الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 -
(كِتابُ المَناقِبِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان المناقب، وَهُوَ جمع المنقبة، وَهِي ضد المثلبة، وَوَقع فِي بعض النّسخ: بَاب المناقب، وَالْأول أولى، لِأَن الْكتاب يجمع الْأَبْوَاب وَفِيه أَبْوَاب كَثِيرَة تتَعَلَّق بأَشْيَاء كَثِيرَة على مَا لَا يخفى.
1 -
(بابُ قَوْلِ الله تَعالى {يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأنْثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبَاً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أتْقَاكُمْ} (الحجرات: 31) . وَقَولُهِ {واتَّقُوا الله الَّذي تَسَّاءَلُونَ
بِهِ الأرْحَامَ إنَّ الله كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً} (النِّسَاء: 1) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّاس
…
} (الحجرات: 31) . إِلَى آخِره، ذكر هَذَا ليبني عَلَيْهِ تَفْسِير الشعوب والقبائل وَمَا يتَعَلَّق بهَا، وَاعْلَم أَن هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة نزلت فِي ثَابت بن قيس، وَقَوله للرجل الَّذِي لم يفسح لَهُ: ابْن فُلَانَة، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: من الذاكر فُلَانَة؟ فَقَامَ ثَابت بن قيس. فَقَالَ: أَنا يَا رَسُول الله! قَالَ: أنظر فِي وُجُوه الْقَوْم، فَنظر إِلَيْهَا. فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: مَا رَأَيْت يَا ثَابت؟ قَالَ: رَأَيْت أَبيض وأسود وأحمر، قَالَ: فَإنَّك لَا تفضلهم إلَاّ فِي الدّين وَالتَّقوى، فَأنْزل الله فِي ثَابت هَذِه الْآيَة.
قَوْله: (من ذكر آدم عليه السلام، وَأُنْثَى) ، حَوَّاء، عليها السلام، وَقيل: خلقنَا كل وَاحِد مِنْكُم من أَب وَأم فَمَا مِنْكُم أحد إلَاّ وَهُوَ يُدْلِي مَا يُدْلِي بِهِ الآخر سَوَاء بِسَوَاء، فَلَا وَجه للتفاخر والتفاضل فِي النّسَب. قَوْله:(وجعلناكم شعوباً) ، وَهِي رُؤُوس الْقَبَائِل وجمهورها، قيل: ربيعَة وَمُضر والأوس والخزرج، وَاحِدهَا: شعب، بِفَتْح الشين، والشعب الطَّبَقَة الأولى من الطَّبَقَات السِّت الَّتِي عَلَيْهَا الْعَرَب، وَهِي: الشّعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة. فالشعب يجمع الْقَبَائِل، والقبائل تجمع العمائر، والعمائر تجمع الْبُطُون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل. خُزَيْمَة شعب، وكنانة قَبيلَة، وقريش عمَارَة، وقصي بطن، وهَاشِم فَخذ، وَالْعَبَّاس فصيلة، وَسميت الشعوب: شعوباً لِأَن الْقَبَائِل تتشعب مِنْهَا. وَقَالَ صَاحب (المنتهي) : مَا تشعب من قبائل الْعَرَب والعجم، والشعوب الْأُمَم الْمُخْتَلفَة، فالعرب شعب وَفَارِس شعب وَالروم شعب وَالتّرْك شعب. وَفِي (الموعب) : الشّعب مِثَال كَعْب وَعَن ابْن الْكَلْبِيّ: بِالْكَسْرِ، وَفِي (نَوَادِر الهجري) : لم يسمع فصيحاً بِكَسْر الشين، وَفِي (الْمُحكم) : الشّعب هُوَ الْقَبِيلَة نَفسهَا وَقد غلبت الشعوب بِلَفْظ الْجمع على جيل الْعَجم، وَفِي (تَهْذِيب) الْأَزْهَرِي: أخذت الْقَبَائِل من قبائل الرَّأْس لاجتماعها، وَفِي (الصِّحَاح) قبائل الرَّأْس هِيَ الْقطع المشعوب بَعْضهَا إِلَى بعض تصل بهَا الشؤون، وَقَالَ الزّجاج: الْقَبِيلَة من ولد إِسْمَاعِيل، عليه الصلاة والسلام، كالسبط من ولد إِسْحَاق، عليه الصلاة والسلام، سموا بذلك ليفرق بَينهمَا، وَمعنى: الْقَبِيلَة من ولد إِسْمَاعِيل معنى الْجَمَاعَة، يُقَال: لكل جمَاعَة من وَاحِد: قَبيلَة، وَيُقَال لكل جمع على شَيْء وَاحِد: قبيل، أَخذ من قبائل الشَّجَرَة وَهِي أَغْصَانهَا، وَذكر ابْن الهبارية فِي كِتَابَة تِلْكَ الْمعَانِي: أَن الْقَبَائِل من ولد عدنان مِائَتَان وَسبع وَأَرْبَعُونَ قَبيلَة، والبطون من وَلَده مِائَتَان وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ بَطنا والأفخاذ خَمْسَة عشر فخذاً غير أَوْلَاد أبي طَالب. وَذكر أهل اللُّغَة: أَن الشعوب مثل مُضر وَرَبِيعَة، والقبائل دون ذَلِك مثل قُرَيْش وَتَمِيم، ثمَّ العمائر جمع عميرَة، ثمَّ الْبُطُون جمع بطن، ثمَّ الأفخاذ جمع فَخذ، وَقسم الجواني الْعَرَب إِلَى عشر طَبَقَات: الجذم ثمَّ الْجُمْهُور ثمَّ الشّعب ثمَّ الْقَبِيلَة ثمَّ الْعِمَارَة ثمَّ الْبَطن ثمَّ الْفَخْذ ثمَّ الْعَشِيرَة ثمَّ الفصيلة ثمَّ الرَّهْط. قَوْله: (لتعارفوا)، أَي: ليعرف بَعْضكُم بَعْضًا فِي قرب النّسَب وَبعده، فَلَا يعتري إِلَى غير آبَائِهِ لَا أَن يتفاخروا بِالْآبَاءِ والأجداد، ويدَّعوا التَّفَاضُل والتفاوت فِي الْأَنْسَاب، ثمَّ بيَّن الْفَضِيلَة الَّتِي بهَا يفضل الْإِنْسَان على غَيره ويكتسب الشّرف وَالْكَرم عِنْد الله تَعَالَى فَقَالَ:{إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} وَقَالَ مُجَاهِد: (لتعارفوا) ليقال فلَان ابْن فلَان، وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: لتعرفوا، وَأنْكرهُ بعض أهل اللُّغَة. قَوْله:(وَقَوله تَعَالَى: {وَاتَّقوا الله الَّذِي} (النِّسَاء: 1) . إِلَى آخِره أَي: اتَّقوا الله بطاعتكم إِيَّاه. قَالَ إِبْرَاهِيم وَمُجاهد وَالْحسن وَالضَّحَّاك وَالربيع وَغير وَاحِد: الَّذِي تساءلون بِهِ، أَي: كَمَا يُقَال: أَسأَلك بِاللَّه وبالرحم، وَعَن الضَّحَّاك: وَاتَّقوا الله الَّذِي بِهِ تعاقدون وتعاهدون، وَاتَّقوا الْأَرْحَام أَن تقطعوها، وَلَكِن زوروها وصلوها، والأرحام جمع: رحم، وَقَرَأَ عبد الله بن يزِيد المقريء و: الأرحامُ، بِالضَّمِّ على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: الأرحامُ مِمَّا يتقى بِهِ، وَالْجُمْهُور على النصب على تَقْدِير: وَاتَّقوا الْأَرْحَام، وقرىء بِالْجَرِّ أَيْضا عطفا على قَوْله: بِهِ، وَفِيه خلاف فَأَجَازَهُ
الْكُوفِيُّونَ وَمنعه البصريون لِأَنَّهُ لَا يجوز عِنْدهم الْعَطف على الضَّمِير الْمَجْرُور إلَاّ بِإِعَادَة الْجَار. قَوْله: {إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيباً} (النِّسَاء: 1) . أَي: مراقباً لجَمِيع أَعمالكُم وأحوالكم.
وَمَا يُنْهَى عنْ دَعْوَى الجاهِلِيَّةِ
عطف على قَوْله: وَقَول الله الَّذِي هُوَ عطف على قَول الله الْمَجْرُور بِإِضَافَة الْبَاب إِلَيْهِ، أَي: بَاب فِيمَا ينْهَى عَن دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة، وَهِي الندبة على الْمَيِّت والنياحة، وَقيل: قَوْلهم: يَا لفُلَان، وَقيل: الانتساب إِلَى غير أَبِيه، وَقد عقد لَهُ بَابا عَن قريب يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
الشُّعُوبُ النَّسَبُ البَعِيدُ: والقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ
أَرَادَ بِالنّسَبِ الْبعيد مثل مُضر وَرَبِيعَة، هَذَا قَول مُجَاهِد وَالضَّحَّاك. قَوْله:(والقبائل دون ذَلِك) ، مثل قُرَيْش وَتَمِيم.
9843 -
حدَّثنا خالِدُ بنُ يَزِيدَ الكاهِلِيُّ حدَّثنا أبُو بَكْرٍ عنْ أبِي حُصِينٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا: قالَ الشُّعُوبُ القَبائِلُ العْظَامُ والقَبَائِلُ البُطُونُ.
مطابقته لِلْآيَةِ الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الْمَذْكُور فِيهَا الشعوب والقبائل، وَقد فسر ابْن عَبَّاس الشعوب بالقبائل الْعِظَام، وَفسّر الْقَبَائِل بالبطون، وَذَلِكَ لِأَن الشعوب تجمع الْقَبَائِل، وَذكر عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا: أَن الْقَبَائِل الأفخاذ، فعلى هَذَا أَن الْقَبَائِل الَّتِي فَسرهَا بالبطون تجمع الأفخاذ. وخَالِد بن يزِيد أَبُو الْهَيْثَم المقرىء الْكَاهِلِي الْكُوفِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، والكاهلي نِسْبَة إِلَى كَاهِل، بِكَسْر الْهَاء: ابْن الْحَارِث بن تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر، بطن من هُذَيْل، وَالظَّاهِر أَنه مَنْسُوب إِلَى كَاهِل بن أَسد بن خُزَيْمَة بن مدركة لِأَن جمَاعَة كَثِيرَة من أهل الْكُوفَة ينتسبون إِلَيْهِ، وَأَبُو بكر هُوَ ابْن عَيَّاش ابْن سَالم الْأَسدي الْكُوفِي الحناط، بالنُّون وَفِي اسْمه أَقْوَال كَثِيرَة، وَالأَصَح أَن اسْمه كنيته، وَأَبُو حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: اسْمه عُثْمَان بن عَاصِم بن حُصَيْن الْأَسدي الْكُوفِي.
0943 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني سَعِيدُ بنُ أبِي سَعِيدٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قِيلَ يَا رسولَ الله مَنْ أكْرَمُ النَّاسِ قَالَ أتْقَاهُمْ قَالُوا لَيْسَ عنْ هاذَا نَسْألُكَ قَالَ فيُوسُفُ نَبيُّ الله. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قَالَ أَتْقَاهُم) . وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ، وَسَعِيد يروي عَن أَبِيه أبي سعيد كيسَان المَقْبُري. والْحَدِيث مر فِي: بَاب {أم كُنْتُم شُهَدَاء إِذْ حضر يَعْقُوب الْمَوْت} (الْبَقَرَة: 331) . فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَإِنَّمَا أطلق على يُوسُف: أكْرم النَّاس لكَونه رَابِع نَبِي فِي نسق وَاحِد وَلَا يعلم غَيره بذلك.
3 -
(حَدثنَا قيس بن حَفْص حَدثنَا عبد الْوَاحِد حَدثنَا كُلَيْب بن وَائِل قَالَ حَدَّثتنِي ربيبة النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - زَيْنَب ابْنة أبي سَلمَة قَالَ قلت لَهَا أَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - أَكَانَ من مُضر قَالَت فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا من مُضر من بني النَّضر بن كنَانَة) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله إِلَّا من مُضر فَإِنَّهُ من الشعوب وَقيس بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ الْبَصْرِيّ وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد وكليب مصغر كلب ابْن وَائِل بِالْهَمْز تَابِعِيّ وسط كُوفِي وَأَصله من الْمَدِينَة وَلَيْسَ فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث قَوْله " أَرَأَيْت " أَي أَخْبِرِينِي قَوْله " أَكَانَ من مُضر " الْهمزَة فِيهِ للاستفهام قَوْله " فَمِمَّنْ كَانَ " بِالْفَاءِ رِوَايَة الْكشميهني وَرِوَايَة
غَيره بِلَا فَاء وَيَجِيء تَفْسِيره عَن قريب
4 -
(حَدثنَا مُوسَى حَدثنَا عبد الْوَاحِد حَدثنَا كُلَيْب حَدَّثتنِي ربيبة النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وأظنها زَيْنَب قَالَت نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - عَن الدُّبَّاء والحنتم والمقير والمزفت وَقلت لَهَا أَخْبِرِينِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - مِمَّن كَانَ من مُضر كَانَ قَالَت فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا من مُضر كَانَ من ولد النَّضر بن كنَانَة) هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي قَوْله " وأظنها زَيْنَب " الظَّاهِر أَن قَائِله مُوسَى لِأَن قيس بن حَفْص فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة قد جزم بِأَنَّهَا زَيْنَب وشيخهما وَاحِد (فَإِن قلت) قد أخرج الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة حبَان بن هِلَال عَن عبد الْوَاحِد قَالَ وَلَا أعلمها إِلَّا زَيْنَب قلت فعلى هَذَا الشَّك فِيهِ من شَيْخه عبد الْوَاحِد كَانَ يجْزم بهَا تَارَة ويشك فِيهَا أُخْرَى قَوْله قَالَت نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - إِنَّمَا ذكرت النَّهْي عَن هَذِه الْأَشْيَاء هُنَا لِأَنَّهَا رَوَت الحَدِيث على هَذِه الصُّورَة قَوْله " الدُّبَّاء " بِضَم الدَّال وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد القرع وَاحِدهَا دباة والحنتم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفِي آخِره مِيم وَهِي جرار مدهونة خضر كَانَت تحمل فِيهَا الْخمر إِلَى الْمَدِينَة وَاحِدهَا حنتمة والمقير المطلي بالقار وَهُوَ الزفت وَعَن أبي ذَر صَوَابه النقير بالنُّون وَكسر الْقَاف قَوْله " أَخْبِرِينِي " خطاب من كُلَيْب لِزَيْنَب قَوْله " النَّبِي " مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله مِمَّن كَانَ يَعْنِي من أَي قَبيلَة قَوْله " من مُضر " كَأَن همزَة الِاسْتِفْهَام فِيهِ مقدرَة أَي أَمن مُضر كَانَ وَمُضر بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة هُوَ ابْن نزار بن معد بن عدنان واشتقاق مُضر من المضيرة وَهُوَ شَيْء يصنع من اللَّبن سمي بِهِ لبياض لَونه وَالْعرب تسمي الْأَبْيَض أَحْمَر فَلذَلِك سميت مُضر الْحَمْرَاء وَقَالَ ابْن سَيّده سمي مُضر لِأَنَّهُ كَانَ مُولَعا بِشرب اللَّبن الماضر أَي الحامض وَهُوَ أول من سنّ للْعَرَب الحداء لِلْإِبِلِ لِأَنَّهُ كَانَ حسن الصَّوْت فَسقط يَوْمًا من بعيره فَوَثَبت يَده فَجعل يَقُول وايداه وايداه فأعنقت لَهُ الْإِبِل وَأمه سَوْدَة بنت عك وَقيل حَبِيبَة بنت عك وَكَانَ على دين إِسْمَاعِيل عليه الصلاة والسلام وَقَالَ ابْن حبيب حَدثنَا أَبُو جَعْفَر عَن أبي جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ مَاتَ أدد وَالِد عدنان وعدنان ومعد وَرَبِيعَة وَمُضر وَقيس غيلَان وَتَمِيم وَأسد وضبة على الْإِسْلَام على مِلَّة إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام فَلَا تذكروهم إِلَّا كَمَا يذكر بِهِ الْمُسلمُونَ وَعَن سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ لَا تسبوا مُضر فَإِنَّهُ كَانَ مُسلما على مِلَّة إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام وَعند الزبير بن بكار من حَدِيث مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ لَا تسبوا مُضر وَلَا ربيعَة فَإِنَّهُمَا كَانَا مُسلمين وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - إِذا اخْتلف النَّاس فَالْحق مَعَ مُضر وَرُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ إِن الله عز وجل اخْتَار هَذَا الْحَيّ من مُضر قَوْله " فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا من مُضر " كلمة إِلَّا اسْتثِْنَاء مُنْقَطع أَي لَكِن كَانَ من مُضر أَو الِاسْتِثْنَاء من مَحْذُوف أَي لم يكن إِلَّا من مُضر والهمزة محذوفة من كَانَ وَمِمَّنْ كَانَ كلمة مُسْتَقلَّة أَو الِاسْتِفْهَام للإنكار قَوْله " كَانَ من ولد النَّضر " النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن كنَانَة بِكَسْر الْكَاف ابْن خُزَيْمَة بن مدركة بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل ابْن الياس بن مُضر وَهَذَا بَيَان لَهُ لِأَن مُضر قبائل وَهَذَا بطن مِنْهُ وَالنضْر اسْمه قيس سمي بالنضر لوضاءته وجماله وإشراق وَجهه وَالنضْر هُوَ الذَّهَب الْأَحْمَر وَهُوَ النضار وَأمه برة بنت مر بن أد بن طابخة وكنية النَّضر أَبُو يخلد كني بِابْنِهِ يخلد وَعلم من هَذَا أَن معرفَة الْأَنْسَاب لَا يسْتَغْنى عَنْهَا وَقد جَاءَ الْأَمر بتعلمها وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث الْعَلَاء بن خَارِجَة الْمدنِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - " تعلمُوا من أنسابكم مَا تصلونَ بِهِ أَرْحَامكُم " وروى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - مثله وَصَححهُ وَقَالَ أَبُو عمر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - أَنه قَالَ " كفر بِاللَّه ادِّعَاء نسب لَا يعرف وَكفر بِاللَّه تبرؤ من نسب وَإِن دق " وَرُوِيَ عَن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مثله وَقَالَ صلى الله عليه وسلم َ - " من ادّعى إِلَى غير أَبِيه أَو انْتَمَى إِلَى غير موَالِيه فَعَلَيهِ لعنة الله " وَقد رُوِيَ من الْوُجُوه الصِّحَاح عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - مَا يدل على مَعْرفَته بأنساب الْعَرَب وروى التِّرْمِذِيّ مصححا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - وَفِي يَده الْيُمْنَى
كتاب وَفِي الْيُسْرَى كتاب فَقَالَ هَذَا كتاب من رب الْعَالمين فِيهِ أَسمَاء أهل الْجنَّة وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الرشاطي الحض على معرفَة الْأَنْسَاب ثَابت بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة وَبَالغ ابْن حزم فِي ذَلِك وَقَالَ لَا يُنكر حق معرفَة النّسَب إِلَّا جَاهِل أَو معاند وَفرض أَن يعلم الْمَرْء أَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله القريشي الْهَاشِمِي الَّذِي كَانَ بِمَكَّة ورحل مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة فَمن يشك فِيهِ أهوَ قريشي أَو يماني أَو تميمي أَو أعجمي فَهُوَ كَافِر غير عَارِف بِدِينِهِ إِلَّا أَن يعْذر بِشدَّة ظلمَة الْجَهْل فَيلْزمهُ أَن يتَعَلَّم ذَلِك وَيلْزم من بِحَضْرَتِهِ تَعْلِيمه وَمن الْفَرْض فِي علم النّسَب أَن يعرف الْمَرْء أَن الْخلَافَة لَا تجوز إِلَّا من ولد فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة وَأَن يعرف كل من يلقاه بِنسَب فِي رحم محرمه ليجتنب مَا حرم عَلَيْهِ وَأَن يعرف كل من يتَّصل بِهِ برحم يُوجب مِيرَاثا أَو صلَة أَو نَفَقَة أَو عقدا أَو حكما فَمن جهل هَذَا فقد أضاع فرضا وَاجِبا عَلَيْهِ لَازِما لَهُ من دينه وَأما الَّذِي يكون مَعْرفَته من النّسَب فضلا فِي الْجَمِيع وفرضا على الْكِفَايَة فمعرفة أَسمَاء أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وأكابر الصَّحَابَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار الَّذين حبهم فرض فقد صَحَّ أَنه صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ آيَة الْإِيمَان حب الْأَنْصَار وَآيَة الْمُنَافِق بغض الْأَنْصَار -
3943 -
حدَّثني إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخْبَرَنَا جَرِيرٌ عنْ عُمَارَةَ عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسْلَامَ إذَا فُقِهُوا وتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأنِ أشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً وتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الوَجْهَيْنِ الَّذِي يأْتِي هاوُلاءِ بِوَجْهٍ ويأتِي هاؤُلاءِ بِوَجْهٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَعمارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع، وَأَبُو زرْعَة اسْمه هرم، وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: عَمْرو.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل بِتَمَامِهِ وَفِي الْأَدَب بِقصَّة ذِي الْوَجْهَيْنِ.
قَوْله: (معادن)، أَي: كمعادن، والْحَدِيث الآخر يُوضحهُ: النَّاس معادن كمعادن الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَوجه التَّشْبِيه اشْتِمَال الْمَعَادِن على جَوَاهِر مُخْتَلفَة من نَفِيس وخسيس، كَذَلِك النَّاس من كَانَ شريفاً فِي الْجَاهِلِيَّة لم يزده الْإِسْلَام إلَاّ شرفاً، فَإِن تفقه وصل إِلَى غَايَة الشّرف، وَكَانَت لَهُم أصُول فِي الْجَاهِلِيَّة يستنكفون عَن كثير من الْفَوَاحِش. قَوْله:(إِذا فقهوا) يَعْنِي: إِذا فَهموا أُمُور الدّين، وَالْفِقْه فِي الأَصْل الْفَهم، يُقَال: فقه الرجل، بِكَسْر الْقَاف، يفقه، بِفَتْحِهَا إِذا فهم وَعلم، وَفقه يفقه بِضَم الْقَاف فيهمَا: إِذا صَار فَقِيها عَالما، وَقد جعله الْعرف خَاصّا بِعلم الشَّرِيعَة وتخصيصاً بِعلم الْفُرُوع مِنْهُمَا. قَوْله:(تَجِدُونَ خير النَّاس فِي هَذَا الشَّأْن) أَي: فِي الْخلَافَة أَو فِي الْإِمَارَة. قَوْله: (أَشَّدهم) بِالنّصب على أَنه مفعول ثَان: لتجدون. قَوْله: (لَهُ) أَي: لهَذَا الشَّأْن. قَوْله: (كَرَاهِيَة)، نصب على التَّمْيِيز ويروى: كَرَاهَة. فَإِن قلت: كَيفَ يصير خير جَمِيع النَّاس بِمُجَرَّد كَرَاهَته لذَلِك؟ قلت: المُرَاد إِذا تساووا فِي سَائِر الْفَضَائِل، أَو يُرَاد من النَّاس الْخُلَفَاء أَو الْأُمَرَاء، أَو مَعْنَاهُ من خَيرهمْ بِقَرِينَة الحَدِيث الَّذِي بعده، فَإِن فِيهِ تَجِدُونَ من خير النَّاس بِزِيَادَة كلمة: من، كَأَنَّهُ قَالَ: تَجِدُونَ أكره النَّاس فِي هَذَا الْأَمر من خيارهم، وَالْكَرَاهَة بِسَبَب علمه بصعوبة الْعدْل فِيهَا، والمطالبة فِي الْآخِرَة، وَهَذَا فِي الَّذِي ينَال الْخلَافَة أَو الْإِمَارَة من غير مَسْأَلَة، فَإِذا نالها بِمَسْأَلَة فَأمره أعظم لِأَنَّهُ لَا يعان عَلَيْهَا، وَهَذَا الْقسم أَكثر فِي هَذَا الزَّمَان. قَوْله:(ذَا الْوَجْهَيْنِ) مفعول ثَان لقَوْله: (تَجِدُونَ شَرّ النَّاس) وَذُو الْوَجْهَيْنِ: هُوَ الْمُنَافِق وَهُوَ الَّذِي يمشي بَين الطَّائِفَتَيْنِ بِوَجْهَيْنِ يَأْتِي لإحداهما بِوَجْه وَيَأْتِي لِلْأُخْرَى بِخِلَاف ذَلِك، وَقَالَ الله تَعَالَى:{مذبذبين بَين ذَلِك لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} (النِّسَاء: 341) . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مذبذبين، يَعْنِي: الْمُنَافِقين متحيرين بَين الْإِيمَان وَالْكفْر فَلَا هم مَعَ الْمُؤمنِينَ ظَاهرا وَبَاطنا ولاهم مَعَ الْكفَّار ظَاهرا وَبَاطنا، بل ظواهرهم مَعَ الْمُؤمنِينَ وبواطنهم مَعَ الْكَافرين، وَمِنْهُم من يَعْتَرِيه الشَّك، فَتَارَة يمِيل إِلَى هَؤُلَاءِ وَتارَة يمِيل إِلَى هَؤُلَاءِ، وروى مُسلم من حَدِيث عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مثل الْمُنَافِق كَمثل الشَّاة العائرة بَين الْغَنَمَيْنِ تعير إِلَى هَذِه مرّة وَإِلَى هَذِه مرّة، لَا تَدْرِي أَيَّتهمَا تتبع.
5943 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا المُغِيرَةُ عنْ أبِي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي