الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حسن، كريم، محمد محمد سعيد، محمد عبد الرحمن احمد محمد علي، حسين الآن في حلبجه في سنة وهؤلاء الأمراء منهم في إيران ومنهم في العراق، ولا يتيسر الاطلاع على تفرعاتهم، وقد رأيت بعض رؤسائهم، وكتبت عن بعض ما يتعلق بقبائلهم، ولم يتيسر أن أعرف الباقين. والمعروف أن رئيس ولد بيكي اليوم في إيران هو يعقوب بك وأخوه صالح بك أولاد فتاح بك بن سعيد بك بن صوفي بك بن بهام بك بن سيد أحمد بك ابن ظاهر بك. كما علمت ذلك من رئيسهم صالح بك نفسه.
ومن هذه المشجرات نعلم أنهم يتفرعون الى: بهرام بيكية كيخسرو بيكية ولد بيكية ومن هؤلاء يشتق أمراؤهم الموجودون. وجاء في سياحتنامهء حدود سنة 1268هـ وفي تقرير درويش باشا أيضاً أن الجاف قد توزع سلطتهم محمد بك كيخسرو بك " هو محمد باشا "، ومحمد بك بن قادر بك، ومحمد بك بن أحمد بك " من الولد بيكية "، وبين أن محمد بك كيخسرو سلطته أوسع من غيره، ومحمد بك قادر بك يتلوه قليلا، والثالث ليس له حكم إلا على القليل من الطوائف المبعثرة ولا يتصرف بأكثر من 150 بيتاً من الجاف الأصليين. وفي الحقيقة قد توزعت قبائل الجاف بين آل كيخسرو بك، وآل قادر بك. كما أن هذه العشائر كانت تؤدي للحكومة مقطوعاً يؤخذ من العشيرة على عدد بيوتها سوية يصيب كل بيت 87.5 قرشاً، فانهم يتقاضون عوائد هذه الرسوم من العشيرة سواء من جراء ما يحدث من جرائم، أو من غيرها لأسباب مختلفة.
فإذا عصت طائفة على أميرها استعان هذا الأمير بالقبائل الأخرى وتمكن منها، وحينئذ نهب أموالها، وفعل فيها ما شاء بلا سائل ولا معاتب (1) .
وتظهر مكانة الإمارة عند وقوع النزاع بين " إيران والعراق "، أو بين الحكومة العثمانية، وبين إمارة بابان ولكن هذه العلاقات أدركتها الحكومة مؤخراً، أو أنها لم يكن في وسعها الالتفات اليها في أواسط القرن الثالث عشر الهجري أيام قضت على إمارة بابان.
وكل ما نقوله الآن أن الحكومة أدركت أمر الجاف مما دعا الى القضاء على إمارة بابان قبل تحديد الحدود، فتوضح لها عند تدقيق الحدود وأثناء الاتصال بهم أن البابان كانوا ناظم هذه القبائل، وكانت إمارة فوق تلك الإمارات، فاتصلت بالجاف، وتفاهمت مع الأمراء منهم، وأعطت محمد بك لقب (باشا) ، ومن بعده منحت ابنه محمود بك (1) لقب باشا وهكذا
…
فعلمت كيف تدبر الأمر
…
أمراء الجاف
والأوضاع السياسية بعد معاهدة السلطان مراد لم يعد للجاف ذكر في حوادث العراق إلا قليلاً. لأن أمراء " بابان " كانوا قد سيطروا بإمارة عامة على العشائر في لواء شهرزور ومن جملتهم الجاف وربما استعانوا بهم في القضاء على " إمارة بلباس "، وكانت لا تقل عن الجاف. فاستخدموها أثناء تنازع السلطة بينها وبين بلباس، كما أن البابانيين توسلوا بقوة الحكومة في أحيان عديدة لقهر بلباس بداعي أن هؤلاء البلباس مفسدون في الأرض بالنهب والسلب، وكذا كانوا يصاولونهم بالقبائل المجاورة، فمال البلباس الى إيران ولم يبق منهم في العراق إلا القليل بل تبعثر أمرهم، وتشتتوا.
أما الدولة فإنها في كل أحوالها تريد التدخل، وتحاول التسلط بوسائل مختلفة لتقف على الحالة وتنظر إلى ما وراء ذلك مما عزمت على إجرائه بأمل السيطرة على الامارتين معاً وهكذا يختلف الوضع بالنظر لآمال كل، ولكنها أضاعت الرشد في القضاء على البلباس فانفرد البابانيون في السلطة فكانوا في يقظة، فاستخدموا الجاف من جراء أن قسماً منهم في إيران والآخر في العراق للمحاربة بهم والتشويش على الدولتين ليكونوا بنجوة من تسلط إحداهما. فإذا تضايق البابانيون من العراق، وشعروا بقوة الحكومة مالوا الى إيران، وهكذا إذا شعروا بقوة إيران مالوا عنها. واستخدموا الجاف على البلباس وعلى غيرها. وهكذا استخدموا قبائل أخرى لعين الغرض ولم يقصروا في تدبير.
مضت إمارة بابان مدة على هذه الوتيرة حتى أخذت الحكومة وضعها قبل أيام درويش باشا الفريق بقليل واستولت على ما كان بيدها، وراقبت الحالة بنظرات صادقة، واطلعت على إمارة البابان وأنها لا قدرة لها إلا في النفوذ على أكبر القبائل في اللواء وهم الجاف ومن على شاكلتهم فاشتغلت لتقريبهم، ومنحتهم الألقاب الفخمة، وجلبتهم لجانبها..
وهناك قد حصل التفاهم بين إيران وتركية على التعاون للقضاء على هذه الإمارة ليكونا بنجوة من الغوائل، فلم يستطع آل بابان أن يعودوا للتجربة السابقة بالميل إلى إيران إذ لم يجدوا مساعدة منها بل عزمت الدولتان على المناصرة في القضاء على الإمارة المذكورة، فكان ذلك قبل تحديد الحدود بمدة قليلة.
وإن الجاف لم يعودوا إلى الالتفات إلى أقوال أمراء البابان، وقد رأوا توجهاً من الدولة وحصلوا على مكانة مرضية.
شعر الجاف بقوة، ونظرت الدولة أمر إدارتهم بأنفسهم. فتفاهموا مع الدولة العثمانية، ولم يظهر منهم ما ينفر أو يدعو للقيام عليهم، فبقوا موالين للحكومة حتى أيامها الأخيرة.
ومن ثم قضت الحكومة على الأسرة البابانية، ونالت هذه مكانتها وزيادة. لأنها كانت في خشية من تلك، وأمن وطمأنينة من هذه، فقامت هذه في حراسة الحدود ومراعاة سياسة الحكومة. ولقبت الحكومة أميرها محمد بك كيخسرو بلقب " باشا " مما يعين هذا الاتصال بالدولة. على أن الدولة لم تأمن غوائل الحدود، ولزوم مراقبتها خشية إحداث أمثال ما وقع في بابان مما فصل " تاريخ العراق "، ولكن الحكومة أمينة منها أكثر، وهي " خير حارس للحدود ".
كل هذه مما جعل الدولة تمشي بصورة معقولة. وتنهج سياسة قويمة، ومثلها إيران فإنها ملت الحروب، وصارت تودّ الطمأنينة بكل قواها، فلا إثارة فتن، ولا قيام زعازع أو حروب. والدولة العثمانية خاصة راعت العدل بين أمرائها ومجاوريهم، فلا تركن الى ما يشعرون بشدة وطأته، ولا الى ما يؤدي الى انتهاك الحرمات والحقوق لما هو مألوفهم ومعتادهم.
جروا على ذلك الى أواخر أيامهم، ومضوا على سياسة كأنها ملهمة، أو تابعة لطراز عملي، أو وجهة مبناها الاحتفاظ ب " تقرير ما كان على ما كان "، فلم يعهد لها الاحتفاظ بسياسة رشيدة أكبر من مراعاة هذه القبيلة، وملاحظة العنعنات القديمة بين رجالها.
وفي كل أحوالها كانت لها مخصصات التزام تأخذها منها مقررة لا تتجاوزها ولا تتدخل في أمرها، وإن الأمراء كان ربحهم في هذه المخصصات والاستفادة من عوائدها بصورة متعينة، فكانت العلاقة محدودة. الأمر الذي جعل قبائل الجاف تسرح وتمرح في هناء ونعيم، وبنجوة من الموظفين وتدخلاتهم بحيث صارت القبائل الأخرى من الجاف تتوارد بين حين وآخر لأدنى ما ترى من إيران من تضييق أو تشاهد من ضغط حتى تكون اليوم منها قبائل كثيرة مالت من هناك ولجأت الى العراق.
ومن جهة أخرى أن القبائل لا ترى من أمرائها ما هو مشهود في هذه فلا تجد الأمراء يأخذون " شاة مرتع "، أو تكاليف أخرى تزيد عن المقطوع، فالجاف كانت تؤدي المقطوع للحكومة، ولا تزيد الأمراء فيه مهما زادت قبائلها أو تكاثرت. فالأمر الذي جعل تلك القبائل في اتصال وثيق بالأمراء. يزرعون الأراضي العائدة لهم ويؤدون ما يؤديه سائر الزراع بكلفة أقل، ولا يرهقونهم أكثر مما يتحملون من العوائد. ولم يعرف في أمراء القبائل الأخرى أو رؤسائها ما كان مشهوداً منها من جراء الطمع، ومراعاة سلب القبيلة بقدر الامكان ولحد أقصى حتى لا يبقى مجال لما هو أكثر بقدر الطاقة. ولا حاكم في القبائل الأخرى سوى القوة بخلاف هؤلاء الأمراء فهم بمثابة رأس أسرة، وكبير عائلة يرأف ولا يقسر، ويقوي قبيلته ولا يضيق، وإذا أكل أكل بمعروف.
ذلك ما ولد التفادي، وهو قليل من كثير، وهو الذي قوى الألفة، وحافظ على المجموعة، فليس هناك آمر ومأمور، أو قاهر ومقهور، بل طاعة صادقة وخدمة حقيقية.
وكل ما أقوله أن القبيلة بسعادة وهناء من رؤسائها وفي وئام معهم في أغلب أحوالهم، ذلك ما دعا أن لا يردوا لهم قولاً، ولا يعدلوا عن أمر. ويعجبني أن رضا بك من أمراء الجاف قد أكد لي أن أكثر أوصاف العرب التي عرفها في التاريخ موجودة فيهم وهي تلك السجايا المرضية المرغوب فيها من كل قوم وأمة على وجه البسيطة، وتحلى بها العرب، وتحلت بها هذه القبيلة، بل قبائل أخرى أيضاً.