الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَغَيرهمَا من سِيبَوَيْهٍ أَنه حكى عَن بعض الْعَرَب أَنهم يَقُولُونَ: الْيَمَانِيّ، بِالْيَاءِ الْمُشَدّدَة. وَقَالَ القَاضِي وَغَيره: قد صرفُوا قَوْله: الْإِيمَان يمَان، عَن ظَاهره من حَيْثُ إِن مبدأ الْإِيمَان من مَكَّة، ثمَّ من الْمَدِينَة.
وَحكى أَبُو عبيد فِيهِ أقوالاً: أَحدهَا: أَنه أَرَادَ بذلك مَكَّة، فَإِنَّهُ يُقَال: إِن مَكَّة من تهَامَة وتهامة من أَرض الْيمن. وَالثَّانِي: المُرَاد مَكَّة وَالْمَدينَة فَإِنَّهُ يرْوى مَا فِي الحَدِيث أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ هَذَا الْكَلَام وَهُوَ بتبوك، وَمَكَّة ومدينة حِينَئِذٍ بَينه وَبَين الْيمن، فَأَشَارَ إِلَى نَاحيَة الْيمن وَهُوَ يُرِيد مَكَّة وَالْمَدينَة، فَقَالَ: الْإِيمَان يمَان ونسبها إِلَى الْيمن لكَونهَا حِينَئِذٍ من نَاحيَة الْيمن، كَمَا قَالُوا: الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَهُوَ بِمَكَّة لكَونه إِلَى نَاحيَة الْيمن. وَالثَّالِث: مَا ذهب إِلَيْهِ كثير من النَّاس وَهُوَ أحْسنهَا أَن المُرَاد بذلك الْأَنْصَار لأَنهم يمانيون فِي الأَصْل، فنسب الْإِيمَان إِلَيْهِم لكَوْنهم أنصاره. وَاعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح، فَقَالَ مَا ملخصه: إِنَّه لَو نظر إِلَى طرق الْأَحَادِيث لما ترك ظَاهر الحَدِيث. مِنْهَا: قَوْله، عليه السلام:(أَتَاكُم أهل الْيمن) وَالْأَنْصَار من جملَة المخاطبين بذلك، فهم إِذا غَيرهم. وَمِنْهَا: قَوْله عليه السلام: (جَاءَ أهل الْيمن) ، وَإِنَّمَا جَاءَ حِينَئِذٍ غير الْأَنْصَار، فَحِينَئِذٍ لَا مَانع من إِجْرَاء الْكَلَام على ظَاهره، وَحمله على الْحَقِيقَة لِأَن من اتّصف بِشَيْء وَقَوي قِيَامه بِهِ نسب ذَلِك الشَّيْء إِلَيْهِ إشعاراً بتمييزه بِهِ، وَكَمَال حَاله فِيهِ، وَهَكَذَا كَانَ حَال أهل الْيمن حِينَئِذٍ فِي الْإِيمَان، وَلَيْسَ فِي ذَلِك نفي لَهُ عَن غَيرهم، فَلَا مُنَافَاة بَينه وَبَين قَوْله صلى الله عليه وسلم:(إِن الْإِيمَان ليأرز إِلَى الْحجاز) . ويروى: (الْإِيمَان فِي أهل الْحجاز) ، لِأَن المُرَاد بذلك الْمَوْجُود مِنْهُم حِينَئِذٍ لَا كل أهل الْيمن فِي كل زمَان، فَإِن اللَّفْظ لَا يَقْتَضِيهِ.
قَوْله: (وَالْحكمَة يَمَانِية) الْحِكْمَة عبارَة عَن الْعلم المتصف بِالْأَحْكَامِ الْمُشْتَمل على الْمعرفَة بِاللَّه عز وجل المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النَّفس وَتَحْقِيق الْحق وَالْعَمَل بِهِ والصد عَن اتِّبَاع الْهوى وَالْبَاطِل، والحكيم من لَهُ ذَلِك، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: كل كلمة وعظتك أَو زجرتك أَو دعتك إِلَى مكرمَة أَو نهتك عَن قَبِيح فَهِيَ حِكْمَة، وَحكم، وَمِنْه قَوْله صلى الله عليه وسلم:(إِن من الشّعْر حِكْمَة) وَفِي بعض الرِّوَايَات: حكما.
قالَ أبُو عَبْدِ الله سُمِّيَتِ اليَمَنَ لأنَّهَا عنْ يَمِينِ الكَعْبَةِ والشَّأمَ عنْ يَسارِ الكَعْبَةِ والْمَشْأمَةُ المَيْسَرَةُ واليَدُ اليُسْرَى الشُّؤْمَى والجانِبُ الأيْسَرُ الأشْأمُ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظ بمذكور فِي بعض النّسخ. قَوْله:(سميت الْيمن)، لِأَنَّهَا عَن يَمِين الْكَعْبَة هَذَا قَول الْجُمْهُور. وَقَالَ الرشاطي: سمي بذلك قبل أَن تعرف الْكَعْبَة لِأَنَّهُ عَن يَمِين الشَّمْس، وَقيل: سمي بيمن بن قحطان، وَقيل: سمي بيعرب بن قحطان، لِأَن يعرب اسْمه يمن، فَلذَلِك قيل: أَرض يمن. قَوْله: (والشأم) أَي: سميت الشَّام لِأَنَّهَا عَن يسَار الْكَعْبَة، وَقيل: سمي بشامات هُنَاكَ حمر وسود، وَقيل: سمي بسام بن نوح، عليه الصلاة والسلام، لِأَنَّهُ أول من اختطه، وَكَانَ اسْم سَام: شام بالشين الْمُعْجَمَة، فعرب فَقيل: سَام بِالسِّين الْمُهْملَة، وَقيل: شام إسم أعجمي من لُغَة بني حام، وَتَفْسِيره بالعربي: خير طيب. وَقَالَ الْبكْرِيّ: الشَّام مَهْمُوز وَقد لَا يهمز، فِي (الْمطَالع) : قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن سراج: الشَّام، بِهَمْزَة مَمْدُود وأباه أَكْثَرهم فِيهِ إلَاّ فِي النّسَب، أَعنِي: فتح الْهمزَة، كَمَا اخْتلف فِي إِثْبَات الْيَاء مَعَ الْهمزَة الْمَمْدُود فَأَجَازَهُ سِيبَوَيْهٍ وَمنعه غَيره، لِأَن الْهمزَة عوض من يَاء النّسَب، فعلى هَذَا يُقَال: شَامي وشآم فِي الرجل، كَمَا يُقَال: يماني ويمان. قَوْله: (والمشأمة الميسرة) الْمِيم فيهمَا زَائِدَة لِأَن اشتقاقهما يدل على ذَلِك، لِأَنَّهُمَا من الشؤم واليسار. قَالَ الْجَوْهَرِي: المشأمة الميسرة، وَكَذَلِكَ الشأمة والشؤم نقيض الْيمن. قَوْله:(وَالْيَد الْيُسْرَى)، يَعْنِي: تسمى بالشؤمى، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، وَكَذَلِكَ قَالَ للجانب الْأَيْسَر الأشأم، ومادة الْكل من الشؤم وَهُوَ نقيض الْيمن، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
2 -
(بابُ مَناقِبِ قُرَيْشٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب قُرَيْش وَالْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.
الأول من هُوَ الَّذِي تسمى بِقُرَيْش من أجداد النَّبِي صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ الزبير: قَالُوا: قُرَيْش اسْم فهر بن مَالك وَمَا لم يلد فهر فَلَيْسَ من قُرَيْش، قَالَ الزبير: قَالَ عمي: فهر هُوَ قُرَيْش اسْمه وفهر لقبه، وَعَن ابْن شهَاب اسْم فهر الَّذِي سمته أمه قُرَيْش، وَإِنَّمَا نَبَذته بِهَذَا كَمَا يُسمى الصَّبِي: غرارة وشملة وَأَشْبَاه ذَلِك، وَقَالَ
ابْن دُرَيْد: الفهر الْحجر الأملس يمْلَأ الْكَفّ، وَهُوَ مؤنث، وَقَالَ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ: يذكر وَيُؤَنث، وَقَالَ السُّهيْلي: الفهر من الْحِجَارَة الطَّوِيل، وكنية فهر أَبُو غَالب وَهُوَ جماع قُرَيْش، وَقَالَ ابْن هِشَام: النَّضر هُوَ قُرَيْش، فَمن كَانَ من وَلَده فَهُوَ قريشي، وَمن لم يكن من وَلَده فَلَيْسَ بقريشي، وَهَذَا قَول الْجُمْهُور لحَدِيث الْأَشْعَث بن قيس أَنه قَالَ: أتيت رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فِي وَفد من كِنْدَة، قَالَ: فَقلت: يَا رَسُول الله {إِنَّا نزعم أَنكُمْ منا} قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(نَحن بَنو النَّضر بن كنَانَة لَا نقفوأ منا وَلَا ننتفي من أَبينَا) . قَالَ: فَقَالَ الْأَشْعَث بن قيس: فوَاللَّه لَا أسمع أحدا نفى قُريْشًا من النَّضر بن كنَانَة إلَاّ جلدته الْحَد. رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَابْن مَاجَه. قَوْله: (لَا نقفوأ منا) من قَوْلهم: قَفَوْت الرجل إِذا قَذَفته صَرِيحًا، وقفوت الرجل أَقْفُوهُ قفواً إِذا رميته باسم قَبِيح، وَقيل: قصي هُوَ قُرَيْش، وَقَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان: سَمِعت أَن قصياً كَانَ يُقَال لَهُ قُرَيْش، وَلم يسم أحد قُريْشًا قبله، وَالْقَوْلَان الْأَوَّلَانِ حَكَاهُمَا غير وَاحِد من أَئِمَّة علم النّسَب كَأبي عمر بن عبد الله وَالزُّبَيْر بن بكار وَمصْعَب وَأبي عُبَيْدَة، وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور: هُوَ النَّضر، وَقيل الصَّحِيح: هُوَ فهر.
النَّوْع الثَّانِي: فِي وَجه التَّسْمِيَة بِقُرَيْش، وَفِيه خَمْسَة عشر قولا. الأول: أَنه من التقرش وَهُوَ التكسب وَالتِّجَارَة، وَكَانَت قريس يتقرشون فِي الْبياعَات، وَهَذَا قَالَه ابْن هِشَام. الثَّانِي: مَا قَالَه ابْن إِسْحَاق: إِنَّمَا سميت قُرَيْش قُريْشًا لتجمعها من تفرقها، يُقَال للتجمع: التقرش. الثَّالِث: مَا قَالَه ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ النَّضر يُسمى قُريْشًا لِأَنَّهُ كَانَ يقرش عَن خلة النَّاس وحاجاتهم فيسدها، وَكَانَ بنوه يقرشون أهل الْمَوْسِم، أَي: يفتشون عَن حاجاتهم فيرفدونهم بِمَا يبلغهم إِلَى بِلَادهمْ. الرَّابِع: أَن لفظ قُرَيْش تَصْغِير قِرْش، وَهُوَ دَابَّة فِي الْبَحْر لَا تمر بِشَيْء من الغث والسمين إلَاّ أَكلته، قَالَه ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ. الْخَامِس: أَنه جَاءَ النَّضر بن كنَانَة فِي ثوب لَهُ مجتمعاً، قَالُوا: قد تقرش فِي ثَوْبه. السَّادِس: أَنه جَاءَ إِلَى قومه فَقَالُوا: كَأَنَّهُ جمل قُرَيْش، أَي: شَدِيد. السَّابِع: قَالَه الزُّهْرِيّ: إِنَّه نَبَذته أمه بِقُرَيْش، كَمَا ذَكرْنَاهُ. الثَّامِن: قَالَه الزبير: سمي نضر قُريْشًا بِرَجُل يُقَال لَهُ: قُرَيْش بن بدر بن مخلد بن النَّضر، كَانَ دَلِيل بني كنَانَة فِي تجاراتهم. التَّاسِع: مَا قيل: إِن قصياً قرشها أَي جمعهَا فَسُمي قُريْشًا ومجمعاً أَيْضا. الْعَاشِر: سميت قُرَيْش بذلك لتجمعهم فِي الْحرم. الْحَادِي عشر: من تقرش الرجل إِذا تنزه عَن مدانس الْأُمُور. الثَّانِي عشر: من تقارشت الرماح إِذا تداخلت فِي الْحَرْب. الثَّالِث عشر: من أقرش بِهِ إِذا سعى بِهِ وَوَقع فِيهِ. الرَّابِع عشر: من أقرشت الشَّجَّة إِذا صدعت الْعظم وَلم تهشمه. الْخَامِس عشر: من تقرش فلَان الشَّيْء إِذْ أَخذه أَولا فأولاً.
النَّوْع الثَّالِث: فِيمَا جَاءَ فيهم فَروِيَ عَن سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ:(من يُرِيد هوان قُرَيْش أهانه الله)، وَعَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(إِن الله اصْطفى كنَانَة من ولد إِسْمَاعِيل، وَاصْطفى قُريْشًا من كنَانَة، وَاصْطفى هاشماً من قُرَيْش وَاصْطَفَانِي من بني هَاشم)، رَوَاهُ مُسلم وَكَانَت لقريش فِي الْجَاهِلِيَّة مَكَارِم مِنْهَا: السِّقَايَة والعمارة والرفادة وَالْعِقَاب والحجابة والندوة واللواء والمشورة والأشناق والقبة والأعنة والسفارة والأيسار والحكومة وَالْأَمْوَال المحجرة، وَكَانُوا يسمون: آل الله وجيران الله، وَالنِّسْبَة إِلَى قُرَيْش: قريشي، وَعَن الْخَلِيل: قرشي أَيْضا، فَإِن أردْت بِقُرَيْش الْحَيّ صرفته، وَإِن أردْت بِهِ الْقَبِيلَة لم تصرفه.
0053 -
حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كانَ مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أنَّهُ بلَغَ مُعاوِيَةَ وهْوَ عِنْدَهُ فِي وفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَمْرِو بنِ العَاصِ يُحَدِّثُ أنَّهُ سيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ فغَضِبَ مُعاوِيَةُ فقَامَ فأثْناى علَى الله بَما هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّهُ بَلَغَنِي أنَّ رِجالاً مِنْكُمْ يتَحَدَّثُونَ أحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ الله ولَا تُؤْثَرُ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ فإيَّاكُمْ والأمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أهْلَهَا فإنِّي سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إنَّ هاذَا الأمْرَ فِي قُرَيْش لَا يُعَادِيهِمْ أحَدٌ إلَاّ كَبَّهُ الله عَلَى وَجْهِهِ مَا أقَامُوا الدِّينَ. (الحَدِيث 0053 طرفه فِي: 9317) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهره، وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم مَعَ بيانهم، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن أبي الْيَمَان أَيْضا. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن خَالِد بن حلى.
قَوْله: (وَهُوَ عِنْده)، حَال من مُحَمَّد بن جُبَير. قَوْله:
(فِي وَفد من قُرَيْش) أَيْضا حَال. قَوْله: (أَن عبد الله) ، بِفَتْح أَن، وَالْعَامِل فِيهِ قَوْله: بلغ، قَوْله:(من قحطان) هُوَ ابْن عَامر ابْن شالخ بن أرفخشذ بن سَام بن نوح، عليه الصلاة والسلام، واسْمه: مهزم، قَالَه ابْن مَاكُولَا، وَقيل: قحطان بن هود، عليه الصلاة والسلام، وَقيل: هُوَ هود، وَقيل: أَخُوهُ، وَقيل: من ذُريَّته، وَقيل: هُوَ من سلالة إِسْمَاعِيل، عليه الصلاة والسلام، حَكَاهُ ابْن إِسْحَاق وَغَيره، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ قحطان بن الهميسع بن تيمن بن قيذار بن نبت بن إِسْمَاعِيل، عليه الصلاة والسلام. وَبَنُو قحطان هم الْعَرَب العاربة، وعرب الْيمن وهم حمير الْمَشْهُور أَنهم من قحطان، وَالْعرب ثَلَاثَة فرق: عرب عاربة، وعرب متعربة، وعرب مستعربة، فَأَما الْعَرَب العاربة فهم تسع قبائل من ولد إرم بن سَام بن نوح: عَاد وَثَمُود وأميم وعبيل وطسم وجديس وعمليق وجرهم ووبار. وَأما الْعَرَب المتعربة فهم: بَنو قحطان، وَالْعرب المستعربة هم بَنو إِسْمَاعِيل، عليه الصلاة والسلام. وَزَعَمت الْعَرَب أَن قحطان ولد يعرب، وَإِنَّمَا سميت الْعَرَب بِهِ إِذْ هُوَ أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ وَنزل أَرض الْيمن، وَأول من قيل لَهُ: أَبيت اللَّعْن، وَأول من قيل لَهُ: عَم صباحاً. قَوْله: (وَلَا تُؤثر) أَي: وَلَا تروى. قَوْله: (والأماني) جمع أُمْنِية. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الْأَمَانِي بِمَعْنى التِّلَاوَة كَأَن الْمَعْنى: إيَّاكُمْ وَقِرَاءَة مَا فِي الصُّحُف الَّتِي تُؤثر عَن أهل الْكتاب مَا لم يَأْتِ بِهِ الرَّسُول، صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ ابْن عَمْرو قَرَأَ التَّوْرَاة. ويحكى: عَن أَهلهَا إلَاّ أَنه حدث بِهِ عَن سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، إِذْ لَو حدث عَنهُ لما اسْتَطَاعَ أحد رده، لِأَنَّهُ لم يكن مُتَّهمًا. وَقَالَ ابْن التِّين: إِنْكَار مُعَاوِيَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حمل حَدِيثه على ظَاهِرَة وَقد يخرج القحطاني فِي نَاحيَة من نواحي الْإِسْلَام وَيحمل حَدِيث مُعَاوِيَة على الْأَكْثَر. قَوْله: (إِن هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش) أَرَادَ بِهِ الْخلَافَة. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فَمَا قَوْلك فِي زمانننا حَيْثُ لَيْسَ الْحُكُومَة لقريش؟ قلت: فِي بِلَاد الْعَرَب الْخلَافَة فيهم، وَكَذَا فِي مصر خَليفَة. انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ بِشَيْء، فَمن قَالَ: إِن فِي بِلَاد الْعَرَب خلَافَة، وَمن هُوَ هَذَا الْخَلِيفَة؟ وَلَيْسَ فِي مصر إلَاّ من يُسمى خَليفَة بالإسم، وَلَيْسَ لَهُ حل وَلَا ربط، وَلَئِن سلمنَا صِحَة مَا قَالَه فَيلْزم مِنْهُ تعدد الْخلَافَة فَلَا يجوز إلَاّ خَليفَة وَاحِد، لِأَن الشَّارِع أَمر ببيعة الإِمَام وَالْوَفَاء ببيعته، ثمَّ من نازعه أَمر بِضَرْب عُنُقه. وروى الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن سفينة مولى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تكون ملكا، وَفِي رِوَايَة: ثمَّ يُؤْتِي الله ملكه من يَشَاء، وَهَكَذَا وَقع. فَإِن خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سنتَانِ وَأَرْبَعَة أشهر إلَاّ عشر لَيَال، وَخِلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام، وَخِلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إثنا عشر سنة إلَاّ اثْنَي عشر يَوْمًا، وَخِلَافَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خمس سِنِين إلَاّ شَهْرَيْن، وتكملة الثَّلَاثِينَ بخلافة الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عنهُما نَحوا من سِتَّة أشهر حَتَّى نزل عَنْهَا لمعاوية عَام أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة. فَإِن قلت: يُعَارض حَدِيث سفينة مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة: لَا يزَال هَذَا الدّين قَائِما مَا كَانَ اثْنَي عشرَة خَليفَة، كلهم من قُرَيْش
…
الحَدِيث. قلت: قيل: إِن الَّذين لم يزل قَائِما حَتَّى ولَّي اثْنَي عشر خَليفَة كلهم من قُرَيْش، وَأَرَادَ بِهَذَا خلَافَة النُّبُوَّة وَلم يرد أَنه لَا يُوجد غَيرهم، وَقيل: هَذَا الحَدِيث فِيهِ إِشَارَة بِوُجُود إثني عشر خَليفَة عادلين من قُرَيْش، وَإِن لم يوجدوا على الْوَلَاء وَإِنَّمَا اتّفق وُقُوع الْخلَافَة المتتابعة بعد النُّبُوَّة فِي ثَلَاثِينَ سنة، ثمَّ قد كَانَ بعد ذَلِك خلفاء راشدون مِنْهُم: عمر بن عبد الْعَزِيز، وَمِنْهُم الْمُهْتَدي بِأَمْر الله العباسي، وَمِنْهُم الْمهْدي المبشر بِوُجُودِهِ فِي آخر الزَّمَان. قَوْله:(إلَاّ كبَّه الله) ، وَهَذَا الْفِعْل من الشواذ، لِأَن الْفِعْل يتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ، وَهَذَا الْفِعْل ثلاثيه مُتَعَدٍّ ورباعيه لَازم، قَالَ الله تَعَالَى:{أَفَمَن يمشي مكباً على وَجهه} (الْملك: 22) . قَوْله: (مَا أَقَامُوا الدّين) أَي: مُدَّة إقامتهم الدّين، وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: أَنهم إِن لم يقيموه فَلَا تسمع لَهُم، وَقيل: يحْتَمل أَن لَا يُقَام عَلَيْهِم، وَإِن كَانَ لَا يجوز بقاؤهم. وَقد أَجمعُوا على أَنه إِذا دَعَا إِلَى كفر أَو بِدعَة يُقَام عَلَيْهِ، وَإِن غصب الْأَمْوَال وانتهك الْحرم فَاخْتلف فِيهِ: هَل يُقَام عَلَيْهِ؟ فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ مرّة: نعم، وَمرَّة: لَا.
1053 -
حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا عَاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ أبي عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَزالُ هاذَا الأمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ. (الحَدِيث 1053 طرفه فِي: 0417) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ منقبة لقريش. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وَعَاصِم بن مُحَمَّد يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد ابْن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب الْعَدوي الْقرشِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن أَحْمد ابْن يُونُس. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أَحْمد بن يُونُس.
قَوْله: (هَذَا الْأَمر) أَي: الْخلَافَة. قَوْله: (مَا بَقِي مِنْهُم)، وَفِي رِوَايَة مُسلم: مَا بَقِي من النَّاس، وَلما كَانَ النَّاس تبعا لقريش فِي الْجَاهِلِيَّة ورؤساء الْعَرَب كَانُوا أَيْضا تبعا لَهُم فِي الْإِسْلَام، وهم أَصْحَاب الْخلَافَة، وَهِي مستمرة لَهُم إِلَى آخر الدُّنْيَا مَا بَقِي من النَّاس إثنان، وَقد ظهر مَا قَالَه صلى الله عليه وسلم فَمن زَمَنه إِلَى الْآن الْخلَافَة فِي قُرَيْش من غير مزاحمة لَهُم فِيهَا، وَإِن كَانَ المتغلبون ملكوا الْبِلَاد، وَلَكنهُمْ معترفون أَن الْخلَافَة فِي قُرَيْش، فاسم الْخلَافَة باقٍ وَلَو كَانَ مُجَرّد التَّسْمِيَة.
2053 -
حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنِ ابنِ الْمُسَيَّبِ عنْ جُبَيْرِ بنِ مُطْعَمٍ قَالَ مَشَيْتُ أنَا وعُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله أعْطَيْتَ بَنِي المُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا وإنَّمَا نَحْنُ وهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ واحِدَةٍ فَقَالَ النِّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّما بَنُو هاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ. (انْظُر الحَدِيث 0413 وطرفه) .
هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه قد مضى فِي الْخمس فِي: بَاب وَمن الدَّلِيل، على أَن الْخمس للْإِمَام غير أَنه أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله ابْن يُوسُف عَن اللَّيْث بن سعد، وَهنا: عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ وَزَاد فِيهِ: وَقَالَ اللَّيْث: وحَدثني يُونُس وَزَاد قَالَ جُبَير: وَلم يقسم النَّبِي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وَلَا لبني نَوْفَل
…
إِلَى آخِره.
3053 -
وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني أبُو الأسْوَدِ مُحَمَّدٌ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ذَهَبَ عبْدُ الله بنُ الزُّبَيْرِ معَ أناسٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ إِلَى عائِشَةَ وكانَتْ أرَقَّ شَيْءٍ لِقَرَابَتهِمْ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.
هَذَا التَّعْلِيق مُخْتَصر من حَدِيث يَأْتِي بعد حَدِيث وَاحِد ذكره مُتَّصِلا، فَقَالَ: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف حَدثنَا اللَّيْث قَالَ: حَدثنِي أَبُو الْأسود. . إِلَى آخِره، وَأخرجه أَبُو نعيم أَيْضا عَن أبي أَحْمد عَن قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا اللَّيْث فَذكره.
قَوْله: (من بني زهر)، بِضَم الزَّاي وَسُكُون الْهَاء: واسْمه الْمُغيرَة بن كلاب بن مرّة فِيمَا ذكره ابْن الْكَلْبِيّ، وَوَقع فِي (الصِّحَاح) و (معارف ابْن قُتَيْبَة) : أَن زهرَة امْرَأَة نسب إِلَيْهَا وَلَدهَا دون الْأَب، وَهُوَ غَرِيب لإِجْمَاع أهل النّسَب على خِلَافه، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: وزهرة، فعلة من الزهر وَهُوَ زهر الأَرْض وَمَا أشبهه، وَيكون من الشَّيْء الزَّاهِر المضيء من قَوْلهم: أَزْهَر النَّهَار إِذا أَضَاء. قَوْله: (وَكَانَت) أَي: عَائِشَة (أرق شَيْء لقرابتهم) أَي: لقرابة بني زهرَة (من رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم ، وَذَلِكَ من جِهَة أَن أمه كَانَت مِنْهُم لِأَنَّهَا بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة، وسيتضح معنى هَذَا الحَدِيث فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي بعد حَدِيث وَاحِد فِي هَذَا الْبَاب.
4053 -
حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ سَعْدٍ ح قَالَ يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا أبي عنْ أبِيهِ قَالَ حدَّثني عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ هُرْمُزَ الأعْرَجُ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قُرَيْشٌ والأنْصَارُ وجُهَيْنَةُ ومُزَيْنَةُ وأسْلَمُ وأشْجَعُ وغِفارُ مَوَالِيَّ لَيْس لَهُمْ مَوْلًى دُونَ الله ورَسُولِهِ. (الحَدِيث 4053 طرفه فِي: 2153) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَسعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمدنِي، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد، وَإِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه سعد بن إِبْرَاهِيم ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَقَالَ ابْن مَسْعُود الدِّمَشْقِي: رِوَايَة يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم لهَذَا الحَدِيث تخَالف رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ فِي الْمَتْن والإسناد، لِأَن الثَّوْريّ يرويهِ عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَيَعْقُوب يرويهِ عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح بن كيسَان عَن الْأَعْرَج بِاللَّفْظِ الَّذِي يَأْتِي بعد هَذِه التَّرْجَمَة، وَلَا يرويهِ عَن أَبِيه عَن جده سعد عَن إِبْرَاهِيم
عَن الْأَعْرَج كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عقيب حَدِيث الثَّوْريّ، وَفِيه نظر، لِأَن إِبْرَاهِيم بن سعد وَالِد يَعْقُوب مَعْرُوف بالرواية عَن صَالح ابْن كيسَان وَعَن الْأَعْرَج، فَيحْتَمل أَنه رَوَاهُ عَن هَذَا تَارَة كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَعَن هَذَا تَارَة كَمَا رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه)
قَوْله: (وَقَالَ يَعْقُوب)، وَقع فِي بعض النّسخ قبل هَذَا: قَالَ أَبُو عبد الله: قَالَ يَعْقُوب، وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وعلق رِوَايَة يَعْقُوب بن ابراهيم وَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من دريق البُخَارِيّ نَفسه مُعَلّقا. قَوْله:(قُرَيْش)، قد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله:(وَالْأَنْصَار)، يُرِيد بالأنصار: الْأَوْس والخزرج ابْني حَارِثَة بن ثَعْلَبَة العنقاء بن عَامر مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة الغطريف ابْن امرىء الْقَيْس البطريق بن ثَعْلَبَة بن مَازِن، وَهُوَ جماع غَسَّان بن الأزد بن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سباء بَان يشجب بن يعرب بن قحطان، وَاسم الأزد: دراء، بِكَسْر الدَّال وبالمد وَالْقصر وَقد تفتح الدَّال من قَوْلهم أزدي إِلَيْهِ دراء يدا وَكَانَ معطاء فَكثر استعمالهم إِيَّاه حَتَّى جَعَلُوهُ إسماً، وَالْأَصْل: أسدي، فقلبوا السِّين: زاياً، ليطابق الدَّال فِي الْجَهْر. وَعَن يَعْقُوب وَأبي عبيد: أَسد أفْصح من الأزد، وَقَالَ يحيى بن معِين: هما سَوَاء وَهِي جرثومة من جراثيم قحطان وبابهم وَاسع وَفِيهِمْ قبائل وعمائر وبطون وأفخاذ لخزاعة وغسان وبارق والعتيك وغامد وَشبههَا. قَوْله: (وجهينة)، بِضَم الْجِيم وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون: ابْن زيد بن لَيْث بن سود، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة: ابْن أسلم، بِضَم اللَّام، ابْن ألحاف يُقَال الحافي بن قضاعة، واسْمه: عَمْرو بن مَالك بن عَمْرو بن مرّة بن زيد بن مَالك ابْن حمير بن سبإ، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: جُهَيْنَة من الجهن وَهُوَ الغلظ فِي الْوَجْه والجسم، وَبِه سمي جُهَيْنَة. قَوْله:(وَمُزَيْنَة)، بِضَم الْمِيم وَفتح الزَّاي وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون: هِيَ بنت كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمرَان بن الحاني ابْن قضاعة، وَهِي أم عُثْمَان وَأَوْس بن عَمْرو بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان، وأولادهما ينسبون إِلَى مزينة. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: مزينة تَصْغِير مزنة وَهِي السحابة الْبَيْضَاء وَالْجمع: مزن. قَوْله: (وَأسلم فِي خُزَاعَة)، وَهُوَ ابْن أفصى وَهُوَ خُزَاعَة بن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر بن حَارِثَة بن امرىء الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن الأزد. وَفِي مذْحج: أسلم بن أَوْس الله بن سعد الْعَشِيرَة بن مذْحج. وَفِي بجيلة: أسلم بن عَمْرو بن لؤَي بن رهم بن مُعَاوِيَة بن أسلم بن أحمس بن الْغَوْث، وَالله أعلم من أَرَادَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بقوله هَذَا. قَوْله:(وَأَشْجَع) ، هُوَ ابْن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن غيلَان بن مُضر، وَأَشْجَع من الشجع وَهُوَ الطول، يُقَال: رجل أَشْجَع وَامْرَأَة شجعاء، والأشجع العقد الثَّانِي من الْأَصَابِع، وَالْجمع أشاجع. قَوْله:(وغفار)، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء وَفِي آخِره رَاء: هُوَ ابْن مليل بن ضَمرَة بن بكر بن عبد منَاف بن كنَانَة. وَأما الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ الصَّحَابِيّ فَهُوَ من ولد نفيلة بن مَكِيل أخي غفار فنسب إِلَى أخي جده، وَكَثِيرًا تصنع الْعَرَب ذَلِك إِذا كَانَ أشهر من جده، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ من غفر إِذا ستر، وَمِنْه قَوْلهم: يغْفر الله لَك. قَوْله: (موَالِي) خبر الْمُبْتَدَأ أَعنِي قَوْله: (قُرَيْش) وَمَا بعد قُرَيْش عطف عَلَيْهِ، أَي: أَنْصَارِي والمختصون بِي، وَقَالَ أَبُو الْحسن: رُوِيَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، وَقَالَ ابْن التِّين: وَالتَّخْفِيف إِمَّا أَن يكون بِغَيْر يَاء أَو يضيفهم إِلَى نَفسه بتَشْديد الْيَاء، وَقَالَ الدَّاودِيّ: أَرَادَ من أُسِرَ من هَذِهِ القَبائِلَ لم يجْرِ عَلَيْهِ رق وَلَا وَلَاء، وَقيل: قَوْله موَالِي، لأَنهم مِمَّن بَادرُوا إِلَى الْإِسْلَام وَلم يسبوا فيرقوا كغيرهم من قبائل الْعَرَب. وَقَالَ يُونُس: أَي: هم أَوْلِيَاء الله مثلا، وَإِن الْكَافرين لَا مولى لَهُم، أَي: لَا نَاصِر لَهُم، قَوْله:(لَيْسَ لَهُم مولى دون الله وَرَسُوله)، أَي: غير الله وَرَسُوله، وَالْمولى، وَإِن كَانَ لَهُ معانٍ كَثِيرة، لَكِن الْمُنَاسب هُنَا: النَّاصِر، وَالْوَلِيّ والمتكفل بمصالحهم وَالْمُتوَلِّيّ لأمورهم.
5053 -
حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثنِي أبُو الأسْوَدِ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ قَالَ كانَ عَبْدُ الله بنُ الزُّبَيْرِ أحَبَّ البَشَرِ إِلَى عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأبي بَكْرٍ وكانَ أبَرَّ النَّاسِ بِهَا وكانَتْ لَا تُمْسِكُ شَيْئاً مَمَّا جاءَهَا مِنْ رِزْقِ الله إِلَّا تَصَدَّقَتْ فَقَالَ ابنُ الزُّبَيْرِ يَنْبَغِي أنْ يُؤْخَذَ علَى يَدَيْهَا فقالَتْ أيُؤْخَذُ علَى يَدَيَّ علَىَّ نَذْرٌ إنْ كلَّمْتُهُ فاسْتَشْفَعَ إلَيْهَا بِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ وبِأخْوَالِ
رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم خاصَّةً فامْتَنَعَتْ فَقَالَ لَهُ الزُّهْرِيُّونَ أخْوَالُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمانِ ابنُ الأسْوَدِ بنِ عَبْدِ يَغُوثَ والمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ إذَا اسْتأذَنَّا فاقْتَحِمِ الحِجَابَ فَفَعَلَ فأرْسَلَ إلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ فأعْتَقَتْهُمْ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تُعْتِقُهُمْ حَتَّى بَلَغَتْ أرْبَعِينَ فقالَتْ ودِدْتُ أنِّي جعَلْتُ حِينَ حَلَفْتُ عَمَلاً أعْمَلُهُ فأفْرُغَ مِنْهُ. (انْظُر الحَدِيث 3053 وطرفه) .
هَذَا الحَدِيث الْمُتَّصِل يُوضح الحَدِيث الْمُعَلق الْمَذْكُور قبل الحَدِيث السَّابِق على هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ قَوْله: وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي أَبُو الْأسود مُحَمَّد عَن عُرْوَة بن الزبير
…
إِلَى آخِره، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ بقولنَا: وسيتضح معنى هَذَا الحَدِيث فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي بعد حَدِيث وَاحِد فِي هَذَا الْبَاب. وتوضيحه من الْخَارِج: أَن عبد الله بن الزبير بن الْعَوام هُوَ ابْن أُخْت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، لِأَن أمه أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَأمّهَا أم الْعُزَّى قيلة أَو قتيلة بنت عبد الْعُزَّى، وَأم عَائِشَة أم رُومَان بنت عَامر، فأسماء أُخْت عَائِشَة من الْأَب، وَكَانَت عَائِشَة تحب عبد الله بن الزبير غَايَة الْمحبَّة، وَكَانَ أحب النَّاس إِلَيْهَا بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَبعد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ عبد الله يبر إِلَيْهَا كثيرا، وَكَانَت عَائِشَة كَرِيمَة جدا لَا تمسك شَيْئا. وَبَلغهَا أَن عبد الله قَالَ: وَالله لتنتهين عَائِشَة أَو لأحجرن عَلَيْهَا، فَقَالَت: عليَّ نذر إِن كَلمته، وَبَقِيَّة الْكَلَام تظهر من تَفْسِير الحَدِيث.
قَوْله: (أَبُو الْأسود) هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل بن الْأسود بن نَوْفَل بن خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى الْقرشِي الْأَسدي الْمَدِينِيّ يَتِيم عُرْوَة بن الزبير لِأَن أَبَاهُ أوصى بِهِ إِلَيْهِ فَقيل لَهُ: يَتِيم عُرْوَة لذَلِك. قَوْله: (يَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ على يَديهَا)، أَي: تمنع من الْإِعْطَاء ويحجر عَلَيْهَا، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ تَأتي فِي الْأَدَب: وَالله لتنتهين عَائِشَة أَو لأحجرن عَلَيْهَا. قَوْله: (فَقَالَت: أيؤخذ على يَدي؟)، فِيهِ حذف تَقْدِيره: وَلما بلغ عَائِشَة مَا قَالَه عبد الله بن الزبير من الْحجر عَلَيْهَا، قَالَت: أيؤخذ على يَدي؟ يَعْنِي: أيحجر عبد الله عَليّ؟ فَغضِبت من ذَلِك، فَقَالَت:(عَليّ نذر إِن كَلمته) قَوْله: (فاستشفع) أَي: عبد الله إِلَيْهَا، أَي: إِلَى عَائِشَة، وَفِيه حذف أَيْضا تَقْدِيره: وَلما بلغ عبد الله بن الزبير غضبُ عائِشَة من كَلَام عبد الله وبلغه نذرها بترك الْكَلَام لَهُ، خَافَ على نَفسه من غَضَبهَا فاستشفع إِلَيْهَا لترضى عَلَيْهِ، فامتنعت عَائِشَة وَلم ترض بذلك. قَوْله:(فَقَالَ لَهُ الزهريون)، أَي: فَلَمَّا امْتنعت عَائِشَة عَن قبُول الشَّفَاعَة قَالَ لعبد الله الْجَمَاعَة الزهريون، وهم المنسوبون إِلَى زهرَة، واسْمه: الْمُغيرَة بن كلاب، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله:(أخوال النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَن أمه، عليه السلام، كَانَت من بني زهرَة، لِأَنَّهَا بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة. قَوْله: (مِنْهُم)، أَي: من الزهريين (عبد الرَّحْمَن بن الْأسود بن عبد يَغُوث) بن وهب بن عبد منَاف الْقرشِي الزُّهْرِيّ، وَأمه آمِنَة بنت نَوْفَل بن أهيب بن عبد منَاف بن زهرَة. وَهُوَ ابْن خَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: أدْرك النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا تصح لَهُ رُؤْيَة وَلَا صُحْبَة، ذكره ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) . قَوْله:(والمسور بن مخرمَة)، بِكَسْر الْمِيم فِي الإبن وَبِفَتْحِهَا فِي الْأَب: ابْن نَوْفَل بن أهيب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب الْقرشِي الزُّهْرِيّ، لَهُ ولأبيه صُحْبَة. قَوْله:(إِذا استاذنا) ، يَعْنِي إِذا استأذنا على عَائِشَة فِي الدُّخُول عَلَيْهَا فاقتحم الْبَاب، أَي: إرم نَفسك فِيهِ من غير اسْتِئْذَان وَلَا روية، يُقَال: اقتحم الْإِنْسَان الْأَمر الْعَظِيم وتقحمه إِذا رمى نَفسه فِيهِ من غير تثبت وَلَا روية، وَأَرَادَ بالحجاب الستارة الَّتِي تضرب بَين عَائِشَة وَبَين المستأذنين للدخول عَلَيْهَا. قَوْله:(فَفعل)، أَي: فعل عبد الله بن الزبير مَا قَالَه الزهريون من اقتحام الْبَاب. قَوْله: (فَأرْسل إِلَيْهَا بِعشر رِقَاب)، فِيهِ حذف تَقْدِيره: لما شفع الزهريون فِي عبد الله عِنْد عَائِشَة رضيت عَلَيْهِ، ثمَّ أرسل عبد الله بِعشر عبيد وجوارٍ إِلَيْهَا لأجل أَن تعْتق مَا أَرَادَت مِنْهُم كَفَّارَة ليمينها، فأعتقت عَائِشَة جَمِيعهم، ثمَّ لم تزل عَائِشَة تعْتق حَتَّى بلغ عتقهَا أَرْبَعِينَ رَقَبَة للإحتياط فِي نذرها. قَوْله:(فَقَالَت وددت) إِلَى آخِره، مَعْنَاهُ: إِنِّي نذرت مُبْهما. وَهُوَ يحْتَمل أَن يُطلق على أَكثر مِمَّا فعلت، فَلَو كنت نذرت نذرا معينا لَكُنْت تيقنت بِأَنِّي أديته وبرئت ذِمَّتِي، وَحَاصِل الْمَعْنى: أَنَّهَا تمنت لَو كَانَ بدل قَوْلهَا: عَليّ نذر، عَليّ إِعْتَاق رَقَبَة أَو صَوْم شهر وَنَحْوه من الْأَعْمَال الْمعينَة حَتَّى تكون كفارتها مَعْلُومَة مُعينَة وتفرغ مِنْهَا بالإتيان بِهِ، بِخِلَاف لفظ: عَليّ نذر، فَإِنَّهُ مُبْهَم لم يطمئن قَلبهَا بِإِعْتَاق رَقَبَة أَو رقبتين، وأرادت الزِّيَادَة عَلَيْهِ فِي كَفَّارَته، وَذكر الْكرْمَانِي هُنَا وَجْهَيْن آخَرين: أَحدهمَا أَن عَائِشَة تمنت أَن يَدُوم لَهَا الْعَمَل الَّذِي عملته لِلْكَفَّارَةِ، يَعْنِي يكون دَائِما مِمَّن أعتق العَبْد لَهَا. وَالْآخر: أَنَّهَا قَالَت: يَا لَيْتَني كفرت حِين حَلَفت وَلم تقع الْهِجْرَة والمفارقة