الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الابتداع في الطرق
المقصود بـ ((الطرق)): كل طريقة يسلكها العابد للوصول إلى غايته؛ كطرق الدعوة، وطرق الوصول للحكم، وطرق التغيير، وطرق الحكم نفسه.
ومنها: الهجرة، والبيعة، والاختيار (1)، والجهاد، والخلافة، والشورى.
واعلم -رحمني الله وإياك- أن كل طريقة في الدين من طرق غيرنا هي طريقة غير مشروعة، وكل طريقة غير مشروعة فهي طريقة مبتدعة.
وهذا بَيِّنٌ في قوله تعالى:
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].
ففيها دليل على وجوب التزام طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء، وما لم يكن من طريقته صلى الله عليه وسلم فليس فيه بصيرة، وما ليس فيه بصيرة فهو عماية وضلالة.
وفي قوله تعالى:
{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ
(1) الاختيار: هي الطريقة التي سلكها سلفنا الصالح في تعيين الخليفة، وهي أن يختار أهل الحل والعقد رجلًا للخلافة، ثم يتتابع الناس على ذلك الاختيار، ثم يتفقون عليه، ويبايعونه .. وهي عكس طريقة الانتخاب التي أحدثها من نُهِينَا عن اتباعهم، وَأُمِرْنَا بمخالفتهم.
الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
تحذير شديد، ووعيد أليم لمن اتبع غير طريق الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة.
فالآية الأولى: إيجاب، والثانية: تحذير.
ويوضح هذا حديث الخط العظيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
((خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطًّا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا، وَخَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ السُّبُلُ، لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ:
قال ابن عباس:
((السُّبُلُ: الضَّلَالَاتُ)).
وقال في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106]:
((تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ)) (2).
(1) رواه أحمد (1/ 43)، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (7/ 5)، وغيرهما، والحديث حسن لذاته، صحيح لغيره.
(2)
عزاه في الدر المنثور (2/ 251) إلى تفسير ابن أبي حاتم، ولابن بطة في الإبانة، وللخطيب في تاريخه.
وسئل ابن مسعود رضي الله عنه عن ((الصراط المستقيم))، فقال:((تَرَكَنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فِي أَدْنَاهُ، وَطَرَفُهُ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنْهُ فَإِلَى النَّارِ)) (1).
ووضح مجاهد هذا أوضح توضيح، فقال:((السُّبُلُ: الْبِدَعُ وَالشُّبُهَاتُ)) (2).
وفسر بعض المفسرين: ((السبل)) بطرق اليهود، والنصارى، وغيرهم (3).
والصواب أن لفظة ((السبل)) أَعَمُّ من حصرها في بدعة، أو طريق، بل هي عامة في كل سبيل غير سبيل الإسلام والسنة، من سبل اليهود، والنصارى، والعلمانيين، والشعبيين (4)، والآرائيين، والمبتدعين، وغير ذلك من طرق مَنْ فارق طريق الإسلام، وطريق أصحاب رسول الأنام عليه وعليهم الصلاة والسلام، وكذلك تَعُمُّ كل من خالفهم، وخالف من تَبِعَهُمْ، سواء كانت تلك المخالفة برسم، أو اسم، أو برأي وَحُكْمٍ.
ومما يؤكد عموم ((السبل)) وشمولها لكل طريق غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قولُهُ تعالى:
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا
…
} [آل عمران: 105].
وإذا لم تكن طرق الانتخابات، والمجالس، والأحزاب المعاصرة، هي البدع في الطُّرُقِ، فلا وجود لبدعة في الطُّرُقِ على وجه الأرض.
(1) أخرجه ابن جرير (12/ 230)، وعزاه ابن كثير لابن مردويه (2/ 189).
(2)
ابن جرير (2/ 229).
(3)
تفسير ابن جرير (12228)، وغيره.
(4)
الشعبيون: هم الذين ينادون بحكم الشعب للشعب، وهو ما يسمى ((بالديمقراطية))، وليست هي من الإسلام في شيء رغم ما يحاوله البعض من إلباسها لبوس الإسلام.