدليل
، يُقَدِّمُونَهُ على كل مصلحة وقيل، لا يُقَدِّمُونَ عليه ظروفًا، ولا رجالًا، ولا يتأولونه تحريفًا، ولا تعطيلًا.
{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1].
{قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [يونس: 15].
يا أيها المؤمنون العاقلون: أليس إحداث طرق جديدة، وترك طرق مسلوكة مهما كان العذر، يكون تبديلًا؟ ! ؟
قليلًا ما تذكرون.
خلاصة هذا الفصل:
أن الاتباع كلمة أشمل من أن نفهمها كلمة تقابل كلمة الابتداع المحصور في العبادات.
بل إن الاتباع هو أصل الدين وَلُبُّهُ، وهو يشمل كل صغيرة وكبيرة في هذا الدين، بل هو الدين كله.
{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأحقاف: 29].
قال سيد رحمه الله (3/ 1259):
((ذلك أن القضية في صميمها هي قضية ((الاتباع))
…
هذه هي قضية هذا الدين الأساسية)).
فالاتباع: يكون في العقيدة، والعبادات، والأفكار، والآراء، والسبيل {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15].
وإن الضلال الذي حصل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا بسبب مخالفتهم لهذا الأصل العظيم.
ولو أن الخوارج التزموا بهذا الأصل ما كانوا خوارجَ، ولو أن المعتزلة التزموا بهذا الأساس ما كانوا معتزلة، ولأراحوا الأمة من شَرِّ ما فعلوا، واستراحوا.
وما توغلت العلمانية، والاشتراكية، والمبادئ الهدامة إلا بسبب جهل المسلمين بهذا المبدأ العظيم، حيث حَرَّفُوا لهم النصوص، وعطلوا الأحكام بالتأويل، معرضين عن الالتزام بالاتباع.
وَلِذَلِكَ كَانَ الِاتِّبَاعُ هُوَ الضَّابِطَ الْعَظِيمَ لِلنَّاسِ مِنَ الِانْحِرَافِ، وَالْوِقَايَةَ الْحَتْمِيَّةَ لَهُمْ مِنَ الزَّيْغِ.
والابتداع ليس محصورًا في العبادات فحسب، بل يشمل كل فكر دخيل على الإسلام، أو رأي، أو طريقة، سواء كان ذلك باسم الإسلام؛ كفكر الخوارج، والمعتزلة، أو بأسماء شيطانية؛ كفكر العلمانيين، والملاحدة.
قال الإمام عبد الله بن المبارك:
((اعْلَمْ أَنَّ الْمَوْتَ الْيَوْمَ كَرَامَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ عَلَى السُّنَّةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
فَإِلىَ اللَّهِ نَشْكُو وَحْشَتَنَا، وَذَهَابَ الْإِخْوَانِ، وَقِلَّةَ الْأَعْوَانِ، وَظُهُورَ الْبِدَعِ، وَإِلَى اللَّهِ نَشْكُو عَظِيمَ مَا حَلَّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، مِنْ ذَهَابِ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ، وَظُهُورِ الْبِدَعِ)).
رحمك الله -يا ابن المبارك- أتقول هذا في زمانك، زمان عزة المسلمين، وعزة السنة، وكثرة الأئمة، ثم تقول: ذهب العلماء؟ !
فكيف إذا رأيت زماننا
…
! ! !
اللهم هداك
…
اللهم نصرك.
ونحن إذ نُحَذِّرُ من الابتداع، ونبين خطورته العظيمة، فإن من العدل والإنصاف أن نختم هذا الأصل بقواعد مهمة، وتنبيهات مفيدة، يَغْفُلُ عنها كثير من المسلمين.