المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وما ذكره الفقير إلى الله تعالى إبراهيم الجاربردي في جواب الجواب لعضد الدين الشيرازي نصرة لوالده الشيخ فخر الدين أحمد الجاربردي تجاوز الله عن الجميع - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي - جـ ١٠

[تاج الدين ابن السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌بَقِيَّة الطَّبَقَة السَّابِعَة فِيمَن توفّي بعد السبعمائة

- ‌1352 - خَلِيل بن أيبك الشَّيْخ صَلَاح الدّين الصَّفَدِي

- ‌نبذ مِمَّا دَار بيني وَبَين هَذَا الرجل

- ‌فصل

- ‌1353 - دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن رَسُول

- ‌1354 - عبد الله بن أسعد بن عَليّ الْيَمَانِيّ اليافعي

- ‌1355 - عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن خلف بن عِيسَى الْحَافِظ عفيف الدّين أَبُو السِّيَادَة المطري

- ‌1356 - خَلِيل بن كيكلدي الشَّيْخ صَلَاح الدّين العلائي الْحَافِظ الْمُفِيد أَبُو سعيد

- ‌1357 - زَكَرِيَّا بن يُوسُف بن سُلَيْمَان بن حَامِد البَجلِيّ

- ‌1358 - سَالم بن أبي الدّرّ الشَّيْخ أَمِين الدّين أَبُو الْغَنَائِم

- ‌1359 - سُلَيْمَان بن عمر بن سَالم بن عمر بن عُثْمَان

- ‌1360 - سُلَيْمَان بن مُوسَى بن بهْرَام تَقِيّ الدّين السمهودي ابْن الْهمام

- ‌1361 - سُلَيْمَان بن هِلَال بن شبْل بن فلاح القَاضِي صدر الدّين أَبُو الْفضل الدَّارَانِي

- ‌1362 - سنجر الْأَمِير الْكَبِير علم الدّين الجاولي

- ‌1363 - طَلْحَة الشَّيْخ علم الدّين

- ‌1364 - عبد الله بن شرف بن نجدة المرزوقي

- ‌1365 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمَّاد بن ثَابت الوَاسِطِيّ

- ‌1366 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عَسْكَر بن مظفر بن نجم بن شاذي بن هِلَال الشَّيْخ شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد القيراطي

- ‌1367 - عبد الله بن مَرْوَان بن عبد الله الشَّيْخ زين الدّين الفارقي

- ‌1368 - عبد الْحَمد بن عبد الرَّحْمَن بن الجيلوي

- ‌1369 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الْغفار بن أَحْمد الإيجي

- ‌وَمن فَوَائِد الْمولى الْمُعظم كَمَال الدّين عبد الرَّزَّاق

- ‌من فَوَائِد الْمولى الْمُعظم أَمِين الدّين الحاجي دادا رحمه الله

- ‌من فَوَائِد الْمولى الْفَاضِل عز الدّين التبريزي

- ‌من فَوَائِد الْمولى الْمُعظم قدره صدر فضلاء خوارزم همام الدّين

- ‌من فَوَائِد مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا شيخ الْإِسْلَام محيي السّنة قامع الْبِدْعَة خُلَاصَة الْمُجْتَهدين تَقِيّ الْملَّة وَالْحق وَالدّين عَليّ السُّبْكِيّ أَعلَى الله دَرَجَته فِي عليين مَعَ النَّبِيين وَالصديقين

- ‌وَمَا ذكره الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم الجاربردي فِي جَوَاب الْجَواب لعضد الدّين الشِّيرَازِيّ نصْرَة لوالده الشَّيْخ فَخر الدّين أَحْمد الجاربردي تجَاوز الله عَن الْجَمِيع

- ‌1380 - عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد الله بن جمَاعَة

- ‌1371 - عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ شَيخنَا نجم الدّين الأصفوني أَبُو الْقَاسِم

- ‌1372 - عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن عُثْمَان الشَّيْخ عماد الدّين أَبُو الْعِزّ الهكاري

- ‌1373 - عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عَليّ الطوسي ضِيَاء الدّين

- ‌1374 - عبد الْغفار بن مُحَمَّد بن عبد الْكَافِي بن عوض السَّعْدِيّ الْمصْرِيّ القَاضِي تَاج الدّين أَبُو الْقَاسِم

- ‌1375 - عبد الْغفار بن نوح

- ‌1376 - عبد الْكَافِي بن عَليّ بن تَمام السُّبْكِيّ

- ‌1377 - عبد الْكَرِيم بن عَليّ بن عمر الْأنْصَارِيّ الشَّيْخ علم الدّين الْعِرَاقِيّ الضَّرِير

- ‌1378 - عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن

- ‌1379 - عبد الْملك بن أَحْمد بن عبد الْملك تَقِيّ الدّين الأرمنتي

- ‌1380 - عبد الْمُؤمن بن خلف بن أبي الْحسن بن شرف ابْن الْخضر بن مُوسَى التوني الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي

- ‌1381 - عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحْمَن الإخميمي المراغي

- ‌1382 - عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن ذُؤَيْب الْأَسدي

- ‌1383 - عُثْمَان بن عَليّ بن يحيى بن هبة الله بن إِبْرَاهِيم بن الْمُسلم القَاضِي فَخر الدّين ابْن بنت أبي سعد

- ‌1384 - عُثْمَان بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل القَاضِي فَخر الدّين أَبُو عَمْرو الطَّائِي الْمَعْرُوف بِابْن خطيب جبرين

- ‌1385 - عَليّ بن أَحْمد بن أسعد بن أبي بكر الأصبحي اليمني

- ‌1386 - عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن دَاوُد الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن بن الْعَطَّار

- ‌1387 - عَليّ بن أَحْمد بن جَعْفَر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الظَّاهِر ابْن عبد الْوَلِيّ بن الْحُسَيْن بن عبد الْوَهَّاب بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم ابْن عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد ابْن أبي هَاشم بن دَاوُد بن الْقَاسِم بن إِسْحَاق بن عبد الله ابْن جَعْفَر بن أبي طَالب

- ‌1388 - عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف قَاضِي الْقُضَاة الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي

- ‌1389 - عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن مَنْصُور بن عَليّ

- ‌1390 - عَليّ بن الْحُسَيْن السَّيِّد شرف الدّين الْحُسَيْنِي

- ‌1391 - عَليّ بن عبد الله بن أبي الْحسن بن أبي بكر الأردبيلي

- ‌1392 - عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعلي

- ‌1393 - عَليّ بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام ابْن حَامِد بن يحيى بن عمر بن عُثْمَان بن عَليّ بن مسوار بن سوار ابْن سليم السُّبْكِيّ

- ‌ذكر شَيْء من الرِّوَايَة عَنهُ

- ‌ذكر شَيْء من ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ رضي الله عنه وعنهم ونفعنا بِهِ وبهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

- ‌ذكر سلسلة الْحفاظ

- ‌ذكر شَيْء مِمَّا انتحله مذهبا وارتضاه رَأيا لنَفسِهِ

- ‌الْقسم الثَّانِي مَا صَححهُ من حَيْثُ الْمَذْهَب

- ‌ذكر شَيْء من مباحثه ولطائفه الَّتِي سمعناها مِنْهُ وَلم يودعها تصانيفه وَرُبمَا وجد بَعْضهَا بِخَطِّهِ فِي مجاميعه

- ‌ذكر شَيْء من مقالاته فِي أصُول الديانَات

- ‌وَمن كَلَامه فِي التصوف والمواعظ وَالْحكم

- ‌وَفِي أصُول الْفِقْه والمنطق وَالْبَيَان والنحو وفنون الْمَغَازِي وَالسير والأنساب وَغَيرهَا

- ‌ذكر عدد مصنفاته رحمه الله

- ‌ذكر النبأ عَن وَفَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه

- ‌ذكر شَيْء مِمَّا سمعناه من مراثيه

- ‌1394 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن خطاب الشَّيْخ الإِمَام عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ

- ‌وَمن الرِّوَايَة عَنهُ

- ‌1395 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب بن مُطِيع محب الدّين بن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين

- ‌1396 - عَليّ بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن أبي الْعِزّ بن أَحْمد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ظهير الدّين الكازروني الْبَغْدَادِيّ

- ‌1397 - عَليّ بن هبة الله بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة نور الدّين بن الشهَاب الأسنائي

- ‌1398 - عَليّ بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن دَاوُد الأرجيشي

- ‌1399 - عَليّ بن يَعْقُوب بن جِبْرِيل

- ‌1400 - عمر بن أَحْمد بن أَحْمد بن مهْدي المدلجي الشَّيْخ عز الدّين النشائي

- ‌1401 - عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْحَاكِم بن عبد الرَّزَّاق

- ‌1402 - عمر بن مظفر بن مُحَمَّد بن أبي الفوارس

- ‌1403 - عمر بن أبي الْحرم بن عبد الرَّحْمَن بن يُونُس الشَّيْخ زين الدّين ابْن الكتاني

- ‌1404 - عِيسَى بن عمر بن خَالِد بن عبد المحسن المَخْزُومِي مجد الدّين ابْن الخشاب

- ‌1405 - فرج بن مُحَمَّد بن أبي الْفرج الشَّيْخ نور الدّين الأردبيلي

- ‌1406 - الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد البرزالي علم الدّين أَبُو مُحَمَّد الإشبيلي

- ‌1407 - مَحْمُود بن بِي الْقَاسِم عب الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ

- ‌1408 - مَحْمُود بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل القونوي الشَّيْخ محب الدّين

- ‌1409 - مَحْمُود بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن جملَة

- ‌1410 - مَحْمُود بن مَسْعُود بن مصلح الْفَارِسِي الإِمَام قطب الدّين الشِّيرَازِيّ

- ‌1411 - هبة الله بن عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن الْمُسلم ابْن هبة الله الْجُهَنِيّ

- ‌1412 - يحيى بن عبد الله بن عبد الْملك أَبُو زَكَرِيَّا الوَاسِطِيّ

- ‌1413 - يحيى بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف السُّبْكِيّ

- ‌1414 - يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن جملَة المحجي

- ‌1415 - يُوسُف بن دانيال بن منكلي بن صرفا

- ‌1416 - يُوسُف بن سُلَيْمَان بن أبي الْحسن بن إِبْرَاهِيم الْخَطِيب جمال الدّين

- ‌1417 - يُوسُف بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن عَليّ بن عبد الْملك ابْن عَليّ بن أبي الزهر الْكَلْبِيّ الْقُضَاعِي الدِّمَشْقِي

- ‌1418 - يُونُس بن أَحْمد بن صَلَاح

- ‌1419 - يُونُس بن عبد الْمجِيد بن عَليّ بن دَاوُد الْهُذلِيّ

الفصل: ‌وما ذكره الفقير إلى الله تعالى إبراهيم الجاربردي في جواب الجواب لعضد الدين الشيرازي نصرة لوالده الشيخ فخر الدين أحمد الجاربردي تجاوز الله عن الجميع

فَإِن قلت من على هَذَا التَّقْدِير للتَّبْعِيض فَتكون السُّورَة بعض مثله يقتضى مماثلتها

قلت الْمَأْمُور بِهِ السُّورَة الْمُطلقَة وَمن يحْتَمل أَن تكون لابتداء الْغَايَة وَإِن سلم أَنَّهَا للتبغيض فالمماثلة إِنَّمَا يعلم حُصُولهَا للسورة بالاستلزام فَلم يتحدوا وَلم يؤمروا إِلَّا بهَا من حَيْثُ هِيَ مُطلقَة لَا من حَيْثُ مَا اقْتَضَاهُ الاستلزام من الْمُمَاثلَة فَإِن الْمُمَاثلَة بالمطابقة فِي الْكل الْمبعض لَا فِي الْبَعْض فَإِن لزم حُصُولهَا فِي الْبَعْض فَلَيْسَ من اللَّفْظ

وَبِهَذَا يعرف الْجَواب عَن قَول من قَالَ مَا الْفرق بَين فَأتوا بِسُورَة كائنة من مثل مَا نزلنَا وفَأتوا من مثل مَا نزلنَا بِسُورَة فَنَقُول الْفرق بَينهمَا مَا ذَكرْنَاهُ فَإِن الْمَأْمُور بِهِ فِي الأول سُورَة مَخْصُوصَة وَفِي الثَّانِي سُورَة مُطلقَة من حَيْثُ الْوَضع وَإِن كَانَت بَعْضًا من شَيْء مَخْصُوص

وَالله أعلم

‌وَمَا ذكره الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم الجاربردي فِي جَوَاب الْجَواب لعضد الدّين الشِّيرَازِيّ نصْرَة لوالده الشَّيْخ فَخر الدّين أَحْمد الجاربردي تجَاوز الله عَن الْجَمِيع

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمد لله وَبِه أستعين وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين وصلى الله عَلَيْهِ وَسلم على خَاتم النَّبِيين وَإِمَام الْمُرْسلين سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم أَجْمَعِينَ

أما بعد فَيَقُول الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم الجاربردي بَيْنَمَا كنت أَقرَأ كتاب

ص: 60

الْكَشَّاف فِي سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة بَين يَدي من هُوَ أفضل الزَّمَان لَا بالدعاوي بل بِاتِّفَاق أهل الْعلم والعرفان أَعنِي من خصّه الله تَعَالَى بأوفر حَظّ من الْعَلَاء وَالْإِحْسَان مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا وسندنا الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين الدَّاعِي إِلَى رب الْعَالمين قامع المبتدعين وَسيف المناظرين إِمَام الْمُحدثين حجَّة الله على أهل زَمَانه والقائم بنصرة دينه فِي سره وإعلانه بقلمه وَلسَانه خَاتِمَة الْمُجْتَهدين بركَة الْمُؤمنِينَ أستاذ الأستاذين قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب السُّبْكِيّ لَا زَالَت رباع الشَّرْع معمورة بِوُجُودِهِ ورياض الْفضل مغمورة بجوده وَيرْحَم الله عبدا قَالَ آمين إِذْ وصلت إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَأتوا بِسُورَة من مثله} فَرَأَيْت عِنْد بعض الْفُضَلَاء الْحَاضِرين شَيْئا من كَلَام القَاضِي عضد الدّين الشِّيرَازِيّ على كَلَام وَالِدي الَّذِي كتبه على سُؤَاله الْمَشْهُور عَن الْفرق بَين فَأتوا بِسُورَة كائنة من مثل مَا نزلنَا وفَأتوا من مثل مَا نزلنَا بِسُورَة

فَأَخَذته مِنْهُ رَجَاء أَن أطلع على بَدَائِع من رموزه وودائع من كنوزه فَوَجَدته قد فطم عَن ارتضاع أخلاف التَّحْقِيق وَحرم عَن الاغتراف من بَحر التدقيق جعل الْإِيرَاد عنادا وَالْمَنْع ردا وَالرَّدّ صدا وَالسُّؤَال نضالا وَالْجَوَاب غيابا ركب عميا وخبط خبط عشوا وَقَالَ مَا هُوَ تَقول وافترا وَكَلَام وَالِدي مِنْهُ برا كَأَنَّهُ طبع على اللغا أَو جبل طينه من المرا فمزج الشهد بالسم وَأكل الشّعير وذم فأضحت حَرَكَة

ص: 61

الهمة فِي اسْتِيفَاء الْقصاص فَكتبت هَذِه الرسَالَة المسماه بِالسَّيْفِ الصارم فِي قطع الْعَضُد الظَّالِم ولأجازيه عَن حَسَنَاته الْعشْر بأمثالها قَالَ الله تَعَالَى {وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل} وَقَالَ تَعَالَى {والجروح قصاص} وجراحة اللِّسَان أعظم من جِرَاحَة السنان

قَالَ الشَّاعِر

(جراحات السنان لَهَا التئام

وَلَا يلتام مَا جرح اللِّسَان)

وَقَالَ آخر

(وَبَعض الْحلم عِنْد الْجَهْل

للذلة إذعان)

(وَفِي الشَّرّ نجاة حِين

لَا ينجيك إِحْسَان)

وَقَالَ آخر

(لَا تطمعوا أَن تهينونا ونكرمكم

وَأَن نكف الْأَذَى عَنْكُم وتؤذونا)

وأسأل الله تَعَالَى التَّوْفِيق وَبِيَدِهِ أزمة التَّحْقِيق

أَقُول أَيهَا السَّائِل رَحِمك الله أما قَوْلك فِي الْجَواب إِنَّه كَلَام تمجه الأسماع وتنفر عَنهُ الطباع إِلَى آخِره فَنَقُول بِمُوجبِه لَكِن بِالنِّسْبَةِ إِلَى من كَانَت حاسته غير سليمَة أَو سد عَن الإصاغة إِلَى الْحق سَمعه وأبى أَن ينْطق بِالْحَقِّ لِسَانه وَهَذَا قريب مِمَّا حكى الله سبحانه وتعالى عَن الْكفَّار المعاندين {وَقَالُوا قُلُوبنَا فِي أكنة مِمَّا تدعونا إِلَيْهِ وَفِي آذاننا وقر وَمن بَيْننَا وَبَيْنك حجاب}

ص: 62

وقولك كم عرض على ذِي طبع سليم وَذي ذهن مُسْتَقِيم فَلم يفهم مَعْنَاهُ وَلم يعلم مؤداه

نقُول هَذَا كَلَام متهافت إِذْ لَو كَانُوا ذَا طبع سليم وذهن مُسْتَقِيم لفهموا مَعْنَاهُ وتفطنوا لموجبه ومتقضاه فَإِن ذَا الطَّبْع السَّلِيم من يدْرك اللمحة وَإِن لطف شَأْنهَا ويتنبه على الرمزة وَإِن خَفِي مَكَانهَا وَيكون مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها وَلَكنهُمْ كَانُوا مثلك كزا جاسيا وغليظا جَافيا غير دارين بأساليب النّظم والنثر غير عَالمين كَيفَ يرتب الْكَلَام ويؤلف وَكَيف ينظم ويرصف {أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ أَو يعْقلُونَ إِن هم إِلَّا كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا} أما سَمِعت قَول بعض الْفُضَلَاء

(عَليّ فحص الْمعَانِي من مكامنها

وَمَا عَليّ إِذا لم تفهم الْبَقر)

أَو نقُول فَرضنَا أَنهم كَمَا زعمت ذَا فهم سليم وطبع مُسْتَقِيم لكِنهمْ مَا اشتغلوا بالعلوم حق الِاشْتِغَال فَأَيْنَ هم من فهم هَذَا الْمقَال أما سمعُوا قَول من قَالَ

(لَو كَانَ هَذَا الْعلم يدْرك بالمنى

مَا كَانَ يبْقى فِي الْبَريَّة جَاهِل)

وَقَول آخر

(لَا تحسب الْمجد تَمرا أَنْت آكله

لن تبلغ الْمجد حَتَّى تلعق الصبرا)

وَمَعَ أَن أَمْثَال هَذِه الغوامض كَمَا نبه عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ لَا يكْشف عَنْهَا من الْخَاصَّة

ص: 63

إِلَّا أوحدهم وأخصهم وَإِلَّا واسطتهم وفصهم وعامتهم عماة عَن إِدْرَاك حقائقها بأحداقهم عناة فِي يَد التَّقْلِيد لَا يمن عَلَيْهِم بجز نواصيهم وإطلاقهم هَذَا مَعَ أَن مقامات الْكَلَام مُتَفَاوِتَة فَإِن مقَام الإيجاز يباين مقَام الإطناب والمساواة وخطاب الذكي يباين خطاب الغبي فَكَمَا يجب على البليغ فِي موارد التَّفْصِيل والإشباع أَن يفصل ويشبع فَكَذَلِك الْوَاجِب عَلَيْهِ فِي خطاب الْإِجْمَال والإيجاز أَن يجمل ويوجز

أنْشد الجاحظ

(يرْمونَ بالخطب الطوَال وَتارَة

وَحي الملاحظ خيف الرقباء)

وأئمة صناعَة البلاغة يرَوْنَ سلوك هَذَا الأسلوب فِي أَمْثَال هَذِه المقامات من كَمَال البلاغة وإصابة المحز

فَنَقُول إِنَّمَا أوجز الْكَلَام وأوهم المرام اختبارا لتنبيهك أَو مِقْدَار تنبهك أَو نقُول عدل عَن التَّصْرِيح احْتِرَازًا عَن نِسْبَة الْخَطَأ إِلَيْك صَرِيحًا والعدول عَن التَّصْرِيح بَاب من البلاغة يُصَار إِلَيْهِ كثيرا وَإِن أورث تَطْوِيلًا

وَمن الشواهد لما نَحن فِيهِ شَهَادَة غير مَرْدُودَة رِوَايَة صَاحب الْمِفْتَاح عَن القَاضِي شُرَيْح أَن رجلا أقرّ عِنْده بِشَيْء ثمَّ رَجَعَ يُنكر فَقَالَ لَهُ شُرَيْح شهد عَلَيْك

ص: 64

ابْن أُخْت خالتك آثر شُرَيْح التَّطْوِيل ليعدل عَن التَّصْرِيح بِنِسْبَة الحماقة إِلَى الْمُنكر لكَون الْإِنْكَار بعد الْإِقْرَار إدخالا للعنق فِي ربقة الْكَذِب لَا محَالة

وَأما قَوْلك ثَانِيًا فسره بِمَا لَا يدل عَلَيْهِ بمطابقة وَلَا بتضمن وَلَا بِالْتِزَام ثمَّ تَقول حَاصله كَذَا

فنفيت أَولا الدلالات ثمَّ أثبت ثَانِيًا لَهُ معنى وذكرته فَأَنت كَاذِب إِمَّا فِي الأول أَو الثَّانِي

وَأَيْضًا قد قلت أَولا بِأَنَّهُ كهذيان المحموم لَيْسَ لَهُ مَفْهُوم ثمَّ قلت حَاصله كَذَا

فقد أدخلت عُنُقك فِي ربقة الْكَذِب اتقِي الله فَإِن الْكَذِب صَغِيرَة والإصرار عَلَيْهَا كَبِيرَة والمعاصي تجر إِلَى الْكفْر قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين أساؤوا السوأى أَن كذبُوا بآيَات الله}

ثمَّ إِن قَوْلك حَاصله أَن ثُبُوت أحد الْأَمريْنِ هَاهُنَا مُتَحَقق وَأَن التَّرَدُّد فِي التَّعْيِين فحقيق أَن يسْأَل عَنهُ بِالْهَمْزَةِ مَعَ أم دون هَل مَعَ أَو فَإِنَّهُ سُؤال عَن أصل الثُّبُوت

يُوهم أَنَّك الَّذِي استنبطت هَذَا الْمَعْنى من كَلَامه وفهمته مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِك بل لما بلغك هَذَا الْجَواب بقيت حائرا مَلِيًّا لَا تفهم مؤداه وَلَا تعلم مَعْنَاهُ وَكنت تعرضه على نمن زعمت أَنهم كَانُوا ذَا طبع سليم وَفهم مُسْتَقِيم فَمَا فَهموا مَعْنَاهُ وَمَا عثروا على مؤداه فصرت ضحكة للضاحكين وسخرة للساخرين فَلَمَّا حَال الْحول وانتشر القَوْل

ص: 65

جَاءَ ذَاك الإِمَام الألمعي أَعنِي الشَّيْخ أَمِين الدّين حاجي دادا وتمثل بَين يَدي وَالِدي وَقَالَ كَمَا قلت

(أفيضوا علينا من المَاء فيضا

فَنحْن عطاش وَأَنْتُم وُرُود)

فقرأه عَلَيْهِ قِرَاءَة تَحْقِيق وإتقان وتدقيق فَلَمَّا كشف الْوَالِد لَهُ الغطاء ظهر لَهُ أَن كلامك كَانَ {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن مَاء} فجَاء إِلَيْك وأفرغ فِي صماخيك وَأقر عَيْنَيْك فَكَانَ من الْوَاجِب عَلَيْك أَن تَقول حَاصله كَذَا على مَا فهمته من بعض تلامذته لِئَلَّا يكون انتحالا فَإِن ذَلِك خِيَانَة وَالله لَا يحب الخائنين

فَإِن كابرت وجعلتني من المدعين فَقل {فأت بهَا إِن كنت من الصَّادِقين} فَأَقُول أما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِرَة فَكفى بِاللَّه شَهِيدا بَيْننَا وَبَيْنكُم وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدُّنْيَا ففضلاء تبريز فَإِنَّهُم عالمون بِالْحَال عارفون بِأَن الْأَمر على هَذَا المنوال وَلِهَذَا مَا وسعك أَن تكْتب هَذِه الهذيانات وَأَنت فِي تبريز مَخَافَة أَن تصير هزأة للساخرين وضحكة للناظرين بل لما انْتَقَلت إِلَى أهل بلد لَا يَدْرُونَ مَا الصَّحِيح تَكَلَّمت بِكُل قَبِيح لَكِن وَقعت فِيمَا خفت مِنْهُ

وَأما قَوْلك ثَالِثا لَا نسلم تحقق أحد الْأَمريْنِ حَقِيقَة إِلَى آخر مَا قُلْتُمْ فكله مُخَالف للظَّاهِر وَالْأَصْل عَدمه وَتَحْقِيق الْجَواب فِيهِ يظْهر مِمَّا أذكرهُ فِي آخر الْجَواب الرَّابِع

وَأما قَوْلك رَابِعا إِن أَو هَذِه هِيَ الإضرابية أَفَهَذَا باعك فِي الْأَوْجه الإعرابية

ص: 66

فَنَقُول

أَولا لَا شكّ أَنَّك عِنْد تسطير هَذَا السُّؤَال مَا خطر لَك هَذَا بالبال بل لما اعْترض عَلَيْك تمحلت هَذَا الْمقَال

وَثَانِيا الْمِثَال الَّذِي ذكرته غير مُطَابق لكلامك لَو فَرضنَا أَنه من كَلَام الفصحاء

وثالثا أَنه لَا يَسْتَقِيم أَن تكون أَو فِي كلامك للإضراب لفَوَات شَرطه فَإِن إِمَام هَذَا الْفَنّ سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا أجَاز أَو الإضرابية بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا تقدم نفي أَو نهي وَالثَّانِي إِعَادَة الْعَامِل نَحْو مَا قَامَ زيد أَو مَا قَامَ عَمْرو وَلَا يقم زيد أَو لَا يقم عَمْرو نَقله عَنهُ ابْن عُصْفُور هَكَذَا مَذْكُور فِي مغنى اللبيب عَن كتب الأعاريب ثمَّ قَالَ مُصَنفه ابْن هِشَام الْمصْرِيّ رحمه الله وَمِمَّا يُؤَيّد نقل ابْن عُصْفُور أَن سِيبَوَيْهٍ رحمه الله قَالَ فِي {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} وَلَو قلت أَو لَا تُطِع كفورا انْقَلب الْمَعْنى يَعْنِي يصير إضرابا عَن النَّهْي الأول ونهيا عَن الثَّانِي فَقَط

انْتهى

فَلَا يُمكن حمل أَو فِي كلامك على الإضراب فَظهر من التَّقْصِير بَاعه فِي علم الْإِعْرَاب أمثلك يعرض بِهَذَا لمن كَانَ أدنى تلامذته فَارِسًا فِي علم الْإِعْرَاب مقدما فِي جملَة الْكتاب لَكِن نَحْوك انحصر فِي الْجمل الَّذِي صنف لصبيان الْكتاب وَحرمت من الْكُنُوز الَّتِي أودعها سِيبَوَيْهٍ فِي الْكتاب

ثمَّ على تَقْدِير تَسْلِيم إتْيَان أَو للإضراب مُطلقًا كَمَا ذهب إِلَيْهِ بَعضهم لَا ينْدَفع الْإِيرَاد لِأَن من شَرط ارْتِفَاع شَأْن الْكَلَام فِي بَاب البلاغة صدوره من بليغ عَالم بجهات البلاغة بَصِير يطْرق حسن الْكَلَام وَأَن يكون السَّامع مُعْتَقدًا أَن الْمُتَكَلّم قصد هَذَا فِي تركيبه عَن علم مِنْهُ لَا أَنه وَقع مِنْهُ اتِّفَاقًا بِلَا شُعُور مِنْهُ فَإِنَّهُ إِذا أَسَاءَ

ص: 67

السَّامع اعْتِقَاده بالمتكلم رُبمَا نسبه فِي تركيبه ذَلِك إِلَى الْخَطَأ وَأنزل كَلَامه منزلَة مَا يَلِيق بِهِ من الدرجَة النَّازِلَة

وَمِمَّا يشْهد لَك مَا نقل صَاحب الْمِفْتَاح عَن عَليّ رضي الله عنه أَنه كَانَ يشيع جَنَازَة فَقَالَ لَهُ قَائِل من المتوفي بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل سَائِلًا عَن الْمُتَوفَّى فَلم يقل فلَان بل قَالَ الله تَعَالَى ردا لكَلَامه عَلَيْهِ مخطئا إِيَّاه منبها لَهُ بذلك على أَنه كَانَ يجب أَن يَقُول من الْمُتَوفَّى بِلَفْظ الْمَفْعُول وَيُقَال إِن هَذَا الْوَاقِع كَانَ أحد الْأَسْبَاب الَّتِي دَعَتْهُ إِلَى اسْتِخْرَاج علم النَّحْو فَأمر أَبَا الْأسود الدؤَلِي بذلك فَأخذ فِيهِ فَهُوَ أول أَئِمَّة علم النَّحْو رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ

وَلَا شكّ أَنه يُقَال توفى على الْبناء للْفَاعِل أَي أَخذ وَحِينَئِذٍ يكون كِنَايَة عَن مَاتَ بِمَعْنى أَن الْمَيِّت أَخذ بالتمام مُدَّة عمره فَمَاتَ فالمتوفي هُوَ الْمَيِّت بطرِيق الْكِنَايَة وَيُقَال توفّي على الْبناء للْمَفْعُول أَي أَخذ روحه وَحِينَئِذٍ يكون الْمَيِّت هُوَ الْمُتَوفَّى حَقِيقَة والمتوفي هُوَ الله وَلما سَأَلَ من هُوَ من الأوساط من عَليّ كرم الله وَجهه

ص: 68

عَن الْمَيِّت بِلَفْظ المتوفي الَّذِي هُوَ من تركيب البلغاء أَجَابَهُ بِمَا يَلِيق بِهِ أَن المتوفي هُوَ الله تَعَالَى وَفِيه بَيَان أَنه يجب أَن يَقُول من الْمُتَوفَّى بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول الَّذِي يَلِيق بِهِ كَمَا يَقُوله الأوساط لِأَنَّهُ لَا يخْشَى الْكِنَايَة

وَإِذا سَمِعت مَا تلونا عَلَيْك وتأملت الْمَقْصُود من إيرادنا هَذَا الْكَلَام عَلَيْك يتنفس الْجَواب عَن الثَّالِث وَالرَّابِع فِي ذهنك النَّفس الْجَلِيّ

وَأما قَوْلك خَامِسًا هَب هَذَا خطأ صَرِيحًا أَلَيْسَ الْمَقْصُود هُنَا كالصبح فَمَا كَانَ لَو اشتغلت بِالْجَوَابِ

فَنَقُول الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْأَئِمَّة قد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يكْتب على الْفَتْوَى إِلَّا بعد تَصْحِيح السُّؤَال

وَالثَّانِي أَنه يحْتَمل أَن يكون قد أحسن الظَّن فِي حَقك بِأَن مثل هَذَا لَا يخفى عَلَيْك وَمَعَ ذَلِك يكون قد خطر لَهُ أَنَّك قد فعلت هَذَا امتحانا هَل يتفطن أحد لتركيبك أم لَا فعلى هَذَا كَيفَ يتَعَدَّى عَن التَّنْبِيه إِلَى الْمَقْصُود

وَأما قَوْلك سادسا قد أوجب الشَّرْع رد التَّحِيَّة وَالسَّلَام

فَالْجَوَاب عَنهُ أَيْضا من وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَن الْوَاجِب هُوَ الرَّد لَا الْكِتَابَة فَيحْتَمل أَن يكون قد رد بِلِسَانِهِ وَمَا كتب وَمَا أعرف أحدا من الْأَصْحَاب قَالَ بِوُجُوب الْكِتَابَة أَو مَا سَمِعت مَا أجَاب الْفُضَلَاء عَن الْمُزنِيّ حَيْثُ قيل إِنَّه لم يكْتب أول الْمُخْتَصر بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

وَالثَّانِي أَنَّك زعمت فِي الْوَجْه الثَّامِن أَنَّك مَا خصصته بالسؤال بل أوردته على وَجه التَّعْمِيم والإجمال

فَنَقُول حِينَئِذٍ لَا يجب عَلَيْهِ بِعَيْنِه رد السَّلَام بل على وَاحِد لَا بِعَيْنِه لَكِن أعذرك

ص: 69

فِي مَسْأَلَة رد التَّحِيَّة لِأَنَّك فِي الْفِقْه مَا وصلت إِلَى بَاب الطَّهَارَة فَكيف بمسائل تذكر فِي أَوَاخِر الْفِقْه

وَأما قَوْلك سابعا زعم أَنه من بَنَات خلع عَلَيْهِنَّ الثِّيَاب

فَالْجَوَاب عَنهُ أَن الزَّعْم قَول يكون مَظَنَّة للكذب وَمَا ذكره من الْحق الأبلج وَمن ظن خلاف ذَلِك فقد وَقع فِي الْبَاطِل اللجلج لِأَن مُرَاده ببنات خلع عَلَيْهِنَّ الثِّيَاب نتائج فكره الَّتِي انتشرت فِي الْبِلَاد كشرح الْمِنْهَاج والمصباح وَشرح التصريف والنكات وحواشي شرح الْمفصل والمفصل والمفتاح وحواشي المصابيح وَشرح السّنة وحواشي الكشال وحواشي الطوالع والمطالع وَشرح الإشارات وَغير ذَلِك مِمَّا يطول ذكره

وقولك فَلَا ريب فِي أَنَّهَا تكون ميتَة أَو بالية دَال على جهلك لِأَن قَول الْعَالم لَا يَمُوت وَلَو مَاتَ الْعَالم وَلِهَذَا يحْتَج بِهِ أما قَالَ بَعضهم الْعلمَاء باقون مَا بَقِي الدَّهْر أعيانهم مفقودة وآثارهم فِي الْقُلُوب مَوْجُودَة

قَوْلك مصداق كَلَامه أَن ينبش عَنْهَا فنرى ماهيه

ص: 70

قلت الحذر الحذر فَإِنَّهَا نَار حامية

وقولك أَو يَأْتِي بِمِثْلِهَا فنرى ماهيه

قلت نعم لَكِن بِشَرْط أَن تنْزع من صماخيك صمام الصمم حَتَّى أفرغ فِيهَا شَيْئا من مبَاحث الحكم

فَأَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فَمَا ذكره وَالِدي فِي الْفرق أَن صَاحب الْكَشَّاف إِنَّمَا حكم بِأَن قَوْله {من مثله} إِذا كَانَ صفة سُورَة يجوز أَن يعود الضَّمِير إِلَى {مَا} وَإِلَى {عَبدنَا} وَإِذا كَانَ مُتَعَلقا بفأتوا تعين أَن يكون الضَّمِير للْعَبد لِأَنَّهُ إِذا كَانَ صفة فَإِن عَاد الضَّمِير إِلَى {مَا} تكون {من} زَائِدَة كَمَا هُوَ مَذْهَب الْأَخْفَش فِي زِيَادَة من إِذْ الْمَعْنى حِينَئِذٍ فَأتوا بِسُورَة من مثل الْقُرْآن فِي حسن النّظم واستقامة الْمَعْنى وفخامة الْأَلْفَاظ وجزالة التَّرْكِيب وَلَيْسَ النّظر إِلَى أَن يكون مثل بعض الْقُرْآن أَو كُله بل لَا وَجه لهَذَا الِاعْتِبَار يُؤَيّدهُ قَوْله تَعَالَى فِي مَوضِع آخر {فَأتوا بِسُورَة مثله وَادعوا من اسْتَطَعْتُم من دون الله} وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوضِع آخر {فَأتوا بِعشر سور مثله مفتريات وَادعوا من اسْتَطَعْتُم من دون الله} فَلَا تكون من لتبعيض وَلَا ابتدائية لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُود أَن يكون مُبْتَدأ الْإِتْيَان هَذَا أَو ذَاك

وَإِن عَاد الضَّمِير إِلَى {عَبدنَا} تكون من ابتدائية وَهُوَ ظَاهر

وَأما إِذا كَانَ {من مثله} مُتَعَلقا بفأتوا فَلَا يجوز أَن تكون من زَائِدَة لِأَن حرف الْجَرّ إِذا كَانَ زَائِدا لَا يكون مُتَعَلقا بِشَيْء فَتعين أَن يكون الْمَعْنى فَأتوا بِسُورَة من مثل عَبدنَا وَتَكون من ابتدائية

ثمَّ قَالَ أَو نقُول إِنَّمَا قَالَ صَاحب الْكَشَّاف إِن {من مثله} إِن كَانَ صفة سُورَة

ص: 71

يحْتَمل عود الضَّمِير إِلَى {مَا} وَإِلَى {عَبدنَا} لصِحَّة أَن يُقَال سُورَة كائنة من مثل مَا نزلنَا بِأَن تكون السُّورَة بعض مثل مَا نزل أَو يكون مثل مَا نزل مُبْتَدأ نُزُوله ولصحة أَن يُقَال سُورَة كائنة من مثل عَبدنَا بِأَن يكون قد قَالَه وَيكون تركيبه وَكَلَامه

وَأما إِن كَانَ {من مثله} مُتَعَلقا بفأتوا فَيتَعَيَّن أَن يكون عَائِدًا إِلَى {عَبدنَا} لِاسْتِقَامَةِ أَن يُقَال فَأتوا من مثل عَبدنَا أَي من عبد مثله بِأَن يكون كَلَامه وَلَا يَسْتَقِيم أَن يُقَال فَأتوا من عبد مثل مَا نزلنَا أَي من جِهَته إِذْ لَا يَسْتَقِيم أَن يُقَال أَتَى هَذَا الْكَلَام من فلَان إِلَّا إِذا كَانَ ذَلِك الفلان مِمَّن يُمكن أَن يكون هَذَا كَلَامه وَيكون هَذَا الْكَلَام مَنْقُولًا مِنْهُ مرويا عَنهُ وَهَذَا ظَاهر وَلِهَذَا مَا بسط الزَّمَخْشَرِيّ الْكَلَام فِيهِ بل اقْتصر على ذكره وَالله أعلم

وَأما قَوْلك ثامنا إِن السُّؤَال لم يخص بِهِ مُخَاطب دون مُخَاطب

فَهَذَا كَلَام المجانين لِأَنَّك بعثت هَذَا السُّؤَال على يَد الشَّيْخ عَلَاء الدّين الباوردي إِلَى خدمته وَطلبت مِنْهُ الْجَواب لَكِن لما اشْتبهَ عَلَيْك القَوْل أخذت تبدي النزق والعول فَتَارَة تمنع وتخاله صَوَابا وَأُخْرَى ترد وتظنه جَوَابا أما تستحيي من الْفُضَلَاء الَّذين كَانُوا مطلعين على هَذَا الْحَال وَلَقَد صدق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ (إِن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة الأولى إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت)

ص: 72

ثمَّ إِن الَّذِي يقْضى مِنْهُ الْعجب حالك فِي قلَّة الْإِنْصَاف وفرط الْجور والاعتساف وَذَلِكَ أَن هَذَا مَا هُوَ أول سُؤال سَأَلته عَنهُ بل مَا زلت مُنْذُ توليت الْقَضَاء كلا عَلَيْهِ حَيْثُ سرت غير منفك من اقتباس الْأَحْكَام من فَتَاوِيهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهت تسأله فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة عَن النقير والقطمير ثمَّ فِي تضاعيف ذَلِك لما سَأَلته عَن آيَة من التَّفْسِير ونبهك على تَصْحِيح التَّقْرِير جَاشَتْ مِنْك الحمية فشرعت تجحد فَضله وتنكر سبقه هَيْهَات هَيْهَات

(اتَّسع الْخرق على الراقع

)

وقولك راعيت فِيهِ طَرِيق التَّعْظِيم والإجلال

نعم هَذَا كَانَ الْوَاجِب عَلَيْك لِأَنَّك أَنْت السَّائِل والسائل كالمتعلم والمسئول كالمعلم فَالْوَاجِب عَلَيْك تَعْظِيمه وَعَلِيهِ أَن يرشدك وَقد فعل بِأَن هداك إِلَى تَصْحِيح السُّؤَال

وقولك فَأنى رأى نَفسه أَهلا لهَذَا الْخطاب

قلت من فضل الله الْعَظِيم أَن جعله أستاذ الْعلمَاء فِي زَمَانه {أم يحسدون النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله فقد آتَيْنَا آل إِبْرَاهِيم الْكتاب وَالْحكمَة وآتيناهم ملكا عَظِيما} وَلَقَد أحسن بديع الزَّمَان حَيْثُ قَالَ

(أَرَاك على شفا خطر مهول

بِمَا أودعت رَأسك من فضول)

(طلبت على تقدمنا دَلِيلا

مَتى احْتَاجَ النَّهَار إِلَى دَلِيل)

وقولك فَهَل لَا رده عَن نَفسه إِلَى من هُوَ أجل مِنْهُ قدرا وأنور مِنْهُ بَدْرًا

ص: 73

فَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن

الأول أَنَّك بعثت إِلَيْهِ وَسَأَلته عَنهُ فَصَارَ كفرض الْعين بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فَلِذَا قَالَ مَا حَاصله أَن السُّؤَال يحْتَاج إِلَى التَّصْحِيح بِالنّظرِ الدَّقِيق ليصير مُسْتَحقّا للجواب من أهل التَّحْقِيق

وَالثَّانِي قل لي من كَانَ فِي الْبَين فِي ذَلِك الزَّمَان مِمَّن يماثله أَو يدانيه

وقولك فِي هَذِه الْبَلدة من زعماء التَّحْرِير وعلماء النحارير

فَمُسلم لَكِن كلهم أَو أَكْثَرهم تلامذته أَو من تلامذة تلامذته وَهَذَا مِمَّا لَا يُنكره غير جَاهِل مارد أَو حَاسِد معاند أَو مَا كَانُوا يهذبون إِلَى دُرَر فَوَائده من كل فج عميق ويتزاحمون على اجتلاب دُرَر مباحثه فريقا بعد فريق وَمَا أحسن قَول من قَالَ

(وجحود من جحد الصَّباح إِذا بدا

من بعد مَا انتشرت لَهُ الأضواء)

(مَا دلّ أَن الشَّمْس لَيْسَ بطالع

بل أَن عينا أنْكرت عمياء)

وَأما قَوْلك تاسعا البليغ من عدت هفواته والجواد من حصرت عثراته إِلَى آخر مَا هذيت

فَالْجَوَاب عَنهُ حاشا أَن يكون من البلغاء الَّذين تكون هفواتهم مَعْدُودَة أَو من الْجواد الَّذِي تكون عثراته محصورة فَإنَّك قد عثرت فِي هَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب تعثيرا كثيرا كَمَا ترى وَلَوْلَا دعدعتنا لَك لبقيت عاثرا أبدا وَقد قيل

(لحى الله قوما لم يَقُولُوا لعاثر

وَلَا لِابْنِ عَم كَبه الدَّهْر دعدعا)

ص: 74

بل أَنْت مثل قَول الشَّاعِر

(فضول بِلَا فضل وَسن بِلَا سنا

وَطول بِلَا طول وَعرض بِلَا عرض)

وَأما قَوْلك عاشرا أَظُنك قد غَرَّك رَهْط قد احتفوا من حولك وألقوا السّمع إِلَى قَوْلك إِلَى الآخر

فَالْجَوَاب أَن هَذَا ظن فَاسد قد نَشأ من سوء فهمك وَخطأ قياسك لِأَنَّك قسته على نَفسك وَالْأَمر على عكس ذَلِك لِأَنَّك قد ركبت الشطط والأهوال وبذلت الْعُمر وَالْأَمْوَال حَتَّى اجْتمع عنْدك جمع من الفسقة الْجُهَّال لَا يعْرفُونَ الْحَرَام من الْحَلَال وَلَا يميزون الْجَواب عَن السُّؤَال يعظمونك فِي خطاب ويصدقونك فِي الغياب يمثلونك بذوي الرّقاب فَقل بِاللَّه قولا صَادِقا هَل تقدّمت فِي مُدَّة حَيَاته فِي مجَالِس التدريس وَحلق المناظرة وَهل عَلَيْك للْعلم جمال وأبهة أَو مَا كنت بالعامة مشتبه وبالأتراك مقتده يجرونك إِلَى كل بلد سحيق ويرمونك فِي كل فج عميق وَهل لَا سفهت رَأْي مخدومك مُحَمَّد بن الرشيد وَزِير السُّلْطَان أبي سعيد حِين بنى باسمه الْمدرسَة الحجرية فِي الرّبع الرشيدية وَحَضَرت بَين يَدَيْهِ يَوْم الإجلاس صامتا كالبرمة عِنْد الهراس وفقدت الْحَواس وَكنت كالوسواس الخناس الَّذِي يوسوس فِي صُدُور النَّاس فنعوذ بِاللَّه من أمثالك من الْجنَّة وَالنَّاس

ص: 75

وَأما الَّذين اجْتَمعُوا عِنْد وَالِدي وَاشْتَغلُوا عَلَيْهِ وتمثلوا بَين يَدَيْهِ فهم الْعلمَاء الْأَبْرَار والصلحاء الأخيار بذلوا لَهُ الْأَنْفس وَالْأَمْوَال مِنْهُم الإِمَام الْهمام الشَّيْخ شرف الدّين الطَّيِّبِيّ شَارِح الْكَشَّاف والتبيان وَهُوَ كَالشَّمْسِ لَا يخفى بِكُل مَكَان

وَمِنْهُم الإِمَام المدقق نجم الدّين سعيد شَارِح شرح الحاجبية وَالْعرُوض الساوية وَهُوَ الَّذِي سَار بِذكرِهِ الركْبَان

وَمِنْهُم النوران فرج بن أَحْمد الأردبيلي وَمُحَمّد بن أبي الطّيب الشِّيرَازِيّ وهما كالتوأمين تراضعا بلبان وَأي لبان ورتعا من أكلأ الْعُلُوم فِي عشب أخصب من نعْمَان

ص: 76

وَمِنْهُم قَاضِي الْقُضَاة نظام الدّين عبد الصَّمد وَهُوَ مِمَّا لَا يشق غباره وَلَا يخفى عَن غير الْمُعْتَرض مِقْدَاره

فكم لوالدي من مثلهم من التلامذة فِي كل بلد بِحَيْثُ إِنِّي لَو أُرِيد أَن أذكرهم بِبَعْض تراجمهم أحتاج إِلَى مجلدات فَيكون تضييعا للقرطاس وتضييقا للأنفاس فَهَؤُلَاءِ لعمري رجال إِذا أمعن المتأمل فيهم عرف أَن مَاءَهُمْ بلغ قُلَّتَيْنِ فَلم يحمل خبثا

وقولك فاقبل النَّصِيحَة

فَنَقُول يَا أَيهَا المستنصح لم لَا نصحت نَفسك حَتَّى كُنَّا سلمنَا من هَذِه الهذيانات أما سَمِعت قَوْله تَعَالَى {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم}

وَقَول الشَّاعِر

(لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله

عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم)

فَأَنت الْبَاعِث لي على هَذِه الْكَلِمَات وَإِلَّا أَيْن أَنا والبحث عَن أَمْثَال هَذِه الْأَسْرَار والخوض فِي الْجَواب عَن نتائج قرائح الأخيار قَالَ الشَّاعِر

(وَمَا النَّفس إِلَّا نُطْفَة فِي قرارة

إِذا لم تكدر كَانَ صفوا غديرها)

لَكِن الضَّرُورَة إِلَى هَذَا الْمِقْدَار دعتني وَفِي الْمثل لَو ذَات سوار لطمتني

ص: 77

قَالَ الشَّاعِر

(فنكب عَنْهُم دَرْء الأعادي

وداووا بالجنون من الْجُنُون)

ثمَّ إِنِّي أسْتَغْفر الله الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم غفار الذُّنُوب ستار الْعُيُوب وَأَتُوب إِلَيْهِ وأحلف بِاللَّه الْعَظِيم أَن القَاضِي عضد الدّين تغمده الله برحمته مَا كَانَ يعْتَقد فِي وَالِدي رحمه الله الَّذِي عرض بِهِ فِي الْجَواب بل كَانَ مُعظما لَهُ غَايَة التَّعْظِيم حضورا وغيبة وحاش لله أَن أعتقد أَيْضا فِيهِ مَا تعرضت لَهُ فِي بعض الْمَوَاضِع بل أَنا مُعظم لَهُ مُعْتَقد أَنه كَانَ من أكَابِر الْفُضَلَاء وأماثل الْعلمَاء وَكَذَا وَالِدي رحمه الله كَانَ يعظمه أَكثر من ذَلِك نعم إِنَّمَا يعرف ذَا الْفضل من النَّاس ذووه والشيطان قد ينزغ بَين الْأَحِبَّة وَالإِخْوَة وَإِنَّمَا كتبت هَذِه الْكَلِمَات اسْتِيفَاء للْقصَاص فَلَا يظنّ ظان أَنِّي محقر لَهُ فَإِنَّهُ قد يسْتَوْفى الْقصاص مَعَ التَّعْظِيم وَيعرف هَذَا من يعرف دقائق الْفِقْه

ثمَّ إِنِّي أَرْجُو من كرم الله سبحانه وتعالى أَن يتَجَاوَز عَنَّا جَمِيع مَا زلت بِهِ الْقدَم وطغى بِهِ الْقَلَم وَأَن يجعلنا مِمَّن قَالَ فِي حَقهم {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين} وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين صلى الله عليه وسلم على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ

ص: 78