الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّوْت وثمان سِنِين يُوحى إِلَيْهِ، وَكَذَا ذكره الْحسن، وَعَن ابْن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: نزل الْقُرْآن بِمَكَّة عشرا أَو خمْسا، يَعْنِي: سِنِين أَو أَكثر، وَعَن الْحسن أَيْضا: أنزل عَلَيْهِ ثَمَان سِنِين بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة وَعشر سِنِين بِالْمَدِينَةِ. قلت: قَول البُخَارِيّ هُوَ قَول الْأَكْثَر، وَكَانَ النُّزُول يَوْم الْإِثْنَيْنِ لسبع عشرَة خلت من رَمَضَان وَقيل: لتسْع، وَقيل: لأَرْبَع وَعشْرين لَيْلَة، فِيمَا ذكره ابْن عَسَاكِر، وَعَن أبي قلَابَة: نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن لثمان عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان، وَعند المَسْعُودِيّ يَوْم الْإِثْنَيْنِ لعشر خلون من ربيع الأول وَعند ابْن إِسْحَاق: ابْتِدَاء التَّنْزِيل يَوْم الْجُمُعَة من رَمَضَان وعمره أَرْبَعُونَ سنة وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَهُوَ تَاسِع شباط لسبع مائَة وَأَرْبَعَة وَعشْرين عَاما من سني ذِي القرنين، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين من الْفِيل، وَقيل: فِي أول ربيع وَفِي (تَارِيخ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَسَوِي) : على رَأس خمس عشرَة سنة من بُنيان الْكَعْبَة، وَعَن مَكْحُول: أُوحِي إِلَيْهِ بعد اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين سنة، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ وَابْن أبي عَاصِم والدولابي فِي (تَارِيخه) : نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَأَرْبَعين سنة، لسبع وَعشْرين من رَجَب، قَالَه الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَعند الْحَاكِم مصححاً: إِن إسْرَافيل، عليه السلام، وكل بِهِ أَولا ثَلَاث سِنِين، قبل جِبْرِيل، عليه السلام، وَأنكر ذَلِك الْوَاقِدِيّ، وَقَالَ: أهل الْعلم ببلدنا يُنكرُونَ أَن يكون وكل بِهِ غير جِبْرِيل، عليه السلام، وَزعم السُّهيْلي أَن إسْرَافيل، عليه السلام، وكل بِهِ تدرباً وتدريجاً لجبريل، عليه السلام، كَمَا كَانَ أول نبوته الرُّؤْيَا الصادقة.
92 -
(بابُ مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحَابُهُ مِنَ المُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا لَقِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمَا لَقِي أَصْحَابه من أَذَى الْمُشْركين حَال كَونهم بِمَكَّة.
2583 -
حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنَا سُفْيَانُ حدَّثنَا بَيانٌ وإسْمَاعِيلُ قالَا سَمِعْنَا قَيْسَاً يَقُولُ سَمِعْتُ خَبَّابَاً يَقُولُ أتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَهُ وهْوَ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ وقَدْ لَقِينَا مِنَ المُشْرِكِينَ شِدَّةً فَقُلْتُ ألَا تَدْعُو الله فقَعَدَ وهْوَ مُحْمَرٌّ وجْهُهُ فَقالَ لَقَدْ كانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحمٍ أوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عنْ دِينِهِ ويُوضَعُ المِنْشَارُ علَى مَفْرِقِ رأسِهِ فيُشَقُّ باثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عنْ دِينِهِ ولَيُتِمَّنَّ الله هَذَا الأمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخافُ إلَاّ الله. زَادَ بَيانٌ والذِّئْبُ علَى غَنَمِهِ. (انْظُر الحَدِيث 2163 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَقَد لَقينَا من الْمُشْركين شدَّة) . والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى ونسبته إِلَى أحد أجداده حميد، وَقد تكَرر ذكره، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَبَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن بشر الأحمسي الْمعلم الْكُوفِي، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وخباب، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى: ابْن الأرتّ، بِفَتْح الْهمزَة وَالرَّاء وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن حَنْظَلَة مولى خُزَاعَة.
والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس عَن خباب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَهُوَ مُتَوَسِّد) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (برده) بهاء الضَّمِير رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بردة، بتاء الْإِفْرَاد. قَوْله:(وَهُوَ فِي ظلّ الْكَعْبَة)، الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: وَالْحَال أَنه مُتَوَسِّد بردة لَهُ فِي ظلّ الْكَعْبَة. قَوْله: (وَلَقَد لَقينَا)، الْوَاو فِيهِ أَيْضا للْحَال وَإِن كَانَ يحْتَمل غَيره. قَوْله:(وَهُوَ محمر وَجهه) الْوَاو فِيهِ للْحَال، قيل: من أثر النّوم، وَقَالَ ابْن التِّين: من الْغَضَب وَهُوَ الْأَوْجه. قَوْله: (من كَانَ) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون مَوْصُول، وَأَرَادَ بهم الْأَنْبِيَاء تقدمُوا وأتباعهم. قَوْله:(ليمشط)، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(بمشاط الْحَدِيد) بِكَسْر الْمِيم فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (بِأَمْشَاط) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْمِيم وَكِلَاهُمَا جمع مشط بِضَم الْمِيم وَكسرهَا، وَأنكر ابْن دُرَيْد الْكسر فِي الْمُفْرد. قَوْله:(ذَلِك)، أَي: قَتلهمْ الْمُسلمين من الْمشْط أَو الأمشاط، وَكِلَاهُمَا مصدر. قَوْله:(وَيُوضَع الْمِنْشَار) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وَهِي الْآلَة الَّتِي ينشر بهَا الأخشاب، ويروى:(الميشار) ،
بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف يهمز وَلَا يهمز. قَوْله: (بإثنين)، ويروى بِاثْنَتَيْنِ. قَوْله:(ذَلِك) أَي: وضع الْمِنْشَار على مفرق رَأسه. قَوْله: (وليتمن الله) بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق من الْإِتْمَام وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَلَفظ: الله، مَرْفُوع فَاعله. قَوْله:(هَذَا الْأَمر) أَي: أَمر الْإِسْلَام. قَوْله: (من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت) الصنعاء صنعاء الْيمن أعظم مدنها وأجلها، تشبه بِدِمَشْق فِي كَثْرَة الْبَسَاتِين والمياه، وحضرموت بلد عَامر بِالْيمن كثير التَّمْر بَينه وَبَين الشحر أَرْبَعَة أَيَّام، وَهِي بليدَة قريبَة من عدن بَينه وَبَين صنعاء ثَلَاث مراحل، قَوْله:(زادبيان) أَي: زَاد بَيَان الرَّاوِي فِي حَدِيثه: (وَالذِّئْب) بِالنّصب عطف على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ لَا على الْمُسْتَثْنى، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ بَعضهم: وَلَا يمْتَنع أَن يكون عطفا على الْمُسْتَثْنى، وَالتَّقْدِير: وَلَا يخَاف على غنمه إلَاّ الذِّئْب، لِأَن مساق الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ للأمن من عدوان بعض النَّاس على بعض، كَمَا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَا للأمن من عدوان الذِّئْب، فَإِن ذَلِك إِنَّمَا يكون فِي آخر الزَّمَان عِنْد نزُول عِيسَى، عليه الصلاة والسلام. انْتهى. قلت: هَذَا تصرف عَجِيب، لِأَن مساق الحَدِيث أَعم من عدوان النَّاس وعدوان الذِّئْب وَنَحْوه، لِأَن قَوْله: الرَّاكِب، أَعم من أَن يكون مَعَه غنم أَو غَيره، وَعدم خَوفه يكون من النَّاس وَالْحَيَوَان، وَقَوله: فَإِن ذَلِك إِنَّمَا يكون فِي آخر الزَّمَان
…
إِلَى آخِره، غير مُخْتَصّ بِزَمَان عِيسَى، عليه الصلاة والسلام، وَإِنَّمَا وَقع هَذَا فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن الرُّعَاة كَانُوا آمِنين من الذئاب فِي أَيَّامه حَتَّى إِنَّهُم مَا عرفُوا مَوته، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إلَاّ بعدوان الذِّئْب على الْغنم، وَلَئِن سلمنَا أَن ذَلِك فِي زمن عِيسَى، عليه الصلاة والسلام، وزمن عِيسَى، عليه الصلاة والسلام، بعد نُزُوله فَهُوَ مَحْسُوب من زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهُ ينزل وَهُوَ تَابع للنَّبِي صلى الله عليه وسلم كَمَا عرف فِي مَوْضِعه.
3583 -
حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَرَأ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّجْم فسَجَدَ فَمَا بَقِيَ أحَدٌ إلَاّ سَجَدَ إلَاّ رَجُلٌ رأيْتُهُ أخَذَ كَفَّاً مِنْ حَصاً فرَفَعَهُ فسَجَدَ علَيْهِ وَقَالَ هاذَا يَكْفِينِي فَلَقَدْ رأيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كافِرَاً بِاللَّه. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن امْتنَاع الرجل الْمَذْكُور فِيهِ عَن السَّجْدَة مَعَ الْمُسلمين ومخالفته إيَّاهُم نوع أَذَى لَهُم، فَلَا يخفى ذَلِك. وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد النَّخعِيّ، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : قَالَ الدَّاودِيّ: لَعَلَّه عبد الله بن عَمْرو أَو عبد الله بن عمر، وَفِي نِسْبَة ذَلِك إِلَى الدَّاودِيّ نظر. والْحَدِيث مضى فِي أول أَبْوَاب سُجُود الْقِرَاءَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر
…
إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:(رجل) هُوَ أُميَّة بن خلف، وَقيل: الْوَلِيد بن مُغيرَة. قَوْله: (بعد) أَي: بعد ذَلِك.
4583 -
حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثَنَا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إِسْحَاقَ عنْ عَمْرِو بنِ ميْمُونٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ بَيْنا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ساجِدٌ وحَوْلَهُ ناسٌ مِنْ قُرَيْشٍ جاءَ عُقْبَةُ بنُ أبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جُزُورٍ فَقَذَفَهُ علَى ظَهْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فلَمْ يَرْفَعْ رأسَهُ فَجَاءَتْ فاطِمَةُ عليها السلام فأخَذتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ ودَعَتْ علَى منْ صنَعَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ علَيْكَ المَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ أبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ وعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ وشَيْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ وأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ أوْ أُبَيَّ بنَ خَلَفٍ شُعْبَةُ الشَّاكُ فرَأيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ فأُلْقُوا فِي بِئْرٍ غَيْرَ أُمَيَّةَ أوْ أُبَيٍّ تَقَطَّعَتْ أوْصَالُهُ فلَمْ يُلْقَ فِي البِئْرِ. .
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة وَهِي ظَاهِرَة، وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر. والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب الْوضُوء فِي: بَاب
إِذا ألْقى على ظهر الْمُصَلِّي قذراً أَو جيفة، بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:(بسلى)، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام مَقْصُورا: الْجلْدَة الرقيقة يكون فِيهَا الْوَلَد من الْمَوَاشِي. قَوْله: (عَلَيْك الْمَلأ) أَي: إلزم جَمَاعَتهمْ وأشرافهم أَي: أهلكهم.
5883 -
حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ حدَّثني سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ أوْ قَالَ حدَّثني الحَكَمُ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ أمرَنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبْزَى قَالَ سَلِ ابنَ عَبَّاسٍ عنِ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مَا أمْرُهُمَا: {ولَا تَقْتُلُوا النَّفُسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إلَاّ بالحَقِّ} (الْفرْقَان: 86) . وَ {مَنْ يَقْتُلُ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} (النِّسَاء: 39) . فسَألْتُ ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَمَّا أُنْزِلَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ قَالَ مُشْرِكُو أهْلِ مَكَّةَ فَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله ودَعَوْنَا مَعَ الله إلاهَاً آخرَ وقَدْ أتَيْنَا الفَوَاحِشَ فأنْزَلَ الله إلَاّ مَنْ تابَ وآمَنَ الآيَةَ فَهَذِهِ لأِولَئِكَ وأمَّا الَّتِي فِي النِّساءِ الرَّجُلُ إذَا عَرَفَ الإسْلَامَ وشَرَائِعَهُ ثُمَّ قَتَلَ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمَ خالِدَاً فِيهَا فذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ فَقَالَ إلَاّ مَنْ نَدِمَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (مشركو أهل مَكَّة: فقد قتلنَا النَّفس الَّتِي حرم الله) لِأَنَّهُ لم يَك فِي إيصالهم الْأَذَى للْمُسلمين أَشد من قَتلهمْ وتعذيبهم إيَّاهُم. وَقَالَ بَعضهم: وَالْغَرَض مِنْهُ أَي من هَذَا الحَدِيث الْإِشَارَة إِلَى أَن صَنِيع الْمُشْركين بِالْمُسْلِمين من الْقَتْل والتعذيب وَغير ذَلِك يسْقط عَنْهُم بِالْإِسْلَامِ. انْتهى. قلت: أَرَادَ بذلك بَيَان وَجه الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة، فَلَا مُطَابقَة بَينهمَا بِالْوَجْهِ الَّذِي ذكره أصلا، لِأَن التَّرْجَمَة لَيست بمعقودة لما ذكره.
وَعُثْمَان بن أبي شيبَة هُوَ أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة وَأَبُو شيبَة اسْمه إِبْرَاهِيم وَهُوَ جدهما لِأَنَّهُمَا ابْنا مُحَمَّد بن أبي شيبَة، وَكِلَاهُمَا من شُيُوخ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَالْحكم، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْكَاف: هُوَ ابْن عتيبة الْكُوفِي وَعبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الزَّاي مَقْصُورا: مولى خُزَاعَة كُوفِي أدْرك النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَصلى خَلفه، مر فِي التَّيَمُّم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن آدم وَعَن عَبْدَانِ وَعَن سعد بن حَفْص، وَحَدِيثه أتم. وَأخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار كِلَاهُمَا عَن غنْدر وَعَن هَارُون بن عبد الله. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْفِتَن عَن يُوسُف بن مُوسَى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ.
قَوْله: (أَو قَالَ: حَدثنِي الحكم) أَي: أَو قَالَ مَنْصُور: حَدثنِي الحكم بن عتيبة عَن سعيد بن جُبَير، الْحَاصِل أَن منصوراً شكّ فِي رِوَايَته بَين سعيد وَبَين الحكم حَيْثُ قَالَ: حَدثنِي سعيد بن جُبَير، أَو قَالَ: حَدثنِي الحكم عَن سعيد بن جُبَير. قَوْله: (مَا أَمرهمَا) أَي: مَا التَّوْفِيق بَينهمَا حَيْثُ دلّت الأولى على الْعَفو عِنْد التَّوْبَة، وَالثَّانيَِة على وجوب الْجَزَاء مُطلقًا. قَوْله:(وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِى حرم الله إلَاّ بِالْحَقِّ) ، كَذَا وَقع فِي الرِّوَايَة، وَالَّذِي وَقع فِي التِّلَاوَة وَهُوَ:{وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إلَاّ بِالْحَقِّ} (الْفرْقَان: 86) . كَذَا فِي سُورَة الْفرْقَان. قَوْله: (قَالَ: لما أنزلت) جَوَاب ابْن عَبَّاس، وَهُوَ أَن الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان وَهِي الأولى فِي حق الْكفَّار، وَالَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء وَهِي الثَّانِيَة فِي حق الْمُسلمين، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: أَمرنِي عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى أَن أسأَل ابْن عَبَّاس عَن هَاتين الْآيَتَيْنِ: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} (النِّسَاء: 39) . فَسَأَلته فَقَالَ: لم ينسخها شَيْء، وَعَن هَذِه الْآيَة:{وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إل هَا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إلَاّ بِالْحَقِّ} (الْفرْقَان: 86) . نزلت فِي أهل الشّرك، وَفِي رِوَايَة لَهُ: عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة بِمَكَّة:{وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إل هَا آخر} إِلَى قَوْله: {فِيهِ مهانا} (الْفرْقَان: 86) . فَقَالَ الْمُشْركُونَ: وَمَا يُغني عَنَّا الْإِسْلَام وَقد عدلنا بِاللَّه وَقد قتلنَا النَّفس الَّتِي حرم الله، وآتينا الْفَوَاحِش. فَأنْزل الله تَعَالَى: {إلَاّ من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا
…
} (الْفرْقَان: 07) . إِلَى آخر الْآيَة، قَالَ: فَأَما من دخل فِي الْإِسْلَام وعقل ثمَّ قتل فَلَا تَوْبَة لَهُ، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: أَلِمَنْ قتل مُؤمنا مُتَعَمدا من تَوْبَة؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فتلوت هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان: {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إل هَا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إلَاّ بِالْحَقِّ} (الْفرْقَان: 86) . إِلَى آخر الْآيَة. قَالَ: هَذِه آيَة مَكِّيَّة نسختها آيَة مَدَنِيَّة: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} (النِّسَاء: 39) . وَحَاصِل الْكَلَام أَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، قَالَ: إِن قَاتل النَّفس عمدا بِغَيْر حق لَا تَوْبَة لَهُ، وَاحْتج فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى:{وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} (النِّسَاء: 39) . ادّعى أَن هَذِه الْآيَة مَدَنِيَّة نسخت هَذِه الْآيَة المكية، وَهِي:{وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إل هَا آخر} (الْفرْقَان: 86) . الْآيَة، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَن ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَنهُ أَن لَهُ تَوْبَة، وَجَوَاز الْمَغْفِرَة لَهُ لقَوْله تَعَالَى:{وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما} (النِّسَاء: 011) . وَهَذِه الرِّوَايَة الثَّانِيَة هِيَ مَذْهَب جَمِيع أهل السّنة وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ. قَالَ النَّوَوِيّ: وَمَا رُوِيَ عَن بعض السّلف مِمَّا يُخَالف هَذَا فَمَحْمُول على التَّغْلِيظ والتحذير من الْقَتْل، وَلَيْسَ فِي هَذِه الْآيَة الَّتِي احْتج بهَا ابْن عَبَّاس تَصْرِيح بِأَنَّهُ يخلد، وَإِنَّمَا فِيهَا أَنه جَزَاؤُهُ، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يجازى. قَوْله:(فَذَكرته لمجاهد) أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى: فَذكرت الحَدِيث لمجاهد بن جُبَير (فَقَالَ: إِلَّا من نَدم) يَعْنِي: قَالَ الْآيَة الثَّانِيَة مُطلقَة فتقيد بقوله: إلَاّ من نَدم، إلَاّ من تَابَ حملا للمطلق على الْمُقَيد.
6583 -
حدَّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ حدَّثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ حدَّثني الأوْزَاعِيُّ حدَّثني يَحْيَى بنُ أبِي كَثِيرٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ حدَّثَني عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ قَالَ سألْتُ ابنَ عَمْرِو بنِ العَاصِ قُلْتُ أخْبرني بأشَدِّ شَيْءٍ صنعَهُ المُشْرِكُونَ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي حِجْرِ الكَعْبَةِ إذْ أقْبَلَ عُقْبَةُ بنُ أبِي مُعَيْطٍ فوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فخَنَقَهُ خَنْقَاً شَدِيدَاً فأقْبَلَ أبُو بَكْرٍ حتَّى أخَذَ بِمَنْكِبِهِ ودَفَعَهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله} (غَافِر: 82) . (انْظُر الحَدِيث 8763 وطرفه) .
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة أظهر مَا يكون، وَعَيَّاش، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْوَلِيد الرقام الْبَصْرِيّ، والوليد بن مُسلم أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي، يروي عَن عبد الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ. والْحَدِيث مر فِي مَنَاقِب أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يزِيد الْكُوفِي عَن الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ. . إِلَخ نَحوه. قَوْله:(أَخْبرنِي بأشد شَيْء) إِلَخ. . قيل هَذَا يُعَارضهُ حَدِيث عَائِشَة أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا وَكَانَ أَشد مَا لقِيت من قَوْمك فَذكر قصَّته بِالطَّائِف مَعَ ثَقِيف وًّأجيب بِأَن عبد الله ابْن عَمْرو أخبر بِمَا رَآهُ، وَلم يكن حَاضرا للقصة الَّتِي وَقعت بِالطَّائِف، وَمَا جَاءَ عَن أحد من الصَّحَابَة بِخِلَاف حَدِيث الْبَاب، فَيحمل على التَّعَدُّد.
تابَعَهُ ابنُ إسْحَاقَ. حدَّثني يَحْيَى بنُ عُرْوَةَ عنْ عُرْوَةَ قُلْتُ لِعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ
وَأي: تَابع عَيَّاش بن الْوَلِيد مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي رِوَايَته عَن يحيى بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام عَن أَبِيه عُرْوَة. قلت: لعبد الله بن عَمْرو وَكِلَاهُمَا قَالَا: عبد الله بن عَمْرو، وَأخرج هَذِه الْمُتَابَعَة أَحْمد فِي (مُسْنده) : من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن إِسْحَاق إِلَخ نَحوه.
وقالَ عَبْدَةُ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ قِيلَ لعَمْرِو بنِ العَاصِ
أَي: قَالَ عَبدة بن سُلَيْمَان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة، قيل لعَمْرو بن الْعَاصِ: هَكَذَا خَالف هِشَام بن عُرْوَة أَخَاهُ يحيى ابْن عُرْوَة فِي إسم الصَّحَابِيّ، فَإِن يحيى قَالَ: عبد الله بن عَمْرو، وَقَالَ هِشَام: عَمْرو بن الْعَاصِ، وَتَعْلِيق عَبدة أسْندهُ أَبُو عبد الرَّحْمَن فِي كِتَابه عَن هناد عَنهُ بِهِ من مُسْند عَمْرو بن الْعَاصِ فِي كتاب التَّفْسِير.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍ وعنْ أبِي سلَمَةَ حدَّثنِي عَمْرُو بنُ العاصِ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة اللَّيْثِيّ الْمدنِي: عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي خلق أَفعَال الْعباد على مَا يَجِيء، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَأخرجه أَبُو الْقَاسِم فِي مُعْجَمه عَن عبد بن عباد حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة عَن عَبدة بِهِ.