الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَو رجعت الضَّمِير على هَذَا إِلَى الْمنزل أحلّت وَأما نَحْو قَوْلك ائْتِنِي بِمَاء من دجلة وثمر من بستانك وَآيَة من الْقُرْآن وَبَيت من الحماسة فَلَيْسَ مِنْهُ على أَن فِي الْحمل عَلَيْهِ فَسَادًا لِأَنَّهُ يُفِيد ثُبُوت الْمثل لِلْقُرْآنِ أَو يُوهم وَالْغَرَض نفي الْمثل على مَا قَالَ وَلَا قصد إِلَى مثل وَنَظِير هُنَالك قَالَ وَفِي ثُبُوت التحدي لِأَن الْمَعْنى فَأتوا من مثل الْقُرْآن أَي من كَلَام مثل الْقُرْآن فِي الأسلوب والفصاحة بِخِلَاف مَا إِذا علقته بالسورة لِأَن حَقِيقَة الْمَعْنى على إقحام كلمة من فَكَأَنَّهُ قيل بِسُورَة مماثلة نظما وأسلوبا فَلَا يلْزم فِيهِ مَا يلْزم فِي الأول وَهَذَا كَمَا إِذا قلت ائْتِنِي بدرهم كَائِن من مثل هَذِه الدَّرَاهِم المضروبة
كَانَ الْمَعْنى أَن تَأتي بِمَا ينطبع على وَجههَا ويتكون من مثلهَا مُطلقًا لَا أَن تَأتي من مثلهَا الْمَوْجُود وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
من فَوَائِد مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا شيخ الْإِسْلَام محيي السّنة قامع الْبِدْعَة خُلَاصَة الْمُجْتَهدين تَقِيّ الْملَّة وَالْحق وَالدّين عَليّ السُّبْكِيّ أَعلَى الله دَرَجَته فِي عليين مَعَ النَّبِيين وَالصديقين
قَوْله تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فَأتوا بِسُورَة من مثله} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ رحمه الله من مثله يتَعَلَّق بِسُورَة صفة لَهَا أَي بِسُورَة كائنة من مثله وَلَيْسَ مُرَاده التَّعَلُّق الصناعي لِأَن الصّفة إِنَّمَا تتَعَلَّق بِمَحْذُوف وَقد صرح هُوَ بِهِ وَمرَاده أَنه لَا يتَعَلَّق بقوله {فَأتوا}
ثمَّ قَالَ وَالضَّمِير لما نزلنَا أَو لعبدنا وَالْأَحْسَن عِنْدِي أَن يتَعَلَّق بعبدنا وَإِن علق بِمَا نزلنَا فَيكون بِالنّظرِ إِلَى خصوصيته فَيشْمَل صفة الْمنزل فِي نَفسه والمنزل عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قلت ذَلِك لِأَن الله تَعَالَى تحدى بِالْقُرْآنِ فِي أَربع سور فِي ثَلَاث مِنْهَا بِصفتِهِ فِي نَفسه فَقَالَ تَعَالَى {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا}
وَقَالَ تَعَالَى {أم يَقُولُونَ افتراه قل فَأتوا بِسُورَة مثله}
وَقَالَ تَعَالَى {أم يَقُولُونَ افتراه قل فَأتوا بِعشر سور مثله مفتريات} والسياق فِي ذكر الْقُرْآن من حَيْثُ هُوَ هُوَ وَلذَلِك لم يذكر فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ لَفْظَة من المحتملة للتَّبْعِيض ولابتداء الْغَايَة فَتَركهَا يعين الضَّمِير لِلْقُرْآنِ
وَفِي سُورَة الْبَقَرَة لما قَالَ {وَإِن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا} قَالَ {فَأتوا بِسُورَة من مثله} فَيكون من لابتداء الْغَايَة وَالضَّمِير فِي {مثله} للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيكون قد تحداهم فِيهَا بِنَوْع آخر من التحدي غير الْمَذْكُور فِي السُّور الثَّلَاث
وَذَلِكَ أَن الإعجاز من جِهَتَيْنِ
إِحْدَاهمَا من فصاحة الْقُرْآن وبلاغته وبلوغه مبلغا تقصر قوى الْخلق عَنهُ وَهُوَ الْمَقْصُود فِي السُّور الثَّلَاث الْمُتَقَدّمَة المتحدى بِهِ فِيهَا
وَالثَّانيَِة من إِتْيَانه من النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي لم يقْرَأ وَلم يكْتب وَهُوَ المتحدى بِهِ فِي هَذِه السُّورَة وَلَا يمْتَنع إِرَادَة الْمَجْمُوع كَمَا قدمْنَاهُ
فَإِن أَرَادَ الزَّمَخْشَرِيّ بِعُود الضَّمِير على مَا نزلنَا الْمَجْمُوع بِالطَّرِيقِ الَّتِي أَشَرنَا إِلَيْهَا
فَصَحِيح وَحِينَئِذٍ يكون ردد بَين ذَلِك وعود الضَّمِير على الثَّانِي فَقَط وَإِن لم يرد ذَلِك فَمَا قُلْنَاهُ أرجح ويعضده أَنه أقرب وعود الضَّمِير على الْأَقْرَب أوجب ويعضده أَيْضا أَنهم قد تحدوا قبل ذَلِك وَظهر عجزهم عَن الْإِتْيَان بِسُورَة مثل الْقُرْآن لِأَن سُورَة يُونُس مَكِّيَّة فَإِذا عجزوا عَنهُ من كل أحد فهم عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ مِمَّن لم يقْرَأ وَلم يكْتب أَشد عَجزا فَالْأَحْسَن أَن يَجْعَل الضَّمِير لقَوْله {عَبدنَا} فَقَط
وَهَذَانِ النوعان من التحدي يشتملان على أَرْبَعَة أَقسَام لِأَن التحدي بِالْقُرْآنِ أَو بِبَعْضِه بِالنِّسْبَةِ إِلَى من يقْرَأ وَيكْتب وَإِلَى من لَيْسَ كَذَلِك والتحدي بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالنِّسْبَةِ إِلَى مثل الْمنزل وَإِلَى أَي سُورَة كَانَت فَإِن من لم يكْتب لَا يَأْتِي بهَا فَصَارَ الْإِتْيَان بِسُورَة من مثل النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُمْتَنعا شابهت الْقُرْآن أم لم تشابهه والإتيان بِسُورَة من مثل الْقُرْآن مُمْتَنعا كَانَت من كَاتب قَارِئ أم من غَيره فَظهر أَنَّهَا أَرْبَعَة أَقسَام
ثمَّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ رحمه الله وَيجوز أَن يتَعَلَّق بقوله {فَأتوا} وَالضَّمِير للْعَبد وَهَذَا صَحِيح وَتَكون {من} لابتداء الْغَايَة
وَلم يذكر الزَّمَخْشَرِيّ على هَذَا الْوَجْه احْتِمَال عود الضَّمِير على {مِمَّا نزلنَا} وَلَعَلَّ ذَلِك لِأَن السُّورَة المتحدى بهَا إِذا لم يُوجد مَعهَا الْمنزل عَلَيْهِ لَا بُد أَن يخصص بِمثل الْمنزل كَمَا فِي سُورَة يُونُس وَهود فَإِذا علقنا الصِّلَة هُنَا فِي سُورَة الْبَقَرَة بقوله {فَأتوا} وعلقنا الضَّمِير بالمنزل كَانُوا قد تحدوا بِأَن يَأْتُوا بِسُورَة مُطلقَة لَيست مَوْصُوفَة وَلَا من شخص مَخْصُوص فَلَيْسَتْ على نوع من نَوْعي التحدي