الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنْ أبِي مُوساى الأشْعَرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَضْلُ عائِشَةَ علَى النِّساءِ كفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلى سائِرِ الطَّعَامِ كَمَنْ مِنَ الرِّجالِ كَثِيرٌ ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إلَاّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وآسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ.
مضى هَذَا الحَدِيث عَن قريب فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَضرب الله مثلا للَّذين آمنُوا} (التَّحْرِيم: 11) . فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن جَعْفَر عَن وَكِيع عَن شُعْبَة
…
إِلَى آخِره.
4343 -
وقالَ ابْنُ وَهْبٍ أخْبَرَني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ حدَّثنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ نِساءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ أحْنَاهُ علَى طِفْلٍ وأرْعاهُ علَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ يقُولُ أبُو هُرَيْرَةَ علَى إثْرِ ذالِكَ ولَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيراً قَطُّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلم تركب مَرْيَم بنت عمرَان) . وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب إِلَى آخِره.
قَوْله: (نسَاء قُرَيْش) كَلَام إضافي مُبْتَدأ، وَقَوله:(خير نسَاء ركبن الْإِبِل) خَبره، وَهُوَ كِنَايَة عَن نسَاء الْعَرَب. قَوْله:(أحناه على طِفْل) يَعْنِي: أشفقه وأعطفه، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: أحناهن، لَكِن قَالُوا: الْعَرَب لَا تَتَكَلَّم فِي مثله إلَاّ مُفردا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: إِنَّمَا وحد الضَّمِير ذَهَابًا إِلَى الْمَعْنى تَقْدِيره: أحنى من وجد أَو خلق أَو من هُنَاكَ، وَمثله قَوْله: أحسن النَّاس وَجها وَأحسنه خلقا، يُرِيد: أحْسنهم خلقا، وَهُوَ كثير فِي الْعَرَبيَّة، وَمن أفْصح الْكَلَام: وأحنى على وزن أفعل التَّفْضِيل من: حَنى يحنو، إو حَنى يحني، وَمِنْه الحانية، وَهِي الَّتِي تقيم على وَلَدهَا وَلَا تتَزَوَّج شَفَقَة وعطفاً، وَيُقَال: حنت الْمَرْأَة على وَلَدهَا تحنو: إِذا لم تتَزَوَّج بعد أَبِيهِم. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَفِي بعض الْكتب: أحناه، بتَشْديد النُّون، وَقَالَ ابْن التِّين: وَلَعَلَّه مَأْخُوذ من الحنان وَهُوَ الرَّحْمَة، وَمِنْه: حنين الْمَرْأَة وَهُوَ نزاعها إِلَى وَلَدهَا وَإِن لم يكن لَهَا صَوت عِنْد ذَلِك، وَقد يكون حنينها صَوتهَا، على مَا جَاءَ فِي الحَدِيث من حنين الْجذع، وَالْأَصْل فِيهِ تَرْجِيع النَّاقة صَوتهَا على إِثْر وَلَدهَا. قَوْله:(وأرعاه) كَذَلِك، أفعل التَّفْضِيل من رعى يرْعَى رِعَايَة، وَالْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي: أحناه. قَوْله: (فِي ذَات يَده)، أَي: فِي مَاله الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَفِيه: فَضِيلَة نسَاء قُرَيْش، وَفضل هَذِه الْخِصَال وَهِي: الحنو على الْأَوْلَاد والشفقة عَلَيْهِم وَحسن تربيتهم ومراعاة حق الزَّوْج فِي مَاله وَحفظه وَالْأَمَانَة فِيهِ وَحسن تَدْبيره فِي النَّفَقَة. قَوْله: (على إِثْر ذَلِك) أَي: على عقبه: (وَلم تركب مَرْيَم بنت عمرَان بَعِيرًا قطّ) يُرِيد بِهِ: أَن مَرْيَم لم تدخل فِي النِّسَاء الْمَذْكُورَات بِمَا ذكرن، لِأَنَّهُ قَيده بركوب الْإِبِل وَمَرْيَم لم تكن مِمَّن يركب الْإِبِل. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : يُؤْخَذ من قَول أبي هُرَيْرَة هَذَا، ومِنْ ذكر البُخَارِيّ لَهُ فِي قصَّة مَرْيَم، تفضيلها على خَدِيجَة وَفَاطِمَة لِأَنَّهُمَا من الْعَرَب المخصوصين بركوب الْإِبِل.
تابَعَهُ ابنُ أخِي الزُّهْرِيِّ وإسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ عنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع يُونُس ابْن أخي الزُّهْرِيّ هُوَ أَبُو عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم بن عبيد الله الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمدنِي ابْن أخي مُحَمَّد ابْن مُسلم الزُّهْرِيّ، قَالَ الْوَاقِدِيّ: قَتله غلمانه بِأَمْر ابْنه، وَكَانَ سَفِيها شاطراً للميراث فِي آخر خلَافَة أبي جَعْفَر، فَوَثَبَ غلمانه بعد سِنِين فَقَتَلُوهُ أَيْضا. قَوْله:(وَإِسْحَاق)، أَي: وَتَابعه أَيْضا إِسْحَاق بن يحيى الْكَلْبِيّ الْحِمصِي، روى لَهُ البُخَارِيّ مستشهداً فِي مَوَاضِع، أما مُتَابعَة ابْن أخي الزُّهْرِيّ فوصلها أَبُو أَحْمد بن عدي فِي (الْكَامِل) من طَرِيق الدَّرَاورْدِي عَنهُ.
وَأما مُتَابعَة اسحاق الْكَلْبِيّ فوصلها الذهلي فِي الزهريات عَن يحي بن صَالح الوحاظي عَنهُ.
74
-
(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى {يَا أهْلَ الكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تقُولُوا علَى الله إلَاّ
الحَقَّ إنَّمَا المَسِيحُ عِيساى بنُ مَرْيَمَ رسُولُ الله وكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ فآمَنُوا بِاللَّه ورُسُلِهِ ولَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرَاً لَكُمْ إنَّمَا الله إلاهٌ واحِدٌ سُبْحَانَهُ أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ لَهُ مَا فِي السَّماوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وكَفاى بِاللَّه وَكِيلاً} (النِّسَاء: 171) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الله تَعَالَى: {يَا أهل الْكتاب
…
} إِلَى آخِره. وَقَالَ عِيَاض: وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: {قل يَا أهل الْكتاب} وَلغيره بِحَذْف: قل، وَهُوَ الصَّوَاب قلت: نعم، الصَّوَاب حذف قل، هُنَا لِأَن الْقِرَاءَة قُرِئت بِلَفْظ: قل، فِي الْآيَة الْأُخْرَى أَعنِي فِي سُورَة الْمَائِدَة:{قل يَا أهل الْكتاب لَا تغلوا فِي دينكُمْ غير الْحق} (الْمَائِدَة: 77) . الْآيَة، وَهنا من سُورَة النِّسَاء، وَلَيْسَ فِيهِ لفظ. قل: قَوْله: (لَا تغلوا) من الغلو وَهُوَ الإفراط ومجاوزة الْحَد، وَمِنْه: غلا السّعر، وغلو النَّصَارَى قَول بَعضهم فِي عِيسَى: هُوَ الله، وهم اليعقوبية إو: ابْن الله، وهم النسطورية، أَو ثَالِث ثَلَاثَة وهم المرقوسية، وغلو الْيَهُود فِيهِ قَوْلهم: إِنَّه لَيْسَ برشيد. قَوْله: (وَلَا تَقولُوا على الله إِلَّا الْحق) أَي إلَاّ القَوْل الْحق، أَي: لَا تفتروا عَلَيْهِ وتجعلوا لَهُ صَاحِبَة وَولدا، ثمَّ أخبر عَن عِيسَى، عليه الصلاة والسلام، فَقَالَ:{إِنَّمَا الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم رَسُول الله} فَكيف يكون إل هَاً؟ قَوْله: (الْمَسِيح) ، مُبْتَدأ، و:(عِيسَى) بدل مِنْهُ أَو عطف بَيَان (رَسُول الله) خَبره. و (كَلمته) عطف عَلَيْهِ. قَوْله: (أَلْقَاهَا) فِي مَوضِع الْحَال. قَوْله: (وروح مِنْهُ) أَي: عبد من عباد الله وَخلق من خلقه، قَالَ لَهُ: كن فَكَانَ، وَرَسُول من رسله وأضيف الرّوح إِلَيْهِ على وَجه التشريف، كَمَا أضيفت النَّاقة وَالْبَيْت إِلَى الله. قَوْله:(فآمنوا بِاللَّه وَرُسُله) أَي: آمنُوا بهم جَمِيعًا وَلَا تجْعَلُوا عِيسَى إل هَا وَلَا إبناً وَلَا ثَالِث ثَلَاثَة. قَوْله: (انْتَهوا) أَي: عَن هَذِه الْمقَالة الْفَاحِشَة. قَوْله: (خيرا لكم)، أَي: اقصدوا خيرا لكم. قَوْله: (وَكفى بِاللَّه وَكيلا) أَي: مفوضاً إِلَيْهِ الْقيام بتدبير الْعَالم.
قَالَ أبُو عُبَيْدٍ كَلِمَتُهُ كُنْ فَكانَ
أَبُو عُبَيْدَة هُوَ الْقَاسِم بن سَلام أَرَادَ أَن أَبَا عبيد فسر قَوْله: وكلمته، بقوله: كن فَكَانَ، وَعَن قَتَادَة مثله رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَنهُ.
وَقَالَ غيْرُهُ ورُوحٌ مِنْهُ أحْيَاهُ فجَعَلَهُ رُوحاً
أَي: وَقَالَ غير أبي عبيد: الظَّاهِر أَنه أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى، يَعْنِي: معنى (وروح مِنْهُ) أَحْيَاهُ فَجعله روحاً، وَقَالَ مُجَاهِد: وروح مِنْهُ: أَي رَسُول مِنْهُ، وَقيل: محبَّة مِنْهُ.
ولَا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ
أَي: وَلَا تَقولُوا فِي حق الله وَعِيسَى وَأمه ثَلَاثَة آلِهَة، بل الله، إل هـ وَاحِد منزه عَن الْوَلَد والصاحبة، وَعِيسَى وَأمه مخلوقان مربوبان.
5343 -
حدَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ حدَّثنَا الوَلِيدُ عنِ الأوْزَاعِيِّ قَالَ حدَّثنِي عُمَيْرُ بنُ هانِىء قَالَ حدَّثني جُنَادَةُ بنُ أبِي أُمَيَّةَ عنْ عُبَادَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ شَهِدَ أَن لَا إلاه إلَاّ الله وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ وأنَّ عِيسَى عَبْدُ الله ورسُولُهُ وكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ والجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّار حق أدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ علَى مَا كانَ مِنَ العَمَلِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والوليد هُوَ ابْن مُسلم الدِّمَشْقِي، وَالْأَوْزَاعِيّ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن دَاوُد بن رشيد عَن الْوَلِيد وَعَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مَحْمُود بن خَالِد وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عمر بن عبد الْوَاحِد وَعَن عَمْرو بن مَنْصُور.
قَوْله: (عَن عبَادَة)، وَفِي رِوَايَة ابْن الْمَدِينِيّ: حَدثنِي عبَادَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَن جُنَادَة حَدثنَا عبَادَة. قَوْله: (أدخلهُ الله الْجنَّة)، جَوَاب: من، وَظَاهره يَقْتَضِي دُخُوله من أَي بَاب شَاءَ من أَبْوَاب الْجنَّة. فَإِن قلت: قد مضى حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي بَدْء الْخلق: أَن لكل دَاخل الْجنَّة بَابا معينا يدْخل مِنْهُ. قلت: إِنَّه فِي الأَصْل مُخَيّر بِظَاهِر حَدِيث الْبَاب، وَلكنه يرى أَن الَّذِي يخْتَص بِهِ أفضل فِي حَقه فيختاره فيدخله مُخْتَارًا لَا مجبوراً وَلَا مَمْنُوعًا من الدُّخُول من غَيره، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْمَقْصُود من هَذَا الحَدِيث التَّنْبِيه على مَا وَقع من النَّصَارَى من الضلال وَالْفساد فِي عِيسَى وَأمه، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام.