الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّبِي صلى الله عليه وسلم (قَالَ: لَا يحل بيع بيُوت مَكَّة وَلَا إِجَارَتهَا) ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَلَفظه:(مَكَّة مناخ لَا تبَاع رباعها وَلَا يُؤَاجر بيوتها) . قلت: الأَصْل فِي بَاب الْمُعَارضَة التَّسَاوِي، وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو لَا يُقَاوم حَدِيث أُسَامَة، لِأَن فِي سَنَد حَدِيث عبد الله بن عمر وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن المُهَاجر، ضعفه يحيى وَالنَّسَائِيّ، وَعَن يحيى مرّة: لَا شَيْء، فَحِينَئِذٍ يسْقط حَدِيث عبد الله بن عَمْرو، وَلَئِن سلمنَا الْمُسَاوَاة فَلَا يَكْتَفِي بهَا، بل يكْشف وَجه ذَلِك من طَرِيق النّظر، فَوَجَدنَا أَن مَا يقْضِي بِهِ حَدِيث أُسَامَة أولى وأصوب من حَدِيث عبد الله، بَيَان ذَلِك أَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَغَيره من الْمَسَاجِد وَجَمِيع الْمَوَاضِع الَّتِي لَا تدخل فِي ملك أحد لَا يجوز لأحد أَن يَبْنِي فِيهَا بِنَاء، أَو يحتجر موضعا مِنْهَا، ألَا ترى أَن مَوضِع الْوُقُوف بِعَرَفَة لَا يجوز لأحد أَن يَبْنِي فِيهَا بِنَاء، وَكَذَلِكَ منى لَا يجوز لأحد أَن يَبْنِي فِيهَا دَارا لحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت:(قلت: يَا رَسُول الله أَلا تتَّخذ لَك بمنى بَيْتا تستظل فِيهِ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَة! إِنَّهَا مناخ لمن سبق) أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَأحمد والطَّحَاوِي، وَوجدنَا مَكَّة على خلاف ذَلِك، لِأَنَّهُ قد أُجِيز فِيهَا الْبناء، وَقد قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، يَوْم دخل مَكَّة:(من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن) ، فَهَذَا يذل على أَن مَكَّة مِمَّا يبْنى فِيهَا الدّور، وَمِمَّا يغلق عَلَيْهَا الْأَبْوَاب، فَإِذا كَانَ كَذَلِك يكون صفتهَا صفة الْمَوَاضِع الَّتِي تجْرِي عَلَيْهَا الْأَمْلَاك، وَتَقَع فِيهَا الْمَوَارِيث، فَحِينَئِذٍ يجوز بيع الدّور الَّتِي فِيهَا، وَيجوز إِجَارَتهَا، وَقَالَ ابْن قادمة: أضَاف النَّبِي صلى الله عليه وسلم الدَّار إِلَى أبي سُفْيَان إِضَافَة ملك، يَقُول: من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن، وَلِأَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَت لَهُم دور بِمَكَّة: دَار لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وللزبير وَحَكِيم بن حزَام وَغَيرهم مِمَّا يكثر تعدادهم، فبعضٌ بيعَ وبعضٌ فِي يَد أَعْقَابهم إِلَى الْيَوْم، وَأَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، اشْترى من صَفْوَان بن أُميَّة دَارا بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم، وَاشْترى مُعَاوِيَة من حَكِيم بن حزَام دارين بِمَكَّة: إِحْدَاهمَا بستين ألف دِرْهَم، وَالْأُخْرَى بِأَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم، وَهَذِه قصَص اشتهرت فَلم تنكر، فَصَارَت إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّهَا أَرض حَيَّة لم ترد عَلَيْهَا صَدَقَة مُحرمَة، فَجَاز بيعهَا كَسَائِر الْأَرَاضِي، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: فَإِن احْتج مُحْتَج فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى: {إِن الَّذين كفرُوا ويصدون عَن سَبِيل الله وَالْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي جَعَلْنَاهُ للنَّاس سَوَاء العاكف فِيهِ والبادي} (الْحَج: 52) . قيل لَهُ: قد رُوِيَ فِي تَأْوِيل هَذَا عَن الْمُتَقَدِّمين مَا حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن عبد الله بن مُسلم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ:{سَوَاء العاكف فِيهِ والبادي} قَالَ: خلق الله فِيهِ سَوَاء، فَثَبت بذلك أَنه إِنَّمَا قصد بذلك إِلَى الْبَيْت أَو إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام لَا إِلَى سَائِر مَكَّة، فَإِذا كَانَ كَذَلِك لَا يتساوى النَّاس فِي غير الْمَسْجِد الْحَرَام، لِأَن بَعضهم يكونُونَ ملاكا وَبَعْضهمْ يكونُونَ سكانا، فالمالك يجوز لَهُ بيع ملكه وإجارته وَنَحْوهمَا، ويخدش هَذَا مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا، قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ الْحرم كُله مَسْجِدا سَوَاء العاكف فِيهِ والبادي، وروى الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يَا أهل مَكَّة لَا تَتَّخِذُوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حَيْثُ شَاءَ، وروى عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن عمر نهى أهل مَكَّة أَن يغلقوا أَبْوَاب دُورهمْ دون الْحَاج، وروى ابْن أبي نجيح عَن عبيد الله بن عمر، قَالَ: من أكل كِرَاء بيُوت أهل مَكَّة، فَإِنَّمَا يَأْكُل نَارا فِي بَطْنه.
وَفِيه من الْفَوَائِد: أَن فِيهِ: دَلِيلا على بَقَاء دور مَكَّة لأربابها، وَفِيه: دَلِيل على أَن الْمُسلم لَا يَرث الْكَافِر، وفقهاء الْأَمْصَار على ذَلِك إلَاّ مَا حُكيَ عَن مُعَاوِيَة ومعاذ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَإِسْحَاق: أَن الْمُسلم يَرث الْكَافِر، وَأَجْمعُوا على أَن الْكَافِر لَا يَرث الْمُسلم.
54 -
(بابُ نُزُولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نزُول النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي مَكَّة، وَمرَاده بَيَان مَوضِع نُزُوله صلى الله عليه وسلم.
9851 -
حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني أبُو سَلَمَةَ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِينَ أرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ مَنْزِلُنَا غَدا إنْ شَاءَ الله تَعَالَى بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (منزلنا غَدا) إِلَى آخِره.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْهِجْرَة عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله، وَفِي الْمَغَازِي عَن مُوسَى
بن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
قَوْله: (حِين أَرَادَ قدوم مَكَّة)، يَعْنِي: حِين رُجُوعه من منى وتوجهه إِلَى الْبَيْت. قَوْله: (منزلنا) مَرْفُوع على الِابْتِدَاء. (وَغدا) نصب على الظّرْف. و (إِن شَاءَ الله) كَلَام معترض بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره، ذكره للتبرك والامتثال لقَوْله تَعَالَى:{وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا. .} (الْكَهْف: 32) . الْآيَة. قَوْله: (بخيف بني كنَانَة) أَي: فِي خيف، وَهُوَ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره فَاء، وَهُوَ مَا انحدر من الْجَبَل وارتفع عَن المسيل، و: كنَانَة، بِكَسْر الْكَاف وَتَخْفِيف النُّون الأولى. قَوْله:(حَيْثُ تقاسموا) أَي: تحالفوا على الْكفْر. قَالَ النَّوَوِيّ: معنى تقاسمهم على الْكفْر تحالفهم على إِخْرَاج النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَبني هَاشم وَالْمطلب من مَكَّة إِلَى هَذَا الشّعب، وَهُوَ خيف بني كنَانَة، وَكَتَبُوا بَينهم الصَّحِيفَة الْمَشْهُورَة فِيهَا أَنْوَاع من الْبَاطِل، فَأرْسل الله عَلَيْهَا الأرضة فَأكلت مَا فِيهَا من الْكفْر وَتركت مَا فِيهَا من ذكر الله تَعَالَى، فَأخْبر جِبْرِيل النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، بذلك فَأخْبر بِهِ عَمه أَبَا طَالب، فَأخْبرهُم عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، بذلك فوجدوه كَمَا قَالَه، والقصة مَشْهُورَة، نوضحها بِأَكْثَرَ من ذَلِك عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
0951 -
حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ قَالَ حدَّثنا الوَلِيدُ قَالَ حَدثنَا الأوْزَاعِيُّ قَالَ حدَّثني الزُّهرِيُّ عنْ أبِي سَلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ وهْوَ بِمِنًى نَحْنُ نازُلُونَ غَدا بِخَيْفِ بَني كِنَانَةَ حَيْثَ تَقاسَمُوا عَلى الكُفْرِ يَعْني ذالِكَ المُحَصَّبَ وذالِكَ أنَّ قُرَيْشا وكِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وبَنِي عَبْدِ المُطَّلِبُ أوْ بَنِي المُطَّلِّبِ أنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمِوا إلَيْهِمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم..
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ عَن عبد الله بن الزبير الْحميدِي الْمَكِّيّ عَن الْوَلِيد بن مُسلم الْقرشِي الْأمَوِي الدِّمَشْقِي عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: (من الْغَد) أَصله: من الغدو، فحذفوا اللَّام وَهُوَ أول النَّهَار، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الغدوة، بِضَم الْغَيْن: مَا بَين الصُّبْح وطلوع الشَّمْس. قَوْله: (يَوْم النَّحْر) ، نصب على الظّرْف، أَي: قَالَ: فِي غَدَاة يَوْم النَّحْر. قَوْله: (وَهُوَ بمنى)، جملَة إسمية وَقعت حَالا. قَوْله:(نَحن نازلون)، مقول قَوْله: قَالَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(يَعْنِي ذَلِك المحصب) ، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره:(يَعْنِي بذلك المحصب) . وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: النُّزُول فِي المحصب هُوَ فِي الْيَوْم الثَّالِث عشر من ذِي الْحجَّة لَا فِي الْيَوْم الثَّانِي من الْعِيد الَّذِي هُوَ الْغَد حَقِيقَة؟ قلت: تجوز عَن الزَّمَان الْمُسْتَقْبل الْقَرِيب بِلَفْظ الْغَد، كَمَا يتجوز بالْأَمْس عَن الْمَاضِي. قَوْله:(وَذَلِكَ أَن قُريْشًا وكنانة) ، عطف على قُرَيْش مَعَ أَن قُريْشًا هم أَوْلَاد النَّضر بن كنَانَة، فَيكون من بَاب التَّعْمِيم بعد التَّخْصِيص، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بكنانة غير قُرَيْش، فقريش قسيم لَهُ لَا قسم مِنْهُ قيل: لم يعقب النَّضر غير مَالك، وَلَا مَالك غير فهر، فقريش ولد النَّضر بن كنَانَة، وَأما كنَانَة فأعقب من غير النَّضر، فَلهَذَا وَقعت الْمُغَايرَة. قَوْله:(أَو بني الْمطلب) كَذَا وَقع عِنْده بِالشَّكِّ، وَوَقع عِنْد الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أُخْرَى عَن الْوَلِيد. (وَبني الْمطلب) بِغَيْر شكّ. وَقَالَ الدَّاودِيّ قَوْله:(بني عبد الْمطلب) . وهم قَوْله: (تحالفت) كَانَ الْقيَاس فِيهِ: تحالفوا، وَلَكِن أفرده بِصِيغَة الْمُفْرد الْمُؤَنَّث بِاعْتِبَار الْجَمَاعَة. قَوْله:(أَن لَا يناكحوهم)، يَعْنِي: لَا يَقع بَينهم عقد نِكَاح بِأَن لَا يتَزَوَّج قُرَيْش وكنانة امْرَأَة من بني هَاشم وَبني عبد الْمطلب، وَلَا يزوجوا امْرَأَة مِنْهُم إيَّاهُم، وَكَذَلِكَ الْمَعْنى فِي قَوْله:(وَلَا يبايعوهم) ، بِأَن لَا يبيعوا لَهُم وَلَا يشتروا مِنْهُم، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن مُصعب عَن الْأَوْزَاعِيّ عِنْد أَحْمد:(أَن لَا يناكحوهم وَلَا يخالطوهم) . وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (وَلَا يكون بَينهم وَبينهمْ شَيْء)، وَهَذَا أَعم. قَوْله:(حَتَّى يسلمُوا)، بِضَم الْيَاء. وَكَانَت هَذِه الْقِصَّة فِيمَا ذكر فِي (الطَّبَقَات) : لما بلغ قُريْشًا فعل النَّجَاشِيّ بِجَعْفَر وَأَصْحَابه، وإكرامه لَهُم، كبر ذَلِك عَلَيْهِم جدا وغضبوا وَأَجْمعُوا على قتل سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَكَتَبُوا كتابا على بني هَاشم أَن لَا يناكحوهم وَلَا يبايعوهم وَلَا يخالطوهم، وَكَانَ الَّذِي كتب الصَّحِيفَة مَنْصُور بن عِكْرِمَة الْعَبدَرِي فشُلَّت يَده، وَفِي الْأَنْسَاب للزبير بن أبي بكر، اسْمه: بغيض بن عَامر بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: هُوَ