الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هدر الجهود فيما لا طائل فيه
أكثر الكتب التاريخية مبيعا تلك الكتب التي تتكلم عن شخصيات استثنائية مميزة لها الأثر في الإصلاح والتجديد، ومن هذه الشخصيات المميزة شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالكتب المؤلفة عن عمر بن الخطاب أكثر الكتب مبيعاً كتب السير والتراجم ولا نُنكرر أن بعض المرويات نالتها أيدي الوضاعين والمبالغين في فضائل عمر رضي الله عنه.
قبل حوالي عام اطَّلعت على جهد قام به أحد العلماء الفضلاء استمر جهده مدة أشهر للكتابة حول موضوع يرى أنه هام وضروري وهذا الأمر هو جمع الأحاديث المروية في فضائل عمر ونقدها وإبطال أكثرها، وقد اطلعت على جهده فوجدته جهدا عظيما يحتاج إلى ساعات طوال من العمل.
والسؤال هنا موجه للعالم الجليل:
سيدي الفاضل: هل انتهت مشكلات الأمّه ولم تبق لك إلا مشكلة تصحيح المرويات في فضائل عمر؟
سيدي الفاضل: أنت تقيم في مجتمع يعجُّ بالفتن وانا أعرف محيطه وحالته الاجتماعية
…
، ألا تعرضت لعلاج الفتن من حولك خير لك مما أجهدت نفسك في تحصيله.
حقا إنه جهد في أشياء لا حاجة لها ولا فائدة منها.
زارني في بيتي صديق عزيز من طلاب العلم الفضلاء نظر إلى مكتبتي -وأنا والحمد لله أممتلك مكتبه كبيره- كرَّر النظر إلى الكتب مراراً ....
ثم سألني بخجل واستحياء وقال:
شيخي العزيز: أنا أعتقد أن الكثير من الكلام مكرَّر بين الكتب ولا داعي لاقتناء بعضها.
ثم وقفت بجانب المكتبة وقلت لا نُنكر أن شخصية الكاتب تظهر في كتابه، وأن كل كاتب يحاول الإضافة في السياق أو الأسلوب أو النتائج أو غير ذلك.
لكن
…
صدقت فعلاً هناك كتب مكررة، وإن لم تكن مكرره لكنك تجد كثيراً من الكتب ما يزيد على 50% من مادة الكتاب مكرر.
فعجبت من معرفة هذا الطالب النجيب مع أنه لا يزال في بداية طريقه العلمي، ومن غريب ما حدث مع هذا
الطالب أني حين كنت أكتب هذه السطور، كنت وحدي ليس أمامي أحد وفي مكان بعيد عن مقام الطالب لكن وأنا أكتب عن فكرته التي أفادني طرحه وإذ بالطالب يمر أمامي.
وبعد طرح هذه الفكرة من الطالب عهدت إلى المكتبة وأخذت وحسب خبرتي في الكتب أسحب الكتب المكررة في مضمونها أسحبها إلى الخارج قليلاً بين الكتب حتى وصلت إلى نتيجة أن أغلب الكتب مكرر ليس في العنوان بل في المضمون.
وعندما كنا نتشرف بقراءة كتب الفقه في مجالس الإسناد كان يُقال لنا: إن الكتاب الذي تزداد شروحه وتكثر الحواشي عليه هو كتاب هام جدا، ومن أجلِّ كتب التراث، ثم تضرب لنا الأمثلة ببعض كتب الفقه مثلا مثل مختصر القُدوري في فقه الحنفي، والمنهاج للنووي في الفقه الشافعي وكلاهما شُرح عشرات المرَّات.
وهذه الشروحات الكثيرة ضربٌ من الحشو الزائد وبذل الجهد فيما أُلِّف وكتب فيه، وتكرار لنفس المعلومة بعبارة أخرى جديدة ربما تحمل نوعا من الجدَّة.
ومن النتائج التي ظهرت لي أن الكثير من المؤلفين الذين سلكوا منهج التكرار في التأليف أرادوا تأصيل تحصيلهم؛ بمعنى أنهم كتبوا جزءاً من مؤلفاتهم وقت طلبهم للعلم أو بعد استواء علومهم وأرادوا بذلك أن يوثقوا علومهم التي حفظوها.
وليس هذا وحسب بل إنك تجد اليوم الرسائل العملية والأبحاث المحكَّمة تعجُّ بها الجامعات والكليات وعند النظر في أكثرها تجد نفسك تائها لكثرة التكرار فيها.
أين هي نتائج الجهود التي تستهلك سنوات من حياه كل باحث، ما هي النتيجة وما هي الفائدة من هذه الدراسات
…
؟!
يجب أن نربط هذه الأعمال بقدرتها على إثبات مكانتها ومنزلتها أمام الواقع وخلاف ذلك لا نظر فيه.