الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَذْكُورَة أَنه جعل اللَّهْو فِيهَا قائداً إِلَى الضلال صاداً عَن سَبِيل الله فَهُوَ بَاطِل، وَقيل: ذكر هَذِه الْآيَة لاستنباط تَقْيِيد اللَّهْو بالترجمة من مَفْهُوم قَوْله تَعَالَى: {ليضل عَن سَبِيل الله بِغَيْر علم} فَإِن مَفْهُومه أَنه إِذا اشْتَرَاهُ لَا ليضل لَا يكون مذموماً، وَكَذَا مَفْهُوم التَّرْجَمَة أَنه إِذا لم يشْغلهُ اللَّهْو عَن طَاعَة الله لَا يكون مذموماً، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي اللَّهْو فِي الْآيَة، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: الْغناء وَحلف عَلَيْهِ ثَلَاثًا، وَقَالَ: الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب، وَقَالَهُ مُجَاهِد أَيْضا، وَقيل: الِاسْتِمَاع إِلَى الْغناء وَإِلَى مثله من الْبَاطِل، وَقيل: مَا يلهاه من الْغناء وَغَيره، وَعَن ابْن جريج: الطبل، وَقيل: الشّرك، وَعَن ابْن عَبَّاس: نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل اشْترى جَارِيَة تغنيه لَيْلًا وَنَهَارًا، وَقيل: نزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث وَكَانَ يتجر إِلَى فَارس فيشتري كتب الْأَعَاجِم فَيحدث بهَا قُريْشًا، وَيَقُول: إِن كَانَ مُحَمَّد يُحَدثكُمْ بِحَدِيث عَاد وَثَمُود فَأَنا أحدثكُم بِحَدِيث رستم وبهرام والأكاسرة وملوك الْحيرَة، فيستملحون حَدِيثه ويتركون اسْتِمَاع الْقُرْآن. قَوْله:{ليضل عَن سَبِيل الله} أَخذ البُخَارِيّ مِنْهُ قَوْله فِي التَّرْجَمَة: إِذا شغله عَن طَاعَة الله، وَالْمرَاد من:{سَبِيل الله} الْقُرْآن، وَقيل: دين الْإِسْلَام، وقرى: ليضل، بِضَم الْيَاء وَفتحهَا.
6301 -
حدَّثنا يَحْيَّى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عَن ابنِ شهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بالّلاتِ والعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إلَهَ إلاّ الله، ومَنْ قَالَ لِصاحِبِهِ: تعال أُقامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْحلف بِاللات لَهو شاغل عَن الْحلف بِالْحَقِّ فَيكون بَاطِلا.
وَرِجَال الحَدِيث قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير فِي سُورَة: والنجم، عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن هِشَام بن يُوسُف عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ صُورَة تَعْظِيم الْأَصْنَام حِين حلف بهَا، فَأمر أَن يتداركه بِكَلِمَة التَّوْحِيد أَي: كَفَّارَته كلمة الشَّهَادَة، وَكَفَّارَة الدَّعْوَى إِلَى الْقمَار التَّصَدُّق بِمَا يُطلق عَلَيْهِ إسم الصَّدَقَة. قَوْله:(وَمن قَالَ لصَاحبه)
إِلَى آخِره مُطَابق لقَوْله فِي التَّرْجَمَة كَذَلِك، وَلم يخْتَلف الْعلمَاء فِي تَحْرِيم الْقمَار لقَوْله تَعَالَى:{ (5) إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} (الْمَائِدَة: 90) . الْآيَة. وَاتفقَ أهل التَّفْسِير على أَن الميسر هُنَا الْقمَار، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يجْعَلُونَ جعلا فِي المقامرة ويستحقونه بَينهم، فنسخ الله تَعَالَى أَفعَال الْجَاهِلِيَّة وَحرم الْقمَار وَأمرهمْ بِالصَّدَقَةِ عوضا مِمَّا أَرَادوا استباحته من الميسر الْمحرم، وَكَانَت الْكَفَّارَة من جنس الذَّنب لِأَن المقامر لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون غَالِبا أَو مَغْلُوبًا فَإِن غَالِبا فالصدقة كَفَّارَة لما كَانَ يدْخل فِي يَده من الميسر، وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا فإخراجه الصَّدَقَة لوجه الله تَعَالَى أولى من إِخْرَاجه عَن يَده شَيْئا لَا يحل لَهُ إِخْرَاجه.
53 -
(بابُ مَا جاءَ فِي البِناء)
أَي: هَذَا بَاب مَا جَاءَ فِي الْبناء وذمه من الْأَخْبَار، وَالْبناء أَعم من أَن يكون من طين أَو حجر أَو خشب أَو قصب وَنَحْو ذَلِك، وَقد ذمّ الله عز وجل من بنى مَا يفضل عَمَّا يكنه من الْحر وَالْبرد ويستره عَن النَّاس فَقَالَ: {أتبنون بِكُل ريع
…
. لَعَلَّكُمْ تخلدون} (الْفرْقَان: 128) يَعْنِي: قصوراً، وَقد جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ:(مَا أنْفق ابْن آدم فِي التُّرَاب فَلَنْ يخلف لَهُ وَلَا يُؤجر عَلَيْهِ) . وَأما من بنى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ليكنه من الْحر وَالْبرد والمطر فمباح لَهُ ذَلِك، وَكَذَلِكَ كَانَ السّلف يَفْعَلُونَ. أَلا ترى إِلَى قَول ابْن عمر رضي الله عنهما بنيت بَيْتِي بيَدي يكنني من الْمَطَر
…
إِلَى آخِره، وروى ابْن وهب وَابْن نَافِع عَن مَالك قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان يعْمل الخوص بِيَدِهِ وَهُوَ أَمِير، وَلم يكن لَهُ بَيت إِنَّمَا كَانَ يستظل بالجدر وَالشَّجر، وروى ابْن أبي الدُّنْيَا من رِوَايَة عمَارَة بن عَامر: إِذا رفع الرجل فَوق سَبْعَة أَذْرع نُودي: يَا فَاسق إِلَى أَيْن؟
قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ إذَا تَطَاوَلَ رِعاءُ البَهْمِ فِي البُنْيانِ
هَذَا التَّعْلِيق مضى مَوْصُولا مطولا فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب سُؤال جِبْرِيل عليه السلام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن الْإِيمَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد
…
إِلَى آخِره. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (من أَشْرَاط السَّاعَة) أَي: من عَلَامَات يَوْم الْقِيَامَة، وَهُوَ جمع شَرط بِفتْحَتَيْنِ وَإِنَّمَا جمع جمع الْقلَّة مَعَ أَن العلامات أَكثر من الْعشْرَة لِأَن بَين الجمعين مُعَارضَة، أَو أَن الْفرق بَينهمَا فِي الجموع النكرَة لَا فِي المعارف. قَوْله:(رُعَاة البهم) ، بِضَم الرَّاء وبتاء التَّأْنِيث فِي آخِره، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: رعاء، بِكَسْر الرَّاء وبالهمزة مَعَ الْمَدّ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الرعاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ جمع راعي الْغنم، وَقد يجمع على رُعَاة بِالضَّمِّ، والبهم بِضَم الْبَاء جمع الأبهم وَهُوَ الَّذِي يخلط لَونه شَيْء سوى لَونه، وَبِفَتْحِهَا جمع البهمة وَهِي أَوْلَاد الضَّأْن، وَقيل: البهم أَيْضا المجتمعة مِنْهَا، وَمن أَوْلَاد الْمعز وَحَاصِله: أَن الْفُقَرَاء من أهل الْبَادِيَة تبسط لَهُم الدُّنْيَا يتباهون فِي إطالة الْبُنيان وَهَؤُلَاء الَّذين يَقُولُونَ: بِلَاد مصر وَالشَّام كَانُوا فِي بِلَادهمْ لَا يملكُونَ شَيْئا وهم فِي أضيق الْمَعيشَة وغالبهم كَانُوا رُعَاة وَأَنَّهُمْ يبنون كل قصر من خزف يصرف عَلَيْهِ أَكثر من قِنْطَار من ذهب ويسرفون فِي المآكل والمشارب والملابس بِمَا لَا يرضى الله بِهِ وَلَا رَسُوله وَالْأَمر لله الْوَاحِد القهار.
6302 -
حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا إسْحاقُ هُوَ ابنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعيد عنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رأيْتُنِي مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بَنَيْتُ بِيَدِي بَيْتاً يُكِنُّنِي مِنَ المَطَرِ ويُظِلُّنِي مِنَ الشَّمْسِ مَا أعانَني عَلَيْهِ أحَدٌ مِنْ خَلْقِ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (بنيت بيَدي) وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ فَقَالَ: أَدخل هَذَا الحَدِيث فِي الْبناء بالطين والمدر والخزف إِنَّمَا هُوَ فِي بَيت الشّعْر، لِأَنَّهُ أخرج هَذَا الحَدِيث، وَفِي رِوَايَته بَيْتا من شعر، ورد عَلَيْهِ بِأَن هَذِه الزِّيَادَة ضَعِيفَة عِنْدهم، وعَلى تَقْدِير ثُبُوتهَا فَلَيْسَ فِي التَّرْجَمَة تَقْيِيد بالطين وَغَيره.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وَإِسْحَاق هُوَ ابْن سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي الْقرشِي، وَإِسْحَاق هَذَا سكن مَكَّة، وَقد روى هَذَا الحَدِيث عَن وَالِده وَهُوَ المُرَاد بقوله: عَن سعيد عَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن ابْن نعيم بِهِ.
قَوْله: (رَأَيْتنِي) ضمير الْفَاعِل وَالْمَفْعُول عبارَة عَن شخص وَاحِد وَمَعْنَاهُ: رَأَيْت نَفسِي. قَوْله: (مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَي: فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (يكنني) بِضَم الْيَاء من أكن إِذا وقى، قَالَ ابْن الْأَثِير: كَذَا قرأناه، وَعَن الْكسَائي: كننت الشَّيْء سترته وصنته من الشَّمْس، وأكننته فِي نَفسِي أسررته، وَقَالَ أَبُو زيد: كننته وأكننته بِمَعْنى وَاحِد فِي الْكن بِالْكَسْرِ، وَفِي النَّفس جَمِيعًا تَقول: كننت الْعلم وأكننته وكننت الْجَارِيَة وأكننتها. قَوْله: (مَا أعانني عَلَيْهِ) أَي: على بِنَاء هَذَا الْبَيْت أحد من النَّاس، وَهَذَا تَأْكِيد لقَوْله:(بنيت بيَدي بَيْتا) ، وَإِشَارَة إِلَى خفَّة مُؤْنَته.
6303 -
حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ قَالَ عَمْرو: قَالَ ابنُ عُمَرَ: وَالله مَا وَضَعْتُ لَبِنَةً على لَبِنَةٍ وَلَا غَرَسْتُ نَخْلَةً مُنْذُ قُبِضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ سُفْيانُ: فَذَكَرْتُهُ لِبَعْضِ أهْلِهِ قَالَ: وَالله لَقَدْ بَنى، قَالَ سُفْيانُ: قُلْتُ: فَلَعَلَّهُ قَالَ: قَبْلَ أنْ يَبْنِيَ؟ .
مطابقته للتَّرْجَمَة أَيْضا مَا ذكر فِي الَّذِي قبله. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعمر وَهُوَ ابْن دِينَار.
قَوْله: (مُنْذُ قبض) أَي: مُنْذُ توفّي النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (وَالله لقد بنى) أَي: بَيْتا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لقد بنى بَيْتا. قَوْله: (قَالَ سُفْيَان: فَلَعَلَّهُ) أَي: فَلَعَلَّ ابْن عمر (قَالَ: قبل أَن يَبْنِي) يَعْنِي: قبل الْبناء، وَهَذَا اعتذار حسن من سُفْيَان. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: قبل أَن يبتني، أَي: قبل أَن يتَزَوَّج، وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ الْحَقِيقَة أَي الْبناء بِيَدِهِ، والمباشرة بِنَفسِهِ، وَلَعَلَّه أَرَادَ التَّسَبُّب بِالْأَمر بِهِ وَنَحْوه، وَالله أعلم. وَيحْتَمل أَنه يكون الَّذِي نَفَاهُ ابْن عمر مَا زَاد على حَاجته، وَالَّذِي أثْبته بعض أَهله بِنَاء بَيت لَا بُد لَهُ مِنْهُ أَو إصْلَاح مَا وهى من بَيته، وَالله المتعال أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الدَّعْوَات، وَهُوَ جمع دَعْوَة بِفَتْح الدَّال وَهُوَ مصدر يُرَاد بِهِ الدُّعَاء، يُقَال: دَعَوْت الله أَي: سَأَلته، وَالدُّعَاء وَاحِد الْأَدْعِيَة واصله دَعَا وَلِأَنَّهُ من دَعَوْت إلَاّ أَن الْوَاو لما جَاءَت بعد الْألف همزت، وَالدُّعَاء إِلَى الشَّيْء الْحَث على فعله، ودعوت فلَانا سَأَلته، ودعوته استعنته، وَيُطلق أَيْضا على رفْعَة الْقدر كَقَوْلِه تَعَالَى:{لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي الْآخِرَة} (غَافِر: 43) وَيُطلق أَيْضا على الْعِبَادَة، وَالدَّعْوَى بِالْقصرِ الدُّعَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَآخر دَعوَاهُم} (يُونُس: 10) والإدعاء كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَمَا كَانَ دَعوَاهُم إِذْ جَاءَهُم بأسنا} (الْأَعْرَاف: 5) وَيُطلق الدُّعَاء أَيْضا على التَّسْمِيَة كَقَوْلِه عز وجل: {لَا تجْعَلُوا دُعَاء
…
. بَعْضكُم بَعْضًا} (النُّور: 63) وَقَالَ الرَّاغِب: الدُّعَاء والنداء وَاحِد، لَكِن قد يتجرد النداء عَن الإسم، وَالدُّعَاء لَا يكَاد يتجرد.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم
…
جَهَنَّم داخرين} (غَافِر: 60)
وَلكُل نَبِي دعوةٌ مستجابةٌ
وَقَوله بِالْجَرِّ عطف على الدَّعْوَات وَفِي بعض النّسخ قَول الله تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} بِرَفْع قَول الله، وَفِي بَعْضهَا: وَقَول الله عز وجل: {ادْعُونِي} وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول الله تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} . الْآيَة، وَفِي رِوَايَة غَيره سَاق الْآيَة إِلَى {داخرين} وَأول الْآيَة قَوْله تَعَالَى:{وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي} . الْآيَة. قَوْله: {ادْعُونِي} أَي: وحدوني واعبدوني دون غَيْرِي أجبكم وأغفر لكم وأثبكم، قَالَه أَكثر الْمُفَسّرين: دَلِيله سِيَاق الْآيَة، وَيُقَال: هُوَ الدُّعَاء وَالذكر وَالسُّؤَال. قَوْله: (عَن عبادتي) أَي: توحيدي وطاعتي، وَقَالَ السّديّ: أَي عَن دعائي. قَوْله: {داخرين} أَي: صاغرين أذلاء. وَظَاهر هَذِه الْآيَة يرجح الدُّعَاء على تَفْوِيض الْأَمر إِلَى الله تَعَالَى، وَقَالَت طَائِفَة: الْأَفْضَل ترك الدُّعَاء والاستسلام للْقَضَاء، وَأَجَابُوا عَن الْآيَة: بِأَن آخرهَا دلّ على أَن المُرَاد بِالدُّعَاءِ الْعِبَادَة لقَوْله: {إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي} وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث نعْمَان بن بشير عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة، ثمَّ قَرَأَ:{وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي} . . الْآيَة. أخرجه الْأَرْبَعَة وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم، وشذت طَائِفَة فَقَالُوا: المُرَاد بِالدُّعَاءِ فِي الْآيَة ترك الذُّنُوب، وَأجَاب الْجُمْهُور بِأَن الدُّعَاء من أعظم الْعِبَادَة فَهُوَ كالحديث الآخر: الْحَج عَرَفَة، أَي: مُعظم الْحَج وركنه الْأَكْبَر، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس رَفعه: الدُّعَاء مخ الْعِبَادَة، وَقد تَوَاتَرَتْ الْآثَار عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، بالترغيب فِي الدُّعَاء وَالْحق عَلَيْهِ لحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: لَيْسَ شَيْء أكْرم على الله من الدُّعَاء، أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَحَدِيثه رَفعه: من لم يسْأَل الله يغْضب عَلَيْهِ، أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ شيخ شيخ أبي الرّوح السرماري: إِن من لم يسْأَل الله يبغضه، والمبغوض مغضوب عَلَيْهِ، وَالله يحب أَن يسْأَل. وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَفعه: سلوا الله من فَضله فَإِن الله يحب أَن يسْأَل، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها إِن الله يحب الملحين فِي الدُّعَاء.
قَوْله: (وَلكُل نَبِي دَعْوَة مستجابة) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بَاب، بِالتَّنْوِينِ، وَلكُل نَبِي دَعْوَة مستجابة، وَلَيْسَ فِي غير رِوَايَة أبي ذَر لفظ: بَاب، فعلى رِوَايَة أبي ذَر هَذِه اللَّفْظَة تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة، وعَلى رِوَايَة غَيره من جملَة التَّرْجَمَة الْمَاضِيَة.
6304 -
حدَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حَدثنِي مالِكٌ عَنْ أبي الزِّنادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِكُلِّ نَبِيّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِها، وأُرِيدُ أنْ أخْتَبىءَ دَعْوَتِي شَفاعَةً لأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ. (انْظُر الحَدِيث 6304 طرفه فِي: 7474) .