الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له سبيل يخرج به عمَّا عليه الصحابة وأهل الحديث، وَيَدَّعِي أن سبيله هو الصواب .. وجدت أنهم المراد بهذا الحديث الذي ضربه المعصوم الذي لا يتكلم عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)) (1).
ثم سَرَدَ أمثلةً عن العقلانيين الذين يقدمون عُقُولَهُمْ على النصِ .. أو الفلسفةَ وعلمَ الكلامِ .. ثم قال ما خلاصته: إن الطوائف الإسلامية المنشقة عن الجماعة الأم هم المقصودون بالأحاديث، وهم الموصوفون بالضلال، وهم كلهم في النار.
خطورة الابتداع في الطرق:
ولا تَقِلُّ خطورة البدع في الطرق عن خطورتها في الآراء والعبادات، وذلك من جهة تبديل المشروع ومضاهاته.
قال الشاطبي:
((المبتدع معاند للشرع ومشاق له .. فإنه يزعم أَنَّ ثَمَّ (هناك) طرقًا أُخر ليس ما حصره الشارع بمحصور .. كأن الشارع يعلم، ونحن نعلم)) (2).
قال عمر بن عبد العزيز: ((أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدثه الْمُحْدِثُونَ
…
فارضَ لنفسك بما رضي به القوم لأنفسهم)) (3).
فهل رضي أهل زماننا بما رضي لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وبما رضي لهم سلفنا الصالح من سبل السلام؟ ؟ حتى راحوا يُحْدِثُونَ الآراء، ويبتدعون الطرق! !
(1) مجموع الفتاوى (5/ 57 - 58).
(2)
الاعتصام (1/ 49).
(3)
المصدر السابق (1/ 50).
مقلدين بذلك أعداء الله! !
وقول الشاطبي عن لسان حالهم: ((كأن الشارع يعلم .. ونحن نعلم)) إنما هو في زمانه، وأما في زماننا فلسان حالهم يقول:((نحن أعلم من الشارع، والصحابة، والسلف .. وَأَفْقَهُ، وَأَحْكَمُ، وأصلح))، وذلك بدعوى المصالح، وَتَغَيُّرِ الوسائل والزمان.
وليعلم إخواننا -هدانا الله وإياهم- أن المسلم، أو أي كائن كان، لا يمكنه السير على طريقين، ولا التحرك في اتجاهين، ولا الأخذ من منهجين في آن واحد {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4].
قال سيد رحمه الله (5/ 818) في ظلال هذه الآية:
((إِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّجِهَ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ أُفُقٍ وَاحِدٍ، وَلَا أَنْ يَتَّبِعَ أَكْثَرَ مِنْ مَنْهَجٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا نَافَقَ، وَاضْطَرَبَتْ خُطَاهُ .. فَلَا يَنْهَجْ مَنْهَجَيْنِ، وَلَا يَتَّجِهِ اتِّجَاهَيْنِ، وَمِنْ ثَمَّ فَهُوَ مَنْهَجٌ وَاحِدٌ، وَطَرِيقٌ وَاحِدٌ، وَاتِّجَاهٌ وَاحِدٌ
…
)).
إذن؛ مَنْ لم يكن على طريق الْهُدَى، كان على طريق الضلالة ولا رَيْبَ.
{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32].
{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص: 50].
لَا خَلْطَ:
قال ابن القيم في تفسيره لهذه الآية: ((فقسَّم الأمرَ إلى أمرين لا ثالثَ لهما:
- إما الاستجابة لله والرسول وما جاء به.
- وإما اتباع الهوى.
فكل ما لم يأتِ به الرسولُ صلى الله عليه وسلم فهو من الهوى)) (1).
ومن الاستجابة لله ورسوله أن لا يخلط المسلم في الطرق، فيأخذ العقيدة من الإسلام، وطريقة الوصول إلى الحكم من [أعداء الإسلام] ولو سَمَّاهَا وسائلَ، فإنما هي: طُرُقٌ.
وأما الوسائل فهي التي تتعلق بالتراب، والخشب، والحديد، والحيوان، وهي التي تتبدل حسب الزمان والمكان؛ كوسيلة المواصلات، وَمُكَبِّرِ الصوت، وعمارة البيوت، وغير ذلك.
والخلط بين الوسائل والطرق دَفَعَ كثيرًا من الناس إلى هَجْرِ طرق النبي صلى الله عليه وسلم؛ كالبيعة، والجهاد، والهجرة، وإحداث طرق أخرى ما أنزل الله بها من سلطان، وهو القائل سبحانه:
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].
أي: طريق واحد، لا طريقان .. وصراط واحد متميز، لا خلط فيه بِسُبُلٍ أخرى.
قال سيد: ((وَلَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَسْتَمِدَّ آدَابَهُ مِنْ مَعِينٍ، وَيَتَّخِذَ شَرَائِعَهُ وَقَوَانِينَهُ مِنْ مَعِينٍ آخَرَ، وَيَسْتَمِدَّ أَوْضَاعَهُ الِاجْتِمَاعِيَّةَ وَالِاقْتِصَادِيَّةَ مِنْ مَعِينٍ ثَالِثٍ)) (2).
(1) إعلام الموقعين (1/ 47).
(2)
الظلال (5/ 2823).
ولا أن يستمد طرق الوصول إلى الحكم والتغيير من نظام رابع ..
فالسبل -إذن- هي كل طريق ومنهاج غير طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه؛ من سُبُلِ الفرق الضالة من هذه الأمة، أو من غيرها من سبل الأمم الكافرة.
ومن نافلة القول أن يُقَالَ: إذا كان الصحابة والسلف هم ((السبيل))؛ فمن اختلف عنهم، وَتَفَرَّقَ كانوا هُمُ ((السبل)) ((سبل الشيطان))، كما فسر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق
…
وإذا أدركت هذا كان لك مُفِيدًا في أمور:
الأول: أن السبيل القويم والصراط المستقيم هو سَبِيلُ الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
الثاني: الحذر كل الحذر من سلوك غير سبيلهم، فتكون في ((السبل)) سُبُلِ الشيطان، فتكون من الهالكين، وأنت تظن أنك تحسن صنعًا.
الثالث: عند الدعوة إلى الوحدة الإسلامية
…
هل على أصحاب السبيل أن يتركوا سبيلهم إلى ((السبل))؛ ليتحدوا مع أصحابها؟ ! أم على أصحاب السبل ترك سبلهم إلى السبيل؟ !
فتأمل
…
الرابع: ترتب على هذا: وجوب التفريق بين أصحاب السبيل، وأصحاب السبل.
الخامس: أن دعاةَ التحرر الإسلامي، دعاةَ التغيير عن طريق مشابهة أعداء الإسلام في الحكم، وطرق الحكم، وسبيل الوصول إلى الحكم، ليسوا من أهل سبيل الحق في هذا.
ولا تَحْمِلَنَّكَ العاطفة، وحال المسلمين، وظلم الطواغيت، وجهاد المجاهدين، على عدم التمييز بين أصحاب السبيل، وأصحاب السبل، فتكون من الحيارى أو الزَّبَدِ! !
والله المستعان، وإليه المعاد.