الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن مطيل مكثر وَمن مقتصد مُخْتَصر وأوسعهم نفسا فِي ذَلِك أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ الْحَنَفِيّ الْمصْرِيّ فَإِنَّهُ تكلم فِي ذَلِك عَن ألف ورقة وَتكلم فِي ذَلِك أَيْضا مَعَه أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ وبعدهم أَبُو عبد الله بن أبي صفرَة وَأَخُوهُ الْمُهلب وَالْقَاضِي أَبُو عبد الله بن المرابط وَالْقَاضِي أَبُو الْحسن بن الْقصار الْبَغْدَادِيّ والحافظ أَبُو عمر بن عبد الْبر وَغَيرهم وَأولى مَا يُقَال فِي هَذَا على مَا فحصناه من كَلَامهم واخترناه من اختياراتهم مَا هُوَ أجمع للروايات وأشبه بمساق الْأَحَادِيث أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - أَبَاحَ للنَّاس فعل هَذِه الثَّلَاثَة أَشْيَاء لتدل على جَوَاز جَمِيعهَا إِذْ لَو أَمر بِوَاحِد لَكَانَ غَيره لَا يجزىء وَإِذا كَانَ لم يحجّ سوى هَذِه الْحجَّة فأضيف الْكل إِلَيْهِ وَأخْبر كل وَاحِد بِمَا أمره بِهِ وأباحه لَهُ وَنسبه إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - إِمَّا لأَمره بذلك أَو لتأويله عَلَيْهِ انْتهى (قلت) لَا نزاع فِي جَوَاز هَذِه الثَّلَاثَة وَلِهَذَا قَالَ الْخطابِيّ جَوَاز الْقرَان بَين الْحَج وَالْعمْرَة إِجْمَاع من الْأَئِمَّة وَلَا يجوز أَن يتفقوا على جَوَاز شَيْء مَنْهِيّ عَنهُ وَلَكِن النزاع أَن أَي هَذِه الْأَشْيَاء أفضل وَأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - على أَي وَاحِد من هَذِه حج فقد دلّت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة أَن الْقرَان أفضل وَأَنه صلى الله عليه وسلم َ - كَانَ قَارنا وَلِأَن الْقَارِن يجمع بَين النُّسُكَيْنِ فِي سفرة وَاحِدَة وَلَا شكّ أَن العبادتين أفضل من عبَادَة وَاحِدَة وَقد عمل بِهِ الْأَصْحَاب بعده صلى الله عليه وسلم َ - وروى ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه من حَدِيث عَليّ بن زيد عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ سَمِعت أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم َ - يهلون بِحجَّة وَعمرَة مَعًا. وَمن فَوَائِد حَدِيث الْبَاب أَن السّنة فِي الْإِبِل النَّحْر فَلَو ذبح كره وَأَن السّنة نحرها وَهِي قَائِمَة لِأَنَّهُ أمكن لنحرها لِأَنَّهُ يطعن فِي لبتها وَتَكون معقولة الْيَد الْيُسْرَى وَقَالَ ابْن حبيب وَهُوَ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى صواف وروى مُحَمَّد عَن مَالك لَا يَعْقِلهَا إِلَّا من خَافَ أَن يضعف عَنْهَا وَالْأَفْضَل أَن يتَوَلَّى نحرها بِنَفسِهِ كَمَا فعل صلى الله عليه وسلم َ - وَقَالَ هُنَا بدنات وَقَالَ ابْن التِّين وَفِي غير هَذَا الْموضع أَنَّهَا كَانَت سبعين بَدَنَة وَفِي الْمُوَطَّأ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه صلى الله عليه وسلم َ - نحر بعض هَدْيه بِيَدِهِ وَنحر بعضه غَيره وَرُوِيَ أَن عليا نحر بَاقِيهَا وَيُقَال أهْدى مائَة بَدَنَة فَنحر ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ كل وَاحِد عَن سنة من عمره. وَفِيه إِشَارَة إِلَى قدر عمره وَأعْطى عليا فَنحر الْبَاقِي قَوْله " وَذبح بِالْمَدِينَةِ كبشين أَحدهمَا ذبحه عَن أهل بَيته وَالْآخر عَمَّن لم يضح من أمته "
(قَالَ أَبُو عبد الله قَالَ بَعضهم هَذَا عَن أَيُّوب عَن رجل عَن أنس) أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه قَالَ بَعضهم إِلَى آخِره هَكَذَا وَقع عِنْد الْكشميهني قيل المُرَاد من الْبَعْض الْمُبْهم هُوَ إِسْمَاعِيل بن علية وَقيل يحْتَمل أَن يكون حَمَّاد بن سَلمَة فقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيقه عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس فَعرف أَنه الْمُبْهم وَقد تَابعه عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ على حَدِيث ذبح الكبشين الأملحين عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَضَاحِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى -
82 -
(بابُ مَنْ أهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ راحِلَتُهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أهلَّ بِالتَّلْبِيَةِ حِين رفعته رَاحِلَته مستويا على ظهرهَا.
2551 -
حدَّثنا أبُو عاصِمٍ قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي صالِحُ بنُ كَيْسَانَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ أهلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً..
مطابقته للتَّرْجَمَة هِيَ عين الحَدِيث، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ قَرِيبا، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد، وَابْن جريج عبد الْملك ابْن عبد الْعَزِيز، وَصَالح بن كيسَان أَبُو مُحَمَّد أَو أَبُو الْحَارِث الْقَارِي مَوْلَاهُم، مؤدب ولد عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
92 -
(بابُ الإهلَالِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الإهلال، وَزَاد الْمُسْتَمْلِي: الْغَدَاة بِذِي الحليفة.
3551 -
حدَّثنا وَقَالَ أبُو عُمَرَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ نَافِعٍ قَالَ كانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إذَا صَلَّى بِالغَدَاةِ بِذِي الحُلَيْفَةُ أمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ ثُمَّ رَكِبَ فإذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ القِبْلَة قائِما ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الحرَمَ ثُمَّ يُمْسِكُ حَتَّى إذَا جاءَ ذَا طُوًى باتَ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ فإذَا صَلَّى الغَدَاةَ اغْتَسَلَ وزَعَمَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذالِكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة قَوْله: (فَإِذا اسْتَوَت بِهِ اسْتقْبل الْقبْلَة) . وَأَبُو معمر عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد الْبَصْرِيّ، وَعبد الْوَارِث بن سعيد وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ، وَالْكل قد ذكرُوا غير مرّة. وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق عَبَّاس الدوري عَن أبي معمر، وَقَالَ: ذكره البُخَارِيّ بِلَا رِوَايَة، وَرَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه) عَن أبي الرّبيع عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب.
قَوْله: (إِذا صلى بِالْغَدَاةِ)، أَي: إِذا صلى الصُّبْح بِوَقْت الْغَدَاة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِذا صلى الْغَدَاة، أَي: صَلَاة الْغَدَاة وَهِي الصُّبْح. قَوْله: (فرحلت)، بِنَاء على الْمَجْهُول بِالتَّخْفِيفِ. قَوْله:(قَائِما) نصب على الْحَال، أَي: منتصبا غير مائل على نَاقَته، وَقيل: وَصفه بِالْقيامِ لقِيَام رَاحِلَته، وَقيل: رُوِيَ بِلَفْظ: فَإِذا اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته قَائِمَة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: أَي اسْتقْبل الْقبْلَة قَائِما فِي الصَّلَاة. وَفِي السِّيَاق تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَالتَّقْدِير: أَمر رَاحِلَته فرحلت، ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة قَائِما، أَي: فصلى ثمَّ ركب، ورد بِأَنَّهُ تعسف فَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّقْدِير لعدم ذكر صَلَاة الْإِحْرَام فِيهِ، والاستقبال إِنَّمَا وَقع بعد الرّكُوب، وَقد رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَأَبُو عوانه فِي (صَحِيحه) من طَرِيق عبيد الله بن عمر عَن نَافِع بِلَفْظ: كَانَ إِذا أَدخل رجله فِي الغرز فاستوت بِهِ نَاقَته قَائِمَة أهلَّ. قَوْله: (ثمَّ يمسك) أَي: عَن التَّلْبِيَة، وَلَيْسَ المُرَاد بالإمساك عَن التَّلْبِيَة تَركهَا أصلا، وَإِنَّمَا المُرَاد التشاغل بغَيْرهَا من الطّواف وَغَيره، وَقد رُوِيَ أَن ابْن عمر كَانَ لَا يُلَبِّي فِي طَوَافه، كَمَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) من طَرِيق عَطاء، قَالَ: كَانَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يدع التَّلْبِيَة إِذا دخل الْحرم، ويراجعها بَعْدَمَا يقْضِي طَوَافه بَين الصَّفَا والمروة. قَوْله:(ثمَّ يُلَبِّي حَتَّى يبلغ الْحرم)، أَي: بَعْدَمَا ركب رَاحِلَته يُلَبِّي وَلَا يقطعهَا حَتَّى يبلغ الْحرم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: وَقت الْإِمْسَاك هُوَ صَبِيحَة يَوْم الْعِيد فِي منى لَا بُلُوغ الْحرم؟ قلت: لَيْسَ الْغَرَض مِنْهُ هَهُنَا بَيَان وَقت على الْخُصُوص، فَلهَذَا أجمل، أَو أَرَادَ بِالْحرم منى أَو كَانَ ذَلِك عِنْد التَّمَتُّع، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يشكل عَلَيْهِ، قَوْله فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن علية:(إِذا دخل أدنى الْحرم) . قلت: إِذا أُرِيد بِالْحرم ظَاهره لَا يبْقى الْإِشْكَال، وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بالإمساك ترك تكْرَار التَّلْبِيَة لَا تَركهَا أصلا. قلت: مَذْهَب ابْن عمر أَنه كَانَ يَتْرُكهَا إِذا دخل الْحرم، وَلَا يفهم من ظَاهر الْكَلَام إلَاّ تَركهَا، لَا ترك تكرارها، لِأَن بَين تَركهَا وَبَين ترك تكرارها فرقا، وتارك تكرارها لَا يُسمى تَارِكًا لِلتَّلْبِيَةِ. قَوْله:(ثمَّ يمسك حَتَّى إِذا جَاءَ) هِيَ غَايَة لقَوْله: اسْتقْبل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو يكون المُرَاد بِالْحرم هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن، وَهُوَ أول جُزْء مِنْهُ، يَعْنِي: يمسك فِيمَا بَين أَوله وَذي طوى، فحتى على هَذَا الْوَجْه غَايَة لقَوْله: يمسك قَوْله: (ذَا طوى) ، مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول جَاءَ، وَذي طوى، بِضَم الطَّاء وَفتحهَا وَكسرهَا، وقيدها الْأصيلِيّ بِكَسْرِهَا وبتخفيف الْوَاو: وادٍ مَعْرُوف بِقرب مَكَّة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ مَوضِع عِنْد بَاب مَكَّة بأسفلها فِي صوب طَرِيق الْعمرَة الْمُعْتَادَة وَمَسْجِد عَائِشَة، وَيعرف الْيَوْم بآبار الزاهدة، يصرف وَلَا يصرف، وَقَالَ أَيْضا: إِنَّه مَقْصُور منون. وَفِي (التَّوْضِيح) : وربض من أرباض مَكَّة، وطاؤه مُثَلّثَة مَعَ الصّرْف وَعَدَمه وَالْمدّ أَيْضا، وَقَالَ السُّهيْلي: وادٍ بِمَكَّة فِي أَسْفَلهَا وَذُو طواء ممدودا، وَمَوْضِع بطرِيق الطَّائِف. وَقيل: و (وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروي حَتَّى إِذا حَاذَى طوى من الْمُحَاذَاة وبحذف كلمة ذِي وَالْأول هُوَ الصَّحِيح لِأَن إسم الْموضع ذُو طوى لَا: طوى. وَفِي كتاب (الأذواء) : ذُو طوى مَوضِع بِظَاهِر مَكَّة بِهِ بئاء يسْتَحبّ لمن يدْخل مَكَّة أَن يغْتَسل مِنْهَا. قَوْله: (بَات بِهِ)، أَي: بِذِي طوى أَي: فِيهِ.، قَوْله:(حَتَّى يصبح) أَي: إِلَى أَن يدْخل فِي الصَّباح. قَوْله: (فَإِذا صلى الْغَدَاة)، أَي: صَلَاة الْغَدَاة وَهِي الصُّبْح. قَوْله: (اغْتسل) جَوَاب: إِذا، قَوْله:(وَزعم) أَي: قَالَ، وَيُطلق الزَّعْم على القَوْل الصَّحِيح، وَسَيَأْتِي فِي: بَاب الِاغْتِسَال عِنْد دُخُول مَكَّة، فَقَالَ: حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا ابْن علية عَن أَيُّوب عَن نَافِع: كَانَ ابْن عمر إِذا دخل أدنى الْحرم أمسك عَن التَّلْبِيَة، ثمَّ يبيت بِذِي طوى، ثمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْح ويغتسل وَيحدث أَن نَبِي الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يفعل ذَلِك، وروى الْحَاكِم
من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: اغْتسل رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، ثمَّ لبس ثِيَابه، فَلَمَّا أَتَى ذَا الحليفة صلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قعد على بعيره. فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ على الْبَيْدَاء أحرم بِالْحَجِّ، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث: اسْتِقْبَال الْقبْلَة عِنْد الإهلال لاستقبال دَعْوَة إِبْرَاهِيم، صلى الله عليه وسلم، بِمَكَّة، فَلذَلِك يُلَبِّي الدَّاعِي أبدا بعد أَن يسْتَقْبل بِالْوَجْهِ، لِأَنَّهُ لَا يصلح أَن يولي الْمُجيب ظَهره من يَدعُوهُ ثمَّ يلبيه، بل يستقبله فِي مَوْضِعه الَّذِي دعِي مِنْهُ. وَفِيه: اسْتِحْبَاب الْإِحْرَام عقيب الصَّلَاة، وَفِي (التَّلْوِيح) : لَا خلاف أَن الْمبيت بِذِي طوى وَدخُول مَكَّة نَهَارا لَيْسَ من الْمَنَاسِك، لَكِن إِن فعله اقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وتبعا لآثاره كَانَ ثَوَابه فِي ذَلِك جزيلاً. وَفِي (شرح الْمُهَذّب) : لمن هِيَ طَرِيقه مُسْتَحبّ، وَدخُول مَكَّة نَهَارا أفضل من اللَّيْل، وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد الْأَكْثَرين من الشَّافِعِيَّة. وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة: هما سَوَاء، فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَخلهَا فِي عمْرَة الْجِعِرَّانَة لَيْلًا. قلت: هُوَ الْمَذْكُور فِي (الْهِدَايَة) عَن أبي حنيفَة. وَفِيه: الِاغْتِسَال، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الِاغْتِسَال الْمَذْكُور سنة، قَالَ: فَإِن عجز عَنهُ تيَمّم وَتَكون نِيَّته فِي ذَلِك غسل دُخُول مَكَّة. وَقَالَ فِي (مَنَاسِك الْكرْمَانِي) : هَذَا الْغسْل مُسْتَحبّ لكل أحد حَتَّى الْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَالصَّبِيّ، وَقَالَ ابْن حزم: لَا يلْزم الْغسْل فرضا فِي الْحَج إلَاّ الْمَرْأَة تهل بِعُمْرَة تُرِيدُ التَّمَتُّع فتحيض قبل الطّواف بِالْبَيْتِ، فَهَذِهِ تَغْتَسِل وَلَا بُد، وَالْمَرْأَة تَلد قبل أَن تهلّ بِالْعُمْرَةِ أَو بِالْقُرْآنِ فَفرض عَلَيْهَا أَن تَغْتَسِل وتهلّ. وَفِي (الاستذكار) : مَا أعلم أحدا من الْمُتَقَدِّمين أوجب الِاغْتِسَال عِنْد الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ أَو الْحَج إلَاّ الْحسن بن أبي الْحسن، وَقد رُوِيَ عَن عِكْرِمَة إِيجَابه كَقَوْل أهل الظَّاهِر، وَرُوِيَ عَنهُ أَن الْوضُوء يَكْفِي مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو عمر: هُوَ سنة مُؤَكدَة عِنْد مَالك وَأَصْحَابه لَا يرخصون فِي تَركه إلَاّ من عذر، وَعَن عبد الْملك: هُوَ لَازم، إلَاّ أَنه لَيْسَ فِي تَركه نَاسِيا وَلَا عَامِدًا دم وَلَا فديَة. وَقَالَ ابْن خوازمند: هُوَ عِنْد مَالك أوكد من غسل الْجُمُعَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري: يجْزِيه الْوضُوء، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم، وَفِي (سنَن سعيد بن مَنْصُور) : حَدثنَا جرير عَن مُغيرَة قَالَ: ذكر عَن إِبْرَاهِيم إِذا قدم الْحَاج أمسك عَن التَّلْبِيَة مَا دَامَ يطوف بِالْبَيْتِ. فَقَالَ إِبْرَاهِيم: لَا، بل يُلَبِّي قبل الطّواف وَفِي الطّواف وَبعد الطّواف، وَلَا يقطعهَا حَتَّى يَرْمِي الْجَمْرَة، وَهُوَ قَول أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد، إلَاّ أَن أَبَا حنيفَة وَالشَّافِعِيّ قَالَا: يقطع التَّلْبِيَة مَعَ أول حَصَاة يرميها فِي الْجَمْرَة، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى. وَقَالَ قوم: يقطع الْمُعْتَمِر التَّلْبِيَة إِذا دخل الْحرم، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يقطعهَا حَتَّى يرى بيُوت مَكَّة. وَقَالَت طَائِفَة: حَتَّى يدْخل بيُوت مَكَّة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطعهَا حَتَّى يسْتَلم الْحجر، لما رَوَاهُ أَحْمد عَن هشيم: حَدثنَا حجاج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاث عمر، كل ذَلِك فِي ذِي الْقعدَة، يُلَبِّي حَتَّى يسْتَلم الْحجر. وَقَالَ اللَّيْث: إِذا بلغ الْكَعْبَة قطع التَّلْبِيَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يقطعهَا حَتَّى يفْتَتح الطّواف، وَقَالَ مَالك: من أحرم من الْمِيقَات قطع التَّلْبِيَة إِذا دخل أول الْحرم، فَإِن أحرم من الْجِعِرَّانَة أَو من التَّنْعِيم قطعهَا إِذا دخل بيُوت مَكَّة. أَو إِذا دخل الْمَسْجِد. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: لَا يقطع الْمُعْتَمِر التَّلْبِيَة حَتَّى يسْتَلم الرُّكْن، وَكَانَ ابْن عمر يقطعهَا إِذا رأى بيُوت مَكَّة.
تابَعَهُ إسْمَاعِيلُ عنْ أيُّوبَ فِي الغَسْلِ
أَي: تَابع عبد الْوَارِث إِسْمَاعِيل بن علية عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ فِي أَمر الْغسْل، وَوصل البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي: بَاب الِاغْتِسَال عِنْد دُخُول مَكَّة، على مَا يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
4551 -
حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ أبُو الرَّبِيعِ قَالَ حدَّثنا فُلَيْحٌ عنْ نَافِعٍ قَالَ كانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إذَا أرَادَ الخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ثُمَّ يَأتِي مَسْجِدُ ذِي الحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْكَبُ وَإذَا اسْتَوَتْ بِهِ راحِلتُهُ قائِمةً أحرَمَ ثُمَّ قالَ هاكذَا رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَدِيث أَنه دَاخل فِي ضمن الحَدِيث السَّابِق، وَسليمَان قد مر فِي: بَاب عَلَامَات الْمُنَافِق، وفليح