المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر شيء من مباحثه ولطائفه التي سمعناها منه ولم يودعها تصانيفه وربما وجد بعضها بخطه في مجاميعه - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي - جـ ١٠

[تاج الدين ابن السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌بَقِيَّة الطَّبَقَة السَّابِعَة فِيمَن توفّي بعد السبعمائة

- ‌1352 - خَلِيل بن أيبك الشَّيْخ صَلَاح الدّين الصَّفَدِي

- ‌نبذ مِمَّا دَار بيني وَبَين هَذَا الرجل

- ‌فصل

- ‌1353 - دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن رَسُول

- ‌1354 - عبد الله بن أسعد بن عَليّ الْيَمَانِيّ اليافعي

- ‌1355 - عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن خلف بن عِيسَى الْحَافِظ عفيف الدّين أَبُو السِّيَادَة المطري

- ‌1356 - خَلِيل بن كيكلدي الشَّيْخ صَلَاح الدّين العلائي الْحَافِظ الْمُفِيد أَبُو سعيد

- ‌1357 - زَكَرِيَّا بن يُوسُف بن سُلَيْمَان بن حَامِد البَجلِيّ

- ‌1358 - سَالم بن أبي الدّرّ الشَّيْخ أَمِين الدّين أَبُو الْغَنَائِم

- ‌1359 - سُلَيْمَان بن عمر بن سَالم بن عمر بن عُثْمَان

- ‌1360 - سُلَيْمَان بن مُوسَى بن بهْرَام تَقِيّ الدّين السمهودي ابْن الْهمام

- ‌1361 - سُلَيْمَان بن هِلَال بن شبْل بن فلاح القَاضِي صدر الدّين أَبُو الْفضل الدَّارَانِي

- ‌1362 - سنجر الْأَمِير الْكَبِير علم الدّين الجاولي

- ‌1363 - طَلْحَة الشَّيْخ علم الدّين

- ‌1364 - عبد الله بن شرف بن نجدة المرزوقي

- ‌1365 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمَّاد بن ثَابت الوَاسِطِيّ

- ‌1366 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عَسْكَر بن مظفر بن نجم بن شاذي بن هِلَال الشَّيْخ شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد القيراطي

- ‌1367 - عبد الله بن مَرْوَان بن عبد الله الشَّيْخ زين الدّين الفارقي

- ‌1368 - عبد الْحَمد بن عبد الرَّحْمَن بن الجيلوي

- ‌1369 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الْغفار بن أَحْمد الإيجي

- ‌وَمن فَوَائِد الْمولى الْمُعظم كَمَال الدّين عبد الرَّزَّاق

- ‌من فَوَائِد الْمولى الْمُعظم أَمِين الدّين الحاجي دادا رحمه الله

- ‌من فَوَائِد الْمولى الْفَاضِل عز الدّين التبريزي

- ‌من فَوَائِد الْمولى الْمُعظم قدره صدر فضلاء خوارزم همام الدّين

- ‌من فَوَائِد مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا شيخ الْإِسْلَام محيي السّنة قامع الْبِدْعَة خُلَاصَة الْمُجْتَهدين تَقِيّ الْملَّة وَالْحق وَالدّين عَليّ السُّبْكِيّ أَعلَى الله دَرَجَته فِي عليين مَعَ النَّبِيين وَالصديقين

- ‌وَمَا ذكره الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم الجاربردي فِي جَوَاب الْجَواب لعضد الدّين الشِّيرَازِيّ نصْرَة لوالده الشَّيْخ فَخر الدّين أَحْمد الجاربردي تجَاوز الله عَن الْجَمِيع

- ‌1380 - عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد الله بن جمَاعَة

- ‌1371 - عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ شَيخنَا نجم الدّين الأصفوني أَبُو الْقَاسِم

- ‌1372 - عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن عُثْمَان الشَّيْخ عماد الدّين أَبُو الْعِزّ الهكاري

- ‌1373 - عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عَليّ الطوسي ضِيَاء الدّين

- ‌1374 - عبد الْغفار بن مُحَمَّد بن عبد الْكَافِي بن عوض السَّعْدِيّ الْمصْرِيّ القَاضِي تَاج الدّين أَبُو الْقَاسِم

- ‌1375 - عبد الْغفار بن نوح

- ‌1376 - عبد الْكَافِي بن عَليّ بن تَمام السُّبْكِيّ

- ‌1377 - عبد الْكَرِيم بن عَليّ بن عمر الْأنْصَارِيّ الشَّيْخ علم الدّين الْعِرَاقِيّ الضَّرِير

- ‌1378 - عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن

- ‌1379 - عبد الْملك بن أَحْمد بن عبد الْملك تَقِيّ الدّين الأرمنتي

- ‌1380 - عبد الْمُؤمن بن خلف بن أبي الْحسن بن شرف ابْن الْخضر بن مُوسَى التوني الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي

- ‌1381 - عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحْمَن الإخميمي المراغي

- ‌1382 - عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن ذُؤَيْب الْأَسدي

- ‌1383 - عُثْمَان بن عَليّ بن يحيى بن هبة الله بن إِبْرَاهِيم بن الْمُسلم القَاضِي فَخر الدّين ابْن بنت أبي سعد

- ‌1384 - عُثْمَان بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل القَاضِي فَخر الدّين أَبُو عَمْرو الطَّائِي الْمَعْرُوف بِابْن خطيب جبرين

- ‌1385 - عَليّ بن أَحْمد بن أسعد بن أبي بكر الأصبحي اليمني

- ‌1386 - عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن دَاوُد الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن بن الْعَطَّار

- ‌1387 - عَليّ بن أَحْمد بن جَعْفَر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الظَّاهِر ابْن عبد الْوَلِيّ بن الْحُسَيْن بن عبد الْوَهَّاب بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم ابْن عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد ابْن أبي هَاشم بن دَاوُد بن الْقَاسِم بن إِسْحَاق بن عبد الله ابْن جَعْفَر بن أبي طَالب

- ‌1388 - عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف قَاضِي الْقُضَاة الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي

- ‌1389 - عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن مَنْصُور بن عَليّ

- ‌1390 - عَليّ بن الْحُسَيْن السَّيِّد شرف الدّين الْحُسَيْنِي

- ‌1391 - عَليّ بن عبد الله بن أبي الْحسن بن أبي بكر الأردبيلي

- ‌1392 - عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعلي

- ‌1393 - عَليّ بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام ابْن حَامِد بن يحيى بن عمر بن عُثْمَان بن عَليّ بن مسوار بن سوار ابْن سليم السُّبْكِيّ

- ‌ذكر شَيْء من الرِّوَايَة عَنهُ

- ‌ذكر شَيْء من ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ رضي الله عنه وعنهم ونفعنا بِهِ وبهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

- ‌ذكر سلسلة الْحفاظ

- ‌ذكر شَيْء مِمَّا انتحله مذهبا وارتضاه رَأيا لنَفسِهِ

- ‌الْقسم الثَّانِي مَا صَححهُ من حَيْثُ الْمَذْهَب

- ‌ذكر شَيْء من مباحثه ولطائفه الَّتِي سمعناها مِنْهُ وَلم يودعها تصانيفه وَرُبمَا وجد بَعْضهَا بِخَطِّهِ فِي مجاميعه

- ‌ذكر شَيْء من مقالاته فِي أصُول الديانَات

- ‌وَمن كَلَامه فِي التصوف والمواعظ وَالْحكم

- ‌وَفِي أصُول الْفِقْه والمنطق وَالْبَيَان والنحو وفنون الْمَغَازِي وَالسير والأنساب وَغَيرهَا

- ‌ذكر عدد مصنفاته رحمه الله

- ‌ذكر النبأ عَن وَفَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه

- ‌ذكر شَيْء مِمَّا سمعناه من مراثيه

- ‌1394 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن خطاب الشَّيْخ الإِمَام عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ

- ‌وَمن الرِّوَايَة عَنهُ

- ‌1395 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب بن مُطِيع محب الدّين بن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين

- ‌1396 - عَليّ بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن أبي الْعِزّ بن أَحْمد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ظهير الدّين الكازروني الْبَغْدَادِيّ

- ‌1397 - عَليّ بن هبة الله بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة نور الدّين بن الشهَاب الأسنائي

- ‌1398 - عَليّ بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن دَاوُد الأرجيشي

- ‌1399 - عَليّ بن يَعْقُوب بن جِبْرِيل

- ‌1400 - عمر بن أَحْمد بن أَحْمد بن مهْدي المدلجي الشَّيْخ عز الدّين النشائي

- ‌1401 - عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْحَاكِم بن عبد الرَّزَّاق

- ‌1402 - عمر بن مظفر بن مُحَمَّد بن أبي الفوارس

- ‌1403 - عمر بن أبي الْحرم بن عبد الرَّحْمَن بن يُونُس الشَّيْخ زين الدّين ابْن الكتاني

- ‌1404 - عِيسَى بن عمر بن خَالِد بن عبد المحسن المَخْزُومِي مجد الدّين ابْن الخشاب

- ‌1405 - فرج بن مُحَمَّد بن أبي الْفرج الشَّيْخ نور الدّين الأردبيلي

- ‌1406 - الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد البرزالي علم الدّين أَبُو مُحَمَّد الإشبيلي

- ‌1407 - مَحْمُود بن بِي الْقَاسِم عب الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ

- ‌1408 - مَحْمُود بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل القونوي الشَّيْخ محب الدّين

- ‌1409 - مَحْمُود بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن جملَة

- ‌1410 - مَحْمُود بن مَسْعُود بن مصلح الْفَارِسِي الإِمَام قطب الدّين الشِّيرَازِيّ

- ‌1411 - هبة الله بن عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن الْمُسلم ابْن هبة الله الْجُهَنِيّ

- ‌1412 - يحيى بن عبد الله بن عبد الْملك أَبُو زَكَرِيَّا الوَاسِطِيّ

- ‌1413 - يحيى بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف السُّبْكِيّ

- ‌1414 - يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن جملَة المحجي

- ‌1415 - يُوسُف بن دانيال بن منكلي بن صرفا

- ‌1416 - يُوسُف بن سُلَيْمَان بن أبي الْحسن بن إِبْرَاهِيم الْخَطِيب جمال الدّين

- ‌1417 - يُوسُف بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن عَليّ بن عبد الْملك ابْن عَليّ بن أبي الزهر الْكَلْبِيّ الْقُضَاعِي الدِّمَشْقِي

- ‌1418 - يُونُس بن أَحْمد بن صَلَاح

- ‌1419 - يُونُس بن عبد الْمجِيد بن عَليّ بن دَاوُد الْهُذلِيّ

الفصل: ‌ذكر شيء من مباحثه ولطائفه التي سمعناها منه ولم يودعها تصانيفه وربما وجد بعضها بخطه في مجاميعه

(ومعين وقف عَلَيْهِ لَيْسَ يحْتَاج

الْقبُول فدع مقَالَة من مشج)

(إِن رد مَوْقُوف عَلَيْهِ الْوَقْف لَا

يرْتَد فاترك مَا يَقُول وَإِن نأج)

(وَقبُول ذِي نظر لوقف لَيْسَ شرطا

فاستمع هَذَا وعد عَن الهزج)

(كلا وَلَا يرْتَد إِن هُوَ رده

هَذَا مقَال مَا عَلَيْهِ من رهج)

(وصلاتنا وسلامنا أبدا على

من لِلسَّمَوَاتِ العلى لَيْلًا عرج)

(وعَلى الأكارم آله وصحابه

طُوبَى لمن فِي حبهم بذل المهج)

‌ذكر شَيْء من مباحثه ولطائفه الَّتِي سمعناها مِنْهُ وَلم يودعها تصانيفه وَرُبمَا وجد بَعْضهَا بِخَطِّهِ فِي مجاميعه

اعْلَم أَن بَابا مباحثه بَحر لَا سَاحل لَهُ بِحَيْثُ سَمِعت بعض الْفُضَلَاء يَقُول أَنا أعتقد أَن كل بحث يَقع الْيَوْم على وَجه الأَرْض فَهُوَ لَهُ أَو مستمد من كَلَامه وتقريراته الَّتِي طبقت طبق الأَرْض

وَلما كَانَ هَذَا شَيْئا كثيرا عمدنا إِلَى أُمُور سمعناها مِنْهُ شفاها وَلم يودعها تصنيفا لَهُ فَذَكرنَا بعض مَا حَضَرنَا مِنْهَا وَمِنْهَا مَا هُوَ مَوْجُود بِخَطِّهِ فِي مجاميعه وَرَأَيْت جمعهَا هُنَا أثبت لَهَا وَأقر

سَمِعت الْوَالِد رحمه الله يَقُول وَقد سُئِلَ عَن الْعلقَة السَّوْدَاء الَّتِي أخرجت

ص: 266

من قلب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي صغره حَيْثُ شقّ فُؤَاده وَقَول الْملك هَذَا خطّ الشَّيْطَان مِنْك إِن تِلْكَ الْعلقَة خلقهَا الله تَعَالَى فِي قُلُوب الْبشر قَابِلَة لما يلقيه الشَّيْطَان فِيهَا فأزيلت من قلبه صلى الله عليه وسلم فَلم يبْق فِيهِ مَكَان قَابل لِأَن يلقِي الشَّيْطَان فِيهِ شَيْئا

قَالَ هَذَا معنى الحَدِيث وَلم يكن للشَّيْطَان فِيهِ صلى الله عليه وسلم حَظّ قطّ وَإِنَّا الَّذِي نَفَاهُ الْملك أَمر هُوَ فِي الجبلات البشرية فأزيل الْقَابِل الَّذِي لم يكن يلْزم من حُصُوله حُصُول الْقَذْف فِي الْقلب

قَالَ فَإِن قلت فَلم خلق هَذَا الْقَابِل فِي هَذِه الذَّات الشَّرِيفَة وَكَانَ يُمكنهُ أَن لَا يخلق فِيهَا

قلت لِأَنَّهُ من جملَة الْأَجْزَاء الإنسانية فخلقه تَكْمِلَة لِلْخلقِ الإنساني فَلَا بُد مِنْهُ ونزعه أَمر رباني طَرَأَ بعده

وَرَأَيْت بِخَط الْأَخ شَيخنَا الإِمَام أبي حَامِد أَحْمد سلمه الله أَنه رأى الْوَالِد فِي النّوم على جبل مُرْتَفع على بساتين عَظِيمَة وَأَن بيد الْأَخ قِنْدِيلًا يضيء عَلَيْهِ وَهُوَ يقْرَأ عَلَيْهِ هَذَا الْبَحْث فَظن أَن الْقنْدِيل انطفأ فَقَالَ للوالد إِن الْقنْدِيل انطفأ مَرَّات فَرفع رَأسه وَقَالَ لَهُ لَا قَالَ فتأملت فَإِذا هُوَ كَمَا قَالَ وَلَكِن كَانَت على الْوَالِد أنوار ضعفت مَعهَا نور الْقنْدِيل فَظَنَنْت أَنه انطفأ قَالَ وَوَقع فِي نَفسِي فِي النّوم أَن تِلْكَ الْأَنْوَار ببركات هَذَا الْبَحْث

سَمِعت الْوَالِد يَقُول ثمَّ نَقْتُلهُ من خطه فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم}

ص: 267

إِلَى قَوْله {وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم على قومه} مَا نَصه تكلم النَّاس فِي تَفْسِيرهَا كثيرا وفهمت مِنْهَا أَن ذَلِك تَعْلِيم من الله سُبْحَانَهُ لإِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام للحجة على قومه فَأرَاهُ ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَعلمه كَيفَ يحاجج قومه وَيَقُول لَهُم إِذا حاججهم فِي مقَام بعد مقَام على سَبِيل التنزل إِلَى أَن يقطعهم بِالْحجَّةِ وَلَا يحْتَاج مَعَ هَذَا إِلَى أَن نقُول ألف الِاسْتِفْهَام محذوفة وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْمَقُول على سَبِيل التنزل لَيْسَ اعترافا وتسليما مُطلقًا وَقَول الْفُقَهَاء تَسْلِيم على سَبِيل التنزل مَعْنَاهُ هَذَا أَي إِنَّه يَقُول نقدر أَن الْخصم نطق بِهِ فَلْينْظر مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ

وَهَذَا الَّذِي فهمته أَرْجُو أَنه أقرب من كل مَا قيل فِيهَا ويرشد إِلَيْهِ صدر الْآيَة وعجزها أما صدرها فَقَوله {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم} وَأما عجزها فَقَوله {وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم على قومه}

سَمِعت الْوَالِد يَقُول يَنْبَغِي للْمُصَلِّي فِي الرُّكُوع عِنْد قَوْله خشع سَمْعِي وبصري وعظمي وشعري وبشري وَمَا اسْتَقل بِهِ قدمي لله أَن يحرص على صدقه فِي هَذَا الْكَلَام بِأَن يكون الْخُشُوع محققا فِي الْقلب وَيظْهر أَثَره فِي هَذِه الْأَعْضَاء ليتَحَقَّق صدق هَذَا الْخَبَر وَإِلَّا فالإخبار فِي هَذَا الْمقَام بَين يَدي الله تَعَالَى على خلاف الْوَاقِع صَعب إِلَّا أَن يُرَاد أَنه متصورة فِي حَال من هُوَ كَذَلِك وَهُوَ مجَاز

ص: 268

سَمِعت الْوَالِد فِي درس الشامية العصي يَقُول وَقد قيل لَهُ كَانَت الْعَادة قَدِيما أَن يذكر الْمدرس الْعَصْر نُكْتَة فَقَالَ اذْكروا مَسْأَلَة أستخرج مِنْهَا نُكْتَة

فَقلت أَنا النِّكَاح بِلَا ولي

فَقَالَ على الْفَوْر النِّكَاح بِلَا ولي بَاطِل لِأَن قَوْله صلى الله عليه وسلم (أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل) إِمَّا أَن يُرَاد بِهِ حَقِيقَة اللَّفْظ أَو صُورَة النزاع وَهُوَ الْحرَّة الْبَالِغَة الْعَاقِلَة أَو مُقَيّد بِقَيْد ينْدَرج فِيهِ أَو شَيْء يلْزم مِنْهُ أَو أحد هَذِه الْأُمُور الْأَرْبَعَة أَو الْقدر الْمُشْتَرك بَين الأول وَالثَّانِي وَالْأول وَالثَّالِث وَالْأول وَالرَّابِع أَو بَين الثَّانِي وَالثَّالِث أَو الثَّالِث وَالرَّابِع فَهَذِهِ أحد عشر قسما على تَقْدِير إِرَادَة وَاحِد مِنْهَا يلْزم ثُبُوت الحكم فِي صُورَة النزاع وَوَاحِد مِنْهَا مُرَاد لِأَنَّهُ جَائِز الْإِرَادَة مَعَ صَلَاحِية اللَّفْظ لَهُ وَغَيرهَا مُنْتَفٍ بِالْأَصْلِ فَإِذا ثَبت أحد الملزومات الْأَحَد عشر فَيثبت اللَّازِم وَهُوَ أَن النِّكَاح بِلَا ولي بَاطِل

وَأَيْضًا فاعتقاد الْبطلَان رَاجِح لِأَنَّهُ على أحد عشر تَقْديرا كلهَا عَلَيْهِ دَلِيل وَاحْتِمَال الصِّحَّة على احْتِمَال وَاحِد لَا دَلِيل عَلَيْهِ فَيكون مرجوحا فاعتقاد الصِّحَّة مَعَ ذَلِك مُمْتَنع لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَهُوَ بَاطِل فَيكون اعْتِقَاد الصِّحَّة بَاطِل فَيثبت مُقَابِله وَهُوَ اعْتِقَاد الْبطلَان

سَمِعت الْوَالِد رحمه الله فِي درس الغزالية يَقُول وَقد سُئِلَ عَن الدَّلِيل على تَقْبِيل الْمُصحف دَلِيله الْقيَاس على تَقْبِيل الْحجر الْأسود وَيَد الْعَالم وَالْوَالِد والصالح وَمن الْمَعْلُوم أَن الْمُصحف أفضل مِنْهُم

ص: 269

وَسبب تَقْبِيل الْحجر الْأسود مَا ورد أَنه يَمِين الله فِي الأَرْض وَالْعَادَة تَقْبِيل يَمِين من يقْصد إكرامه فَجعل إِشَارَة إِلَى ذَلِك تَعَالَى الله عَن التَّشْبِيه

قَالَ وَهَذَا معنى لطيف فِي تَقْبِيل الْحجر الْأسود وَالْقُرْآن صفة الله فَهُوَ بذلك أَحَق

سَمِعت الْوَالِد يَقُول فِي قَوْله تَعَالَى {أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} إِنَّه سمع شَيْخه أَبَا الْحسن الْبَاجِيّ يَقُول لم لَا قيل اتخذ هَوَاهُ إلهه قَالَ الْوَالِد فَمَا زلت مفكرا فِي الْجَواب مذ أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى تَلَوت مَا قبلهَا وَهُوَ قَوْله {وَإِذا رأوك} إِلَى قَوْلهم {إِن كَاد ليضلنا عَن آلِهَتنَا} فَعلمت أَن المُرَاد الْإِلَه المعبود بِالْبَاطِلِ الَّذِي عكفوا عَلَيْهِ وصبروا وَأَشْفَقُوا من الْخُرُوج عَنهُ فجعلوه هواهم

سَمِعت الْوَالِد يَقُول إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رُوِيَ لَهُ عَن عمر بن الْخطاب

ص: 270

وَقَالَ الْوَاقِدِيّ لَا نعلم أحدا من ولد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف روى عَن عمر سَمَاعا غَيره وَكَذَلِكَ قَالَ يَعْقُوب بن شيبَة

قَالَ الْوَالِد فِي سَمَاعه من عمر نظر لِأَنَّهُ توفّي سنة خمس أَو سِتّ وَتِسْعين وعمره خمس وَسَبْعُونَ سنة فَيكون عِنْد وَفَاة عمر ابْن أَربع فيكف يسمع

قَالَ وَقد روى لَهُ عَن عمر البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَذكر رِوَايَته عَنهُ عمر عَن البُخَارِيّ والمزي فِي الْأَطْرَاف حَدِيث أذن عمر رضي الله عنه لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي آخر حجَّة حَجهَا وَلم يرقم لَهُ فِي التَّهْذِيب إِلَّا للنسائي

نقلت من خطّ الْوَالِد رحمه الله وَكنت أسمعهُ مِنْهُ

فَائِدَة قَالَ الْغَزالِيّ رحمه الله فِي نِيَّة الصَّلَاة هِيَ بِالشُّرُوطِ أشبه وَهَذَا لَيْسَ تَصْرِيحًا بِخِلَاف بل يحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَنَّهَا ركن يشبه الشَّرْط

وَاعْلَم أَن الْفِعْل الْمُجَرّد لَا أثر لَهُ فِي نظر الشَّرْع فِي الْعِبَادَة وَإِنَّمَا يصير عبَادَة بِالنِّيَّةِ وَالنِّيَّة فِيهَا أميران أَحدهمَا قصد الناوي وَالثَّانِي الْأَثر الَّذِي ينشأ عَن ذَلِك الْقَصْد فَذَلِك الْأَثر النَّاشِئ الَّذِي يكْسب الْفِعْل صفة الْعِبَادَة وَهُوَ كَون الْفِعْل وَاقعا

ص: 271

على وَجه الِامْتِثَال هُوَ ركن بِلَا شكّ وَهُوَ مَعَ الْفِعْل كالروح مَعَ الْبدن وَتوجه قصد الناوي إِلَى ذَلِك خَارج لِأَن الْقَصْد إِلَى الشَّيْء غير الشَّيْء فَمن هُنَا أشبه الشَّرْط

وَلِهَذَا اشْتبهَ الْأَمر فِي كَونهَا ركنا أَو شرطا وَصَحَّ أَن يُقَال هِيَ ركن بِاعْتِبَار ذَلِك الْمَعْنى الْمُقَوّم للْفِعْل الْمُقَارن لَهُ المصاحب لَهُ من أَوله إِلَى آخِره فَهُوَ روحه وقوامه وَصَحَّ أَن يُقَال شَرط لذَلِك الْقَصْد الْقَائِم بِذَات الناوي فهما أَمْرَانِ أَحدهمَا قَائِم بِذَات الناوي وَالثَّانِي صفة للْفِعْل فَالْأول شَرط وَالثَّانِي ركن

وَلَا نعتقد أَن الناوي يقْصد الْفِعْل الْمُجَرّد وَإِنَّمَا يقْصد الْفِعْل بِوَصْف كَونه مَطْلُوبا للرب تَعَالَى وَذَلِكَ الْفِعْل مكتسب من ذَلِك الْوَصْف صفة ينسبغ بهَا كَمَا ينسبغ الثَّوْب الْمَصْبُوغ صبغه جُزْء مِنْهُ والصبغ الَّذِي هُوَ فعل الْفَاعِل خَارج عَنهُ وَشرط فِيهِ كَذَلِك الْعِبَادَة

وَتَأمل إِذا قلت قُمْت إجلالا لَك كَيفَ صَار الْقيام مكتسبا صفة الإجلال ولولاها لم يكن إِلَّا مُجَرّد نهوض فتأثر وَتقوم بالإجلال وأشبه شَيْء بِهِ الرّوح وَالْبدن فالقيام والْبدن والإجلال هُوَ الرّوح وَالْقَصْد كنفخ الرّوح فِي الْبدن

وَمن تَأمل هَذَا الْمَعْنى لم يخالجه شكّ فِي أَنَّهَا ركن مُقَارنَة للْفِعْل مقومة لَهُ دَاخِلَة فِي مَاهِيَّة الْعِبَادَة الَّتِي هِيَ مَجْمُوع الْفِعْل الْمَنوِي وَلَيْسَت الْمُقَارنَة خَاصَّة بِالتَّكْبِيرِ

ص: 272

فَإِن تِلْكَ مُقَارنَة ذكرية والمقارنة الْحكمِيَّة حَاصِلَة فِي جَمِيع الصَّلَاة أَلا ترى أَن الْقيام إجلالا الإجلال مُقَارن لَهُ دَائِم مَعَه وَإِن وصفناه بِالْخرُوجِ عَن الْمَاهِيّة فِي التعقل فَهُوَ من جِهَة دون جِهَة وَهُوَ مَعَه كالفاعل والمنفعل إِذا نظرت إِلَى الْفِعْل وجدت لَهُ خُرُوجًا من وَجه ودخولا من وَجه

وجدت بِخَط الْوَالِد رَحمَه اله وَكنت أسمعهُ مِنْهُ اخْتلف النَّاس فِي شَرط الْحُدَيْبِيَة من جَاءَك منا ترده هَل هُوَ مَخْصُوص أَو مَنْسُوخ فِي النِّسَاء بقوله تَعَالَى {فَلَا ترجعوهن}

وَالَّذِي اخْتَارَهُ أَنه مَنْسُوخ وَفسخ للْعقد فِي بعض الْمَعْقُود من الله تَعَالَى الَّذِي لَهُ أَن يحدث من أمره مَا شَاءَ وَلَا يَنْبَغِي أَن يُقَال إِنَّه تَخْصِيص لِأَن التَّخْصِيص بَيَان المُرَاد فَيكون قد أطلق فِي العقد الْعَام وَأُرِيد بِهِ الْخَاص وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ينزه عَن أَن يظْهر فِي الْعُقُود خلاف مَا يضمره

وَيحْتَمل أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أطلق اللَّفْظ بِأَمْر الله تَعَالَى من غير إِرَادَة عُمُوم وَلَا خُصُوص بل على مُرَاد الله تَعَالَى ثمَّ جَاءَ الْبَيَان من الله تَعَالَى تَخْصِيصًا من عِنْد الله تَعَالَى

ص: 273

وجدت بِخَط الْوَالِد رضي الله عنه كل من زرع أَرضًا ببذره فالزرع لَهُ إِلَّا أَن يكون فلاحا يزرع بالمقاسمة بَينه وَبَين صَاحب الأَرْض كعادة الشَّام فَإِن الزَّرْع يكون على حكم الْمُقَاسَمَة على مَا عَلَيْهِ عمل الشَّام

وَأَنا أرَاهُ وَأرى وَجهه من جِهَة الْفِقْه أَن الْفَلاح كَأَنَّهُ خرج عَن الْبذر لصَاحب الأَرْض بِالشّرطِ الْمَعْلُوم بَينهمَا فَيثبت على ذَلِك

وَإِذا عرف هَذَا وتعدى شخص على أَرض وغصبها وَهِي فِي يَد الْفَلاح فزرعها على عَادَته لَا نقُول الزَّرْع للْغَاصِب بل للْمَغْصُوب مِنْهُ على حكم الْمُقَاسَمَة وَهَذِه فَائِدَة جليلة تَنْفَع فِي الْأَحْكَام

وجدت بِخَطِّهِ رحمه الله وَكنت أسمعهُ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} هَل الضَّمِير فِي {فَاغْسِلُوا} للَّذين آمنُوا فَيَكُونُوا مأمورين الْآن بِالْغسْلِ وَقت الْقيام أَو للَّذين آمنُوا القائمين إِلَى الصَّلَاة لما دلّ عَلَيْهِ الشَّرْط فَلَا يَكُونُوا مأمورين إِلَّا وَقت الْقيام للصَّلَاة

وَفِيه بحث وَالْأَظْهَر الثَّانِي

وَهَذِه قَاعِدَة شريفة يَنْبَنِي عَلَيْهَا مبَاحث كَثِيرَة

ص: 274

وَيشْهد لاختيار الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن} فطابق الْأَمر مَا دلّ الشَّرْط عَلَيْهِ

وَمن المباحث الْمُتَعَلّقَة بِهِ إِذا قلت يَا زيد إِذا زَالَت الشَّمْس فصل هَل هُوَ مَأْمُور الْآن أَو لَا يكون مَأْمُورا إِلَّا وَقت الزَّوَال وَهُوَ الْمُخْتَار

وَلَا يرد عَلَيْهِ أَنا نَخْتَار أَن الْأَمر قديم لِأَنَّهُ لَا يلْزم من قدم الْأَمر قدم كَونه مَأْمُورا

وَلَا يرد عَلَيْهِ أَنا نَخْتَار قدم التَّعَلُّق لِأَن التَّعَلُّق بِحَسبِهِ فالتعلق إِنَّمَا هُوَ بِفِعْلِهِ وَقت الزَّوَال وبالقائمين وَقت الْقيام فهم بِهَذَا الْقَيْد مُتَعَلق الْأَمر وهم بِدُونِ الْقَيْد لَيْسُوا مُتَعَلق الْأَمر

وَلَا يرد عَلَيْهِ أَنا نَخْتَار فِي قَوْله إِن طلعت الشَّمْس فَأَنت طَالِق أَن الْإِيقَاع الْآن والوقوع عِنْد الطُّلُوع لأَنا لَا نعني بالإيقاع إِلَّا إِيقَاع مَا يَقع عِنْد الطُّلُوع

فَافْهَم هَذَا فَإِنَّهُ من نفائس المباحث وَلم أَجِدهُ مَنْقُولًا لَكِن حركني لَهُ قَول الشَّافِعِي فِي الْآيَة إِن ظَاهرهَا من قَامَ إِلَى الصَّلَاة فَعَلَيهِ أَن يتَوَضَّأ

فتأملت كَلَامه لم يقل عَلَيْهِم أَن يتوضؤوا إِذا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة

فَانْظُر مَا أَنْفَع تَأمل كَلَام الْعلمَاء رضي الله عنهم لَا سِيمَا إِمَام الْعلمَاء وخطيبهم رحمه الله

انْتهى

ص: 275

قلت وَقد تكلم الْوَالِد فِي تَفْسِيره على هَذَا أَيْضا وَأطَال فِيهِ ذكره عِنْد الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة}

وجدت بِخَط الْوَالِد أحسن الله إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} قيل إِنَّه نفي للحصر فَلَا يلْزم نفي الْحزن

وَجَوَابه على تَسْلِيم أَن {هم يَحْزَنُونَ} للحصر تَقْدِير {هم} دَاخِلَة على {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} كَمَا إِذا دخل النَّفْي على الْفِعْل الْمُؤَكّد يقدر التَّأْكِيد دَاخِلا بعد النَّفْي لَا قبله وَمَا أشبه ذَلِك وَقدم فِي اللَّفْظ بِلَا ليقابل بهَا {لَا خوف عَلَيْهِم} و {لَا} مسلطة على {يَحْزَنُونَ} لَا على الْجُمْلَة

وَسبب الْحصْر عِنْد من يَقُول بِهِ يخْتَص بالمضارع لِأَنَّهُ الَّذِي يُمكن أَن يرفع الْفَاعِل الَّذِي يُمكن تحويله إِلَى الْمُبْتَدَأ مثل زيد يقوم أَصله يقوم زيد فَاقْتضى التَّقْدِيم الْحصْر وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي غَيره

سَمِعت الشَّيْخ الْوَالِد رضي الله عنه يَقُول وَقد ذكره فِي النَّوَادِر الْهَمدَانِي من تصانيفه من قَوَاعِد الفلاسفة الْفَاسِدَة أَن الْوَاحِد لَا يصدر عَنهُ إِلَّا وَاحِد لِأَنَّهُ لَو صدر عَنهُ أَكثر من وَاحِد فكونه مصدرا لج مثلا مُخَالف لكَونه مصدرا لب فالمفهومان

ص: 276

إِن كَانَا داخلين فِي الذَّات لزم التَّرْكِيب أَو خَارِجين لزم التسلسل الْمُمْتَنع أَو الِانْتِهَاء إِلَى التَّرْكِيب إِلَى آخر مَا نظموه من الشُّبْهَة

وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ بِعَيْنِه يلْزمهُم فِي الْوَاحِد الصَّادِر مَعَ كَونه صادرا عَن الذَّات وَالنّسب عِنْدهم ثبوتية فَيُقَال لَهُم الصَّادِر وتأثير الْقَادِر فِيهِ إِمَّا أَن يَكُونَا داخلين أَو خَارِجين أَو أَحدهمَا دَاخِلا وَالْآخر خَارِجا وينقض كل قسم بِنَا نقضوه بِهِ فيتبين فَسَاد كَلَامهم وَالله الْمُسْتَعَان

سَمِعت الشَّيْخ الْوَالِد يَقُول وَقد ذكر قَول عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْحَافِظ إِن الرجل الَّذِي أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذكر أَنه وطئ أَهله فِي رَمَضَان سَلمَة بن صَخْر البياضي وَأَن ذَلِك كَانَ نَهَارا وَأَنه أصح من قَول ابْن إِسْحَاق لَيْلًا إِن ابْن إِسْحَاق لم ينْفَرد بِهِ بل رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَحسنه وَأَن رجال إِسْنَاده ثِقَات وَأَن الْمُخْتَار عِنْده أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ وَأَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الوقاع وَحَدِيث سَلمَة بن صَخْر فِي الظِّهَار

قَالَ وَسَوَاء أَكَانَ الْمُبْهم فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة هُوَ سَلمَة بن صَخْر فَيكون قد وَقعت لَهُ وَاقِعَتَانِ أم كَانَ غَيره

سَمِعت الشَّيْخ الْوَالِد يَقُول بعد أَن ذكر اخْتِلَاف النُّحَاة فِي لَو تتبعت مواقع لَو من الْكتاب الْعَزِيز وَالْكَلَام الفصيح فَوجدت المستمر فِيهَا انْتِفَاء الأول وَكَون وجوده لَو فرض مستلزما لوُجُود الثَّانِي وَأما الثَّانِي فَإِن كَانَ التَّرْتِيب بَينه وَبَين الأول مناسبا وَلم يخلف الأول غَيره فَالثَّانِي مُنْتَفٍ فِي هَذِه الصُّورَة كَقَوْلِه تَعَالَى {لَو كَانَ}

ص: 277

فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا) وكقول الْقَائِل لَو جئتني لأكرمتك لَكِن الْمَقْصُود الْأَعْظَم فِي الْمِثَال الأول نفي الشَّرْط ردا على من ادَّعَاهُ وَفِي الْمِثَال الثَّانِي أَن الْمُوجب لانْتِفَاء الثَّانِي هُوَ انْتِفَاء الأول لَا غير

وَإِن لم يكن التَّرْتِيب بَين الأول وَالثَّانِي مناسبا لم يدل على انْتِفَاء الثَّانِي بل على وجوده من بَاب الأولى كَقَوْلِه نعما العَبْد صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ فَإِن الْمعْصِيَة منتفية عِنْد عدم الْخَوْف فَعِنْدَ الْخَوْف أولى

وَإِن كَانَ التَّرْتِيب مناسبا وَلَكِن للْأولِ عِنْد انتفائه شَيْء آخر يخلفه مِمَّا يَقْتَضِي وجود الثَّانِي كَقَوْلِنَا لَو كَانَ إنْسَانا لَكَانَ حَيَوَانا فَإِنَّهُ عِنْد انْتِفَاء الإنسانية قد يخلفها غَيرهَا مِمَّا يَقْتَضِي وجود الحيوانية

قَالَ وَهَذَا ميزَان مُسْتَقِيم مطرد حَيْثُ وَردت لَو وفيهَا معنى الِامْتِنَاع وخاصيتها فرض مَا لَيْسَ بواقع وَاقعا إِمَّا فِي الْمَاضِي وَالْحَال وَهُوَ الْأَكْثَر أَو الْمُسْتَقْبل وَهُوَ قَلِيل كَقَوْلِه

(وَلَو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا

وَمن دون رمسينا من الأَرْض سبسب)

(لظل صدى صوتي وَلَو كنت رمة

لصوت صدى ليلى يهش ويطرب)

ص: 278

وَقَوله

(وَلَو أَن ليلى الأخيلية سلمت

عَليّ ودوني تربة وصفائح)

(لسلمت تَسْلِيم البشاشة أَو زقا

إِلَيْهَا صدى من دَاخل الْقَبْر صائح)

إِلَى غير ذَلِك من الْأَمْثِلَة

وَقد ترد لَو بِمَعْنى إِن لمُجَرّد الرَّبْط كَقَوْلِه

وَلَو باتت بأطهار

فَلَيْسَتْ من هَذَا الْقسم لِأَن امْتنَاع الأول غير مَقْصُود فِيهَا بِوَجْه وللاستقبال الَّذِي دلّ عَلَيْهِ إِذا حَاربُوا

وإنكار كَون لَو امتناعية جحد للضروريات وَدَعوى ذَلِك مُطلقًا منقوضة بِمَا لَا قبل بِهِ وَالضَّابِط فِي مَا ذكرته وَأنْشد لنَفسِهِ

(مَدْلُول لَو ربط وجود ثَان

بِأول فِي سَابق الزَّمَان)

(مَعَ انْتِفَاء ذَلِك الْمُقدم

حَقًا بِلَا ريب وَلَا توهم)

(أما الْجَواب إِن يكن مناسبا

وَلَيْسَ غير شَرطه مصاحبا)

(فاحكم لَهُ بِالنَّفْيِ أَيْضا وَاعْلَم

بِأَن كلا دَاخل فِي الْعَدَم)

(أَو لم يكن مناسبا فَوَاجِب

من بَاب أولى ذَاك حكم لازب)

ص: 279

(وَفِي مُنَاسِب لَهُ إِذْ يفقد

مُنَاسِب سواهُ قد لَا يُوجد)

(هَذَا جَوَاب لَو بتقسيم حصل

مُمْتَنع وواجب ومحتمل)

(ومعظم الْمَقْصُود فِيمَا يجب

إثْبَاته فِي كل حَال يطْلب)

(مِثَاله نعم الَّذِي لَو لم يخف

لما عصى إلهه وَلَا اقْتَرَف)

(ومعظم الْمَقْصُود فِي الْمُمْتَنع

بَيَان نفي شَرطه الَّذِي ادّعى)

(كَلَوْ يكون فيهمَا شريك

لفسدا فالواحد المليك)

(أَو أَن ذَاك النَّفْي حَقًا أثرا

فِي عدم الَّذِي يَلِي بِلَا مرا)

(كَلَوْ أتيتني لَكُنْت تكرم

كَرَامَتِي لمن قلاني تعدم)

قلت وَهَذَا ملخص مَا ذكره فِي كتاب كشف القناع فِي حكم لَو للامتناع وَلَا أعرف الْآن فِي بِلَاد الشَّام نُسْخَة من هَذَا الْكتاب فَلذَلِك كتبت هَذَا ليستفاد فَهُوَ كَمَا ترَاهُ فِي التَّحْقِيق

سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رحمه الله يَقُول وَقد سُئِلَ عَن قَول الشَّاعِر

(لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى

وأسيافنا يقطرن من نجدة دَمًا)

إِنَّمَا قَالَ بالضحى وَلم يقل بالدجى لِأَنَّهَا إِذا لمعت وَقت الضُّحَى كَانَ أبلغ وأدل على عظمها فَإِن الْقَلِيل يلمع فِي الدجى وَلَا يلمع فِي الضُّحَى إِلَّا الْكثير

سَمِعت الشَّيْخ الْوَالِد رحمه الله يَقُول وَقد سُئِلَ عَن معنى الرضع فِي قَول سَلمَة بن الْأَكْوَع رضي الله عنه يُخَاطب الَّذين أخذُوا لقاح النَّبِي صلى الله عليه وسلم حِين رماهم بِالسِّهَامِ

ص: 280

(وَالْيَوْم يَوْم الرضع

)

الرضع اللئام أَي الْيَوْم يومكم أَيهَا اللئام يُقَال رضع يرضع ثدي أمه بِكَسْر الضَّاد فِي ماضيه وَفتحهَا فِي مضارعه ورضع يرضع بِالْكَسْرِ فِي مضارعه وَالْفَتْح فِي ماضيه عكس الأول إِذا تلام وَالرجل راضع أَي لئيم

سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام يُجيب وَقد سُئِلَ عَن خندف الَّتِي ذكرهَا الْعَبَّاس رضي الله عنه فِي قَوْله

(حَتَّى علا بَيْتك الْمُهَيْمِن فِي

خندف علياء تحتهَا النُّطْق)

فَقَالَ خندف هَذِه امْرَأَة الياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان قَالَ وَكَانَت من سراة نسَاء الْعَرَب وَأخذ يذكر من نبئها مَا يطول شَرحه

ص: 281

سَأَلت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رحمه الله لم يَقُول الْمُصَلِّي فِي الِاعْتِدَال كلنا لَك عبد وَلَا يَقُول عبيد مَعَ عود الضَّمِير فِي كلنا على جمع

فَقَالَ لِأَنَّهُ قصد أَن يكون الْخلق أَجْمَعُونَ بِمَنْزِلَة عبد وَاحِد وقلب وَاحِد

سَأَلت الشَّيْخ الْوَالِد لم لَا يفْتَرق الْحَال عِنْد الصُّوفِيَّة بَين إبداء الصَّدَقَة وإخفائها وَقد نَص الْقُرْآن على تَفْضِيل الْإخْفَاء

فَقَالَ المُرَاد أَن قلب الصُّوفِي لَا يتأثر بالإعلان لِأَنَّهُ لَا يرى غير الله فَكَانَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاء وَإِن كَانَ السّتْر من حَيْثُ هُوَ أفضل من الْجَهْر من حَيْثُ هُوَ

سَأَلت الشَّيْخ الإِمَام مَا الْحِنْث الْعَظِيم الْمشَار إِلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَانُوا يصرون على الْحِنْث الْعَظِيم}

فَقَالَ هُوَ الْقسم على إِنْكَار الْبَعْث الْمشَار إِلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَا يبْعَث الله من يَمُوت}

سُئِلَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رضي الله عنه عَن قَول الشريف الرضي

(فَاتَنِي أَن أرى الديار بطرفي

فلعلي أرى الديار بسمعي)

ص: 282

وَقَول القَاضِي الْفَاضِل

(مثلته الذكرى لسمعي كَأَنِّي

أتمشى هُنَاكَ بالأحداق)

فَقَالَ وكتبته من خطه قَول الشريف يحْتَمل ثَلَاث معَان بعد فهم ثَلَاث قَوَاعِد إِحْدَاهَا قَالَ الْغَزالِيّ وَغَيره الوجودات أَرْبَعَة وجود فِي الْأَعْيَان وَوُجُود فِي الأذهان وَوُجُود فِي الْبَيَان وَوُجُود فِي البنان

وَأَنا أَقُول هَذِه الوجودات الْأَرْبَعَة فِي كل مَوْجُود معقولا كَانَ أَو محسوسا فَإِن كَانَ محسوسا فيزاد خَامِسًا وَهُوَ الْوُجُود فِي الْحس والأمثلة مَعْرُوفَة وَلَا حَاجَة إِلَى التَّطْوِيل بهَا

الْقَاعِدَة الثَّانِيَة أَن الرُّؤْيَة تكلم الْحُكَمَاء فِيهَا هَل هِيَ بالانطباع أَو باتصال الشعاع وَبسط هَذَا مَعْرُوف فِي مَحَله فَلَا حَاجَة إِلَى التَّطْوِيل بِهِ

الْقَاعِدَة الثَّالِثَة أَن الْحَواس هَل هِيَ كالحجاب أَو كالطاقات وَفِيه خلاف

إِذا عرفت هَذِه الْقَوَاعِد الثَّلَاث رَجعْنَا إِلَى الاحتملات الثَّلَاثَة وَهِي فِي قَوْله أرى الديار بطرفي أَحدهَا أَن أرى الديار فِي محلهَا بطرفي الْمُتَّصِل شعاعه إِلَيْهَا فَتكون الرُّؤْيَة حَقِيقَة وَالْبَاء للاستعانة حَقِيقَة

وَالثَّانِي أَن أرى الديار بانطباعها فِي ناظري فالرؤية حَقِيقَة وَالْبَاء فِي بطرفي للظرفية بِمَعْنى فِي وَهِي أَيْضا حَقِيقَة وَإِن كَانَ مجيئها لذَلِك أقل من مجيئها للاستعانة

ص: 283

وَالثَّالِث أَن أرى الديار فِي قلبِي بطرفي الَّذِي هُوَ كالطاق فِي الْكَشْف لي عَنْهَا فالرؤية على هَذَا على قَول من يَجْعَل الْحَواس كالطاقات حَقِيقَة وعَلى قَول من يَجْعَلهَا كالحجاب مجَاز وَالْبَاء فِي بطرفي للاستعانة على الْقَوْلَيْنِ

هَذِه الِاحْتِمَالَات الثَّلَاثَة فِي أرى الديار بطرفي

وَأما أرى الديار بسمعي فَفِيهِ ثَلَاثَة احتمالات أَيْضا أَحدهَا الأول وعَلى هَذَا يكون أرى مجَازًا عَن أسمع والديار حَقِيقَة وأوقع الرُّؤْيَة عَلَيْهَا لإِرَادَة السّمع الْمُتَعَلّق بلفظها فَهُوَ من مجَاز التَّرْكِيب فقد اجْتمع فِيهِ مجَاز الْإِفْرَاد ومجاز التَّرْكِيب فِي لَفظهَا وَالْبَاء للاستعانة

الثَّانِي الثَّانِي وَيكون أرى مجَازًا عَن أسمع والديار مجَاز فِي الْإِفْرَاد عَن لَفظهَا الْحَاصِل فِي الْحس تَنْزِيلا للفظ منزلَة الْمَعْنى وَالْبَاء للظرفية وَالْمجَاز فِي الْفِعْل وَالْمَفْعُول من مجَاز الْإِفْرَاد

الثَّالِث الثَّالِث فعلى قَول من يَجْعَل الْحَواس كالطاقات يكون أرى يُمكن أَن يكون حَقِيقَة وَيُمكن أَن يكون مجَازًا وَكَذَا الديار أما الْحَقِيقَة فيهمَا فَلِأَن الديار تتمثل فِي قلب السَّامع بِسَبَب سَماع لَفظهَا فَيكون السّمع استعارته فِي حُصُول مَعْنَاهَا فِي الْقلب وَأما الْمجَاز فَلِأَن الْحَاصِل فِي الْقلب علم عِنْد قوم وَسمع عِنْد آخَرين فوصفه بِالرُّؤْيَةِ وَلم يحصل من حاسة الرُّؤْيَة تجوز

إِذا عرفت هَذِه الِاحْتِمَالَات فِي بَيت الشريف الرضي فالأبلغ إِرَادَة الْمَعْنى الثَّالِث وَهُوَ فَاتَنِي أَن يشهدها قلبِي بِسَبَب رؤيتي بطرفي فَلَعَلَّ أَن يشهدها قلبِي بِسَبَب سَماع لَفظهَا

ص: 284

وَهَذَا الْمَعْنى كشفه القَاضِي الْفَاضِل بقوله مثلته الذكرى وَقَالَ لسمعي لِأَنَّهُ طَرِيق إِمَّا حَاجِب أَو طاق والأبلغ أَنه جعله كالطاق وَأَشَارَ إِلَيْهِ وَإِلَى حُضُوره فِي قلبه بقوله كَأَنِّي أتمشى هُنَاكَ وَقَالَ بالأحداق ليعلم أَن السماع لم ينقص عَن الرية وَلأَجل الطباق وَلما فِي الْمَشْي بالأحداث من الخضوع والذلة والمحبة وَلما فِي مد الأحداق إِلَى مَوَاضِع المنظور وتنقلها من مَكَان إِلَى مَكَان من زِيَادَة التَّمَتُّع وَالنَّعِيم وَهُوَ المُرَاد بالتمشي وَالله أعلم

ذكر الْوَالِد رضي الله عنه مرّة مَا قَالَه السُّهيْلي فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم (أومخرجي هم) وَأَن فِيهِ دَلِيلا على حب الوطن ثمَّ قَالَ أحسن من حب الوطن أَن يُقَال تحركت نَفسه لما فِي الْإِخْرَاج من فَوَات مَا ندب إِلَيْهِ من إِيمَانهم وهدايتهم فَإِن ذَلِك مَعَ التَّكْذِيب والإيذاء مترقب وَمَعَ الْإِخْرَاج مُنْقَطع وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي لَا شَيْء عِنْد الْأَنْبِيَاء عليهم السلام أعظم مِنْهُ لِأَنَّهُ امْتِثَال أَمر الله تَعَالَى وَأما مُفَارقَة الوطن فَهُوَ أَمر جبلي وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أجل وَأَعْلَى مقَاما من الْوُقُوف عِنْده فِي هَذَا الموطن الْعَظِيم

حضرت الْوَالِد رحمه الله مرّة فِي ختمة وَقد وصل الْقُرَّاء إِلَى سُورَة الْإِخْلَاص فقرءوها ثَلَاث مَرَّات على الْعَادة وَكَانَ على يَمِينه قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين عَليّ بن أَحْمد الطرسوسي الْحَنَفِيّ فَالْتَفت إِلَى الشَّيْخ الإِمَام وَقَالَ فِي خاطري دَائِما أَن أسأَل عَن الْحِكْمَة فِي إطباق النَّاس على تكريرها ثَلَاثًا

فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ الإِمَام لِأَنَّهُ قد ورد أَنَّهَا تعدل ثلث الْقُرْآن فَتحصل بذلك ختمة

فَقَالَ القَاضِي عماد الدّين فَلم لَا يقرءنها ثَلَاثًا بعد الْوَاحِدَة الَّتِي تضمنتها الختمة ليحصل ختمتان

ص: 285

فَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام مَقْصُود النَّاس تَحْقِيق ختمة وَاحِدَة فَإِن الْقَارئ إِذا وصل إِلَيْهَا فقرأها ثمَّ أَعَادَهَا مرَّتَيْنِ كَانَ على يَقِين من حُصُول ختمة إِمَّا الَّتِي قَرَأَهَا من الْفَاتِحَة إِلَى آخر الْقُرْآن وَإِمَّا ثَوَابهَا بِقِرَاءَة الْإِخْلَاص ثَلَاثًا وَلَيْسَ الْمَقْصُود ختمة أُخْرَى وَهَذَا معنى مليح

سَمِعت الشَّيْخ يَقُول فِي الدَّرْس نقل الشَّيْخ أَبُو حَامِد مَذْهَب الزُّهْرِيّ الْجلد يحل الِانْتِفَاع بِهِ قبل الدّباغ وَنَقله صَاحب التَّتِمَّة وَقَالَ إِنَّه لَيْسَ بِنَجس وَهُوَ صَحِيح وَزَاد فَقَالَ إِنَّه وَجه لِأَصْحَابِنَا عَن ابْن الْقطَّان أَن الزهومة الَّتِي فِيهَا نَجِسَة فَهُوَ كَثوب مُتَنَجّس وَهَذَا خلاف مَذْهَب الزُّهْرِيّ فَجعله إِيَّاه مثله لَيْسَ بجيد

وَنقل الرَّافِعِيّ مَا فِي التَّتِمَّة بِدُونِ ذكر الزهومة نَجِسَة وَجعله كَالثَّوْبِ النَّجس فأوهم أَنه طَاهِر يحل الِانْتِفَاع بِهِ مُطلقًا وَلَيْسَ بجيد وَزَاد بَعضهم فَنقل الْوَجْه أَنه يجوز أكله قبل الدّباغ وَهَذَا لما أَوْهَمهُ كَلَام الرَّافِعِيّ وَلَيْسَ بجيد وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِك على مَذْهَب الزُّهْرِيّ أما عندنَا فَلَا

ص: 286

وجدت بِخَط الشَّيْخ الْوَالِد رضي الله عنه فَكرت عِنْد الِاضْطِجَاع فِي قَول المضطجع بِاسْمِك اللَّهُمَّ وضعت جَنْبي وباسمك أرفعه فأدرت أَن أَقُول إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي أرفعه لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} ثمَّ قلت فِي نَفسِي إِن ذَلِك لم يرد فِي الحَدِيث فِي هَذَا الذّكر الْمَنْقُول عِنْد النّوم وَلَو كَانَ مَشْرُوعا لذكره النَّبِي صلى الله عليه وسلم الَّذِي أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم فتطلبت فرقا بَينه وَبَين كل مَا يجريه الْإِنْسَان من الْأُمُور الْمُسْتَقْبلَة الْمُسْتَحبّ فِيهَا ذكر الْمَشِيئَة

وَلَا يُقَال إِن أرفعه حَال لَيْسَ بمستقبل لأمرين أَحدهمَا أَن لَفظه وَإِن كَانَ كَذَلِك لَكنا نعلم أَن رفع جنب المضطجع لَيْسَ حَال اضطجاعه

وَالثَّانِي أَن اسْتِحْبَاب الْمَشِيئَة عَام فِيمَا لَيْسَ بِمَعْلُوم الْحَال أَو الْمُضِيّ

وَظهر لي أَن الأولى الِاقْتِصَار على الْوَارِد فِي الحَدِيث فِي الذّكر عِنْد النّوم بِغَيْر زِيَادَة وَأَن ذَلِك يُنَبه على قَاعِدَة يفرق بهَا بَين تقدم الْفِعْل على الْجَار وَالْمَجْرُور وتأخره عَنهُ فَإنَّك إِذا قلت أرفع جَنْبي باسم الله كَانَ الْمَعْنى الْإِخْبَار بِالرَّفْع وَهُوَ عُمْدَة الْكَلَام وَجَاء الْجَار وَالْمَجْرُور بعد ذَلِك تَكْمِلَة وَإِذا قلت باسم الله أرفع جَنْبي كَانَ الْمَعْنى الْإِخْبَار بِأَن الرّفْع كَائِن باسم الله وَهُوَ عُمْدَة الْكَلَام

فَافْهَم هَذَا السِّرّ اللَّطِيف وتأمله فِي جَمِيع موارد كَلَام الْعَرَبيَّة تَجدهُ يظْهر لَك بِهِ شرف كَلَام الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم وملازمة الْمُحَافظَة على الْأَذْكَار المأثورة عَنهُ عَلَيْهِ أفضل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 287

وَإِيَّاك ثمَّ إياك أَن تنظر إِلَى إِطْلَاق أَن الْجَار وَالْمَجْرُور فَضله فِي الْكَلَام وتأخذه على الْإِطْلَاق بل تَأمل موارد تقدمه وتأخره فِي الْكتاب الْعَزِيز وَالسّنة وَكَلَام الفصحاء وتفهم هَذِه الْقَاعِدَة الجليلة الَّتِي يفهم مِنْهَا اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَاعْلَم أَنه لَا بُد من الْمُحَافظَة على قَوَاعِد الْعَرَبيَّة وعَلى فهم معنى كَلَام الْعَرَب ومقاصدها

وقواعد الْعَرَبيَّة تَقْتَضِي أَن الْجَار وَالْمَجْرُور فضلَة فِي الْكَلَام لَا عُمْدَة لَهُ وَأَن الْفِعْل هُوَ الْمخبر بِهِ وَالِاسْم هُوَ الْمخبر عَنهُ فَهَذَا أصل الْكَلَام وَوَضعه ثمَّ قد يكون ذَلِك مَقْصُود الْمُتَكَلّم وَقد لَا يكون على هَذِه الصُّورَة فَإِنَّهُ قد يكون الْمخبر عَنهُ والمخبر بِهِ معلومين أَو كالمعلومين وَيكون محط الْفَائِدَة فِي كَونه على الصّفة المستفادة من الْجَار وَالْمَجْرُور كَمَا نَحن فِيهِ فَإِن المضطجع وَوضع جنبه مَعْلُوم وَرَفعه كالمعلوم وَإِنَّمَا قُلْنَا كالمعلوم وَلم نقل مَعْلُوم لِأَنَّهُ قد يَمُوت

حضرت الشَّيْخ رضي الله عنه وَقد جَاءَهُ بريدي من جِهَة أرغون نَائِب الشَّام يَقُول لَهُ عَنهُ قَالَ لَك ملك الْأُمَرَاء بِأَيّ مُسْتَند تكْتب على كتاب بعلبك وَهُوَ ملك غَيْرك بِغَيْر إِذن صَاحبه وَقد أفسدته بكتابتك عَلَيْهِ

اكْتُبْ لنا جوابك

وَكَانَ الْوَالِد قد كتب على مَكْتُوب قَرْيَة حريثا من بعلبك أَنه إِثْبَات بَاطِل فَلَا يغتر بِهِ وَكَانَ قَصده الْحق والخشية من الاغترار بِالْكتاب

ص: 288

فَأخذ الْوَالِد وَرقا وَكتب من رَأس الْقَلَم مَا أعطَاهُ للبريدي ليوصله إِلَى ملك الْأُمَرَاء

وَنَصه إِن قيل مَا مستندكم فِي الْكِتَابَة على كتاب بعلبك فَالْجَوَاب أَن مستندنا كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَإِجْمَاع الْمُسلمين وَالْقِيَاس

أما كتاب الله فَقَوله {ليحق الْحق وَيبْطل الْبَاطِل} فإبطال الْبَاطِل من سنة الله فكتابتي عَلَيْهِ بالإبطال لذَلِك

وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (من رأى مِنْكُم مُنْكرا فلغيره بِيَدِهِ) وكتابتي عَلَيْهِ تَغْيِير بيَدي وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح (أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نقُول أَو نقوم بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنَّا لَا نَخَاف فِي الله لومة لائم) فكتابتي عَلَيْهِ من الْقيام بِالْحَقِّ

وَقَالَ الله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه} فكتابتي عَلَيْهِ من الْبَيَان للنَّاس

ص: 289

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ لعرق ظَالِم حق) وَالْكتاب الزُّور عرق بَاطِل فَيجب إِزَالَته

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (إِذا رَأَيْت أمتِي تهاب الظَّالِم أَن تَقول لَهُ أَنْت ظَالِم فقد تودع مِنْهُم) والآيات وَالْأَحَادِيث فِي ذَلِك أَكثر من هَذَا فَهَذَا من الْكتاب وَالسّنة

وَأما الْإِجْمَاع فإجماع الصَّحَابَة مَعَ عُثْمَان رضي الله عنهم على تحريق الْمَصَاحِف الْبَاطِلَة لما فِيهَا من زِيَادَة أَو نقص على الْمُصحف الْمجمع عَلَيْهِ فَإِذا جَازَ تحريق الْكتاب لباطل فِيهِ فالكتابة عَلَيْهِ بالإبطال أولى

وَأما الْقيَاس فعلى خصم الْكتب فِي الابتياعات والأوقاف وَغَيرهَا حَتَّى لَا يغتر النَّاس بهَا إِذا لم يكْتب عَلَيْهَا فَكَانَ الْوَاجِب فِي هَذَا الْكتاب بَيَان مَا فِيهِ وَهُوَ عِنْدِي فِي هَذَا الْوَقْت أولى من إعدامه لِأَنَّهُ عِنْد إعدامه قد يَقُول قَائِل كَانَ مَا فِيهِ حَقًا وَأما عِنْد وجوده فالفاضل يتأمله فيفهم بُطْلَانه

ص: 290

وَلَا يَنْبَغِي أَن يعْطى لمن كَانَ فِي يَده لأمرين

أَحدهمَا أَنه يتَعَلَّق بِهِ وَقد يحصل مِنْهُ إِزَالَة مَا كتب عَلَيْهِ وتلبيس يُوصل إِلَى البطل وَلَكِن يحفظ ي سلة الحكم فيراه كل قَاض يَأْتِي فيعتمد الْحق ويجتنب الْبَاطِل

وَالثَّانِي أَن الْكتب إِنَّمَا يملكهَا من لَهُ فِيهَا حق فَإِذا بِيعَتْ الدَّار فكتبها ينْتَقل ملكهَا بانتقال الدَّار إِلَى المُشْتَرِي لتشهد لَهُ بملكها

وَهَذَا الْكتاب لَا حق فِيهِ لمن هُوَ فِي يَده لتزويره وبطلانه فَلم يجب تَسْلِيمه إِلَيْهِ بل وَلَا يجوز إِلَّا أَن يغسل ويمحى مَا فِيهِ وَيدْفَع لَهُ الرّقّ مغسولا فَلَا يمْنَع ذَلِك وتوهم من نظر بعد ذَلِك فِيهِ مندفع بِعِلْمِهِ بِفعل وُلَاة الْأُمُور لذَلِك الَّذين هم منتصبون لتحقيق الْحق وَإِبْطَال الْبَاطِل

وَقد أَزَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْأَصْنَام الَّتِي كَانَت على الْكَعْبَة بِيَدِهِ وَنَصّ الْفُقَهَاء على جَوَاز إِتْلَاف مَا يُوجد من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَإِن كَانَ لورقها مَالِيَّة وَقد كَانَت ملك شخص معِين أَو أشخاص أَو الْمُسلمين فإذهاب ماليتها عَلَيْهِم إِنَّمَا هُوَ لانطوائها على الْبَاطِل فَهَذَا مثله لَو كَانَت لَهُ قيمَة فَكيف وَلَا قيمَة لَهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا ينْتَفع بِهِ لشهادته بِمَا فِيهِ وَمَا فِيهِ بَاطِل فَلَا مَنْفَعَة لَهُ وَمَا مَنْفَعَة لَهُ لَا قيمَة لَهُ

وَأَيْضًا فَإِن الَّذِي فِي يَده هَذَا الْكتاب قد دفع إِلَيْنَا هَذَا الْكتاب وَهُوَ مَعَ غَرِيمه

ص: 291

متداعيا فِي حكم الشَّرْع وَقد تبين فِي حكم الشَّرْع أَنه لَا حق لَهُ فِيهِ فَوَجَبَ علينا بِحكم الشَّرْع أَن نبطله ونرفع يَده عَنهُ وَيصير فِي يَد الشَّرْع ليستمر عمل الْحق فِيهِ وَفِي مُقَابِله

وَمَا برح النَّاس من الْعلمَاء والقضاة وَالشُّهُود وَالْكتاب فِي الديار المصرية وَغَيرهَا يَكْتُبُونَ على المكاتيب مَا تجب كِتَابَته من انْتِقَال أَو خصم أَو غَيره فَكَذَلِك هَذَا

وَالْقَوْل بِأَن هَذَا ملك الْغَيْر فَلَا يجوز إِمْسَاكه جهل من قَائِله أَو عدم تَأمل

ص: 292