الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 -
(بابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بنِ أبِي طالِبٍ القُرَشِّيُّ الْهَاشِمِيِّ أبِي الحَسَنِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب عَليّ بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب المكنى بِأبي الْحسن، كناه بذلك أَهله، وكناه رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بِأبي تُرَاب لما رَآهُ فِي الْمَسْجِد نَائِما وَوجد رِدَاءَهُ قد سقط عَن ظَهره، وخلص إِلَيْهِ التُّرَاب، كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث سهل بن سعد فِي: أَبْوَاب الْمَسَاجِد، وَهنا أَيْضا يَأْتِي عَن قريب، وروى ابْن إِسْحَاق أَنه، صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ ذَلِك فِي غَزْوَة العسيرة، وَصَححهُ الْحَاكِم، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي بعض أهل الْعلم أَنه، صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا سَمَّاهُ بذلك لِأَنَّهُ كَانَ إِذا عَاتب عَليّ فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فِي شَيْء يَأْخُذ تُرَابا فيضعه على رَأسه، فَكَانَ صلى الله عليه وسلم، إِذا رأى التُّرَاب عرف أَنه عَاتب عَليّ فَاطِمَة، فَيَقُول: مَا لَك يَا أَبَا تُرَاب؟ وَأم عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم، وَهِي أول هاشمية ولدت هاشمياً، أسلمت وَصَارَت من كبار الصحابيات وَمَاتَتْ فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعلِيٍّ أنْتَ مِنِّي وأنَا مِنْكَ
هَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب أخرجه مطولا فِي: بَاب عمْرَة الْقَضَاء، على مَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَفِيه قَالَ لعَلي: أَنْت مني وَأَنا مِنْك، وَقَالَ لجَعْفَر: أشبهت خلقي وَخلقِي، وَقَالَ لزيد: أَنْت أخونا ومولانا. قَوْله: (أَنْت) ، مُبْتَدأ، (ومني) خَبره، ومتعلق الْخَبَر خَاص، وَكلمَة: مني، هَذِه تسمى: بِمن، الاتصالية وَمَعْنَاهُ: أَنْت مُتَّصِل بِي، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ اتِّصَاله من جِهَة النُّبُوَّة، بل من جِهَة الْعلم والقرب وَالنّسب، وَكَانَ أَب النَّبِي صلى الله عليه وسلم شَقِيق أبي عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قَوْله:(وَأَنا مِنْك) وَفِي حَدِيث آخر: (أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى) وَمَعْنَاهُ: أَنْت مُتَّصِل بِي ونازل مني منزلَة هَارُون من مُوسَى، وَفِيه تَشْبِيه، وَوجه التَّشْبِيه مُبْهَم، وَبَينه وَبِقَوْلِهِ: إلَاّ أَنه لَا نَبِي بعدِي، يَعْنِي: أَن اتِّصَاله لَيْسَ من جِهَة النُّبُوَّة، فَبَقيَ الِاتِّصَال من جِهَة الْخلَافَة، لِأَنَّهَا تلِي النُّبُوَّة فِي الْمرتبَة، ثمَّ أَنَّهَا، إِمَّا أَن تكون فِي حَيَاته أَو بعد مماته، فَخرج بعد مماته لِأَن هَارُون مَاتَ قبل مُوسَى، عليهما السلام، فَتبين أَن يكون فِي حَيَاته عِنْد مسيره إِلَى غَزْوَة تَبُوك، لِأَن هَذَا القَوْل من النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ مخرجه إِلَى غَزْوَة تَبُوك، وَقد خلف عليا على أَهله وَأمره بِالْإِقَامَةِ فيهم، وَهَذَا الحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن بِلَفْظ: إِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ، وَهُوَ ولي كل مُؤمن بعدِي. ثمَّ قَالَ: حسن غَرِيب لَا نعرفه إلَاّ من حَدِيث جَعْفَر بن سُلَيْمَان، وَأخرجه أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ فِي فَضَائِل الصَّحَابَة من حَدِيث بُرَيْدَة مطولا، قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لي: لَا تقع فِي عَليّ فَإِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ، وَمن حَدِيث الحكم بن عَطِيَّة: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب أَن عَليّ بن أبي طَالب وجعفراً وزيداً دخلُوا على رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، (فَقَالَ: أما أَنْت يَا جَعْفَر فَأشبه خلقك خلقي، وَأما أَنْت يَا عَليّ فَأَنت مني وَأَنا مِنْك) وَفِي حَدِيث أبي رَافع، فَقَالَ جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام: وَأَنا مِنْكُمَا يَا رَسُول الله.
وَقَالَ عُمَرُ تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وهْوَ عَنْهُ رَاضٍ
هَذَا التَّعْلِيق تقدم قَرِيبا فِي وَفَاة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مُسْندًا عِنْد قَوْله: مَا أحد أَحَق بِهَذَا الْأَمر من هَؤُلَاءِ النَّفر أَو الرَّهْط الَّذين توفّي رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْهُم راضٍ، فَسمى عليا
…
الحَدِيث.
1073 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غدَاً رَجُلاً يَفْتَحُ الله علَى يَدَيْهِ قَالَ فَباتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أيُّهُمْ يُعْطَاهَا فلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ فَقالُوا يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يَا رسُولَ الله قَالَ فأرْسِلُوا إلَيْهِ فأتُونِي بِهِ فلَمَّا جاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ ودَعَا لَهُ فَبَرَأ حتَّى كأنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فأعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ الله أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بِساحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى
الإسْلامِ وأخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ الله فِيهِ فَوَالله لأَنْ يَهْدِيَ الله بِكَ رَجُلاً واحِدَاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ يدل على فَضِيلَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وشجاعته. وَفِيه: معْجزَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، حَيْثُ أخبر بِفَتْح خَيْبَر على يَد من يعْطى لَهُ الرَّايَة.
وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار، سمع أَبَاهُ أَبَا حَازِم.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب فضل من أسلم على يَدَيْهِ رجل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن عبد الْقَارِي عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد
…
إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (كلهم يَرْجُو) ويروى: يرجون. قَوْله: (يدوكون)، بِالدَّال الْمُهْملَة وبالكاف أَي: يَخُوضُونَ من الدوكة وَهُوَ الِاخْتِلَاط، والخوض، يُقَال: بَات الْقَوْم يدوكون دوكاً: إِذا باتوا فِي اخْتِلَاط ودوران، وَقيل: يَخُوضُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ فِي ذَلِك، ويروى: يذكرُونَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة من الذّكر. قَوْله: (فأرسلوا)، على صِيغَة الْمَاضِي الْمَبْنِيّ للْفَاعِل. قَوْله:(فَأتي بِهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالضَّمِير فِي: بِهِ، يرجع إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ويروى: فأرسلوا، على صِيغَة الْأَمر من الْإِرْسَال، فأتوني بِهِ، على صِيغَة الْأَمر أَيْضا من الْإِتْيَان. قَوْله:(ودعا لَهُ) ويروى: فَدَعَا لَهُ، بِالْفَاءِ. قَوْله:(فَأعْطَاهُ)، ويروى: وَأَعْطَاهُ، بِالْوَاو، ويروى: فَأعْطِي على صِيغَة الْمَجْهُول، والراية: الْعلم. قَوْله: (أنفذ) بِضَم الْفَاء: أَي: إمضِ. قَوْله: (على رسلك) أَي: على هينتك. قَوْله: (حمر النعم) بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْمِيم، وَالنعَم بِفتْحَتَيْنِ، وَالْإِبِل الْحمر هِيَ أحسن أَمْوَال الْعَرَب يضْربُونَ بهَا الْمثل فِي نفاسة الشَّيْء، وَلَيْسَ عِنْدهم شَيْء أعظم مِنْهُ، وتشبيه أُمُور الآخر بأعراض الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ للتقريب إِلَى الْفَهم، وإلَاّ فذرة من الْآخِرَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بأسرها وأمثالها مَعهَا.
وَفِي (التَّلْوِيح) : وَمن خواصه أَي: خَواص عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيمَا ذكره أَبُو الشَّاء: أَنه كَانَ أقضى الصَّحَابَة، وَأَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، تخلف عَن أَصْحَابه لأَجله، وَأَنه بَاب مَدِينَة الْعلم، وَأَنه لما أَرَادَ كسر الْأَصْنَام الَّتِي فِي الْكَعْبَة المشرفة أصعده النَّبِي صلى الله عليه وسلم برجليه على مَنْكِبَيْه، وَأَنه حَاز سهم جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، بتبوك فَقيل فِيهِ.
(عَليّ حوى سَهْمَيْنِ من غير أَن غزاغزاة تَبُوك، حبذا سهم مسهم)
وَأَن النّظر إِلَى وَجهه عبَادَة، روته عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَأَنه أحب الْخلق إِلَى الله بعد رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، رَوَاهُ أنس فِي حَدِيث الطَّائِر، وَسَماهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: يعسوب الدّين، وَسَماهُ أَيْضا: رز الأَرْض، وَقد رويت هَذِه اللَّفْظَة مَهْمُوزَة وملينة، وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا معنى، فَمن: همز أَرَادَ الصَّوْت، وَالصَّوْت جمال الْإِنْسَان، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت جمال الأَرْض، والملين هُوَ الْمُنْفَرد الوحيد، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت وحيد الأَرْض، وَتقول: رززت السكين إِذا رسخته فِي الأَرْض بالوتد، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت وتد الأَرْض، وكل ذَلِك مُحْتَمل، وَهُوَ مدح وَوصف، وَأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، تولى تَسْمِيَته وتغديته أَيَّامًا بريقه الْمُبَارك حِين وَضعه.
2073 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا حاتِمٌ عنْ يَزِيدَ بنِ أبِي عُبَيْدٍ عنْ سَلَمَةَ قَالَ كانَ علِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَرَ وكانَ بِهِ رَمَدٌ فَقَالَ أنَا أتَخَلَّفُ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ عَلِيٌّ فلَحِقَ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فلَمَّا كانَ مَساءُ اللَّيْلَهِ الَّتِي فَتَحَهَا الله فِي صَبَاحِهَا قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ أوْ لَيأخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدَاً رَجُلاً يُحِبُّهُ الله ورسُولُهُ أوْ قالَ يُحِبُّ الله ورسُولَهُ يَفْتَحُ الله علَيْهِ فإذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ فَقالُوا هَذَا عَلِي فأعْطَاهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَفَتَحَ الله عَلَيْهِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق من حَيْثُ الْمَعْنى، أخرجه أَيْضا عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن حَاتِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي، سكن الْمَدِينَة عَن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع عَن مَوْلَاهُ سَلمَة بن الْأَكْوَع.
والْحَدِيث مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب مَا قيل فِي لِوَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بهؤلاء الروَاة بعينهم، وبعين هَذَا الْمَتْن، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَفِي (الإكليل) للْحَاكِم: أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم بعث أَبَا بكر إِلَى بعض حصون خَيْبَر، فقاتل وَجهد وَلم يَك فتح، فَبعث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلم يَك فتح فَأعْطَاهُ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: رَوَاهُ جمَاعَة من الصَّحَابَة غير سهل: أَبُو هُرَيْرَة وَعلي وَسعد بن أبي وَقاص وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَالْحسن بن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَجَابِر ابْن عبد الله وَعبد الله بن عمر وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأَبُو ليلى الْأنْصَارِيّ وَبُرَيْدَة وعامر بن أبي وَقاص وَآخَرُونَ.
قَوْله: (أَو ليأخذن) شكّ من الرَّاوِي، وَكَذَا قَوْله:(أَو قَالَ: يحب الله وَرَسُوله) وَفِي الحَدِيث الْمَاضِي: بَصق فِي عَيْنَيْهِ، وَلم يذكر هُنَا فِي حَدِيث سَلمَة، ويروى: قَالَ عَليّ: فَوضع رَأْسِي فِي حجره ثمَّ بَصق فِي ألية راحتيه ثمَّ دلك بهَا عَيْني، ثمَّ قَالَ: أللهم لَا يشتكي حرا وَلَا قراً، قَالَ عَليّ: فَمَا اشتكيت عَيْني لَا حرا وَلَا قراً حَتَّى السَّاعَة، وَفِي لفظ: دَعَا لَهُ بست دعوات: أللهم أعنه واستعن بِهِ، وارحمه وَارْحَمْ بِهِ، وانصره وانصر بِهِ، أللهم والِ من وَالَاهُ وَعَاد من عَادَاهُ. قَوْله:(فَأعْطَاهُ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم أَي: رايته، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: فَكَانَت راية رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد ذَلِك فِي المواطن كلهَا مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة (قَالُوا يَا رَسُول الله {من يحمل رَايَتك يَوْم الْقِيَامَة؟ قَالَ: من عَسى أَن يحملهَا يَوْم الْقِيَامَة إلَاّ من كَانَ يحملهَا فِي الدُّنْيَا؟ عَليّ بن أبي طَالب؟) وَفِي كتاب أبي الْقَاسِم الْبَصْرِيّ من حَدِيث قيس بن الرّبيع عَن أبي هَارُون الْعَبْدي عَن أبي سعيد: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَأُعْطيَن الرَّايَة رجلا كراراً غير فرار، فَقَالَ حسان: يَا رَسُول الله} أتأذن لي أَن أَقُول فِي عَليّ شعرًا؟ قَالَ: قل، قَالَ:
(وَكَانَ عَليّ أرمد الْعين يَبْتَغِي
…
دَوَاء فَلَمَّا لم يحسن مداويا)
(حباه رَسُوله الله مِنْهُ بتفلة
…
فبورك مرقياً وبورك راقيا)
(وَقَالَ سأعطي الرَّايَة الْيَوْم صَارِمًا
…
فَذَاك محب للرسول مواتيا)
(بحب النَّبِي، والإلهُ يُحِبهُ
…
فَيفتح هاتيك الْحُصُون التواليا)
(فأقضي بهَا دون الْبَريَّة كلهَا
…
عليا، وَسَماهُ: الْوَزير المواخيا)
3073 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أبِي حازِمٍ عنْ أبِيهِ أنَّ رَجُلاً جاءَ إِلَيّ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ فَقَالَ هَذَا فُلَانٌ لأِمِيرِ المَدِينَةِ يَدْعُو عَلِياً عِنْدَ المِنْبَرِ قَالَ فيَقُولُ ماذَا قَالَ يَقُولُ لَهُ أبُو تُرَابٍ فضَحِكَ قَالَ وَالله مَا سَمَّاهُ إلَاّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَا كانَ لَهُ إسْمٌ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْهُ فاستَطْعَمْتُ الحَديثَ سَهْلاً وقُلْتُ يَا أبَا عَبَّاسٍ كَيْفَ قَالَ دَخَلَ علِيٌّ عَلَى فاطِمَةَ ثُمَّ خَرَجَ فاضْطَجَعَ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أيْنَ ابنُ عَمِّكَ قالَتْ فِي المَسْجِدِ فخَرَجَ إلَيْهِ فوَجَدَ رِدَاءَهُ قَدْ سَقَطَ عنْ ظَهْرِهِ وخَلَصَ التُّرَابُ إلَى ظَهْرِهِ فجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عنْ ظَهْرِهِ فَيَقُولُ إجْلِسّ يَا أبَا تُرَابٍ مَرَّتَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ دلَالَة على فَضِيلَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وعلو مَنْزِلَته عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَشى إِلَيْهِ وَدخل الْمَسْجِد وَمسح التُّرَاب عَن ظَهره واسترضاه تلطفاً بِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ وَقع بَين عَليّ وَفَاطِمَة شَيْء، فَلذَلِك خرج إِلَى الْمَسْجِد واضطجع فِيهِ، صرح بذلك فِي رِوَايَة البُخَارِيّ الَّتِي مَضَت فِي كتاب الصَّلَاة، حَيْثُ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، لفاطمة: أَيْن ابْن عمك؟ قَالَت: كَانَ بيني وَبَينه شَيْء فغاضبني فَخرج) وَلم يقل
…
الحَدِيث.
وَأَبُو حَازِم
اسْمه سَلمَة بن دِينَار، وَقد مر عَن قريب، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب نوم الرِّجَال فِي الْمَسْجِد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن قُتَيْبَة عَن عبد الْعَزِيز
…
إِلَى آخِره.
قَوْله: (هَذَا فلَان لأمير الْمَدِينَة) أَي: كنى بفلان عَن أَمِير الْمَدِينَة، وَالِاسْم يُرَاد بالكنية وَتطلق التَّسْمِيَة على التكنية، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ، هَذَا فلَان بن فلَان. قَوْله:(يَدْعُو عليا) أَرَادَ أَنه يذكر عليا بِشَيْء غير مرضِي. قَوْله: (قَالَ: فَيَقُول: مَاذَا قَالَ؟) أَي: قَالَ أَبُو حَازِم: فَيَقُول سهل بن سعد: مَاذَا قلان فلَان الَّذِي كنى بِهِ عَن أَمِير الْمَدِينَة؟ قَوْله: (قَالَ: يَقُول لَهُ) أَي: قَالَ أَبُو حَازِم: يَقُول فلَان لعَلي: (أَبُو تُرَاب، فَضَحِك) أَي: سهل (وَقَالَ: وَالله) إِلَى آخِره. قَوْله: (فاستطعمت الحَدِيث سهلاً) أَي: سَأَلت من سهل الحَدِيث، وإتمام الْقِصَّة، وَفِيه إستعارة الإستطعام للتحدث، وَالْجَامِع بَينهمَا حُصُول الذَّوْق، فَمن الطَّعَام الذَّوْق الْحسي، وَمن التحدث الذَّوْق الْمَعْنَوِيّ. قَوْله:(يَا أَبَا عَبَّاس) ، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَالسِّين الْمُهْملَة، وَهُوَ كنية سهل بن سعد، ويروي: يَا أَبَا الْعَبَّاس، بِالْألف وَاللَّام. قَوْله:(وخلص التُّرَاب) أَي: وصل إِلَى ظَهره. قَوْله: (فَجعل) أَي: النَّبِي صلى الله عليه وسلم (يمسح التُّرَاب عَن ظَهره) أَي: عَن ظهر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(مرَّتَيْنِ) ظرف لقَوْله: (فَيَقُول إجلس) .
وَفِيه: جَوَاز النّوم فِي الْمَسْجِد، واستلطاف الغضبان، وتواضع النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ومنزلة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
4073 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ حدَّثنَا حُسَيْنٌ عنْ زَائِدَةَ عنْ أبِي حَصِينٍ عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ قَالَ جاءَ رَجُلٌ إِلَى ابنِ عُمَرَ فسألَهُ عنْ عُثْمَانَ فذَكَرَ عنْ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ قَالَ لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوءُكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فأرْغَمَ الله بأنْفِكَ ثُمَّ سَألَهُ عنْ عَلِيٍّ فذَكَرَ مَحاسِنَ عَمَلِهِ قَالَ هُوَ ذَاكَ بَيْتُهُ أوْسَطُ بُيُوتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قالَ لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوءُكُ قَالَ أجَلْ قَالَ فأرْغَمَ الله بأنْفِكَ قَالَ انْطَلِقْ فاجْهَدْ علَيَّ جَهْدَكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (ثمَّ سَأَلَهُ عَن عَليّ فَذكر محَاسِن عمله) فَإِن عبد الله بن عمر مدحه بأوصافه الحميدة، فَيدل على أَن لَهُ فضلا وفضيلة.
وَمُحَمّد بن رَافع بن أبي زيد الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي شيخ مُسلم أَيْضا، وحسين هُوَ ابْن عَليّ بن الْوَلِيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، وزائدة هُوَ ابْن قدامَة وَأَبُو حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ واسْمه: عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي الْكُوفِي، وَسعد بن عُبَيْدَة أَبُو حَمْزَة الْكُوفِي السّلمِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (فَذكر محَاسِن عمله) أَي: عمل عُثْمَان، والمحاسن جمع: حسن، على غير الْقيَاس، كَأَنَّهُ جمع محسن، وَكَأَنَّهُ ذكر للرجل إِنْفَاق عُثْمَان فِي جَيش الْعسرَة وتسبيله بِئْر رومة وَغير ذَلِك من محاسنه. قَوْله:(لَعَلَّ ذَاك يسوءك) أَي: لَعَلَّ مَا ذكرت من محاسنه لَا يطيب لَك، ويصعب عَلَيْك. قَالَ: نعم يسوءني. قَوْله: (فأرغم الله بأنفك) الْبَاء فِيهِ زَائِدَة، يُقَال: أرْغم الله أَنفه، أَي: ألصقه بالرغام، أَي: أذله وأهانه، والرغام فِي الأَصْل التُّرَاب، فَكَأَنَّهُ يَقُول: اسقطك الله على الأَرْض فيلصق وَجهك بالرغام. قَوْله: (ثمَّ سَأَلَهُ عَن عَليّ) أَي: ثمَّ سَأَلَ ذَلِك الرجل عبد الله بن عمر عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَذكر عبد الله محَاسِن عمله من شُهُوده بَدْرًا وَغَيرهَا، وَفتح خَيْبَر على يَدَيْهِ، وَقَتله مرْحَبًا الْيَهُودِيّ، وَغير ذَلِك. قَوْله:(قَالَ: هُوَ ذَاك بَيته) أَي: قَالَ عبد الله: هُوَ، أَي: عَليّ الَّذِي بَيته كَانَ أَوسط بيُوت النَّبِي صلى الله عليه وسلم، يُشِير بذلك إِلَى أَن لعَلي منزلَة عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، من حَيْثُ أَن بَيته أَوسط بيُوت النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقيل: أحْسنهَا بِنَاء. قَوْله: (ثمَّ قَالَ) أَي: عبد الله: (لَعَلَّ ذَاك يسوءك) قَالَ الرجل: أجل، أَي: نعم يسوءني، ثمَّ رد عَلَيْهِ عبد الله بقوله:(أرْغم الله بأنفك) مثل مَا قَالَ فِي الأول، ثمَّ (قَالَ: انْطلق) أَي: إذهب من عِنْدِي (فاجهد عَليّ) بتَشْديد الْيَاء (جهدك) أَي: إبلغ غايتك فِي هَذَا الْأَمر واعمل فِي حَقي مَا تَسْتَطِيع وتقدر، فَإِنِّي قلت حَقًا وَقَائِل الْحق لَا يُبَالِي بِمَا يُقَال فِي حَقه من الأباطيل، وَفِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب عَن سعد بن عبيد فِي هَذَا الحَدِيث: فَقَالَ الرجل: فَإِنِّي أبغضه، قَالَ ابْن عمر: أبغضك الله.
5073 -
حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ سَمِعْتُ ابنَ أبِي لَيْلَى قَالَ حدَّثنا عَلِيٌّ أنَّ فاطِمَةَ عليها السلام شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أثَرِ الرَّحَا فأتَى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سَبْيٌ فانْطَلَقتْ فلَمْ تَجِدْهُ فوَجَدَتْ عائِشَةَ فأخْبَرَتْهَا فلَمَّا جاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أخْبَرَتْهُ عائِشَةُ بِمَجيءِ فاطِمَةَ فَجاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَيْنَا وقَدْ أخَذْنَا مَضاجِعَنَا فذَهَبْتُ لأِقُومَ فقالَ عَلَى مَكانِكُمَا فقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى صَدْرِي وَقَالَ ألَا أُعَلَّمُكُمَا خَيْرَاً مِمَّا سألْتُمَانِي إذَا أخَذْتُمَا مَضاجِعَكُمَا تُكَبَّرَا أرْبَعَاً وثَلاثِينَ وتُسَبِّحَا ثَلاثاً وثَلاثينَ وتَحْمِدَا ثَلاثَةً وثَلاثِينَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خادِمٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه، صلى الله عليه وسلم، دخل بَين عَليّ وَفَاطِمَة فِي الْفراش فَأَمرهمَا بِعَدَمِ الْقيام، وَهَذَا يدل على أَن لعَلي منزلَة عَظِيمَة عِنْده، صلى الله عليه وسلم.
وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر وَقد تكَرر ذكره، وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ: هُوَ ابْن عتيبة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق تَصْغِير عتبَة وَابْن أبي ليلى هُوَ عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَاسم أبي ليلى: يسَار ضد الْيَمين وَقيل: بِلَال، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (جَامع الْأُصُول) : إِذا أطلق المحدثون ابْن أبي ليلى، فَإِنَّمَا يعنون بِهِ عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَإِذا أطلقهُ الْفُقَهَاء يعنون بِهِ عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث قد مر فِي الْخمس فِي: بَاب الدَّلِيل على أَن الْخمس لنوائب رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم.
قَوْله: (على مَكَانكُمَا) أَي: إلزما مَكَانكُمَا وَلَا تفارقاه. قَوْله: (فَقعدَ) من كَلَام عَليّ، أَي: فَقعدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَيْننَا. قَوْله: (ألَا) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام، كلمة الْحَث والتحضيض. قَوْله:(تكبرا) بِلَفْظ الْمُضَارع وَترك النُّون وحذفت إِمَّا للتَّخْفِيف وَإِمَّا على لُغَة من قَالَ: إِن، كلمة جازمة وَهِي لُغَة شَاذَّة، ويروى: فَكَبرَا، على صِيغَة الْأَمر، وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت هُنَاكَ.
6073 -
حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ إبْرَاهِيمَ بنَ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ أمَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوساى. (الحَدِيث 6073 طرفه فِي: 6144) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسعد هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَأبي مُوسَى وَبُنْدَار، ثَلَاثَتهمْ عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَنهُ بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب، وَابْن مَاجَه فِي السّنة جَمِيعًا عَن بنْدَار بِهِ. قَالَ الْخطابِيّ: هَذَا إِنَّمَا قَالَه لعَلي حِين خرج إِلَى تَبُوك وَلم يستصحبه، فَقَالَ: أتخلفني مَعَ الذُّرِّيَّة؟ فَقَالَ: أما ترْضى
…
إِلَى آخِره، فَضرب لَهُ الْمثل باستخلاف مُوسَى هَارُون على بني إِسْرَائِيل حِين خرج إِلَى الطّور، وَلم يرد بِهِ الْخلَافَة بعد الْمَوْت، فَإِن الْمُشبه بِهِ وَهُوَ: هَارُون كَانَت وَفَاته قبل وَفَاة مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، وَإِنَّمَا كَانَ خَلِيفَته فِي حَيَاته فِي وَقت خَاص، فَلْيَكُن كَذَلِك الْأَمر فِيمَن ضرب الْمثل بِهِ.
قَوْله: (أَن تكون مني) أَي: نازلاً مني مَنْزِلَته، وَالتَّاء زَائِدَة، وَهَذَا تعلق بِهِ الرافضة فِي خلَافَة عَليّ، وَقد مر تَحْقِيق الْكَلَام فِيهِ عِنْد قَوْله صلى الله عليه وسلم لعَلي: أَنْت مني وَأَنا مِنْك، فِي أول الْبَاب.
7073 -
حدَّثنا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ قَالَ أخْبرَنا شُعْبَةُ عنْ أيُّوبَ عنِ ابنِ سِيرينَ عنْ عَبِيدَةَ عنْ عَلِيٍ ّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ فإنِّي أكْرَهُ الأخْتِلافَ حَتَّى يَكُونَ لِلنَّاسِ جَماعَةٌ أوْ أمُوتُ كَما ماتَ أصْحَابِي فَكانَ ابنُ سِيرينَ يَرَى أنَّ عامَّةَ مَا يُرْوَى عَلَى عَلِيٍّ الكَذِبُ.
هَذَا الحَدِيث مقدم على حَدِيث سعد الْمَذْكُور فِي رِوَايَة أبي ذَر، ومؤخر فِي رِوَايَة البَاقِينَ، وَالْأَمر فِي ذَلِك سهل، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَابْن سِيرِين هُوَ مُحَمَّد بن سِيرِين، وَعبيدَة بِفَتْح الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: السَّلمَانِي.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (قَالَ: إقضوا كَمَا كُنْتُم تقضون)، أَي: قَالَ عَليّ لأهل الْعرَاق: إقضوا الْيَوْم كَمَا كُنْتُم تقضون قبل هَذَا. وَسبب ذَلِك أَن عليا لما قدم إِلَى الْعرَاق قَالَ: كنت رَأَيْت مَعَ عمر أَن تعْتق أُمَّهَات الْأَوْلَاد، وَقد رَأَيْت الْآن أَن يسترققن، فَقَالَ عُبَيْدَة: رَأْيك يَوْمئِذٍ فِي الْجَمَاعَة أحب إِلَيّ من رَأْيك الْيَوْم فِي الْفرْقَة، فَقَالَ: اقضوا كَمَا كُنْتُم تقضون، وخشي مَا وَقع فِيهِ من تَأْوِيل أهل الْعرَاق، ويروى: