الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آفة العلم
تعرض الشاعر الأردني غازي الجمل لحادث سير ودخل المشفى أياماً، وفقد ذاكرته على إثر الحادث، زاره بعض أصدقائه وذكروه بقصيده له من أجمل القصائد مطلعها:
قف شامخاً مثل المآذن طولا
…
وابعث رصاصك وابلاً سجيلاً
ويبدأ الأصدقاء يذكرون كلمات من القصيدة والشاعر المسكين فاقد للذاكرة يتذكر بعض الكلمات ويكمل بعض أبيات القصيدة، حتى وصل الشاعر إلى البيت الآتي:
نحن الذين إذا ولدنا بكرة
…
كنا على ظهر الخيول أصيلاً
وهنا يتذكر الشاعر غازي الجمل كل هذا البيت ويبكي ....
ولا أبالغ إن قلت أني قد شاهدت هذا المقطع ما يزيد على مئة مرة.
صورة الشاعر وهو يبكي ويكرر البيت الأخير لا تغيب عن مخيلتي أبداً
…
وصورةٌ أخرى لا تغيب عن مخيلتي أبداً أذكرها منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً، صورة رجل كبير السن يسير في الطرقات، ينام تحت الأشجار ويأوي في الشتاء لبيت مهجور، أشعث الشعر، يلبس من الثياب الممزق والمرقع والمتسخ، ينظر في وجوه الناس ولا يكلم أحد، يتبعه الصبيان ثم إذا نظر هاب منظرُه كل الصغار.
سألت والدي رحمه الله من هذا؟
فقال الوالد رحمه الله: هذا عالم من علماء الأمَّه وأعيانها، أمضى حياته يقرأ ويقرأ وكان خطيباً ومدرساً في أكبر المساجد يقول الناس أنه جُنَّ بسبب كثرة علمه ولكثرة ما قرأ.
كنت أخاف منه قبل هذا البيان ثم صرت أنظر إليه كثيراً، أحدِّق في عينه فيرتد إليَّ نظري حاملا أعذب الدموع وأصدقها.
وفي وسط عمان كنا نشاهد رجلاً أشعث الشعر حالته رثه يبيت على جنبات الطرقات لكن لا يفارقه ويدخل إلى المكتبات فيعطيه أصحابها كتاباً أو كتابين فيقرأ ويقرأ .........
وهذه الأمثلة هي أمثله لعلماء فضلا داوموا على القراءة والعلم ثم أصيبوا بالجنون ولا ندري هل العلم أحدث لهم هذه العاهات أم أمور أخرى، الأمر يحتاج إلى تحليلات نفسيه ودراسات على مثل هذه الحالات.
وقد شاهدت بعض طلاب العلم كان إذا نسي معلومة بدأ بضرب رأسه بشدةٍ وقسوة، وبعضهم كان يبكي لنسيان بعض الأمور الهامة من علومه ومعارفه.
النسيان آفة من الآفات التي تفتك بالعلوم والعلماء، وعلى العالم توثيق علومه ومعارفه وتقيدها بالكتابة، ونشرها بين الناس فالعلم يُحفظ بالتقيد والكتابة، ولا بد من نشره بين الناس للفائدة وحتى يُحفظ أيضا.