الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّك لست مِنْهُم) لِأَن فِيهِ مدح أبي بكر رضي الله عنه، بِمَا يعلم مِنْهُ.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، ومُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف وبالباء الْمُوَحدَة، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر يروي عَن أَبِيه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، حِين ذكر فِي الْإِزَار وَهُوَ قَوْله:(من جرَّ ثَوْبه خُيَلَاء لم ينظر الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة) مر فِي أول كتاب اللبَاس. قَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله! إِن إزَارِي يسْقط أحد شقيه، يَعْنِي: يسترخي، وَيُشبه جَرّه، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: إِنَّك لست مِنْهُم، أَي: من الَّذين يجرونَ ثِيَابهمْ خُيَلَاء. وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة فِي أول كتاب اللبَاس: إِنَّك لست مِمَّن يصنعه خُيَلَاء، وَهَذَا فِيهِ مدح لأبي بكر رضي الله عنه، بِمَا يُعلمهُ مِنْهُ.
وَفِيه من الْفِقْه: أَنه يجوز الثَّنَاء على النَّاس بِمَا فيهم على وَجه الْإِعْلَام بصفاتهم ليعرف لَهُم سابقتهم وتقدمهم فِي الْفضل فينزلوا مَنَازِلهمْ ويقدموا على من لَا يساويهم ويقتدي بهم فِي الْخَيْر، أَلا ترى كَيفَ شهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، للعشرة بِالْجنَّةِ؟ وَقَالَ للصديق، كل النَّاس قَالُوا لي: كذبت، وَقَالَ لي أَبُو بكر: صدقت. وروى معمر عَن قَتَادَة عَن ابْن قلَابَة، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أرْحم أمتِي أَبُو بكر وَأَقْوَاهُمْ فِي دين الله عمر، وأصدقهم حَيَاء عُثْمَان، وأقضاهم عَليّ، وَأمين أمتِي أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، وَأعلم أمتِي بالحلال معَاذ بن جبل وأقرؤهم أبيّ وأفرضهم زيد رضي الله عنهم.
56 -
(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {إنَّ الله يَأمُرُ بالعَدْلِ والإحْسانِ وإيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَارِ والمُنْكَر والبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تذكَّرُونَ} (النَّحْل: 90) وقَوْلِهِ: {إنَّما بَغْيُكُمْ عَلَى أنْفُسِكُمْ} (يُونُس:
23) {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ الله} .)
أَشَارَ البُخَارِيّ بإيراد هَذِه الْآيَات إِلَى وجوب ترك إثارة الشَّرّ على مُسلم أَو كَافِر يدل عَلَيْهِ قَوْله: وَالْإِحْسَان. أَي: إِلَى الْمُسِيء وَترك معاقبته على إساءته وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي: {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} الْآيَة، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ سيقت إِلَى:{تذكرُونَ} .
ثمَّ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة أَقْوَال: الأول: أَن المُرَاد بِالْعَدْلِ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَالْإِحْسَان أَدَاء الْفَرَائِض، قَالَه ابْن عَبَّاس. الثَّانِي: الْعدْل الْفَرَائِض، وَالْإِحْسَان النَّافِلَة. الثَّالِث: الْعدْل اسْتِوَاء السريرة وَالْعَلَانِيَة، وَالْإِحْسَان أَن تكون السريرة أفضل من الْعَلَانِيَة، قَالَه ابْن عُيَيْنَة. الرَّابِع: الْعدْل خلع الأنداد، وَالْإِحْسَان أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ. الْخَامِس: الْعدْل الْعِبَادَة، وَالْإِحْسَان الْخُشُوع فِيهَا. السَّادِس: الْعدْل الْإِنْصَاف، وَالْإِحْسَان التفضل. السَّابِع: الْعدْل امْتِثَال المأمورات، وَالْإِحْسَان اجْتِنَاب المنهيات. الثَّامِن: الْعدْل فِي الْأَفْعَال، وَالْإِحْسَان فِي الْأَقْوَال. التَّاسِع: الْعدْل بذل الْحق، وَالْإِحْسَان ترك الظُّلم. الْعَاشِر: الْعدْل الْبَذْل، وَالْإِحْسَان الْعَفو. قَوْله:{وايتاء ذِي الْقُرْبَى} أَي: صلَة الرَّحِم، قَوْله:{وَينْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} يَعْنِي عَن كل فعل وَقَول قَبِيح، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الزِّنَا وَالْبَغي، قيل: هُوَ الْكبر وَالظُّلم، وَقيل: التَّعَدِّي ومجاوزة الْحَد. قَوْله: {تذكرُونَ} أَصله: تتذكرون، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ.
قَوْله: {إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم} قَالَ ابْن عُيَيْنَة: المُرَاد بهَا أَن الْبَغي تعجل عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا لصَاحبه، يُقَال: للبغي مصرعة. قَوْله: ثمَّ بغى عَلَيْهِ لينصرنه الله كَذَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة. والأصيلي على وفْق التِّلَاوَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي، وَوَقع للباقين: وَمن بغي عَلَيْهِ، وَهُوَ خلاف مَا وَقع عَلَيْهِ الْقُرْآن، وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ سبق قلم إِمَّا من المُصَنّف وَإِمَّا مِمَّن بعده. قلت: الظَّاهِر أَنه من النَّاسِخ وَاسْتمرّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَة غير هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين، ثمَّ إِن الله عز وجل ضمن نصْرَة من بغي عَلَيْهِ وَالْأولَى لمن بغي عَلَيْهِ أَن يشْكر الله على مَا ضمن من نَصره، ويقابل ذَلِك بِالْعَفو عَمَّن بغي عَلَيْهِ، وَقد كَانَ الانتقام فِيهِ لقَوْله تَعَالَى:{وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (النَّحْل: 126) لَكِن الصفح عَنهُ أولى عملا بقوله: {وَلمن صَبر وَغفر إِن ذَلِك لمن عزم الْأُمُور} (الشورى: 43) وَقد أخْبرت عَائِشَة رضي الله عنها أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا ينْتَقم لنَفسِهِ وَيَعْفُو عَمَّن ظلمه.
وَتَرْكِ إثارَةِ الشَّرِّ عَلَى مُسْلِمٍ أوْ كافِرٍ
وَترك، مجرور عطفا على قَوْله: قَول الله تَعَالَى، أَي: وَفِي بَيَان وجوب ترك إثارة الشَّرّ أَي: تهييجه على مُسلم أَو كَافِر، وَحَال الْمُسلم يَقْتَضِي إطفاء الشَّرّ عَن النَّاس أَجْمَعِينَ.
6063 -
حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيان حدّثنا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا، قالَتْ: مَكُثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كَذَا وَكَذا يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّهُ يَأتِي أهْلَهُ وَلَا يَأْتِي، قالَتْ عائِشةُ، قالَتْ عائِشَةُ: فَقَالَ لِي ذاتَ يَوْمٍ: يَا عائِشَةُ {إنَّ الله أفْتانِي فِي أمْرٍ اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أتانِي رَجُلانِ فَجَلَسَ أحَدُهُما عِنْدَ رِجْلَيَّ والآخرُ عِنْدَ رَأسي، فَقَالَ الَّذِي عندَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأسِي: مَا بالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، يَعْنِي مَسْحُوراً. قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ أعْصَمَ. قَالَ: وفِيمَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ فِي مُشْطٍ ومُشَاقَةٍ تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِي بِئرِ ذَرْوانَ، فَجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فأُخْرِجَ. قالَتْ عائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله} فَهَلَاّ تَعْنِي: تَنَشَّرْتَ؟ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أمَّا الله فَقَدْ شَفانِي، وأمَّا أَنا فأكْرَهُ أنْ أُثِيرَ عَلَى الناسِ شَرًّا. قالَتْ: ولَبِيدُ بنُ أعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ.
وَجه الْمُطَابقَة بَين هَذَا الحَدِيث وَبَين الْآيَات الْمَذْكُورَة أَن الله لما نهى عَن الْبَغي وَأعلم أَن ضَرَر الْبَغي يرجع إِلَى الْبَاغِي وَضمن النُّصْرَة لمن بُغي عَلَيْهِ كَانَ حق من بُغي عَلَيْهِ أَن يشْكر الله على إحسانه إِلَيْهِ بِأَن يعْفُو عَمَّن بغى عَلَيْهِ. أَلا يُرى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، كَيفَ ابْتُلِيَ بِالسحرِ وَلم يُعَاقب ساحره مَعَ قدرته على ذَلِك، وَأما وَجه الْمُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة الْأُخْرَى وَهِي قَوْله:(وَترك إثارة الشَّرّ على مُسلم أَو كَافِر) هُوَ من قَوْله: (وَأما أَنا فأكره أَن أثير على النَّاس شرا) .
والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير ابْن عِيسَى مَنْسُوب إِلَى أحد أجداده حميد، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهِشَام بن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رضي الله عنها.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الطِّبّ فِي: بَاب السحر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مستقصًى، وَنَذْكُر بعض شَيْء.
قَوْله: (فيخيل إِلَيْهِ أَنه يَأْتِي أَهله) أَي: يخيل إِلَيْهِ أَنه يُبَاشر أَهله وَلم يكن ثمَّة مُبَاشرَة. قَوْله: (ذَات يَوْم) أَي: يَوْمًا، وَهُوَ من بَاب إِضَافَة الْمُسَمّى إِلَى اسْمه. قَوْله:(فِي أَمر) أَي: فِي أَمر التخيل. قَوْله: (رجلَانِ) هما الْملكَانِ بِصُورَة الرجلَيْن. قَوْله: (رجْلي) مُفْرد أَو مثنى. قَوْله: (مطبوب) فسره بقوله: أَي: (مسحور) وَهَذَا التَّفْسِير مدرج فِي الْخَبَر. قَوْله: (وَمن طببه؟) أَي: نسحره. قَوْله: (وفيم؟) أَي: فِي أَي شَيْء؟ قَوْله: (فِي جف) بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْفَاء وَهُوَ وعَاء طلع النّخل وَيُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى. قَوْله: (ومشاقة) بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الشين الْمُعْجَمَة وبالقاف، وَهِي مَا يغزل من الْكَتَّان. قَوْله:(راعوفة) بِفَتْح الرَّاء وَضم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَهِي حجر فِي أَسْفَل الْبِئْر. قَوْله: (ذروان) بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وبالواو وَالنُّون وَهُوَ بُسْتَان فِيهِ بِئْر بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: (أريتها) بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق. قَوْله: (رُؤُوس الشَّيَاطِين) مثل فِي استقباح الصُّورَة أَي: أَنَّهَا وحشية المنظر سمجة الشكل. قَوْله: (نقاعة) بِضَم النُّون وَتَخْفِيف الْقَاف وتشديدها مَاء ينفع فِيهِ الْحِنَّاء. قَوْله: (فَأخْرج) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: أخرج من تَحت الرعوفة. قَوْله: (تنشرت) تَفْسِير قَوْله: (فَهَلا) وَهُوَ أَيْضا مدرج فِي الْخَبَر، وتنشرت على وزن تفعلت. قَالَ الْجَوْهَرِي: التنشر من النشرة بِضَم النُّون وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَهِي كالرقية فَإِذا نشر المسموم فَكَأَنَّمَا نشط من عقال، أَي: يذهب عَنهُ سَرِيعا. وَفِي الحَدِيث: (لَعَلَّ طِبًّا أَصَابَهُ؟) يَعْنِي سحرًا. ثمَّ نشره {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} أَي: رقاه، وَكَذَا قَالَه الْقَزاز: وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ هلا اغْتَسَلت ورقيت؟ قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَظَاهر الحَدِيث أَن تنشرت أظهرت السحر، توضحه الرِّوَايَة الْأُخْرَى:(فَهَلا استخرجته؟) وَرُوِيَ أَنه سُئِلَ عَن النشرة فَقَالَ: هِيَ من عمل الشَّيْطَان، وَقَالَ الْحسن: النشرة من السحر وَهُوَ ضرب من الرقي والعلاج يعالج بِهِ من كَانَ يظنّ أَن بِهِ شَيْئا من الْجِنّ. وَقَالَ عِيَاض: النشرة نوع من التطبب بالاغتسال على هيأة مَخْصُوصَة بالتجربة لَا يحيلها الْقيَاس الظني، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي جَوَازهَا، وَقيل: من قَالَ: إِن تنشرت مَأْخُوذ من النشر أَو من نشر الشَّيْء وَهُوَ إِظْهَاره كَيفَ يجمع بَين قَوْلهَا: فَأخْرج؟ وَبَين قَوْلهَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (فَهَلا استخرجته) ؟ . وَأجِيب: بِأَن الْإِخْرَاج الْوَاقِع كَانَ لأصل السحر، والاستخراج