الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكُوفِي، سكن الْمَدِينَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. (وَقع) ، بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْقَاف، أَي: وجع وَقد مضى فِي كتاب الطَّهَارَة بِلَفْظ: وجع، وَقيل: يشتكي رجله، ويروى بِلَفْظ الْمَاضِي.
قَالَ ابنُ عُبَيْدِ الله الحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ. قَالَ إبْرَاهِيم بنُ حَمْزَةَ مِثْلَ زرِّ الحَجَلَةِ
ابْن عبيد الله، هُوَ شَيْخه مُحَمَّد بن عبيد الله الْمَذْكُور آنِفا، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه فسر الحجلة الَّتِي وَقع فِي هَذَا الحَدِيث لِأَن فِيهِ: فَنَظَرت إِلَى خَاتمه بَين كَتفيهِ مثل زر الحجلة، على مَا يَأْتِي فِي: بَاب الدُّعَاء للصبيان، من كتاب الدُّعَاء. فَإِن قلت: لم تقع هَذِه اللَّفْظَة هُنَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، فَمَا وَجه تَفْسِيرهَا هُنَا؟ قلت: الظَّاهِر أَنه لما روى هَذَا الحَدِيث عَن شَيْخه مُحَمَّد بن عبيد الله، وَقع السُّؤَال فِي الْمجْلس عَن كَيْفيَّة الْخَاتم؟ فَقَالَ هُوَ: أَعنِي ابْن عبيد الله، أَو غَيره، وَهُوَ مثل زر الحجلة، فَسئلَ هُوَ عَن معنى الحجلة، فَقَالَ: من حجل الْفرس الَّذِي بَين عَيْنَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه فِي هَذَا وَلَيْسَ مثل مَا قَالَ بَعضهم: هَكَذَا وَقع، وَكَأَنَّهُ سقط مِنْهُ شَيْء لِأَنَّهُ يبعد من شَيْخه مُحَمَّد ابْن عبيد الله أَن يُفَسر الحجلة وَلم يَقع لَهَا فِي سِيَاقه ذكر، وَكَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ مثل زر الحجلة ثمَّ فَسرهَا كَذَلِك. انْتهى. قلت: قَوْله: كَأَنَّهُ سقط، لَيْسَ مَوضِع الشَّك، لِأَن هَذِه اللَّفْظَة مَوْجُودَة فِي نفس حَدِيث السَّائِب بن يزِيد، وَلكنهَا لَيست بمذكورة هَهُنَا، وَهِي مَذْكُورَة فِيهِ فِي الطَّرِيق الآخر الَّذِي أخرجه فِي كتاب الدَّعْوَات فِي: بَاب الدُّعَاء للصبيان، فَلَا معنى لقَوْله: وَكَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ مثل زر الحجلة، لِأَنَّهُ لَا مَحل للشَّكّ، وَالْوَجْه فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ، فَافْهَم. وَمَعَ هَذَا تَفْسِيره: من حجل الْفرس الَّذِي بَين عَيْنَيْهِ بِمَعْنى الْبيَاض، فِيهِ نظر، لِأَن الْمَعْرُوف الَّذِي بَين عَيْني الْفرس إِنَّمَا هُوَ غرَّة، وَالَّذِي فِي قوائمه هُوَ التحجيل، وَلَئِن سلمنَا أَن يكون هَذَا التَّفْسِير صَحِيحا فَلَيْسَ لَهُ معنى إِن أَرَادَ الْبيَاض، لِأَنَّهُ لَا يبْقى فَائِدَة لذكر الزر. قَوْله:(وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة) هُوَ أَبُو إِسْحَاق الزبيرِي الْأَسدي الْمَدِينِيّ، وَهُوَ أَيْضا من مَشَايِخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ فِي غير مَوضِع، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيق إِلَى أَنه روى هَذَا الحَدِيث كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن عبيد الله الْمَذْكُور، إلَاّ أَنه خَالفه فِي هَذِه اللَّفْظَة، فَقَالَ:(مثل زر الحجلة) مثل مَا وَقع فِي نفس الحَدِيث، وَسَيَأْتِي عَنهُ مَوْصُولا فِي كتاب الطِّبّ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَقد أمعنا فِي هَذَا الْبَاب الْكَلَام فِي كتاب الطَّهَارَة، فَليرْجع إِلَيْهِ هُنَاكَ من أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِ، وَالله أعلم.
32 -
(بابُ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صفة النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَعْنِي: فِي خَلقه وخُلقه.
2453 -
حدَّثنا أبُو عاصمٍ عنْ عُمَرَ بنَ سَعِيدِ بنِ أبِي حُسَيْنٍ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عنْ عُقْبَةَ ابنِ الحارِثِ قَالَ صَلَّى أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ العَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي فرَأى الحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فحَمَلَهُ علَى عاتِقِهِ وَقَالَ بِأبِي شَبِيهٌ بالنَّبِيِّ لَا شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ وعَلِيٌّ يَضْحَكُ. (الحَدِيث 2453 طرفه فِي: 0573) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَبَا بكر شبه الْحسن بِالنَّبِيِّ فِي خلقه، بِالْفَتْح وَهِي صفته صلى الله عليه وسلم.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد الْمَشْهُور بالنبيل. الثَّانِي: عَمْرو بن سعيد بن أبي حُسَيْن النَّوْفَلِي الْقرشِي. الثَّالِث: عبد الله بن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم. الرَّابِع: عقبَة بن الْحَارِث بن عَامر الْقرشِي النَّوْفَلِي أَبُو سروعة الْمَكِّيّ
…
…
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ بَصرِي والبقية كلهم مكيون. وَفِيه: عَن ابْن أبي مليكَة وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَخْبرنِي ابْن أبي مليكَة، وَفِي أُخْرَى: حَدثنِي. وَفِيه: عَن عقبَة بن الْحَارِث، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَخْبرنِي عقبَة بن الْحَارِث.
والْحَدِيث أخرجه
البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل الْحسن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن عَبْدَانِ عَن ابْن الْمُبَارك، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد ابْن عبد الله المخرمي.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ثمَّ خرج يمشي)، وَزَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَة: بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم بليالي، وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يمشي إِلَى جَانِبه. قَوْله:(وَقَالَ بِأبي)، أَي: قَالَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: بِأبي، أَي: أفديه بِأبي، أَو: هُوَ مفدى بِأبي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: بِأبي قسم، وَفِيه نظر. قَوْله:(شَبيه بِالنَّبِيِّ)، أَي: هُوَ شَبيه بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (لَا شَبيه بعلي) يَعْنِي: أَبَاهُ ابْن أبي طَالب. قَوْله: (وَعلي يضْحك) جملَة حَالية، وضحكه يدل على أَنه وَافق أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على أَن الْحسن كَانَ يشبه النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ أَبُو عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كَانَ المشبهون برَسُول الله، صلى الله عليه وسلم خَمْسَة، وهم: جَعْفَر بن أبي طَالب، وَالْحسن بن عَليّ، وَقثم بن الْعَبَّاس، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث، والسائب ابْن عبيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقد قيل فِي ذَلِك شعر:
(بِخَمْسَة شبه الْمُخْتَار من مُضر
…
يَا حسن مَا خولوا من شبهه الْحسن)
(بِجَعْفَر وَابْن عَم الْمُصْطَفى قثم
…
وسائب وَأبي سُفْيَان وَالْحسن)
وَفِي (عُيُون الْأَثر) : وَمِمَّنْ كَانَ يُشبههُ صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن عَامر بن كَعْب بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس، رَآهُ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، صَغِيرا، فَقَالَ: هَذَا يشبهنا، وَذكر فِي (الْمرْآة) : مِنْهُم مُسلم بن معتب، وَأنس بن ربيعَة بن مَالك البياضي الْبَصْرِيّ من بني أُسَامَة بن لؤَي، وَكَانَ أشبه النَّاس برَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فِي خلقه وخلقه، وَكَانَ أنس بن مَالك إِذا رَآهُ عانقه وَبكى، وَقَالَ: من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلْينْظر إِلَى هَذَا، وَبلغ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان خَبره فاستقدمه، فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَامَ واعتنقه وَقبل مَا بَين عَيْنَيْهِ وأقطعه مَالا وأرضاً، فَرد المَال وَقبل الأَرْض.
وَفِي الحَدِيث: فَضِيلَة أبي بكر ومحبته لآل النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَفِيه: ترك الصَّبِي الْمُمَيز يلْعَب لِأَن الْحسن إِذْ ذَاك كَانَ ابْن سبع سِنِين، وَقد سمع من النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَحفظ عَنهُ، ولعبه مَحْمُول على مَا يَلِيق لمثله فِي ذَلِك الزَّمَان من الْأَشْيَاء الْمُبَاحَة، بل يحمل على مَا فِيهِ تمرين وتنشيط وَنَحْو ذَلِك.
4453 -
حدَّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا ابنُ فُضَيْلٍ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبي خالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا جُحَيْفَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وكانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليهما السلام يُشْبِهُهُ قُلْتُ لأِبِي جُحَيْفَةَ صِفْهُ لِي قَالَ كانَ أبْيَض قَدْ شَمِطَ وأمَرَ لَنَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثَ عَشْرَةَ قَلُوصاً قَالَ فَقُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أنْ نَقْبِضَهَا. (انْظُر الحَدِيث 3453) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور بأتم مِنْهُ أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر بن أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل بِالتَّصْغِيرِ إِلَى آخِره.
قَوْله: (قد شمط)، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم: أَي صَار شعر رَأسه السوَاد مخالطاً بالبياض. قَوْله: (فَأمر لنا) أَي: لَهُ ولقومه من بني سواءة، وَكَانَ أَمر لَهُم بذلك على سَبِيل جَائِزَة الْوَفْد. قَوْله:(بِثَلَاث عشرَة) ويروى
بِثَلَاثَة عشر، وَقَالَ ابْن التِّين: وَكَانَ حَقه أَن يَقُول: ثَلَاث عشرَة، وَهُوَ ظَاهر قَوْله:(قلوصاً) بِفَتْح الْقَاف وَضم اللَّام، وَهِي الْأُنْثَى من الْإِبِل، وَقيل: هِيَ الطَّوِيلَة القوائم، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ الثَّنية من الْإِبِل. قَوْله: (فَقبض النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قبل أَن نقبضها) أَي: قبل أَن نقبض تِلْكَ القلائص.
وَفِيه: إِشْعَار أَن ذَلِك كَانَ قرب وَفَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم قلت: نعم، روى الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن الفضيل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور: فذهبنا نقبضها فَأَتَانَا مَوته فَلم يعطونا شَيْئا، فَلَمَّا قَامَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: من كَانَت لَهُ عِنْد رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ، فليجىء، فَقُمْت إِلَيْهِ فَأَخْبَرته فَأمر لنا بهَا.
5453 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ رَجاءٍ حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ وَهْبٍ أبي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ قَالَ رَأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ورأيْتُ بَيَاضَاً منْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى العَنْفَقَةَ.
هَذَا طَرِيق آخر عَن عبد الله بن رَجَاء بن الْمثنى الفداني الْبَصْرِيّ عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس عَن جده أبي إِسْحَاق السبيعِي، واسْمه عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي.
قَوْله: (العنفقة)، بِالْجَرِّ على أَنه بدل من: الشّفة، وَيجوز بِالنّصب على أَن يكون بَدَلا من قَوْله:(بَيَاضًا) . قَالَ ابْن سَيّده فِي (الْمُخَصّص) : هِيَ مَا بَين الذقن وطرف الشّفة السُّفْلى كَأَن عَلَيْهَا شعر أَو لم يكن، وَقيل: هُوَ مَا كَانَ نبت على الشّفة السُّفْلى من الشّعْر، وَقَالَ الْقَزاز: هِيَ تِلْكَ الْهمزَة الَّتِي بَين الشّفة السُّفْلى والذقن، وَقَالَ الْخَلِيل: هِيَ الشعيرات بَينهمَا، وَلذَلِك يَقُولُونَ فِي التحلية: نقي العنفقة، وَقَالَ أَبُو بكر: العنفقة خفَّة الشَّيْء وقلته، وَمِنْه اشتقاق: العنفقة، فَدلَّ هَذَا على أَن العنفقة الشّعْر، وَأَنه سمي بذلك لقلته وَخِفته، وَفِي هَذَا الحَدِيث بيَّن مَوضِع الْبيَاض والشمط.
6453 -
حدَّثنا عِصامُ بنُ خالِدٍ حدَّثنا حَرِيزُ بنُ عُثْمَانَ أنَّهُ سَألَ عبْدَ الله بنَ بُسْرٍ صاحِبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أرَأيْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ شَيْخَاً قَالَ كانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وعصام، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة: ابْن خَالِد أَبُو إِسْحَاق الْحِمصِي الْحَضْرَمِيّ، مَاتَ سنة بضع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، من كبار شُيُوخ البُخَارِيّ وَلَيْسَ لَهُ عَنهُ فِي (الصَّحِيح) غَيره، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، و: حريز، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره زَاي: ابْن عُثْمَان السَّامِي، مَاتَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَعبد الله بن بسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره رَاء.
والْحَدِيث من ثلاثيات البُخَارِيّ، الثَّالِث عشر مِنْهَا، وَمن أَفْرَاده أَيْضا.
قَوْله: (أَرَأَيْت النَّبِي) يجوز فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون أَرَأَيْت بِمَعْنى أَخْبرنِي، وَيكون لفظ: النَّبِي، مَرْفُوعا على الإبتداء. وَقَوله:(أَكَانَ شَيخا)، خَبره على تَأْوِيل: هَل يُقَال فِيهِ: كَانَ شَيخا؟ وأعربه بَعضهم بِأَن النَّبِي مَرْفُوع على أَنه اسْم: كَانَ، وَفِيه مَا فِيهِ، وَالْوَجْه الآخر: أَن يكون: أَرَأَيْت؟ استفهاماً تَقْدِيره: هَل رَأَيْت النَّبِي أَكَانَ شَيخا؟ فَيكون النَّبِي مَنْصُوبًا على المفعولية، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من وَجه آخر عَن حريز بن عُثْمَان، قَالَ: رَأَيْت عبد الله بن بسر صَاحب النَّبِي صلى الله عليه وسلم بحمص وَالنَّاس يسألونه، فدنوت مِنْهُ وَأَنا غُلَام، فَقلت: أَنْت رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نعم، قلت: أشيخ كَانَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم أم شَاب؟ قَالَ: فَتَبَسَّمَ. وَفِي رِوَايَة لَهُ: فَقلت لَهُ: أَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم صبغ؟ قَالَ: يَا ابْن أخي، لم يبلغ ذَلِك. قَوْله:(شَعرَات بيض) ، الشعرات جمع شَعْرَة، وَالْبيض بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة جمع أَبيض، وَقَالَ الْكرْمَانِي: شَعرَات جمع قلَّة فَلَا يكون زَائِدا على عشرَة. قلت: سَمِعت بعد الأساتذة الْكِبَار: أَن عدد الشعرات الْبيض الَّتِي كَانَت على عنفقته سَبْعَة عشر شَعْرَة، وَالله أعلم.
7453 -
حدَّثني ابنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثني اللَّيْثُ عنْ خالِدٍ عنْ سَعيدِ بنِ أبِي هِلالٍ عنْ رَبِيعَةَ ابنِ أبِي عبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ كانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ لَيْسَ بالطَّوِيلِ ولَا بالْقَصِيرَ أزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بأبْيَضَ أمْهَقَ ولَا آدَمَ لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطِطٍ ولَا سَبْطٍ رَجُلٍ أُنْزِلَ علَيْهِ وهْوَ ابنُ أرْبَعِينَ فلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنَزَّلُ علَيْهِ وبالمَدِينَةِ عَشْرَ
سِنِينَ ولَيْسَ فِي رأسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعرَةً بَيْضَاءَ قَالَ رَبِيعَةُ فرَأيْتُ شَعَرَاً مِنْ شَعَرِهِ فإذَا هُوَ أحْمَرُ فَسَألْتُ فَقيلَ احْمَرَّ مِنَ الطَّيب.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن بِكَسْر هُوَ يحيى بن بكير تَصْغِير بكر وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى جده لِأَنَّهُ يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وَاللَّيْث هُوَ ابْن سعد الْمصْرِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن يزِيد الجُمَحِي الإسْكَنْدراني أَبُو عبد الرَّحِيم الْفَقِيه الْمُفْتِي، وَسَعِيد بن أبي هِلَال اللَّيْثِيّ الْمدنِي، وَرَبِيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن بن فروخ الْفَقِيه الْمدنِي الْمَعْرُوف بربيعة الرَّأْي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك وَفِي اللبَاس عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عليه وسلم، عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك وَعَن يحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَعلي بن حجر وَعَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّاء. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن قُتَيْبَة عَن مَالك وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن عَن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ مُخْتَصرا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كَانَ ربعَة)، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: مربوعاً، والتأنيث بِاعْتِبَار النَّفس، يُقَال: رجل ربعَة وَامْرَأَة ربعَة. قَوْله: (لَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير) ، تَفْسِير ربعَة، أَي: لَيْسَ بالطويل الباين المفرط فِي الطول مَعَ اضْطِرَاب الْقَامَة، قَالَ الْأَخْفَش: هُوَ عيب فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث الْبَراء عَن قريب أَنه كَانَ مربوعاً، وَوَقع فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد الذهلي. فِي (الزهريات) بِإِسْنَاد حسن: كَانَ ربعَة وَهُوَ إِلَى الطول أقرب. قَوْله: (أَزْهَر اللَّوْن) أَي: أَبيض مشرب بحمرة، وَقد وَقع ذَلِك صَرِيحًا فِي مُسلم من حَدِيث أنس من وَجه آخر، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَبيض مشرباً بياضه بحمرة، وَقيل: الْأَزْهَر أَبيض اللَّوْن ناصعاً. قَوْله: (لَيْسَ بأبيض أمهق) ، كَذَا وَقع فِي الْأُصُول، وَوَقع عِنْد الدَّاودِيّ تبعا لرِوَايَة الْمروزِي: أمهق لَيْسَ بأبيض، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أمهق أَبيض لَا فِي الْغَايَة، وَهُوَ معنى لَيْسَ بأبيض. وَقَالَ رؤبة: المهق خضرَة المَاء، وَلم يُوجد لفظ أمهق فِي بعض النّسخ وَهُوَ الْأَظْهر. وَفِي (الموعب) : الأمهق الْبيَاض الجصي، وَكَذَلِكَ الأمقه، وَقيل: هُوَ بَيَاض فِي زرقة، وَامْرَأَة مهقاء ومقهاء، وَقَالَ بَعضهم: هما الشديدا الْبيَاض، وَعَن ابْن دُرَيْد: هُوَ بَيَاض سمج لَا يخالطه حمرَة وَلَا صفرَة. وَفِي (التَّهْذِيب) : بَيَاض لَيْسَ بنير. وَفِي (الْجَامِع) : بَيَاض شَدِيد مفتح، وَقيل: هُوَ شدَّة الخضرة. وَقَالَ عِيَاض: من روى أَنه لَيْسَ بالأبيض وَلَا الآدم فقد وهم، وَلَيْسَ بصواب، ورد عَلَيْهِ بِأَن المُرَاد أَنه لَيْسَ بالأبيض الشَّديد الْبيَاض، وَلَا بالآدم الشَّديد الأدمة، وَإِنَّمَا يخالط بياضه الْحمرَة، وَالْعرب قد تطلق على من كَانَ كَذَلِك أسمر، وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث أنس أخرجه أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن مَنْدَه بِإِسْنَاد صَحِيح: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (كَانَ أسمر) ، وَفِي رِوَايَات كَثِيرَة مُخْتَلفَة، فَعِنْدَ النّظر يظْهر من مجموعها أَن المُرَاد بالسمرة: الْحمرَة الَّتِي تخالط الْبيَاض، وَأَن المُرَاد بالبياض الْمُثبت مَا يخالط الْحمرَة، والمنفي مَا لَا يخالطه، وَهُوَ الَّذِي تكرههُ الْعَرَب وتسميه أمهق، وَبِهَذَا يظْهر أَن رِوَايَة الْمروزِي: أمهق، لَيْسَ بأبيض، مَقْلُوبَة على أَنه يُمكن تَوْجِيهه بِمَا ذَكرْنَاهُ عَن الْكرْمَانِي آنِفا. قَوْله:(لَيْسَ بجعد قطط) ، الْجَعْد، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، والقطط بِفتْحَتَيْنِ والجعودة فِي الشّعْر أَن لَا يتكسر وَلَا يسترسل، والقطط شَدِيد الجعودة. وَفِي (التَّلْوِيح) : الشّعْر القطط شَبيه بِشعر السودَان. قَوْله: (وَلَا سبط)، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: من السبوطة وَهِي ضد الجعودة، وَالْحَاصِل أَنه: وسط بَين الجعودة والسبوطة، وَيُقَال: يَعْنِي شعره لَيْسَ بِهَاتَيْنِ الصفتين وَإِنَّمَا فِيهِ جعدة بصقلة. قَوْله: (رجل) ، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْجِيم وَقيل بِفَتْحِهَا وَقيل بسكونها، وَهُوَ مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ رجل، أَي: مسترسل، وَقيل: منسرح. وَفِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: وَلم يكن بالجعد القطط وَلَا بالسبط، كَانَ جَعدًا رجلا. وَوَقع عِنْد الْأصيلِيّ: رجل، بِالْجَرِّ. قيل: إِنَّه وهم وَيُمكن تَوْجِيهه على أَنه جر بالمجاورة، ويروى فِي بعض الرِّوَايَات: رجل، بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْجِيم، على أَنه فعل مَاض، فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة فَلَا يظْهر وَجه وُقُوعه هَكَذَا إلَاّ بتعسف. قَوْله:(أنزل عَلَيْهِ)، يَعْنِي: الْوَحْي، وَفِي رِوَايَة مَالك: بَعثه الله. قَوْله: (وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة)، جملَة حَالية يَعْنِي: وعمره أَرْبَعُونَ سنة، وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين، وَقيل: أنزل عَلَيْهِ الْوَحْي بعد أَرْبَعِينَ سنة وَعشرَة أَيَّام، وَقيل: وشهرين، وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ لسبع عشرَة خلت من شهر رَمَضَان، وَقيل:
لسبع، وَقيل: لأَرْبَع وَعشْرين لَيْلَة مِنْهُ، فِيمَا ذكره ابْن عَسَاكِر، وَعَن أبي قلَابَة: نزل عَلَيْهِ الْوَحْي لثمان عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان، وَعند المَسْعُودِيّ: يَوْم الْإِثْنَيْنِ لعشر خلون من ربيع الأول، وَعند إِبْنِ إِسْحَاق: ابْتَدَأَ بالتنزيل يَوْم الْجُمُعَة من رَمَضَان بَغْتَة، وعمره أَرْبَعُونَ سنة وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَهُوَ تَاسِع شباط لسبعمائة وَأَرْبَعَة وَعشْرين عَاما من سني ذِي القرنين، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين من الْفِيل، وَقيل: فِي أول ربيع، وَفِي (تَارِيخ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَسَوِي) : على رَأس خمس عشرَة سنة من بُنيان الْكَعْبَة، وَعَن مَكْحُول: أُوحِي إِلَيْهِ بعد اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين سنة، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: وَابْن أبي عَاصِم والدولابي فِي (تَارِيخه) : نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَأَرْبَعين سنة. وَفِي (تَارِيخ أبي عبد الرَّحْمَن العتقي) : وَهُوَ ابْن خمس وَأَرْبَعين سنة لسبع وَعشْرين من رَجَب، قَالَه الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَجمع بَين هَذِه الْأَقْوَال، وَالْأول بِأَن ذَلِك حِين حمي الْوَحْي وتتابع، وَعند الْحَاكِم مصححاً: أَن إسْرَافيل، عليه السلام، وكل بِهِ ثَلَاث سِنِين، قبل جِبْرِيل صلى الله عليه وسلم، وَأنكر ذَلِك الْوَاقِدِيّ، وَقَالَ: أهل الْعلم ببلدنا يُنكرُونَ أَن يكون وكل بِهِ غير جِبْرِيل صلى الله عليه وسلم، وَزعم السُّهيْلي إِن إسْرَافيل صلى الله عليه وسلم وكل بِهِ صلى الله عليه وسلم تدرباً وتدريجاً لجبريل كَمَا كَانَ أول نبوته الرُّؤْيَا الصادقة. قَوْله:(فَلبث بِمَكَّة عشر سِنِين ينزل عَلَيْهِ) أَي: الْوَحْي، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنه عَاشَ سِتِّينَ سنة، وَأخرج مُسلم من وَجه آخر عَن أنس أَنه صلى الله عليه وسلم: عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة، وَهُوَ مُوَافق لحَدِيث عَائِشَة الَّذِي مضى عَن قريب، وَبِه قَالَ الْجُمْهُور، وَالله أعلم. قَوْله:(وَلَيْسَ فِي رَأسه ولحيته عشرُون شَعْرَة بَيْضَاء)، يَعْنِي: دون ذَلِك. فَإِن قلت: روى ابْن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر: (كَانَ شيب رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم نَحوا من عشْرين شَعْرَة بَيْضَاء فِي مقدمه) ، فَهَذَا وَحَدِيث أنس يَقْتَضِي أَن يكون أَكثر من عشرَة إِلَى مَا دون عشْرين، وَحَدِيث عبد الله بن بسر الْمَاضِي يدل على أَنَّهَا كَانَت عشرَة، لِأَنَّهُ قَالَ: عشر شَعرَات بِصِيغَة جمع الْقلَّة، وَقد ذكرنَا عَن قريب أَن جمع الْقلَّة لَا يزِيد على عشرَة. قلت: التَّوْفِيق بَين هَذَا أَن حَدِيث ابْن بسر فِي شَعرَات عنفقته، وَمَا زَاد على ذَلِك يكون فِي صدغيه، كَمَا فِي حَدِيث الْبَراء، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَإِن قلت: روى ابْن سعد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن حميد عَن أنس فِي أثْنَاء حَدِيث، قَالَ: لم يبلغ مَا فِي لحيته من الشّعْر عشْرين شَعْرَة، قَالَ حميد: وَأَوْمَأَ إِلَى عنفقته سبع عشرَة، وروى أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ثَابت عَن أنس، قَالَ:(مَا كَانَ فِي رَأس النَّبِي صلى الله عليه وسلم ولحيته إلَاّ سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة)، وروى ابْن أبي خَيْثَمَة من حَدِيث حميد عَن أنس: لم يكن فِي لحية رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عشرُون شَعْرَة بَيْضَاء، قَالَ حميد: كن سبع عشرَة، وروى الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من طَرِيق عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن أنس، قَالَ: لَو عددت مَا أقبل من شَيْبه فِي رَأسه ولحيته مَا كنت أزيدهن على إِحْدَى عشرَة. قلت: هَذِه أَربع رِوَايَات عَن أنس كلهَا تدل على أَن شعراته الْبيض لم تبلغ عشْرين شَعْرَة، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة توضح بِأَن مَا دون الْعشْرين كَانَ سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة، فَيكون كَمَا ذكرنَا الْعشْرَة على عنفقته وَالزَّائِد عَلَيْهَا يكون فِي بَقِيَّة لحيته، لِأَنَّهُ قَالَ فِي الرِّوَايَة الثَّالِثَة: لم يكن فِي لحية رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عشرُون شَعْرَة بَيْضَاء، واللحية تَشْمَل العنفقة وَغَيرهَا، وَكَون الْعشْرَة على العنفقة بِحَدِيث عبد الله بن بسر، والبقية بالأحاديث الْأُخَر فِي بَقِيَّة لحيته، وَكَون حميد أَشَارَ إِلَى عنفقته سبع عشرَة لَيْسَ يفهم ذَلِك من نفس الحَدِيث، والْحَدِيث لَا يدل إلَاّ على مَا ذكرنَا من التَّوْفِيق، وَأما الرِّوَايَة الرَّابِعَة الَّتِي رَوَاهَا الْحَاكِم فَلَا تنَافِي كَون الْعشْرَة على العنفقة وَالْوَاحد على غَيرهَا، وَهَذَا الْموضع مَوضِع تَأمل. قَوْله:(قَالَ ربيعَة)، هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله:(فَسَأَلت)، قيل: يُمكن أَن يكون المسؤول عَنهُ أنسا، وَيدل عَلَيْهِ مَا رَاه مُحَمَّد ابْن عقيل: أَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ لأنس: هَل خضب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي رَأَيْت شعرًا من شعره قد لون؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هَذَا الْأَثر قد لون من الطّيب الَّذِي كَانَ يطيب بِهِ شعر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فَهُوَ الَّذِي غير لَونه فَيحْتَمل أَن يكون ربيعَة سَأَلَ أنسا عَن ذَلِك فَأَجَابَهُ بقوله: أَحْمَر من الطّيب، يَعْنِي لم يخضب، وَالله أعلم.
8453 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبَرَنَا مالِكُ بنُ أنَسٍ عنْ رَبِيعَةَ بنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ كانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بالطَّوِيلِ البائِنِ ولَا بالقَصِيرِ وَلَا بالأبْيَضِ الأمْهَقِ ولَيْسَ بالآدَمِ ولَيْسَ بالجَعْدِ القطَطِ ولَا بالسَّبْطِ بَعَثَهُ
الله علَى رأسِ أرْبَعِينَ سَنَةً فأقامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنينَ وبِالمَدِينَةِ عَشْرِ سِنينَ فتَوَفَّاهُ الله ولَيْسَ فِي رَأسِهِ ولِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. (انْظُر الحَدِيث 7453 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس من رِوَايَة ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن. وَالْكَلَام فِيهِ قد مر عَن قريب، وَهَذَا الحَدِيث يَقْتَضِي أَنه عَاشَ سِتِّينَ سنة، وروى مُسلم من وَجه آخر عَن أنس: أَنه عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة، وَهَذَا مُوَافق لحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عنهَا الْمَاضِي عَن قريب. وَهَذَا قَول الْجُمْهُور، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَا بُد أَن يكون الصَّحِيح أَحدهمَا قلت: كِلَاهُمَا صَحِيح، وَيحمل رِوَايَة السِّتين على إِلْغَاء الْكسر.
9453 -
حدَّثنا أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ أبُو عَبْدِ الله حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ حدَّثَنا إبْرَاهِيمُ ابنُ يُوسُفَ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ يقُولُ كانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أحْسَنَ النَّاسِ وجْهاً وأحْسَنَهُ خَلْقاً لَيْسَ بالطَّوِيلِ البائِنِ وَلَا بالقَصِيرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأحمد بن سعيد بن إِبْرَاهِيم أَبُو عبد الله الْمروزِي الْمَعْرُوف بالرباطي، مَاتَ يَوْم عَاشُورَاء أَو النّصْف من محرم سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا وَإِسْحَاق بن مَنْصُور أَبُو عبد الله السَّلُولي الْكُوفِي وَإِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن إِسْحَاق يروي عَن أَبِيه يُوسُف بن إِسْحَاق، ويوسف يروي عَن جده أبي إِسْحَاق السبيعِي، واسْمه: عَمْرو بن عبد الله، لِأَن إِسْحَاق يُقَال: إِنَّه مَاتَ قبل أَبِيه أبي إِسْحَاق!
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن أبي كريب.
قَوْله: (وَأحسنه خلقا) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَضَبطه ابْن التِّين بِضَم أَوله، وَاسْتشْهدَ بقوله تَعَالَى:{وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} (الْقَلَم: 4) . وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (وَأحسنه خلقا وخلقاً) . قَوْله: (الْبَائِن)، بِالْبَاء الْمُوَحدَة من: بَان، أَي: ظهر على غَيره أَو فَارق من سواهُ.
0553 -
حدَّثنا أبُو نَعَيْمٍ حدَّثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سألْتُ أنَسَاً هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا إنَّمَا كانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَهَمَّام بن يحيى العوذي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن بنْدَار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن أبي مُوسَى. قَوْله: (شَيْء)، أَي: من الشيب، يُرِيد أَنه لم يبلغ الخضاب لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ شَيْء من الشيب إلَاّ قَلِيلا فِي صدغيه لم يحْتَج إِلَى التخضيب. قَوْله:(فِي صدغيه) ، الصدغ مَا بَين الْأذن وَالْعين، وَيُسمى أَيْضا الشّعْر المتدلي عَلَيْهِ صدغاً. فَإِن قلت: روى ابْن عمر فِي (الصَّحِيحَيْنِ) : أَنه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، يصْبغ من الصُّفْرَة. قلت: صبغ فِي وَقت وَتَركه فِي مُعظم الْأَوْقَات، فَأخْبر كل بِمَا رأى، وَكِلَاهُمَا صادقان. فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث يدل على أَن بعض الشيب كَانَ فِي صدغيه، وَفِي حَدِيث عبد الله بن بسر: كَانَ على عنفقته؟ قلت: يجمع بَينهمَا بِمَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة عَن أنس، قَالَ:(لم يخضب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا كَانَ الْبيَاض فِي عنفقته وَفِي الصدغين وَفِي الرَّأْس نبذ، أَي: متفرق)، فَإِن قلت: أخرج الْحَاكِم من حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: (مَا شانه الله ببيضاء) . قلت: هَذَا مَحْمُول على أَن تِلْكَ الشعرات الْبيض لم يتَغَيَّر بهَا شَيْء من حسنه صلى الله عليه وسلم.
1553 -
حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعَاً بَعيد مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ لَهُ شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أذُنِهِ رأيْتُهُ فِي حُلَّة حَمْرَاءَ لَمْ أرَ شَيْئاً قَطُّ أحْسَنَ مِنْهُ قَالَ يُوسُفُ بنُ أبِي إسْحَاقَ عنْ أبِيهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو إِسْحَاق مر الْآن، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن أبي الْوَلِيد مُخْتَصرا.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس عَن حَفْص بن عمر بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان وَالْأَدب عَن بنْدَار بِبَعْضِه، وَفِي الشَّمَائِل عَن بنْدَار بِتَمَامِهِ وَعَن أَحْمد بن منيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن عَليّ بن الْحُسَيْن وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي.
قَوْله: (مربوعاً) وَهُوَ معنى قَوْله: (ربعَة) فِي الْأَحَادِيث السَّابِقَة. قَوْله: (بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ) ، أَي عريض أَعلَى الظّهْر، وَوَقع فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد ابْن سعد: رحب الصَّدْر. قَوْله: (أُذُنه) بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(أُذُنَيْهِ) بالتثنية، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: تكَاد جمته تصيب شحمة أُذُنَيْهِ. قَوْله: (قَالَ يُوسُف بن أبي إِسْحَاق) ، نسبه إِلَى جده لِأَنَّهُ ذكر الْأَب وَأَرَادَ الْجد مجَازًا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الضَّمِير فِي أَبِيه يرجع إِلَى إِسْحَاق لَا إِلَى يُوسُف، لِأَن يُوسُف لَا يروي إلَاّ عَن الْجد. قَوْله:(إِلَى مَنْكِبَيْه)، أَي: يبلغ الجمة إِلَى مَنْكِبَيْه، وَهَذَا التَّعْلِيق أسْندهُ قبل عَن أَحْمد بن سعد عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن يُوسُف حَدثنَا أبي عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء، وَلكنه اخْتَصَرَهُ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: قَوْله (يبلغ شحمة أُذُنَيْهِ)، مُغَاير لقَوْله: مَنْكِبَيْه، ورد بِأَن المُرَاد أَن مُعظم شعره كَانَ عِنْد شحمة أُذُنه، وَمَا استرسل مِنْهُ مُتَّصِل إِلَى الْمنْكب، أَو يحمل على حالتين.
2553 -
حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سُئِلَ البَرَاءُ أكانَ وجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ السَّيْفِ قَالَ لَا بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن سُفْيَان بن وَكِيع.
قَوْله: (أَكَانَ؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الإستخبار. قَوْله: (مثل السَّيْف)، يحْتَمل أَنه أَرَادَ: مثل السَّيْف فِي الطول، قَالَ الْبَراء: لَا بل مثل الْقَمَر فِي التدوير، وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ مثل السَّيْف فِي اللمعان والصقال، فَقَالَ الْبَراء: لَا بل مثل الْقَمَر الَّذِي فَوق السَّيْف فِي ذَلِك، لِأَن الْقَمَر يَشْمَل التدوير واللمعان، بل التَّشْبِيه بِهِ أبلغ لِأَن التَّشْبِيه بالقمر لوجه الممدوح شَائِع ذائع، وَكَذَا بالشمس، وَقد أخرج مُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة: أَن رجلا قَالَ لَهُ: أَكَانَ وَجه رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم مثل السَّيْف؟ قَالَ: لَا بل مثل الشَّمْس وَالْقَمَر مستديراً، وَقد أَشَارَ بقوله: مستديراً، إِلَى أَنه جمع التدوير مَعَ كَونه مثل الشَّمْس وَالْقَمَر فِي الْإِشْرَاق واللمعان والصقال، فَكَأَنَّهُ نبه فِي حَدِيثه أَنه جمع الْحسن والاستدارة، وَهَذَا الحَدِيث يُؤَيّد الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورين.
3553 -
حدَّثنا الحَسَنُ بنُ مَنْصُورٍ أبُو عَلِيٍّ حدَّثنَا حَجَّاحُ بنُ مُحَمَّدٍ الأعْوَرُ بالمَصِّيصَةِ حَدثنَا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ أبَا جُحَيْفَةَ قَالَ خَرَجَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالهاجِرَةِ إِلَى البَطْحَاءِ فتَوَضَّأ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ والعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وبَيْنَ يَدَيْهِ عنْزَةٌ وزَادَ فيهِ عَوْنٌ عنْ أبِيهِ عنْ أبي جُحَيْفَةَ قَالَ كانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا المَارَّةُ وقامَ الْنَّاسُ فجَعَلُوا يأخُذُونَ يَدَيْهِ فيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ قَالَ فأخَذْتُ بِيَدِهِ فوَضَعْتُهَا علَى وَجْهِي فإذَا هِيَ أبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وأطْيَبُ رائِحَةً مِنَ المِسْكِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحسن بن مَنْصُور أَبُو عَليّ الصُّوفِي الْبَغْدَادِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَلم يخرج عَنهُ غير هَذَا الحَدِيث، وَالْحكم، بِفتْحَتَيْنِ: ابْن عتيبة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد مر غير مرّة، وَهَذَا الحَدِيث مر فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَمر أَيْضا فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة إِلَى العنزة، فَأَنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة، قَالَ: حَدثنَا عون بن أبي جُحَيْفَة، قَالَ سَمِعت أبي قَالَ: (خرج علينا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم الحَدِيث، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بِالْمصِّيصَةِ) بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة وَكسرهَا وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الصَّاد الثَّانِيَة وَفِي آخرهَا هَاء: وَهِي مَدِينَة مَشْهُورَة بناها أَبُو
جَعْفَر الْمَنْصُور على نهر جيحان وَهُوَ الَّذِي تسميه الْقَوْم جاهان. وَقَالَ الْبكْرِيّ: ثغر من ثغور الشَّام. قلت: رَأَيْتهَا فِي سفرتي إِلَى بِلَاد الرّوم وغالبها خراب، وَهِي فِي بِلَاد الأرمن بِالْقربِ من مَدِينَة تسمى أذنة، وَإِنَّمَا قَالَ: بِالْمصِّيصَةِ، لِأَن حجاج بن مُحَمَّد سكن المصيصة وَأَصله ترمذي وَمَات بِبَغْدَاد سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ. قَوْله:(بالهاجرة)، وَهِي: نصف النَّهَار عِنْد اشتداد الْحر. قَوْله: (إِلَى الْبَطْحَاء)، وَهُوَ المسيل الْوَاسِع الَّذِي فِيهِ دقاق الْحَصَى. قَوْله:(عنزة)، بِفَتْح النُّون: أطول من الْعَصَا وأقصر من الرمْح وَفِيه زج. قَوْله: (قَالَ شُعْبَة)، هُوَ مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله:(وَزَاد فِيهِ عون)، أَي: زَاد الحكم فِي إِسْنَاد الحَدِيث: حَدثنَا عون عَن أَبِيه عَن أبي جُحَيْفَة، وَيَأْتِي هَذَا فِي آخر الْبَاب. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَمَا وَقع فِي بعض النّسخ: عون عَن أَبِيه عَن أبي جُحَيْفَة، سَهْو لِأَن عوناً هُوَ ابْن أبي جُحَيْفَة، وَالصَّوَاب نقص الْأَب. قلت: فِي كتاب الصَّلَاة الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: حَدثنَا عون ابْن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت أبي، قَالَ: خرج علينا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم
…
الحَدِيث، وَهنا عون عَن أَبِيه عَن أبي جُحَيْفَة، فَلفظ: عَن أَبِيه، حَشْو لَا طائل تَحْتَهُ، وَالصَّوَاب ترك هَذِه اللَّفْظَة. قَوْله:(فَإِذا هِيَ)، أَي: يَده أبرد من الثَّلج، وَالْحكمَة فِيهِ أَن برودة يَده تدل على سَلامَة جسده من الْعِلَل والعوارض. قَوْله:(وَأطيب رَائِحَة من الْمسك)، قَالَت الْعلمَاء: كَانَت هَذِه الرّيح الطّيبَة صفته، صلى الله عليه وسلم، وَإِن لم يمس طيبا، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ يسْتَعْمل الطّيب فِي كثير من الْأَوْقَات مُبَالغَة فِي طيب رِيحه لملاقاة الْمَلَائِكَة وَأخذ الْوَحْي الْكَرِيم ومجالسة الْمُسلمين، وروى أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث وَائِل بن حجر:(أُتِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِدَلْو من مَاء فَشرب مِنْهُ ثمَّ مج فِي الدَّلْو ثمَّ فِي الْبِئْر، ففاح مِنْهَا ريح الْمسك) . وروى أَبُو يعلى وَالْبَزَّار بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(إِذا مر فِي طَرِيق من طرق الْمَدِينَة وجد مِنْهُ رَائِحَة الْمسك، فَيُقَال: مر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم من هَذِه الطَّرِيق) .
4553 -
حدَّثنا عَبْدَانُ حدَّثنا عَبْدُ الله أخبَرَنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أجْوَدَ النَّاسِ وأجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رمَضَانَ حِينَ يلْقَاهُ جِبرِيلُ وكانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ فِي كلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ فلَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المرْسَلَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي كَونه صلى الله عليه وسلم مَوْصُوفا بالجود. وعبدان هُوَ عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة، وَهَذَا الحَدِيث مر فِي أَوَائِل: بَاب كَيفَ كَانَ بَدْء الْوَحْي، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين: أَحدهمَا عَن عَبْدَانِ أَيْضا إِلَى آخِره، نَحوه. وَالْآخر: عَن بشر بن مُحَمَّد عَن عبد الله
…
إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً. وَأخرجه أَيْضا فِي كتاب الصّيام فِي: بَاب أَجود مَا يكون النَّبِي صلى الله عليه وسلم يكون فِي رَمَضَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس
…
إِلَى آخِره. قَوْله: (أَجود النَّاس) أَي: أَعْطَاهُم وَأكْرمهمْ. قَوْله: (من الرّيح الْمُرْسلَة) أَي: المبعوثة لنفع النَّاس.
555 -
حدَّثنا يَحْيَى حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أخبرنِي ابنُ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ علَيْهَا مَسْرُوراً تَبْرُقُ أسَارِيرُ وجْهِهِ فَقَالَ ألَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ المُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وأُسَامَةَ ورَأي أقْدَامَهُمَا إنَّ بَعْضَ هاذِهِ الأقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تبرق أسارير وَجهه) فَإِن هَذَا من جملَة صِفَاته، صلى الله عليه وسلم، وَيحيى: إِمَّا ابْن مُوسَى بن عبد ربه السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي الَّذِي يُقَال لَهُ: خت، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَإِمَّا يحيى بن جَعْفَر ابْن أعين البيكندي، وَكِلَاهُمَا من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَكِلَاهُمَا رويا عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن عبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق.
قَوْله: (مَسْرُورا) حَال، أَي: فرحان. قَوْله: (تبرق) بِضَم الرَّاء، أَي: تضيء وتستنير من الْفَرح، قَوْله:(أسارير وَجهه) الأسارير جمع الْأَسْرَار، وَهُوَ جمع السرر: وَهِي الخطوط الَّتِي تكون فِي الجبين، وبرقانها يكون عِنْد الْفَرح. قَوْله:(ألم تسمعي) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لعَائِشَة: ألم تسمعي مَا قَالَ المدلجي؟ بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وبالجيم، واسْمه: مجزز، بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَكسر الزَّاي الأولى الْمُشَدّدَة، ونسبته إِلَى مُدْلِج بن مرّة بن عبد مَنَاة بن كنَانَة، بطن من كنَانَة كَبِير مَشْهُور بالقيافة، والقائف هُوَ من يتتبع الْآثَار ويعرفها وَيعرف شبه الرجل بأَخيه وَأَبِيهِ، وَالْجمع: الْقَافة، يُقَال: فلَان يقوف الْأَثر ويقتافه قيافة، مثل: قفا الْأَثر واقتفاه، وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة تقدح فِي نسب أُسَامَة بن زيد لكَونه أسود وَزيد أَبيض، فَمر بهما مجزز وهما تَحت قطيفة قد بَدَت أقدامهما من تحتهَا، فَقَالَ: إِن هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من بعض، فَلَمَّا قضى هَذَا الْقَائِف بإلحاق نسبه، وَكَانَت الْعَرَب تعتمد قَول الْقَائِف ويعترفون بحقية القيافة، فَرح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لكَونه زجرا لَهُم عَن الطعْن فِي النّسَب، وَكَانَت أم أُسَامَة بركَة حبشية سَوْدَاء، وَكَانَ أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة بن شرَاحِيل بن كَعْب بن عبد الْعُزَّى، وَأمه أم أَيمن حاضنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ يُسمى حب النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَاخْتلفُوا فِي الْعَمَل بقول الْقَائِف: فأثبته الشَّافِعِي وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث، وَالْمَشْهُور عَن مَالك إثْبَاته فِي الْإِمَاء ونفيه فِي الْحَرَائِر، ونفاه أَبُو حنيفَة مُطلقًا لقَوْله تَعَالَى:{وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} (الْإِسْرَاء: 63) . وَلَيْسَ فِي حَدِيث المدلجي دَلِيل على وجوب الحكم بقول الْقَافة لِأَن أُسَامَة كَانَ نسبه ثَابتا من زيد قبل ذَلِك، وَلم يحْتَج النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِك إِلَى قَول أحد، وَإِنَّمَا تعجب النَّبِي صلى الله عليه وسلم من إِصَابَة مجزز كَمَا يتعجب من ظن الرجل الَّذِي يُصِيب ظَنّه حَقِيقَة الشَّيْء الَّذِي ظَنّه، وَلَا يثبت الحكم بذلك، وَترك رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم الْإِنْكَار عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يتعاطَ فِي ذَلِك إِثْبَات مَا لم يكن ثَابتا.
6553 -
حدَّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ عَبْدِ الله بنِ كَعْبٍ أنَّ عبْدَ الله بنَ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عنْ تبُوكَ قَالَ فلَمَّا سلَّمْتُ علَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وهْوَ يَبْرُقُ وجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وكانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حتَّى كأنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وكُنَّا نَعْرِفُ ذالِكَ مِنْهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (استنار وَجهه) إِلَى آخِره، وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ الْمَدِينِيّ، يكنى أَبَا الْخطاب، عبد الله بن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ رُوِيَ عَن أَبِيه كَعْب بن مَالك بن أبي كَعْب بن الْقَيْن بن كَعْب بن سَواد بن غنم ابْن كَعْب بن سَلمَة السّلمِيّ الخزرجي الْأنْصَارِيّ الْمدنِي.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: السماع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه مصريان، وعقيلاً أيلي، والبقية مدنيون. وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد وهم: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله، وَعبد الله بن كَعْب. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب عَن الْجد.
وَحَدِيث كَعْب هَذَا قِطْعَة من تَوْبَته، وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي الْمَغَازِي. وَأخرجه فِي مَوَاضِع مُخْتَصرا وَمُطَولًا، فَفِي الْمَاضِي أخرج فِي الْوَصَايَا قِطْعَة وَفِي الْجِهَاد قِطْعَة، وَفِي الَّذِي يَأْتِي فِي وُفُود الْأَنْصَار وَفِي موضِعين من الْمَغَازِي وَفِي أَرْبَعَة مَوَاضِع من التَّفْسِير وَفِي الْأَحْكَام مطولا ومختصراً، وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن أبي الطَّاهِر وَعَن مُحَمَّد بن رَافع. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاق عَن أبي الطَّاهِر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُلَيْمَان وَعَن مُحَمَّد بن جبلة وَمُحَمّد بن يحيى وَمُحَمّد بن معدان.
قَوْله: (فَلَمَّا سلمت)، وَجَوَابه مَحْذُوف تَقْدِيره: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم كَذَا وَكَذَا. وَقَوله:(وَهُوَ يَبْرق وَجهه)، جملَة حَالية وَمعنى: يَبْرق، يلمع. قَوْله:(إِذا سر)، على صِيغَة الْمَجْهُول من السرُور. قَوْله:(استنار)، أَي: أَضَاء وتنور، قَوْله:(كَأَنَّهُ قِطْعَة قمر)، أَي: كَأَن الْموضع الَّذِي تبين فِيهِ السرُور، وَهُوَ جَبينه قِطْعَة قمر.
7553 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عَمْرو عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرونِ بَنِي آدَمَ قَرْناً فَقَرْناً حتَّى كُنْتُ مِنَ القَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فيهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي كَونه من خير قُرُون، وَهُوَ صفة من صِفَاته، وَيَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْقَارِي من القارة حَلِيف بني زهرَة أَصله مدنِي سكن الْإسْكَنْدَريَّة، وَعَمْرو هُوَ ابْن أبي عَمْرو، واسْمه: ميسرَة مولى الْمطلب. والْحَدِيث لم يُخرجهُ إلَاّ هُوَ.
قَوْله: (قُرُون) جمع قرن وَهُوَ: النَّاس المجتمعون فِي عصر وَاحِد، وَقيل: مائَة سنة، وَقيل: سَبْعُونَ سنة، وَقيل: ثَلَاثُونَ سنة. قَوْله: (قرنا فقرناً)، أَي: نقيت من خير الْقُرُون أَو أفضلهَا، واعتبرت قرنا فقرناً من أَوله إِلَى آخِره، فَهُوَ حَال للتفضيل، فَخير الْقُرُون قرنه ثمَّ قرن الصَّحَابَة ثمَّ قرن التَّابِعين. قَوْله:(كنت فِيهِ)، ويروى: كنت مَعَه.
8553 -
حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله ابنُ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَسْدُلُ شَعْرَهُ وكانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرِقُونَ رُؤُوسَهُمْ فَكانَ أهْلُ الكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُؤُوسَهُمْ وكانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُحَبُّ مُوافَقَةَ أهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رأسَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه فِي الْأَخِيرَة فرق رَأسه، وَهُوَ صفة من صِفَاته، وَرِجَاله مروا عَن قريب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْهِجْرَة عَن عَبْدَانِ عَن عبد الله بن الْمُبَارك، وَفِي اللبَاس عَن أَحْمد بن يُونُس. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن مَنْصُور بن أبي مُزَاحم وَمُحَمّد بن جَعْفَر، وَعَن أبي الطَّاهِر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي التَّرَجُّل عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن سُوَيْد بن نصر، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن سَلمَة وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (يسدل شعره) ، بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَكسر الدَّال، وَيجوز ضمهَا أَي: يتْرك شعر ناصيته على جَبينه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ الْعلمَاء: المُرَاد إرْسَاله على الجبين واتخاذه كالقصة، بِضَم الْقَاف وبالصاد الْمُهْملَة. قَوْله:(وَكَانَ الْمُشْركُونَ يفرقون) ، بِضَم الرَّاء وَكسرهَا، أَي: يلقون شعر رَأْسهمْ إِلَى جانبيه وَلَا يتركون مِنْهُ شَيْئا على جبهتهم. قَوْله: (يحب مُوَافقَة أهل الْكتاب) لأَنهم أقرب إِلَى الْحق من الْمُشْركين عَبدة الْأَوْثَان، وَقيل: لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورا بِاتِّبَاع شريعتهم فِيمَا لم يُوح إِلَيْهِ فِيهِ شَيْء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: احْتج بِهِ بَعضهم على أَن شرع من قبلنَا شرع لنا، وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ قَالَ: كَانَ يحب من الْمحبَّة، وَلَو كَانَ شرعهم شَرعه لكَانَتْ الْمُوَافقَة وَاجِبَة. انْتهى. قلت: الَّذِي قَالَه ضَعِيف، لِأَن الْمُحَقِّقين من الْعلمَاء قَالُوا: شرع من قبلنَا يلْزمنَا إلَاّ إِذا قصه الله بالإنكار. قَوْله: (ثمَّ فرق رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، رَأسه) أَي: شعر رَأسه، يَعْنِي أَلْقَاهُ إِلَى جَانِبي رَأسه فَلم يتْرك مِنْهُ شَيْئا على جَبهته. وَقد روى ابْن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، قَالَت:(أَنا فرقت لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأسه) أَي: شعر رَأسه على يَافُوخه.
9553 -
حدَّثنا عَبْدَانُ عنْ أبِي حَمْزَةَ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي وائلٍ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عَبْدِ الله ابنِ عَمْرو رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ لَمْ يَكنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فاحِشَاً ولَا مُتَفَحِّشاً وكانَ يَقُولُ إنَّ منْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاقاً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وعبدان هُوَ عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: اسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي الْمروزِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، ومسروق بن بالأجدع.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن حَفْص بن عمر وَعَن قُتَيْبَة وَعَن عمر بن حَفْص. وَأخرج حَدِيث حَفْص بن عمر فِي مَنَاقِب عبد الله بن
مَسْعُود. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن أبي سعيد الْأَشَج. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن مَحْمُود بن غيلَان.
قَوْله: (لم يكن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَاحِشا) من الْفُحْش، وَأَصله الزِّيَادَة بِالْخرُوجِ عَن الْحَد. قَوْله:(وَلَا متفحشاً) أَي: وَلَا متكلفاً فِي الْفُحْش، حَاصله أَنه لم يكن الْفُحْش لَهُ لَا جبلياً وَلَا كسبياً. وروى التِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي عبد الله الجدلي، قَالَ: سَأَلت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عَن خلق النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت:(لم يكن فَاحِشا وَلَا متفحشاً، وَلَا سخاباً فِي الْأَسْوَاق، وَلَا يجزىء بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة، وَلَكِن يعْفُو ويصفح) . قَوْله: (أحسنكم أَخْلَاقًا)، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(أحاسنكم) ، وَحسن الْخلق اخْتِيَار الْفَضَائِل فِيهِ وَترك الرذائل، وَهُوَ صفة الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، والأولياء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَعند مُسلم من حَدِيث عَائِشَة (كَانَ: خلقه الْقُرْآن يغْضب لغضبه ويرضى لرضاه) .
0653 -
حدَّثنا عبدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّها قالَتْ مَا خُيِّرَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أمْرَيْنِ إلَاّ أخَذَ أيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمَاً فَإِن كانَ إثْمَاً كانَ أبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إلَاّ أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله فيَنْتَقِمَ لله بِهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة جدا. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن القعْنبِي. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن يحيى بن يحيى وقتيبة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن القعْنبِي بِهِ مُخْتَصرا.
قَوْله: (مَا خير)، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(بَين أَمريْن)، أَي: من أُمُور الدُّنْيَا، يدل عَلَيْهِ قَوْله:(مَا لم يكن إِثْمًا)، لِأَن أُمُور الدّين لَا إِثْم فِيهَا. قَوْله:(أيسرهما)، أَي: أسهلهما. قَوْله: (مَا لم يكن إِثْمًا) أَي: مَا لم يكن الأسهل إِثْمًا، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يخْتَار الأشق. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ يُخَيّر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي أَمريْن أَحدهمَا إِثْم؟ قلت: التَّخْيِير إِن كَانَ من الْكفَّار فَظَاهر، وَإِن كَانَ من الله وَالْمُسْلِمين فَمَعْنَاه: مَا لم يؤد إِلَى إِثْم، كالتخيير فِي المجاهدة فِي الْعِبَادَة والاقتصاد فِيهَا، فَإِن المجاهدة بِحَيْثُ ينجر إِلَى الْهَلَاك لَا تجوز. قَوْله:(وَمَا انتقم لنَفسِهِ)، أَي: خَاصَّة. فَإِن قلت: أَمر بقتل عقبَة بن أبي معيط وَعبد الله بن خطل وَغَيرهمَا مِمَّن كَانَ يُؤْذِيه؟ قلت: كَانُوا مَعَ أذاهم لرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم كَانُوا ينتهكون حرمات الله تَعَالَى، وَقيل: أَرَادَ أَنه لَا ينْتَقم إِذا أوذي فِي غير السَّبَب الَّذِي يخرج إِلَى الْكفْر، كَمَا عَفا عَن ذَلِك الْأَعرَابِي الَّذِي جَفا فِي رفع صَوته عَلَيْهِ، وَعَن ذَاك الآخر الَّذِي جبذ بردائه حَتَّى أثر فِي كتفه، وَحمل الدَّاودِيّ عدم الانتقام على مَا يخْتَص بِالْمَالِ، قَالَ: وَأما الْعرض فقد اقْتصّ مِمَّن نَالَ مِنْهُ. قَوْله: (إلَاّ أَن تنتهك) ، هَذَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، أَي: لَكِن إِذا انتهكت حُرْمَة الله انتصر لله تَعَالَى وانتقم مِمَّن ارْتكب ذَلِك، وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيهِ:(وَمَا انتقم لنَفسِهِ إلَاّ أَن تنتهك حُرْمَة الله فَإِن انتهكت حُرْمَة الله كَانَ أَشد النَّاس غَضبا صلى الله عليه وسلم لله تَعَالَى) .
وَفِي الحَدِيث: الْأَخْذ بالأسهل والحث على الْعَفو والانتصار للدّين وَأَنه يسْتَحبّ للحكام التخلق بِهَذَا الْخلق الْكَرِيم فَلَا ينْتَقم لنَفسِهِ وَلَا يهمل حق الله تَعَالَى.
1653 -
حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثَنا حَمَّادٌ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ مَا مَسِسْتُ حَرِيرَاً ولَا دِيبَاجَاً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولَا شَمِمْتُ رِيحاً قَطُّ أوْ عَرْفَاً قَطُّ أطْيَبُ مِنْ رِيحِ أوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الْمَذْكُور فِيهِ من صِفَاته، صلى الله عليه وسلم، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَفِي بعض النّسخ وَقع هَكَذَا، والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَأخرجه مُسلم بِمَعْنَاهُ من رِوَايَة سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت عَنهُ.
قَوْله: (مَا مسست)، بسينين مهملتين الأولى مَكْسُورَة وَيجوز فتحهَا وَالثَّانيَِة سَاكِنة وَكَذَا الْكَلَام فِي (شممت) . قَوْله:(وَلَا ديباجاً) وَفِي (الْمغرب) : الديباج
الثَّوْب الَّذِي سداه وَلحمَته إبريسم، وَعِنْدهم اسْم للمنقش وَالْجمع: ديابيج. قلت: فعلى هَذَا يكون عطفه على الْحَرِير من عطف الْخَاص على الْعَام. قَوْله: (أَلين من كف النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، أَي: أنعم. فَإِن قلت: هَذَا يُعَارضهُ مَا روى من حَدِيث هِنْد بن أبي هَالة الَّذِي أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي صفة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَإِن فِيهِ أَنه كَانَ شش الْكَفَّيْنِ والقدمين، أَي: غليظهما فِي خشونة. قلت: قيل: اللين فِي الْجلد والغلظ فِي الْعِظَام فيجتمع لَهُ نعومة الْبدن مَعَ الْقُوَّة، وَيُؤَيّد مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَزَّار من حَدِيث معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أردفني النَّبِي صلى الله عليه وسلم خَلفه فِي سفر فَمَا مسست شَيْئا قطّ أَلين من جلده صلى الله عليه وسلم . قَوْله: (أَو عرفا) ، هُوَ شكّ من الرَّاوِي، لِأَن الْعرف، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا فَاء: هُوَ الرّيح أَيْضا. قَوْله: (من ريح أَو عرف النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، وَهَذَا أَيْضا شكّ من الرَّاوِي. وَقَوله: (من ريح) ، بِكَسْر الْحَاء بِلَا تَنْوِين لِأَنَّهُ فِي حكم الْمُضَاف، تَقْدِيره: من ريح النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَو من عرفه، وَهَذَا كَمَا فِي قَول الشَّاعِر:
(بَين ذراعي وجبهة الْأسد)
تَقْدِيره: بَين ذراعي الْأسد وجبهته، فقد أَدخل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ شَيْئا، وَالْأَصْل عَدمه. قيل: وَوَقع فِي بعض النّسخ: أَو عرقاً، بِفَتْح الرَّاء وبالقاف، وَكلمَة: أَو، وعَلى هَذَا تكون للتنويع دون الشَّك، وَالْمَعْرُوف من الرِّوَايَة هِيَ الأولى.
2653 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عنْ شُعْبَةَ عنْ قَتَادَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي عُتْبَةَ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أشَدَّ حَياءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ صفة من صِفَاته الْعَظِيمَة. وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَعبد الله بن أبي عتبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: مولى أنس بن مَالك، مر فِي الْحَج.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن بنْدَار عَن يحيى وَابْن مهْدي وَفِي الْأَدَب عَن عَليّ بن أبي الْجَعْد وَعَن عَبْدَانِ عَن عبيد الله. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن الْمثنى وَأحمد بن سِنَان. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن بنْدَار.
قَوْله: (حَيَاء)، نصب على التَّمْيِيز وَهُوَ تغير وانكسار عِنْد خوف مَا يعاب أَو يذم (والعذراء) الْبكر لِأَن عذرتها وَهِي: جلدَة الْبكارَة بَاقِيَة. قَوْله: (فِي خدرها)، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة: أَي: فِي سترهَا، وَيُقَال: الخدر ستر يَجْعَل للبكر فِي جنب الْبَيْت. فَإِن قلت: مبْنى أَمر الْعَذْرَاء على السّتْر، فَمَا فَائِدَة قَوْله:(فِي خدرها؟) قلت: هَذَا من بَاب التَّعْمِيم للْمُبَالَغَة لِأَن الْعَذْرَاء فِي الْخلْوَة يشْتَد حياؤها أَكثر مِمَّا تكون خَارِجَة عَن الخدر لكَون الْخلْوَة مَظَنَّة وُقُوع الْفِعْل بهَا، ثمَّ مَحل الْحيَاء فِيهِ صلى الله عليه وسلم فِي غير حُدُود الله، وَلِهَذَا قَالَ للَّذي اعْترف بِالزِّنَا: أنكتها؟ وَلم يكنِ.
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا يَحْيَى وابْنُ مَهْدِيٍّ قالَا حدَّثنا شُعْبَةُ مِثْلَهُ وإذَا كَرِهَ شَيْئَاً عُرِفَ فِي وَجْهِهِ
هَذَا طَرِيق فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار وَهُوَ عَن بنْدَار عَن يحيى الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي كِلَاهُمَا رويا عَن شُعْبَة. قَوْله: (مثله)، أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور سنداً ومتناً. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أبي مُوسَى مُحَمَّد ابْن الْمثنى عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بِسَنَدِهِ، وَقَالَ فِيهِ: سَمِعت عبد الله بن أبي عتبَة يَقُول: سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يَقُول
…
إِلَخ. . قَوْله: (وَإِذا كره شَيْئا عرف فِي وَجهه) ، هَذِه زِيَادَة مُحَمَّد بن بشار على رِوَايَة مُسَدّد الْمَذْكُورَة، وَمعنى: عرف فِي وَجهه، أَنه لَا يواجه أحدا بِمَا يكرههُ بل يتَغَيَّر وَجهه فَيعرف أَصْحَابه كَرَاهَته لذَلِك.
3653 -
حدَّثني عَلِيُّ بنُ الْجَعْدِ أخبرَنا شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ مَا عابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعامَاً قَطُّ إنِ اشْتَهَاهُ أكَلَهُ وإلَاّ تَرَكَهُ. (الحَدِيث 3653 طرفه فِي: 9045) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِيهِ من جملَة صِفَاته الْحَسَنَة. وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: واسْمه سلمَان الْأَشْجَعِيّ وَلَيْسَ هُوَ أَبَا حَازِم سَلمَة بن دِينَار صَاحب سهل بن سعد.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن
كثير. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن أَحْمد بن يُونُس وَعَن أبي كريب وَابْن الْمثنى وَعَن يحيى بن يحيى وَزُهَيْر بن حَرْب. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن عبد بن حميد، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن كثير بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن أَحْمد بن مُحَمَّد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن بشار.
قَوْله: (وإلَاّ) أَي: وَإِن لم يشتهه (تَركه) وَهُوَ من جملَة خصاله الشَّرِيفَة.
4653 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا بَكْرُ بنُ مُضَرَ عنْ جَعْفَرِ بنِ رَبِيعَةَ عنِ الأعْرَجِ عنْ عبْدِ الله بنِ مالِكٍ بنِ بُحَيْنَةَ الأسْدِيِّ قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى نَرَى إبْطَيْهِ قَالَ وَقَالَ ابنُ بُكَيْرٍ حدَّثَنا بَكْرٌ بَياضَ إبْطَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 093 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بَيَاض إبطَيْهِ) لِأَن هَذَا أَيْضا من صِفَاته الجميلة. والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب يُبْدِي ضبعيه ويجافي فِي السُّجُود.
قَوْله: (مَالك)، بِالتَّنْوِينِ. قَوْله:(ابْن بُحَيْنَة) ، صفة لعبد الله لَا لمَالِك، و: بُحَيْنَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون: وَهُوَ اسْم أم عبد الله، فَجمع فِي نسبه بَين الْأَب وَالأُم. قَوْله:(الْأَسدي)، بِسُكُون السِّين وَيُقَال فِيهِ: الْأَزْدِيّ بالزاي الساكنة، وَهَذَا مَشْهُور فِي هَذِه النِّسْبَة، يُقَال: بالزاي وبالسين. قَوْله: (فرج بَين يَدَيْهِ)، يَعْنِي: فتح وَلم يضم مرفقيه إِلَيْهِ، وَهَذِه سنة السُّجُود. قَوْله:(حَتَّى نرى)، بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر. قَوْله:(وَقَالَ ابْن بكير) ، وَهُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير، قَالَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله:(بكر) ، هُوَ بكر بن مُضر الْمَذْكُور، أَرَادَ أَن يحيى بن بكير زَاد لَفْظَة: بَيَاض، على لَفْظَة: إبطَيْهِ، وَفِي رِوَايَة قُتَيْبَة: حَتَّى نرى إبطَيْهِ، بِدُونِ لَفْظَة: بَيَاض، قيل: المُرَاد بِوَصْف إبطَيْهِ بالبياض أَنه لم يكن تحتهما شعر فَكَانَا كلون جسده، وَقيل: لدوام تعاهده لَهُ لَا يبْقى فِيهِ شعر. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة مُسلم: حَتَّى رَأينَا عفرَة إبطَيْهِ؟ قلت: لَا تنَافِي بَينهمَا لِأَن العفرة هِيَ الْبيَاض لَيْسَ بالناصع، وَهَذَا شَأْن المغابن يكون لَوْنهَا فِي الْبيَاض دون لون بَقِيَّة الْجَسَد.
5653 -
حدَّثنا عبْدُ الأعْلَى بنُ حَمَّادٍ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتادَةَ أنَّ أنَسَاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ حدَّثَهُمْ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَاّ فِي الاسْتِسْقَاءِ فإنَّهُ كانَ يَرْفَعُ يدَيْهِ حَتَّى يُرَي بَياضُ إبْطَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 1301 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَتَّى يرى بَيَاض إبطَيْهِ) وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة. والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الاسْتِسْقَاء فِي: بَاب رفع الإِمَام يَده فِي الاسْتِسْقَاء.
قَوْله: (كَانَ لَا يرفع) إِلَى آخِره، ظَاهره أَنه لم يرفع إلَاّ فِي الاسْتِسْقَاء، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل ثَبت الرّفْع فِي الدُّعَاء فِي مَوَاطِن فيؤول على أَنه لم يرفع الرّفْع البليغ فِي شَيْء من دُعَائِهِ إلَاّ فِي الاسْتِسْقَاء، فَإِنَّهُ كَانَ يرفع الرّفْع البليغ حَتَّى يُرى بَيَاض إبطَيْهِ.
وَقَالَ أبُو مُوساى دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ورَفَعَ يَدَيْهُ ورَأيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ
أَبُو مُوسَى هُوَ مُحَمَّد بن الْمثنى يعرف بالزمن الْعَنْبَري شيخ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَهَذَا طرف علقه من حَدِيث سَيَأْتِي مَوْصُولا فِي المناقب فِي تَرْجَمَة أبي عَامر الْأَشْعَرِيّ.
6653 -
حدَّثنا الحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سابِقٍ حدَّثنا مالِكُ بنُ مِغْوَلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَوْنَ بنِ أبِي جُحَيْفَةَ ذَكَرَ عَنْ أبِيهِ قَالَ دُفِعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهْوَ بالأبْطَحِ فِي قُبَّةِ كانَ بالْهَاجِرَةِ خَرَجَ بِلالٌ فناداى بالصَّلَاةِ ثُمَّ دَخَلَ فأخْرَجَ فَضْلَ وَضُوءٍ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فوقَعَ النَّاسُ علَيْهِ يأخُذُونَ مِنْهُ ثُمَّ دَخَلَ فأخْرَج العَنْزَةَ وخَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كأنِّي أنْظُرُ إِلَى وَبِيص
ساقَيْهِ فرَكَزَ العَنْزَةَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهُرَ رَكْعَتَيْنِ والعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الحِمارُ والمَرْأةُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَأَنِّي أنظر إِلَى وبيض سَاقيه) بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره صَاد مُهْملَة: وَهُوَ البريق وزنا وَمعنى. وَالْحسن بن الصَّباح، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَفِي بعض النّسخ: الْحسن ابْن الصَّباح الْبَزَّار، بِتَقْدِيم الزَّاي على الرَّاء، وَهُوَ واسطي سكن بَغْدَاد، وَمُحَمّد بن سَابق أَيْضا من شُيُوخ البُخَارِيّ روى عَنهُ هُنَا بالواسطة، وروى عَنهُ بِدُونِ الْوَاسِطَة فِي الْوَصَايَا حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَابق أَو الْفضل بن يَعْقُوب عَنهُ، وَمَالك بن مغول بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة: ابْن عَاصِم أَبُو عبد الله البَجلِيّ الْكُوفِي، وَأَبُو جُحَيْفَة اسْمه وهب وَقد مر عَن قريب، وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس.
قَوْله: (دفعت إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم على صِيغَة الْمَجْهُول، يَعْنِي: وصلت إِلَيْهِ من غير قصد. قَوْله: (وَهُوَ بِالْأَبْطح) جملَة حَالية، والأبطح أبطح مَكَّة وَهُوَ مسيل واديها وَيجمع على البطاح والأباطح. قَوْله:(فِي قبَّة) أَيْضا حَال. قَوْله: (بالهاجرة) وَهُوَ نصف النَّهَار عِنْد اشتداد الْحر. قَوْله: (فَأخْرج) من الْإِخْرَاج. قَوْله: (فضل وضوء النَّبِي، صلى الله عليه وسلم بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ. قَوْله: (فَأخْرج العنزة) وَهُوَ مثل نصف الرمْح أَو أكبر شَيْئا. وفيهَا سِنَان مثل سِنَان الرمْح، والعكازة قريب مِنْهَا.
7653 -
حدَّثني الحَسَنُ بنُ صَبَّاحٍ البَزَّارُ حدَّثنَا سُفْيَانُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُحَدِّثُ حَدِيثَاً لَوْ عَدَّهُ الْعادُّ لأحْصَاهُ. (الحَدِيث 7653 طرفه فِي: 8653) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن من صِفَات النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَن الَّذِي سمع كَلَامه لَو أَرَادَ أَن يعد كَلِمَاته أَو مفرداته أَو حُرُوفه لعَدهَا، وَالْمرَاد بذلك الْمُبَالغَة فِي الترتيل والتفهيم.
وَالْحسن بن الصَّباح هَذَا هُوَ الَّذِي مضى فِي الحَدِيث السَّابِق، وَقيل: لَا بل غَيره، لِأَن الْحسن بن الصَّباح الَّذِي قبله هُوَ الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح الزَّعْفَرَانِي، نِسْبَة إِلَى جده، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور الطوسي نَحوه وَذكر فِيهِ قصَّة أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (لَو عدَّهُ العادُّ) ، لَو عَدَّ الْعَاد حَدِيثه، أَي: كَلِمَات حَدِيثه، لعده أَي: لقدر على عده، فَالشَّرْط وَالْجَزَاء متحدان ظَاهرا وَلكنه من قبيل قَوْله:{وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها} (إِبْرَاهِيم: 47، النَّحْل: 81) . وَقد فسر: بِلَا تُطِيقُوا عدهَا وبلوغ آخرهَا.
8653 -
وقالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ أنَّهُ قَالَ أخبرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ أنَّهَا قالَتْ ألَاّ يُعْجِبُكَ أبُو فُلانٍ جاءَ فجَلَسَ إِلَى جانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يُسْمِعُنِي ذالِكَ وكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقامَ قَبْلَ أنْ أقْضِيَ سُبْحَتِي ولَوْ أدْرَكْتُهُ لرَدَدْتُ علَيْهُ إنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الحَدِيثَ كسَرْدِكُمْ. (انْظُر الحَدِيث 7653) .
هَذَا التَّعْلِيق وَصله الذهلي فِي (الزهريات) عَن أبي صَالح عَن اللَّيْث.
قَوْله: (أَبُو فلَان) كَذَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: أَبَا فلَان، أما الرِّوَايَة الأولى فَلَا إِشْكَال فِيهَا، وَأما الثَّانِيَة فعلى لُغَة من قَالَ: (لَا وَلَو رَمَاه بأبا قبيس، قيل: المُرَاد بِهِ أَبُو هُرَيْرَة، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من حَدِيث ابْن وهب عَن يُونُس: أَلا يُعْجِبك أَبُو هُرَيْرَة جَاءَ فَجَلَسَ
…
وَوَقع فِي رِوَايَة أَحْمد وَمُسلم وَأبي دَاوُد من هَذَا الْوَجْه: أَلا أعْجبك من أبي هُرَيْرَة، وَوَقع للقابسي: أَتَى فلَان فَأتى، فعل مَاض من الْإِتْيَان، وَفُلَان فَاعله، وَهُوَ تَصْحِيف قَالَه بَعضهم، ثمَّ علل بقوله: لِأَنَّهُ تبين أَنه بِصِيغَة الكنية. قلت: نظر لَا يخفى. قَوْله: (وَكنت أسبح) يجوز أَن يكون على ظَاهره من التَّسْبِيح الَّذِي هُوَ الذّكر، وَيجوز أَن يكون مجَازًا عَن صَلَاة التَّطَوُّع. قَوْله:(لم يكن يسْرد) أَي: لم يكن يُتَابع الحَدِيث استعجالاً، أَي: كَانَ يتَكَلَّم بِكَلَام متتابع مَفْهُوم وَاضح على سَبِيل التأني لِئَلَّا يلتبس على المستمع، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس: إِنَّمَا كَانَ حَدِيث رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فصلا يفهمهُ الْقُلُوب، وَاعْتذر عَن أبي هُرَيْرَة بِأَنَّهُ كَانَ وَاسع الرِّوَايَة كثير الْمَحْفُوظ، فَكَانَ