الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بابُ مَا جاءَ فِي زَمْزَمَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي ذكر زَمْزَم من الْآثَار. قيل: وَلم يذكر مَا جَاءَ فِيهِ من فَضله، لِأَنَّهُ كَانَ لم يثبت عِنْده بِشَرْطِهِ، وَاكْتفى بِذكرِهِ مُجَردا. قلت: لَا نسلم ذَلِك، فَإِن حَدِيث الْبَاب يدل على فَضلهَا، لِأَن فِيهِ:(فَفرج صَدْرِي ثمَّ غسله بِمَاء زَمْزَم) ، وَهَذَا يدل قطعا على فَضلهَا حَيْثُ اخْتصَّ غسل صَدره، عليه الصلاة والسلام، بِمَائِهَا دون غَيرهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا ركضة جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، وسقيا إِسْمَاعِيل صلى الله عليه وسلم وَفِي (مُعْجم مَا استعجم) : هِيَ بِفَتْح الأول وَسُكُون الثَّانِي وَفتح الزَّاي الثَّانِيَة، قَالَ: وَيُقَال بِضَم الأول وَفتح الثَّانِي وَكسر الزَّاي الثَّانِيَة، وَيُقَال بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه وتشديده وَكسر الزَّاي الثَّانِيَة. وَفِي (كتاب الْأَزْهَرِي) عَن ابْن الْأَعرَابِي: زَمْزَم وزمم وزمزام، وَتسَمى: ركضة جِبْرِيل، عليه السلام، وهمزمة جِبْرِيل، وهزمة جِبْرِيل، بِتَقْدِيم الزَّاي، وهزمة الْملك، وَتسَمى: الشباعة. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَرَوَاهُ الخازرنجي: شباعة، وَقَالَ صاعد فِي (الفصوص) وَمن أسمائها: تكْتم، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: إِنَّمَا سميت زَمْزَم لِأَن بابل بن ساسان حَيْثُ سَار إِلَى الْيمن دفن سيوف قلعته وحلي الزمازمة فِي مَوضِع بِئْر زَمْزَم، فَلَمَّا احتفرها عبد الْمطلب أصَاب السيوف والحلي فِيهِ سميت زَمْزَم. وَقَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: سميت زَمْزَم لِأَنَّهَا زمت بِالتُّرَابِ لِئَلَّا يَأْخُذ المَاء يَمِينا وَشمَالًا، وَلَو تركت لساحت على وَجه الأَرْض حَتَّى مَلأ كل شَيْء. وَقَالَ الْحَرْبِيّ: سميت بزمزمة المَاء، وَهُوَ حركته، وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ بَعضهم: إِنَّهَا مُشْتَقَّة من قَوْلهم: مَاء زمزوم وزمزام أَي: كثير. وَفِي (الموعب) : مَاء زَمْزَم وزمازم، وَهُوَ الْكثير وَعَن ابْن هِشَام: الزمزمة عِنْد الْعَرَب الْكَثْرَة والاجتماع، وَذكر المَسْعُودِيّ أَن الْفرس كَانَت تحج إِلَيْهَا فِي الزَّمن الأول، والزمزمة صَوت تخرجه الْفرس من خياشيمها.
وَمن فضائلها: مَا رَوَاهُ مُسلم: شرب أَبُو ذَر مِنْهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْسَ لَهُ طَعَام غَيرهَا. وَأَنه سمن، فَأخْبر النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، بذلك فَقَالَ: إِنَّهَا مباركة، إِنَّهَا طَعَام طعم وَزَاد أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) وشفاء سقم، وروى الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مَرْفُوعا:(مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ) ، رِجَاله ثقاة إلَاّ أَنه اخْتلف فِي إرْسَاله وَوَصله، وإرساله أصح. وَعَن أم أَيمن، قَالَت:(مَا رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، شكى جوعا قطّ وَلَا عطشا، كَانَ يَغْدُو إِذا أصبح فيشرب من مَاء زَمْزَم شربه، فَرُبمَا عرضنَا عَلَيْهِ الطَّعَام فَيَقُول: لَا أَنا شبعان شبعان) . ذكره فِي (المُصَنّف الْكَبِير) فِي شرف الْمُصْطَفى، صلى الله عليه وسلم. وَعَن عقيل ابْن أبي طَالب، قَالَ: كُنَّا إِذا أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ عندنَا طَعَام قَالَ لنا أبي ائْتُوا زَمْزَم فنأتيها فنشرب مِنْهَا فنجتزىء، وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مَرْفُوعا:(وَهِي هزمة جِبْرِيل وسقيا إِسْمَاعِيل) ، وَذكر الزَّمَخْشَرِيّ فِي (ربيع الْأَبْرَار) أَن جِبْرِيل، عليه السلام، أنبط بِئْر زَمْزَم مرَّتَيْنِ: مرّة لآدَم، عليه السلام، حَتَّى انْقَطَعت زمن الطوفان، وَمرَّة لإسماعيل عليه السلام، وروى ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد جيد:(أَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ لرجل: إِذا شربت من زَمْزَم فَاسْتقْبل الْكَعْبَة، وَاذْكُر اسْم الله، عز وجل، فَإِن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: آيَة مَا بَيْننَا وَبَين الْمُنَافِقين أَنهم لَا يتضلعون من زَمْزَم) . وروى الدَّارَقُطْنِيّ أَن عبد الله كَانَ إِذا شرب مِنْهَا، قَالَ: أللهم إِنِّي أسأك علما نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وشفاء من كل دَاء. وروى أَحْمد بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث جَابر فِي ذكر حجَّته، عليه السلام، ثمَّ عَاد إِلَى الْحجر ثمَّ ذهب إِلَى زَمْزَم فَشرب مِنْهَا وصب على رَأسه، ثمَّ رَجَعَ فاستلم الرُّكْن
…
الحَدِيث.
5361 -
حدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ حدَّثنا خَالِدٌ عنْ خالِدٍ الحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فاسْتَسْقَى فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا فَضْلُ اذْهَبْ إلَى أُمِّكَ فاتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بِشَرابٍ مِنْ عِنْدِهَا فَقَالَ اسْقِنِي قَالَ يَا رَسولَ الله إنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أيْدِيهِمْ فِيهِ قَالَ إسْقِنِي فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ أتَى زَمْزْمَ وهُمْ يَسْقُونَ ويَعْمَلُونَ فِيهَا فقَال اعْمَلُوا فإنَّكُمُ عَلَى عَمَلٍ صالِحٍ ثُمَّ قَالَ لَوْلَا أنْ تُغْلَبُوا لنَزَلْتُ حَتَّى أضَعَ الحَبْلَ عَلى هاذهِ يَعْنِي عاتِقَهُ وأشَارَ إلَى عاتِقِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (جَاءَ إِلَى السِّقَايَة)، هَذَا الأسناد بِعَيْنِه مضى فِي أول: بَاب الْمَرِيض يطوف رَاكِبًا، وَإِسْحَاق هُوَ ابْن شاهين الوَاسِطِيّ. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هُوَ إِسْحَاق بن بشر، وَهُوَ وهم، وخَالِد الأول: هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان، وَالثَّانِي: خَالِد ابْن مهْرَان الْحذاء.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جَاءَ إِلَى السِّقَايَة) ، قد ذكرنَا أَن السِّقَايَة مَا يبْنى للْمَاء، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يسقى فِيهِ المَاء، وَفِي (الْمُجْمل) : هُوَ الْموضع الَّذِي يتَّخذ فِيهِ الشَّرَاب فِي الْمَوْسِم وَغَيره. قَوْله: (فَاسْتَسْقَى) أَي: طلب الشّرْب. قَوْله: (يَا فضل) ، هُوَ ابْن الْعَبَّاس أَخُو عبد الله، وأمهما لبَابَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة. قَوْله:(إِنَّهُم يجْعَلُونَ إيديهم فِيهِ) وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ عَن أبي كريب عَن أبي بكر بن عَيَّاش عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن عِكْرِمَة (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لما طَاف النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَتَى الْعَبَّاس وَهُوَ فِي السِّقَايَة فَقَالَ: إسقوني. قَالَ الْعَبَّاس: إِن هَذَا قد مرت يَعْنِي: قد مرس أَفلا أسقيك مِمَّا فِي بُيُوتنَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن إسقوني مِمَّا يشرب النَّاس، فَأتى بِهِ فذاقه، فقطب ثمَّ دَعَا بِمَاء فَكَسرهُ، ثمَّ قَالَ: إِذا اشْتَدَّ نبيذكم فاكسروه بِالْمَاءِ، وتقطيبه مِنْهُ إِنَّمَا كَانَ لحموضة فَقَط، وكسره بِالْمَاءِ ليهون عَلَيْهِ شربه، وَمثل ذَلِك يحمل على مَا رُوِيَ عَن عمر وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فِيهِ لَا غير. وروى مُسلم من حَدِيث بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ ابْن عَبَّاس عِنْد الْكَعْبَة، فَأَتَاهُ أَعْرَابِي فَقَالَ: مَا لي أرى بني عمكم يسقون الْعَسَل وَاللَّبن وَأَنْتُم تسقون النَّبِيذ؟ أَمن حَاجَة بكم أم من بخل؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: الْحَمد لله، مَا بِنَا من حَاجَة وَلَا بخل، قدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم على رَاحِلَته وَخَلفه أُسَامَة، فَاسْتَسْقَى، فأتيناه بِإِنَاء فِيهِ نَبِيذ فَشرب وَسَقَى فَضله أُسَامَة، وَقَالَ: أَحْسَنْتُم وَأَجْمَلْتُمْ، كَذَا فَاصْنَعُوا، وَلَا نزيد مَا أَمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (قَالَ: اسْقِنِي) ويروى: (فَقَالَ)، الْفَاء فِيهِ فصيحة أَي: فَذهب فَأتى بِالشرابِ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إسقني. قَوْله:(وهم يسقون)، جملَة حَالية أَي: يسقون النَّاس. قَوْله: (ويعملون فِيهَا)، أَي: ينزحون مِنْهَا المَاء. قَوْله: (لَوْلَا أَن تغلبُوا) ، بِضَم التَّاء على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: لَوْلَا أَن يجْتَمع عَلَيْكُم النَّاس، وَمن كَثْرَة الزحام تصيرون مغلوبين. وَقَالَ الدَّاودِيّ: أَي أَنكُمْ لَا تتركوني أستقي وَلَا أحب أَن أفعل بكم مَا تَكْرَهُونَ فتغلبوا. وَقيل: مَعْنَاهُ لَوْلَا أَن تقع عَلَيْكُم الْغَلَبَة بِأَن يجب عَلَيْكُم ذَلِك بِسَبَب فعلي. وَقيل. مَعْنَاهُ: لَوْلَا أَن تغلبُوا بِأَن ينتزعها الْوُلَاة مِنْكُم حرصا على حِيَازَة هَذِه المكرمة. وروى مُسلم من حَدِيث جَابر (أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بني عبد الْمطلب وهم يسقون على زَمْزَم، فَقَالَ: إنزغوا بني عبد الْمطلب، فلولا أَن يغلبكم النَّاس على سِقَايَتكُمْ لنزغت مَعكُمْ، فناولوه دلوا فَشرب مِنْهُ) . وَذكر ابْن السكن أَن الَّذِي نَاوَلَهُ الدَّلْو هُوَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: دَلِيل على أَن الظَّاهِر أَن أَفعاله فِيمَا يتَّصل بِأُمُور الشَّرِيعَة على الْوُجُوب، فَتَركه الْفِعْل شَفَقَة أَن يتَّخذ سنة، قَالَه الْخطابِيّ. وَفِيه: الشّرْب من سِقَايَة الْحَاج، وَقَالَ طَاوُوس: الشّرْب من سِقَايَة الْعَبَّاس من تَمام الْحَج، وَقَالَ عَطاء: لقد أدْركْت هَذَا الشَّرَاب، وَأَن الرجل ليشْرب فتلتزق شفتاه من حلاوته، فَلَمَّا ذهبت الْحُرِّيَّة وَولى العبيد تهاونوا بِالشرابِ واستخفوا بِهِ، وروى ابْن أبي شيبَة عَن السَّائِب بن عبد الله أَنه أَمر مُجَاهدًا مَوْلَاهُ بِأَن يشرب من سِقَايَة الْعَبَّاس وَيَقُول: إِنَّه من تَمام السّنة. وَقَالَ الرّبيع بن سعد: أَتَى أَبُو جَعْفَر السِّقَايَة فَشرب وَأعْطى جعفرا فَضله، وَمِمَّنْ شرب مِنْهَا: سعيد بن جُبَير وَأمر بِهِ سُوَيْد بن غَفلَة: وروى ابْن جريج عَن نَافِع أَن ابْن عمر لم يكن يشرب من النَّبِيذ فِي الْحَج، وَكَذَا روى خَالِد ابْن أبي بكر أَنه حج مَعَ سَالم مَا لَا يُحْصى، فَلم يره يشرب من نَبِيذ السِّقَايَة. وَفِيه: إِثْبَات أَمر السِّقَايَة للْحَاج، وَأَن مشروعيته من بَاب إكرام الضَّيْف واصطناع الْمَعْرُوف. وَفِيه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم تحرم عَلَيْهِ الصَّدقَات الَّتِي سَبِيلهَا الْمَعْرُوف كالمياه الَّتِي تكون فِي السقايات تشربها الْمَارَّة. وَقَالَ ابْن التِّين: شربه صلى الله عليه وسلم لَا يَخْلُو أَن يكون ذَلِك من مَال الْكَعْبَة الَّذِي كَانَ يُؤْخَذ لَهَا من الْخمس، أَو من مَال الْعَبَّاس الَّذِي عمله للغني وَالْفَقِير، فَشرب مِنْهُ صلى الله عليه وسلم ليسهل على النَّاس. وَفِيه: أَنه لَا يكره طلب السَّقْي من الْغَيْر. وَفِيه: رد مَا يعرض على الْمَرْء من الْإِكْرَام إِذا عارضته مصلحَة أولى مِنْهُ، لِأَن رده لما عرض عَلَيْهِ الْعَبَّاس مِمَّا يُؤْتى بِهِ من بَيته لمصْلحَة التَّوَاضُع الَّتِي ظَهرت من شربه مِمَّا يشرب مِنْهُ النَّاس. وَفِيه: التَّرْغِيب فِي سقِِي المَاء خُصُوصا مَاء زَمْزَم. وَفِيه: تواضع النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَفِيه: حرص أَصْحَابه صلى الله عليه وسلم على الِاقْتِدَاء بِهِ. وَفِيه: كَرَاهَة التقذر والتكره للمأكولات والمشروبات. وَفِيه: أَن الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الطَّهَارَة لتنَاوله، صلى الله عليه وسلم، من الشَّرَاب الَّذِي غمست فِيهِ الْأَيْدِي، قَالَه ابْن التِّين، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
(بابُ مَا جاءَ فِي زَمْزَمَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي ذكر زَمْزَم من الْآثَار. قيل: وَلم يذكر مَا جَاءَ فِيهِ من فَضله، لِأَنَّهُ كَانَ لم يثبت عِنْده بِشَرْطِهِ، وَاكْتفى بِذكرِهِ مُجَردا. قلت: لَا نسلم ذَلِك، فَإِن حَدِيث الْبَاب يدل على فَضلهَا، لِأَن فِيهِ:(فَفرج صَدْرِي ثمَّ غسله بِمَاء زَمْزَم) ، وَهَذَا يدل قطعا على فَضلهَا حَيْثُ اخْتصَّ غسل صَدره، عليه الصلاة والسلام، بِمَائِهَا دون غَيرهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا ركضة جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، وسقيا إِسْمَاعِيل صلى الله عليه وسلم وَفِي (مُعْجم مَا استعجم) : هِيَ بِفَتْح الأول وَسُكُون الثَّانِي وَفتح الزَّاي الثَّانِيَة، قَالَ: وَيُقَال بِضَم الأول وَفتح الثَّانِي وَكسر الزَّاي الثَّانِيَة، وَيُقَال بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه وتشديده وَكسر الزَّاي الثَّانِيَة. وَفِي (كتاب الْأَزْهَرِي) عَن ابْن الْأَعرَابِي: زَمْزَم وزمم وزمزام، وَتسَمى: ركضة جِبْرِيل، عليه السلام، وهمزمة جِبْرِيل، وهزمة جِبْرِيل، بِتَقْدِيم الزَّاي، وهزمة الْملك، وَتسَمى: الشباعة. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَرَوَاهُ الخازرنجي: شباعة، وَقَالَ صاعد فِي (الفصوص) وَمن أسمائها: تكْتم، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: إِنَّمَا سميت زَمْزَم لِأَن بابل بن ساسان حَيْثُ سَار إِلَى الْيمن دفن سيوف قلعته وحلي الزمازمة فِي مَوضِع بِئْر زَمْزَم، فَلَمَّا احتفرها عبد الْمطلب أصَاب السيوف والحلي فِيهِ سميت زَمْزَم. وَقَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: سميت زَمْزَم لِأَنَّهَا زمت بِالتُّرَابِ لِئَلَّا يَأْخُذ المَاء يَمِينا وَشمَالًا، وَلَو تركت لساحت على وَجه الأَرْض حَتَّى مَلأ كل شَيْء. وَقَالَ الْحَرْبِيّ: سميت بزمزمة المَاء، وَهُوَ حركته، وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ بَعضهم: إِنَّهَا مُشْتَقَّة من قَوْلهم: مَاء زمزوم وزمزام أَي: كثير. وَفِي (الموعب) : مَاء زَمْزَم وزمازم، وَهُوَ الْكثير وَعَن ابْن هِشَام: الزمزمة عِنْد الْعَرَب الْكَثْرَة والاجتماع، وَذكر المَسْعُودِيّ أَن الْفرس كَانَت تحج إِلَيْهَا فِي الزَّمن الأول، والزمزمة صَوت تخرجه الْفرس من خياشيمها.
وَمن فضائلها: مَا رَوَاهُ مُسلم: شرب أَبُو ذَر مِنْهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْسَ لَهُ طَعَام غَيرهَا. وَأَنه سمن، فَأخْبر النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، بذلك فَقَالَ: إِنَّهَا مباركة، إِنَّهَا طَعَام طعم وَزَاد أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) وشفاء سقم، وروى الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مَرْفُوعا:(مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ) ، رِجَاله ثقاة إلَاّ أَنه اخْتلف فِي إرْسَاله وَوَصله، وإرساله أصح. وَعَن أم أَيمن، قَالَت:(مَا رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، شكى جوعا قطّ وَلَا عطشا، كَانَ يَغْدُو إِذا أصبح فيشرب من مَاء زَمْزَم شربه، فَرُبمَا عرضنَا عَلَيْهِ الطَّعَام فَيَقُول: لَا أَنا شبعان شبعان) . ذكره فِي (المُصَنّف الْكَبِير) فِي شرف الْمُصْطَفى، صلى الله عليه وسلم. وَعَن عقيل ابْن أبي طَالب، قَالَ: كُنَّا إِذا أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ عندنَا طَعَام قَالَ لنا أبي ائْتُوا زَمْزَم فنأتيها فنشرب مِنْهَا فنجتزىء، وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مَرْفُوعا:(وَهِي هزمة جِبْرِيل وسقيا إِسْمَاعِيل) ، وَذكر الزَّمَخْشَرِيّ فِي (ربيع الْأَبْرَار) أَن جِبْرِيل، عليه السلام، أنبط بِئْر زَمْزَم مرَّتَيْنِ: مرّة لآدَم، عليه السلام، حَتَّى انْقَطَعت زمن الطوفان، وَمرَّة لإسماعيل عليه السلام، وروى ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد جيد:(أَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ لرجل: إِذا شربت من زَمْزَم فَاسْتقْبل الْكَعْبَة، وَاذْكُر اسْم الله، عز وجل، فَإِن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: آيَة مَا بَيْننَا وَبَين الْمُنَافِقين أَنهم لَا يتضلعون من زَمْزَم) . وروى الدَّارَقُطْنِيّ أَن عبد الله كَانَ إِذا شرب مِنْهَا، قَالَ: أللهم إِنِّي أسأك علما نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وشفاء من كل دَاء. وروى أَحْمد بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث جَابر فِي ذكر حجَّته، عليه السلام، ثمَّ عَاد إِلَى الْحجر ثمَّ ذهب إِلَى زَمْزَم فَشرب مِنْهَا وصب على رَأسه، ثمَّ رَجَعَ فاستلم الرُّكْن
…
الحَدِيث.
6361 -
وَقَالَ عَبْدَانُ أخبرنَا عبْدُ الله قَالَ أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزهْرِيِّ قَالَ أنَسُ بنُ مالِكٍ كانَ أبُو ذَرٍّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يُحَدِّثُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فُرِجَ سَقْفِي وَأَنا بِمَكَّةَ فنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام ففَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ بِماءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِىءٍ حكْمَةً وَإيمَانا فأفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أطْبَقَهُ ثُمَّ أخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ قَالَ منْ هاذا قَالَ جِبْرِيلُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ غسله بِمَاء زَمْزَم) ، فَإِن ذكر زَمْزَم جَاءَ فِي الحَدِيث وَهُوَ يدل على فضل زَمْزَم حَيْثُ اخْتصَّ غسله