الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السابعة:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه)) (1).
إن الرفق مطلوب في كل شيء، حتى مع الحيوانات .. والحكمة مأمورون بها مع كل مدعو، وفي كل دعوة حتى مع الأعداء .. والكلمة الطيبة ممدوحة مع كل مخاطب، سواء كان موحدًا تقيًّا، أو مؤمنًا عاصيًّا، أو مسلمًا مبتدعًا، وسواء كان يهوديًّا، أو نصرانيًّا، أو مجوسيًّا.
وَلَمَّا رَدَّتْ عائشة على اليهود الذين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق في الرد، مع أنهم أعتى عدو للإسلام والمسلمين، فما بالك بمسلم مبتدع، يظن أنه مصيب؟ !
وكذلك أمره تعالى لموسى وهارون عليهما السلام من قبل في مخاطبة فرعون، وهو أكفر الكافرين، وإمام المبتدعين، ومع ذلك قال تعالى:
{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44].
هذا هو الأصل في كل دعوة، ونصيحة، وكلمة، ولكن هذا لا ينفي أن تكون الشدة، وقسوة العبارة -أحيانا- من الحكمة، كما كان ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه أحيانًا.
وذلك لأن الشدة في موضعها حكمة .. وإن الرفق في موضعه حكمة .. وإن السيف في موضعه حكمة .. ويعتمد هذا على المصلحة المترتبة، والثمرة المقطوفة، وردود الفعل المتوقعة.
(1) أخرجه مسلم (4/ 2004)، واللفظ له، وأحمد (6/ 206)، وغيرهما.
فإذا كانت الشدة، أو الهجر، أو الكلمة القاسية، تهدي المدعو، أو تردع المنصوح، فهي الحكمة
…
وإلا فلا.
إذ المقصود في كل هذا مصلحة الدعوة، واتعاظ المنصوح، وهداية الضال، لا مجرد الهجر، أو الشدة، أو شفاء ما في الصدر، أو الانتقام للنفس.
ومن وجد شيئًا من الشدة في كلام السلف .. فلا يعني هذا أن له حكمًا مطلقًا في كل زمان ومكان، أو مع كل إنسان.
ولكن المسألة تُقَدَّرُ بقدرها، ويُراعى في ذلك ظروف المدعو، وأحواله، فكم من كلمة طيبة هَدَتْ فُجَّارًا، وكم من هجر خاطئ أضل أبرارًا.
ولا تُصْغِ لمن يقول: ((ليس علي من ذلك شيء .. المهم أني أهجر .. ))؛ لأنه لم يدرك غاية الهجر، ولا حكمة العمل به.
وعلى هذا؛ فإن محاربة البدع وأهلها شيء .. والحكمة والرفق بهم شيء آخر [وهذا الفرق] لا يدركه كثير من حدثاء الأسنان، فيخلطون الأوراق، ولا يميزون (1).
وللمسألة تفصيل ليس ههنا محله.
والخلاصة:
إن الرفق وحسن الخلق لا يتنافى مع معاداة البدع وأهلها، بل الواجب جمع الاثنين معًا، وسوء الخلق والفظاظة من وسوسة الشيطان ونزغه، حيث يظن المرء أنه يحارب البدع، في الوقت الذي يَضِلُّ في طريقة محاربتها.
وللمسألة تفصيل في كتابنا: ((الهجر بين الإفراط والتفريط)).
(1) بعد كتابة ما تقدم ألقى فضيلة الشخ صالح الفوزان -حفظه الله- محاضرة بهذا الخصوص بعنوان ((ظاهرة التبديع)) ننصح الإخوة بسماعها.
وكذلك ألقى الشيخ محمد بن هادي المدخلي محاضرة في الموضوع ذاته.
وبيان بقية الأصول، وما يتعلق بالطائفة المنصورة، وصفاتها، وخصائصها، ومفاهيمها، والتربية ومتعلقاتها، وطلب العلم، ومراحله
…
محله -بتوفيق الله وتيسيره- في القسم الرابع، وما بعده من هذا ((السبيل)) إن شاء الله.
والله الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.