الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (طَاف النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي حجَّة الْوَدَاع على بعير) قَالَ ابْن بطال: استلامه بالمحجن رَاكِبًا يحْتَمل أَن يكون لشكوى بِهِ. قلت: روى أَبُو دَاوُد: (قدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَكَّة وَهُوَ يشتكي، فَطَافَ على رَاحِلَته، فَلَمَّا أَتَى على الرُّكْن اسْتَلم بمحجن، فَلَمَّا فرغ من طَوَافه أَنَاخَ فصلى رَكْعَتَيْنِ) . وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن أبي زِيَاد وَفِيه مقَال. قَوْله: (يسْتَلم) جملَة وَقعت حَالا. قَوْله: (الرُّكْن) أَي: الْحجر الْأسود، وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ أَصْحَابنَا: الْأَفْضَل أَن يطوف مَاشِيا وَلَا يركب إلَاّ لعذر مرض أَو نَحوه، أَو كَانَ مِمَّن يحْتَاج إِلَى ظُهُوره لِيَسْتَفْتِيَ ويقتدي بِهِ، فَإِن كَانَ لغير عذر جَازَ بِلَا كَرَاهَة، لكنه خلاف الأولى، وَقَالَ أَمَام الْحَرَمَيْنِ: من أَدخل الْبَهِيمَة الَّتِي لَا يُؤمن من تلويثها الْمَسْجِد بِشَيْء. فَإِن أمكن الاستيثاق فَذَاك، وإلَاّ فإدخالها الْمَسْجِد مَكْرُوه، وَجزم جمَاعَة من أَصْحَابنَا بِكَرَاهَة الطّواف رَاكِبًا من غير عذر، مِنْهُم الْمَاوَرْدِيّ والبندنيجي وَأَبُو الطّيب والعبدري، وَالْمَشْهُور الأول وَالْمَرْأَة وَالرجل فِي ذَلِك سَوَاء، والمحمول على الأكتاف كالراكب، وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذر، وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: إِن طَاف رَاكِبًا لعذر أَجزَأَهُ، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ لغير عذر فَعَلَيهِ دم. قَالَ أَبُو حنيفَة: وَإِن كَانَ بِمَكَّة أعَاد الطّواف، فَلَو طَاف زحفا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام فَهُوَ صَحِيح، لكنه يكره، وَقَالَ أَبُو الطّيب فِي (التعليقة) : طَوَافه زحفا كطوافه مَاشِيا منتصبا، لَا فرق بَينهمَا، وَاعْتَذَرُوا عَن ركُوب سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بِأَن النَّاس كَثُرُوا عَلَيْهِ وغشوه بِحَيْثُ إِن الْعَوَاتِق خرجن من الْبيُوت لينظرن إِلَيْهِ، أَو لِأَنَّهُ يستفتى، أَو لِأَنَّهُ كَانَ يشكو كَمَا تقدم، وَاسْتدلَّ المالكيون بِأَن فِي الحَدِيث دلَالَة على طَهَارَة بَوْل الْبَعِير، وَذهب أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي آخَرين إِلَى نَجَاسَته.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَنه إِذا عجز عَن تَقْبِيل الْحجر استلمه بِيَدِهِ أَو بعصا، ثمَّ قبل مَا اسْتَلم بِهِ، كَمَا مر فِي (صَحِيح مُسلم) من حَدِيث أبي الطُّفَيْل. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: وَانْفَرَدَ مَالك عَن الْجُمْهُور، فَقَالَ: لَا يقبل يَده، وَإِذا عجز عَن الاستلام أَشَارَ بِيَدِهِ أَو بِمَا فِي يَده، وَلَا يُشِير إِلَى الْقبْلَة بالفم، لِأَنَّهُ لم ينْقل ويراعى ذَلِك فِي كل طوفة، فَإِن لم يفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. قَالَ الْمُهلب: واستلامه صلى الله عليه وسلم بالمحجن يدل على أَنه لَيْسَ بِفَرْض، وَإِنَّمَا هُوَ سنة. أَلا ترى إِلَى قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، قبَّلك مَا قبَّلتك.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن فِي قَوْله فِي حجَّة الْوَدَاع ردا على من كره تَسْمِيَة حجَّة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، حجَّة الْوَدَاع وَالْمُنكر غالط. وَقَالَ الْمُهلب: وَفِيه: أَنه لَا يجب أَن يطوف أحد فِي وَقت صَلَاة الْجَمَاعَة إلَاّ من وَرَاء النَّاس، وَلَا يطوف بَين الْمُصَلِّين وَبَين الْبَيْت، فيشغل الإِمَام وَالنَّاس ويؤذيهم، وَترك أَذَى الْمُسلم أفضل من صَلَاة الْجَمَاعَة، كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(من أكل من هَذِه الشَّجَرَة فَلَا يقربن مَسْجِدنَا) .
تَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَن ابْن أخِي الزُّهْرِيِّ عنْ عَمِّهِ
أَي: تَابع يُونُس عَن ابْن شهَاب عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَالرَّاء وَفتح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء وَكسر الدَّال، وَقد تقدم فِي: بَاب الصَّلَوَات الْخمس كَفَّارَة، وَهُوَ يرْوى عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن أخي مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَتقدم هُوَ فِي: بَاب إِذا لم يكن الْإِسْلَام على الْحَقِيقَة، وَأخرج هَذِه الْمُتَابَعَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْحسن: حَدثنَا مُحَمَّد بن عباد الْمَكِّيّ، حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن ابْن أخي الزُّهْرِيّ عَن عَمه عَن عبيد الله (عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم طَاف بِالْبَيْتِ يسْتَلم الرُّكْن بالمحجن) .
95 -
(بابُ مَنْ لَمْ يَسْتَلِمْ إلَاّ الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من لم يسْتَلم إلَاّ الرُّكْنَيْنِ اليمانيين، أَي: دون الرُّكْنَيْنِ الشاميين، وَالْيَاء فِي اليمانيين مُخَفّفَة على الْمَشْهُور، لِأَن الْألف فِيهِ عوض عَن يَاء النِّسْبَة، فَلَو شددت يلْزم الْجمع بَين الْعِوَض والمعوض، وَجوز سِيبَوَيْهٍ التَّشْدِيد، وَقَالَ: إِن الْألف زَائِدَة كَمَا زيدت النُّون فِي صنعاني، وهما: الرُّكْن الْأسود والركن الْيَمَانِيّ الَّذِي يَلِيهِ، فَقيل لَهما: اليمانيان، تَغْلِيبًا، كَمَا يُقَال: الأبوان.
8061 -
وقالَ محَمَّدُ بنُ بَكْرٍ أخبرَنا ابنُ جُرَيْجٍ أخبرَني عَمْرُو بنُ دِينارٍ عَن أبي الشَّعْثَاءِ أنَّهُ قالَ ومَنْ يَتَّقِي شَيْئا مِنَ البَيْتِ وكانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الأرْكَانَ فَقَالَ لَهُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما إنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ هاذَانِ الرُّكْنَانِ فَقَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ البَيْتِ مَهْجُورا وكانَ ابنُ الزُّبَيْرِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَسْتَلمُهُنَّ كُلّهُنَّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَا يسْتَلم هَذَانِ الركنان) أَي: الركنان الشاميان، فَإِذا لم يستلما ينْحَصر الاستلام على الرُّكْنَيْنِ اليمانيين، وَهَذَا الحَدِيث مُعَلّق، علقه عَن مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة وبالنون: نِسْبَة إِلَى برسان، حَيّ من الأزد، وَقد تقدم فِي: بَاب تَضْييع الصَّلَاة، وَهُوَ يرْوى عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن زيد أبي الشعْثَاء، مؤنث الْأَشْعَث، وَقد تقدم فِي: بَاب الْغسْل بالصاع، وَقد وصل هَذَا التَّعْلِيق الإِمَام أَحْمد فِي (مُسْنده) فَقَالَ: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق حَدثنَا معمر وَالثَّوْري (و) حَدثنَا روح حَدثنَا الثَّوْريّ عَن ابْن خَيْثَم (عَن أبي الطُّفَيْل، قَالَ: كنت مَعَ ابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة، فَكَانَ مُعَاوِيَة لَا يمر بِرُكْن إلَاّ استلمه، فَقَالَ لَهُ عبد الله بن عَبَّاس: لَا يسْتَلم هَذَا الركنان)(ح) قَالَ: وَحدثنَا روح، حَدثنَا سعيد وَعبد الْوَهَّاب عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن أبي الطُّفَيْل (و) حَدثنَا مَرْوَان بن شُجَاع حَدثنِي خصيف عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، فَذكره.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث عَن قَتَادَة دون قصَّة مُعَاوِيَة بِلَفْظ: (لم أرَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسْتَلم غير الرُّكْنَيْنِ اليمانيين) ، وَوَصله التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من طَرِيق عبد الله بن عُثْمَان بن خَيْثَم عَن أبي الطُّفَيْل، قَالَ: كنت مَعَ ابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة، فَكَانَ مُعَاوِيَة لَا يمر بِرُكْن إلَاّ استلمه، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم يسْتَلم إلَاّ الْحجر واليماني، فَقَالَ مُعَاوِيَة: لَيْسَ شَيْء من الْبَيْت مهجور، أَو روى أَحْمد أَيْضا من طَرِيق شُعْبَة عَن قَتَادَة (عَن أبي الطُّفَيْل، قَالَ: حج مُعَاوِيَة وَابْن عَبَّاس، فَجعل ابْن عَبَّاس يسْتَلم الْأَركان كلهَا، فَقَالَ مُعَاوِيَة إِنَّمَا اسْتَلم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هذَيْن الرُّكْنَيْنِ اليمانيين، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَيْسَ من أَرْكَانه شَيْء مهجور)، قَالَ عبد الله بن أَحْمد فِي (الْعِلَل) : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: قلبه شُعْبَة، يَقُول: النَّاس يخالفونني فِي هَذَا، وَلكنه سمعته من قَتَادَة هَكَذَا. انْتهى. وَقد رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة على الصَّوَاب أخرجه أَحْمد أَيْضا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَمن يَتَّقِي شَيْئا؟) كلمة: من، استفهامية على سَبِيل الْإِنْكَار، فَلذَلِك لم يحذف الْيَاء من: يَتَّقِي، وَيجوز أَن تكون شَرْطِيَّة على رِوَايَة من يروي: فَكَانَ مُعَاوِيَة، بِالْفَاءِ، وَذَلِكَ على لُغَة من لَا يُوجب الْجَزْم فِيهِ. قَوْله:(وَكَانَ مُعَاوِيَة يسْتَلم الْأَركان) أَي: الْأَركان الْأَرْبَعَة، أَي: اليمانيان والشاميان، والركن الْأسود فِيهِ فضيلتان: كَون الْحجر الْأسود فِيهِ وَكَونه على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، واليماني فِيهِ الْفَضِيلَة الثَّانِيَة فَقَط. وَأما الشاميان فَلَيْسَ شَيْء من الفضيلتين، فَلِذَا اخْتصَّ الْأسود بشيئين: الاستلام والقبلة، وَأما الْيَمَانِيّ فيستلم وَلَا يقبل، لِأَن فِيهِ فَضِيلَة وَاحِدَة. وَأما الْآخرَانِ فَلَا يستلمان وَلَا يقبلان، وَقَالَ التَّيْمِيّ: الركنان اللَّذَان يليان الْحجر ليسَا بركنين أصليين، لِأَن وَرَاء ذَلِك الْحجر، وَهُوَ من الْبَيْت فَلَو رفع جِدَار الْحجر وَضم إِلَى الْكَعْبَة فِي الْبناء كَمَا كَانَ على بِنَاء إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، لَكَانَ يستلمان. وَالله أعلم. قَوْله:(إِنَّه)، أَي: إِن الشان. قَوْله: (لَا يسْتَلم) ، على صِيغَة الْمَجْهُول الْغَائِب، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي:(لَا نستلم هذَيْن الرُّكْنَيْنِ)، بالنُّون فِي أَوله على صِيغَة الْمُتَكَلّم. وَقَوله:(هذَيْن الرُّكْنَيْنِ) بِالنّصب مَفْعُوله. قَوْله: (مَهْجُورًا)، بِالنّصب وَيجوز رَفعه على أَن يكون صفة لقَوْله: شَيْء. قَوْله: (وَكَانَ ابْن الزبير يستلمهن كُلهنَّ) أَي: وَكَانَ عبد الله بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يسْتَلم الْأَركان كلهَا، وَهَذَا وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عباد بن عبد الله بن الزبير: أَنه رأى أَبَاهُ عبد الله بن الزبير يسْتَلم الْأَركان كلهَا، وَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ شَيْء مِنْهُ مَهْجُورًا وَفِي مُسْند الشَّافِعِي رحمه الله أَنبأَنَا مُوسَى الربذي عَن مُحَمَّد بن كَعْب أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يمسح على الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر، وَكَانَ ابْن الزبير يمسح الْأَركان كلهَا، وَيَقُول: لَا يَنْبَغِي لبيت الله أَن يكون شَيْء مِنْهُ مَهْجُورًا، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث ابْن أبي ليلى، عَن عَطاء عَن يعلى بن أُميَّة، وَرَآهُ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يسْتَلم الْأَركان كلهَا: يَا يعلى مَا نَفْعل؟