المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الكفاية المالية أرسل لي أحد الزملاء من ماليزيا بحثاً محكماً للمناقشة - عذابات العلم

[خلدون ربابعة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌ما حصل قبل الكتابة

- ‌المقدمة

- ‌الأهداف العامة للكتاب

- ‌الهدف العام والرئيسي للكتاب

- ‌فئة العلماء

- ‌فئة الشباب واليافعين

- ‌فئة المربين

- ‌أهل العلم في مخيلة الناس

- ‌الأمثلة بين الواقع والتراث

- ‌اعتذار

- ‌ العذابات

- ‌مدخل للحديث عن معاناة العلماء

- ‌كلام نفيس لابن خلدون

- ‌الكفاية المالية

- ‌الصراع بين الفكر والفقر

- ‌مرض العلماء

- ‌عذابات الأهل ومعاناتهم

- ‌مرض الأهل

- ‌هدر الجهود فيما لا طائل فيه

- ‌صراع المنهج

- ‌آفة العلم

- ‌ضمور الفكر

- ‌عبودية قلم

- ‌حب الوصول والارتقاء والشهرة

- ‌الشعور بالتقصير

- ‌الخصومات والمنازعات

- ‌العلم والطائفية

- ‌مأساة التعليم

- ‌العلم والشهادات الدراسية

- ‌البحث العلمي واقع وآلام

- ‌البحث العلمي في الجامعات

- ‌هجرة العقول والكفاءات

- ‌بيع الكتب

- ‌سرقة الجهود العلمية

- ‌رهاب الإبداع

- ‌اعتذار أبي حيان عن حرقه للكتب

- ‌التذكير بالفناء

- ‌ألم الكاتب والقارئ

- ‌دواعي العلم

- ‌التعريف بما حوته الكتب

- ‌المجتمع حول العالِم

- ‌فقر وذِلَّة

- ‌التقدم في السن واليأس من الحياة

- ‌الأسوة بمن حرق كتبه

- ‌العمل الصالح والإخلاص

- ‌عودة إلى اليأس من الحياة

- ‌المرض والعلة

- ‌حالة لا تسرُّ

- ‌ختام الرسالة

- ‌وبعد إيراد رسالة أبي حيان أقول:

- ‌عذابات النشر والطباعة

- ‌نفس العالم وعزتها

- ‌مصير العلم والعلماء

- ‌آمال وتطلعات

- ‌مدخل

- ‌دعم البحث العلمي

- ‌الخطط الاستراتيجية

- ‌دراسة حالة المجتمع

- ‌حبُّ العلم

- ‌النصب التذكاري

- ‌التجربةُ العالمية

- ‌قِمَّة الهرم

- ‌تناسخ الأفكار

- ‌الترتيبات الإدارية

- ‌توبة العقل

- ‌فضاءات المعرفة

- ‌زكاة العلم

- ‌العلم وبر الوالدين

- ‌الخاتمة

- ‌مساهمات جمهور القُرَّاء

- ‌كتب أخرى للمؤلف

الفصل: ‌ ‌الكفاية المالية أرسل لي أحد الزملاء من ماليزيا بحثاً محكماً للمناقشة

‌الكفاية المالية

أرسل لي أحد الزملاء من ماليزيا بحثاً محكماً للمناقشة وإبداء الرأي، وعندما اطلعت على البحث وجدته بحثاً كتب بعناية فائقة واستهلك الجهود الكثيرة حتى برز بهذه الصورة.

وعندما كنت أقرأ في البحث تذكرت قصة حدت مع الصديق الماليزي في عمان سنة (2015 م) حيث كان صديقي لا يزال طالبا بالجامعة الأردنية وكان يأتي مع صديقين من أصدقائه يقرأون القرآن الكريم وكنت أتشرف بالجلوس معهم في بيتي.

بعد إكمال الدرس بدأ الزملاء يتحدثون مع بعضهم بلغتهم وكنت استمع ولا أفهم ما يريدون، فسألتهم ولم يجب منهم أحد. نظروا والحيرة تبدو أثارها على سلوكهم أقسمت بالله عليهم أن يخبروني ....

فقال أحدهم نحن نريد العود إلى البيت وليس معنا إلا نصف دينار، وأجره الطريق من بيتك إلى منطقة (صويلح) خمسة وسبعون قرشاً لنا الثلاثة.

أنا أريد أن أسير من هنا إلى صويلح وهما سيركبان.

فقال الأصدقاء لا لا لا لا

ص: 29

أنا أمشي أنا أمشي، ثم، وبدأت أصواتهم ترتفع حتى قلت: كفى

لن يسير منكم أحد.

وكان بعض أهل المسجد قد كلفني بتوزيع الصدقات فدخلت إلى بيت وأحضرت لهم أجرة الطريق وزيادة وقد كانت المسافة بين بيتي ومنطقة (صويلح في عمان) تزيد عن سبعة كيلو مترات.

مثل هذه الصورة تتكرر كثيراً مع طلاب العلم.

ولكن هل يسمع قرقرة بطونهم أحد!!!

وهل تكرمهم الطرقات بنثر الخيرات على جنباتها إذا ساروا وإذا مشوا!!!

صديق آخر من غانا كان يدرس اللغة العربية كان يحدثني عن صعوبة العلم والتعلم في بلادهم وفي قراهم النائية فالمدارس تحت الأشجار والكتابة في الألواح الخشبية وصعوبة وجود معلم وغير ذلك الكثير.

وما زلت احتفظ ضمن مقتنيا النفيسة بعلبة حبر أحضرها لي صديق آخر من غانا من بلادهم، وحكى لي قصه صناعه الحبر في بلادهم وعندما أمسكت ريشة الكتابة وجدت الحبر ثقيلاً نوعاً ما.

ص: 30

فقال: نسيت أن أقول لك أنه يوضع مع الحبر بعض السكر حتى يلتصق بالورق، وهذه القصة سنة (2016 م) وليست قبل مئة سنة من الآن.

ففي كل زمان ومكان تجد الصعوبات المالية تُحيط العالم وطالب العلم وكأن العلم يحب الفقر ولا ينفك عنه ولا يترك أهله.

وأستذكر مقولة فضيلة الدكتور عبد الملك السعدي حين كان يتحدث عن الصفات اللازمة وغير اللازمة فقال: الطول أو القصر من الصفات اللازمة

، أما الفقر والغنى فهما صفتان عارضتان

، أما أهل العلم فالفقر لازم لا يُفارقهم.

ومع إقرار هذ الحقيقة إلا أن بعض طلاب العلم يضعف ولا يصبر، وقد رأينا من الطلاب من انتكس وتغيرت حاله بعد معاناته الشديدة مع طلب العلم وعدم تحقيق الكفاية المالية فبعضهم يفصل من الجامعة والبعض يتنحى عن طريق العلم ويتجه إلى العمل ويترك العلم.

وليست مسألة ترك العلم والتوجه إلى العمل مسألة قلب الحروف فقط بل هي مسألة فكريه تترك في القلب حسرة وألماً لا يعلمه إلا الله.

ص: 31

تعرفت على شاب منذ حوالي عشرين سنه كان يعمل في مكتبة من مكتبات عمان وهذا الشاب ما ترك كتاباً في المكتبة إلا واطلع عليه وعرف تاريخه وطبعاته وتاريخ مؤلفه .... ، أحاط بالكتب وعشقها عشقاً لا يوصف كنت أجلس معه في المكتبة ساعات طوال لا نمل الحديث عن الكتب.

ولم يحالفه الحظ في الدراسة، لكنه أبدع وكوَّن ثقافة واسعة حول الكتب.

لكن كما قلنا سابقاً: (العلم قرين الفقر والحاجة) قلَّ بيع الكتب وتناقضت أعداد القُرَّاء، قلَّ البيع وأصبح الأجر المتحصل من البيع زهيدا، وما كان منه إلا أن ترك العمل وهجر الكتب وانتقل إلى عمل آخر، وقبل أيام من كتابه هذه الكلمات اتصلت مع صديقي وكان من حديثه:

آه .... أنا أحب الكتب

فلا حول ولا قوة إلا بالله

الحديث ذو شجون، والكلام عن الكفاية المالية للعالم لا تسعه الأوراق ولا تحده طيات الكتب وأجلادها لكن تبقى المأساة قائمة

وكم من عالم تسمُن أوراقه ولا يتسع

ص: 32

ببيته لأفكاره، واختراعاته وابتكاراته ولكن لا يشبع الخبز مع عياله.

لا يسمح لي القلم بالتعبير أكثر وأكثر، ولا تقبل الأوراق إقبالي على هتك ستور العلماء والفضلاء وقد سمعت الكثير وشاهدت الكثير من الحوادث من معاناة أهل العلم والفضل، واستحي كتابه الكثير من آلامهم ومعاناتهم مع المرض ومعاناتهم مع الفقر قصص كثيره أختم بواحدة منها تتجلى فيها الألطاف والعناية الربانية.

بعد الأحداث السورية والفتنة الكبيرة التي شهدناها منذ أعوام هاجر الملايين من سوريا إلى بلاد الجوار وكان حظ المملكة الأردنية الهاشمية ما يزيد على المليون لاجئ، وكل لاجئ منهم له تاريخه الذي يحكيه بألم ومرارة -نسأل الله العون واللطف- ومن بين هؤلاء المهاجرين عالم جليل القدر عالي المقام خطيب من الخُطباء ومُدرِّسٌ وكاتبٌ ومؤلفٌ ومصلحٌ.

يدخل الأردن فيصاب بمرض ويحتاج إلى عمليه جراحية، والعملية الجراحية تحتاج المال وتكلف ما يقارب ألف دينار أردني.

وأين هي الألف دينار؟!

ص: 33

وهل يملك مهاجر فارٌّ من الحرب إلا ثوبه وبعض حاجياته الهامَّة وحاجيات أهله الضرورية!!

تضيق الدنيا على الشيخ الجليل يدخل المشفى يُطلب منه المال

فيجيب بألم: لا يوجد معي شيء.

ويُجاب بلطف وعنف: عذراً.

ويدخل مشفى أخر ونفس الإجابة. فتضيق الدنيا بأسرها عليه.

لكن؛

وإذا العناية لاحظتك عيونها

نم فالحوادث كلهن أمان

وبينما عالِمُنا الجليل يقاسي المرض ويعاني الألم أخبره أحد الفضلاء أن طيباً في إحدى العيادات يُقدِّم مساعدات كثيرة للمرضى.

فيُسرع إليه ويتقدم الشيخ المريض بكل خجل وقبل معاينة حالته يقرأ الطبيب اسم المريض فينظر إليه ويبتسم ثم ينظر في الورقة مرةً أخرى وينظر للشيخ المريض ....

ثم ينطق الطبيب بعد توالي بسمات كثيرات

كيف حال والدك؟!

ص: 34

أنا الطبيب فلان .... أحد تلاميذ والدك في المسجد علمنا والدك وربانا وتعب في تزكية نفوسنا وتهذيبها .... وأخذ الطبيب يتحدث عن فضائل الوالد والشيخ ذهبت آلام نفسه وبقيت آلام جسده .... ويُجري له الطبيب العملية بالمجان إكراماً لله وحفظاً لحق الوالد المربي.

وأثناء المراجعة النهائية لمخطوط الكتاب وجدت فسحة في الورق فأضفت قصة صديق من أذكى الناس عرفته منذ ما يقرب من عشرين عاما، زارني في البيت وعرضت عليه مخطوط هذا الكتاب فقرأ كثيرا منه وأخذ يُحدثني عن بعض عذاباته، وذكر لي حالته وقت دخول الجامعة، وأنه خرج من قرية من قرى محافظة إربد شمالي الأردن خرج منها إلى العاصمة عمان، وبدأ دراسته الجامعية وكان متميزا بين أقرانه، لك ثيابه كانت قديمة وبالية.

يرقب حركاته أستاذ فاضل في الجامعة، ثم يصطحبه ويهديه مالا لشراء ثياب جديدة.

ثم يمرض الطالب النجيب فيأخذه الأستاذ الفاضل إلى مشفى من أعرق المشافي ويعالجه فيه، ويتم إدخال الطالب مدة أسبوع في المشفى، ويدفع الأستاذ الفاضل جميع التكاليف المالية للمشفى.

ص: 35

حياة ملؤها الألم لكن العناية والرِّعاية الرَّبانية تحيطها من كل جانب.

ص: 36