الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل الثاني:
قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
…
} [المائدة: 3].
وقد سبق قول الإمام مالك رحمه الله تفسيرًا لهذه الآية: ((وَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا، فَلَا يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا)) (1).
فاللهُ بَيَّنَ، والرسولُ أوضح وَبَلَّغَ، والسلف فَصَّلَ وَسَلَكَ، فلم يَعُدْ لأحد في الدين رأي، ولا كلمة إلا العمل والاتباع.
وعلى هذا؛ فحذار أن تتكلم كلمة، أو تعتقد عقيدة، أو تتعبد عبادة، أو تخترع طريقة، أو تسلك سبيلًا، أو تتصرف تصرفًا، إلا وعليه نورٌ وشاهدٌ من كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفعل سلف هذه الأمة؛ كي تحفظ لطريقك استقامته، ولنفسك سلامتها، وإن الله لن يسألك: لِمَ لَمْ تبتدع؟ .. ولكنه سيسألك: لِمَ لَمْ تتبع؟
وهذا هو معنى قول السلف: ((اقتصادٌ في سبيل وَسُنَّةٍ خيرٌ من اجتهاد في بدعة)).
وإياك والاستحسانَ، والتزيين، والمصلحة المخالفة للنص، وتقليد الرجال، وإن وَثَقْتَ بهم .. فهذه من أوسع أبواب البدع، وبها ضَلَّتِ الطوائف، والأمم.
ولقد مَرِضَ الإمام أحمد، وبِشْرُ بن الحارث، فجاء الطبيب، فدخل على بِشْرٍ، فسأله عَمَّا يجد، فقال:((أحمد الله إليك، أجد كذا وكذا)).
ودخل على أحمد، فسأله عَمَّا يجد، فقال:((بخير)).
(1) الاعتصام (1/ 49).
فقال الطبيب للإمام: ((إن أخاك بِشْرًا إذا سألته بدأ بالحمد، وأنت لا تفعل)).
فقال أحمد للطبيب: ((سَلْهُ عَمَّنْ أخذ هذا؟ ))، فأخبره بالسند عن ابن سيرين، أنه قال:((إذا حَمِدَ العبدُ قبل الشكوى، لم يكن شكوى)).
فكان أَحْمَدُ بعد ذلك يحمد الله، ثم يذكر ما يجد (1).
فانظر كيف كان هؤلاء الأخيار حريصين على الاتباع، مشفقين من الابتداع، وخذ منهم عبرة وقدوة، وإياك وأصحاب المصالح الذين لا يعرفون اتباعًا، ولا يغادرون ابتداعًا!
واعلم أن الأفعال والأعمال مُحَاسَبٌ فيها على أمرين، إِنِ استقامَا استقمتَ، ونجوتَ، وإن فاتك أحدهما هلكت.
- إخلاصك لله وحده
…
- واتباعك شرعه، والسلف، في كل قول، أو فعل {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} ، لا كما هويتَ، واشتهيتَ، وأردتَ.
واحذر من أمرين:
الأول: جدالك في غير بَيِّنَةٍ واضحة؛ كالجدال في المصالح، والاحتجاج بالنتائج، وما شابه ذلك من الْمُزَيِّنَاتِ.
(1) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (231)، طبعة الخانجي بمصر.