الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظر لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بالمقدار لَا بِأَصْل الْإِخْرَاج. قلت: إِذا كَانَ الْمِقْدَار وَاجِبا فبالضرورة يدل على وجوب الأَصْل لِأَن وجوب الْمِقْدَار مَبْنِيّ عَلَيْهِ. قَوْله: (قَالَ عبد الله) أَي: عبد الله بن عمر. قَوْله: (فَجعل النَّاس) أَرَادَ بِهِ مُعَاوِيَة وَمن تبعه، وَوَقع ذَلِك صَرِيحًا فِي حَدِيث أَيُّوب عَن نَافِع أخرجه الْحميدِي فِي (مُسْنده) عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، حَدثنَا أَيُّوب وَلَفظه:(صَدَقَة الْفطر صَاع من شعير أَو صَاع من تمر، قَالَ ابْن عمر: فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَة عدل النَّاس نصف صَاع بر بِصَاع من شعير) وَهَكَذَا أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) من وَجه آخر عَن سُفْيَان، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا الْهَيْثَم بن خَالِد الْجُهَنِيّ، حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ الْجعْفِيّ عَن زَائِدَة حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبي دَاوُد (عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر، قَالَ: كَانَ النَّاس يخرجُون صَدَقَة الْفطر على عهد رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، صَاعا من شعير أَو تمر أَو سلت أَو زبيب، قَالَ عبد الله: فَلَمَّا كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَثُرت الْحِنْطَة جعل عمر نصف صَاع حِنْطَة مَكَان صَاع من تِلْكَ الْأَشْيَاء) . وَقَالَ مُسلم فِي (كتاب التَّمْيِيز) . عبد الْعَزِيز وهم فِيهِ وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ بِهِ، وَقَالَ صَاحب (التَّنْقِيح) : وَعبد الْعَزِيز هَذَا، وَإِن كَانَ ابْن حبَان تكلم فِيهِ، فقد وَثَّقَهُ يحيى الْقطَّان وَابْن معِين وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَغَيرهم، والموثقون لَهُ أعرف من المضعفين، وَقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ اسْتِشْهَادًا. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ، رحمه الله: حَدثنَا فَهد، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن طَارق، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب عَن يُونُس بن يزِيد أَن نَافِعًا أخبرهُ قَالَ: (قَالَ عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: فرض رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، زَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير على كل إِنْسَان ذكر أَو أُنْثَى حر أَو عبد من الْمُسلمين)، وَكَانَ عبد الله بن عمر يَقُول: جعل النَّاس عدله مَدين من حِنْطَة، فَقَوْل ابْن عمر: جعل النَّاس عدله مَدين من حِنْطَة إِنَّمَا يُرِيد أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِي يجوز تعديلهم وَيجب الْوُقُوف عِنْد قَوْلهم، فَإِنَّهُ قد رُوِيَ عَن عمر مثل ذَلِك فِي كَفَّارَة الْيَمين أَنه قَالَ ذَلِك، فأطعم عني عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من بر أَو صَاعا من تمر أَو شعير، ويروى عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مثل ذَلِك مَعَ أَنه قد رُوِيَ عَن عمر وَعَن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَيْضا، وَعَن عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي صَدَقَة الْفطر أَنَّهَا من الْحِنْطَة نصف صَاع. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عبد الله بن مُسلم حَدثنَا دَاوُد يَعْنِي ابْن قيس عَن عِيَاض بن عبد الله عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كُنَّا نخرج، إِذْ كَانَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، زَكَاة الْفطر عَن كل صَغِير وكبير حر أَو مَمْلُوك صَاعا من طَعَام أَو صَاعا من أقط أَو صَاعا من شعير أَو صَاعا من تمر أَو صَاعا من زبيب، فَلم نزل نخرجهُ حَتَّى قدم مُعَاوِيَة حَاجا أَو مُعْتَمِرًا فَكلم النَّاس على الْمِنْبَر فَكَانَ فِيمَا كلم النَّاس أَن قَالَ: إِنِّي أرى مَدين من سمراء الشَّام تعدل صَاعا من تمر، فَأخذ بذلك النَّاس، فَقَالَ أَبُو سعيد: فَأَما أَنا فَلَا أَزَال أخرجه أبدا مَا عِشْت) . وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا الحَدِيث مُعْتَمد أبي حنيفَة، قَالَ بِأَنَّهُ فعل صَحَابِيّ، وَقد خَالفه أَبُو سعيد وَغَيره من الصَّحَابَة مِمَّن هُوَ أطول صُحْبَة مِنْهُ وَأعلم بِحَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقد أخبر مُعَاوِيَة بِأَنَّهُ رَأْي رَآهُ، لَا قَول سَمعه من النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قُلْنَا: إِن قَوْله: فعل صَحَابِيّ، لَا يمْنَع لِأَنَّهُ قد وَافقه غَيره من الصَّحَابَة الجم الْغَفِير بِدَلِيل قَوْله فِي الحَدِيث: فَأخذ النَّاس بذلك، وَلَفظ النَّاس للْعُمُوم، فَكَانَ إِجْمَاعًا. وَلَا تضر مُخَالفَة أبي سعيد لذَلِك بقوله: أما أَنا فَلَا أَزَال أخرجه، لِأَنَّهُ لَا يقْدَح فِي الْإِجْمَاع، سِيمَا إِذا كَانَ فِيهِ الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، أَو نقُول: أَرَادَ الزِّيَادَة على قدر الْوَاجِب تَطَوّعا. قَوْله: (من سمراء الشَّام) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَبعدهَا رَاء ممدودة، وَهُوَ الْبر الشَّامي، وينطلق على كل بر. قَوْله:(عدله) ، بِفَتْح الْعين وَكسرهَا، قَالَه الْكرْمَانِي، وَالْأَظْهَر أَنه بِالْكَسْرِ أَي: نَظِيره. وَقَالَ الْأَخْفَش: الْعدْل، بِالْكَسْرِ الْمثل، وبالفتح مصدر عدلته بِهَذَا، وَقَالَ الْفراء، بِالْفَتْح مَا عَادل الشَّيْء من غير جنسه، وبالكسر: الْمثل. قَوْله: (مَدين) ، تَثْنِيَة مدّ، وَهُوَ ربع الصَّاع.
57 -
(بابُ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ)
أَي: هَذَا بَاب قَوْله: (صاعٌ) ، مُبْتَدأ، وَقَوله:(من زبيب) صفته أَي: صَاع كَائِن من زبيب، وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: صَاع من زبيب فِي صَدَقَة الْفطر مجزىء، وَلما كَانَ حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ مُشْتَمِلًا على خَمْسَة أَصْنَاف وضع لكل صنف تَرْجَمَة، غير الأقط تَنْبِيها على جَوَاز التَّخْيِير بَين هَذِه الْأَشْيَاء فِي دفع الصَّدَقَة، وَلم يذكر الأقط كَأَنَّهُ لَا يرَاهُ مجزئا عِنْد وجود غَيره، كَمَا هُوَ مَذْهَب أَحْمد.
8051 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزيدَ العَدَنِيِّ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ قَالَ حدَّثني عِيَاضُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أبي سَرْحٍ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم صَاعا مِنْ طَعَام أوْ صَاعا مِنْ تَمْرٍ أَو صَاعا مِنْ شَعِيرٍ أوْ صَاعا مِنْ زَبِيبٍ فَلَمَّا جاءَ مُعَاوِيَةُ وَجاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ أُرَي مُدَّا مِنْ هاذا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَو صَاعا من زبيب) ، وَعبد الله بن مُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون وبالراء، مر فِي: بَاب الْوضُوء، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حَكِيم، بِفَتْح الْحَاء: الْعَدنِي، بالمهملتين المفتوحتين وبالنون، مَاتَ سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.
قَوْله: (عَن أبي سعيد)، وَقد تقدم من رِوَايَة مَالك بِلَفْظ: إِنَّه سمع أَبَا سعيد. قَوْله: (كُنَّا نعطيها) أَي: صَدَقَة الْفطر. قَوْله: (فِي زمَان النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، هَذَا حكمه حكم الرّفْع لِإِضَافَتِهِ إِلَى زَمَنه صلى الله عليه وسلم، وَفِيه إِشْعَار بِأَنَّهُ، صلى الله عليه وسلم، اطلع على ذَلِك وَقَررهُ لَهُ خُصُوصا فِي هَذِه الصُّورَة الَّتِي كَانَت تُوضَع عِنْده وَتجمع بأَمْره، وَهُوَ الْآمِر بقبضها وتفريقها. قَوْله: (صَاعا من طَعَام)، قَالَ الْخطابِيّ: المُرَاد بِالطَّعَامِ هُنَا: الْحِنْطَة، وَأَنه اسْم خَاص لَهُ، وَيسْتَعْمل فِي الْحِنْطَة عِنْد الْإِطْلَاق حَتَّى إِذا قيل: إذهب إِلَى سوق الطَّعَام، فهم مِنْهُ سوق الْقَمْح، وَإِذا غلب الْعرف نزل اللَّفْظ عَلَيْهِ، ورد عَلَيْهِ ابْن الْمُنْذر: بِأَن هَذَا غلط مِنْهُ، وَذَلِكَ أَن أَبَا سعيد أجمل الطَّعَام ثمَّ فسره، ثمَّ أكد كَلَامه بِمَا رَوَاهُ حَفْص بن ميسرَة عَن زيد عَن عِيَاض على مَا يَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب وَفِيه:(وَكَانَ طعامنا الشّعير وَالزَّبِيب والأقط وَالتَّمْر) . قلت: وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة من طَرِيق فُضَيْل بن غَزوَان عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَ: لم تكن الصَّدَقَة على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا التَّمْر وَالزَّبِيب وَالشعِير وَلم تكن خَاصَّة وَقَالَ ابْن الْمُنْذر أَيْضا: لَا نعلم فِي الْقَمْح خَبرا ثَابتا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يعْتَمد عَلَيْهِ، وَلم يكن الْبر بِالْمَدِينَةِ فِي ذَلِك الْوَقْت إلَاّ الشَّيْء الْيَسِير مِنْهُ، فَلَمَّا كثر فِي زمن الصَّحَابَة رَأَوْا أَن نصف صَاع مِنْهُ يقوم مقَام صَاع من شعير، وهم الْأَئِمَّة، فَغير جَائِز أَن يعدل عَن قَوْلهم إلَاّ إِلَى قَول مثلهم، ثمَّ روى بِإِسْنَادِهِ عَن عُثْمَان وَعلي وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَأمه أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، بأسانيد صَحِيحَة: أَنهم رَأَوْا أَن فِي زَكَاة الْفطر نصف صَاع من قَمح، وَقَالَ بَعضهم: لَكِن حَدِيث أبي سعيد دَال على أَنه لم يُوَافق على ذَلِك، وَكَذَلِكَ ابْن عمر، فَلَا إِجْمَاع فِي الْمَسْأَلَة، خلافًا للطحاوي.
قلت: روى الطَّحَاوِيّ أَحَادِيث كَثِيرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعَن أَصْحَابه من بعده وَعَن تابعيهم من بعدهمْ فِي: أَن صَدَقَة الْفطر من الْحِنْطَة نصف صَاع، وَمِمَّا سوى الْحِنْطَة صَاع، ثمَّ قَالَ: مَا علمنَا أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ولامن التَّابِعين روى عَنهُ خلاف ذَلِك، فَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يُخَالف ذَلِك، إِذْ كَانَ قد صَار إِجْمَاعًا فِي زمن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، إِلَى زمن من ذكرنَا من التَّابِعين، وَكَانَ قد ذكر: النخعيّ ومجاهدا وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحكم ابْن عينة وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، ونهض هَذَا الْقَائِل فَقَالَ: فَلَا إِجْمَاع فِي الْمَسْأَلَة خلافًا للطحاوي، وَسَنَده فِي هَذَا هُوَ أَن أَبَا سعيد وَابْن عمر لم يوافقا على ذَلِك. قلت: أما أَبُو سعيد فَإِنَّهُ لم يكن يعرف فِي الْفطْرَة إلَاّ التَّمْر وَالشعِير والأقط وَالزَّبِيب، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنهُ فِي رِوَايَة: (كُنَّا نخرج على عهد