الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هم لغيره، أَو أَن الحَدِيث ذكر فِي هَذَا الْبَاب لمناسبة الحَدِيث الأول فِي كَون الْإِنْفَاق على الْيَتِيم فَقَط، وَالْبُخَارِيّ كثيرا يعْمل من ذَلِك، هَكَذَا ذكره الْكرْمَانِي، وَالْوَجْه الثَّانِي هُوَ الْأَوْجه.
ذكر رِجَاله: وهم: سِتَّة: الأول: عُثْمَان بن أبي شيبَة، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة، واسْمه إِبْرَاهِيم أَبُو الْحسن الْعَبْسِي أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة، مَاتَ فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عَبدة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن سُلَيْمَان الْكلابِي. الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة. الرَّابِع: أَبوهُ عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. الْخَامِس: زَيْنَب بنت أم سَلمَة، وَهِي بنت أبي سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي، وَكَانَ اسْمهَا برة فسماها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زَيْنَب: سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم عِنْد البُخَارِيّ. السَّادِس: أم سَلمَة، وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة، زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النَّفَقَات عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي كريب وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعبد بن حميد.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه كوفيان وَهِشَام وَأَبوهُ مدنيان. وَفِيه: رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ وهما هِشَام وَأَبوهُ. وَفِيه: رِوَايَة صحابية عَن صحابية وهما زَيْنَب وَأمّهَا أم سَلمَة. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الاب. وَقد مضى فقهه فِي بَاب الزَّكَاة على الْأَقَارِب.
قَوْلهَا: (أَلِي أجر)، الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. قَوْله:(على بني أبي سَلمَة) كَانُوا أبناءها من أبي سَلمَة الزَّوْج الَّذِي كَانَ قبل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: عمر وَمُحَمّد وَزَيْنَب ودرة. قَوْلهَا: (إِنَّمَا هم بني) أَصله بنُون، فَلَمَّا أضيف إِلَى يَاء المتكلمة سَقَطت نون الْجمع فَصَارَ بنوى، فاجتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فأدغمت الْوَاو فِي الْيَاء فَصَارَ: بني، بِضَم النُّون وَتَشْديد الْيَاء، ثمَّ أبدلت من ضمة النُّون كسرة لأجل الْيَاء، فَصَارَ بني، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
94 -
(بابُ قَولِ الله تعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله} (التَّوْبَة:
06)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان المُرَاد من قَول الله تَعَالَى: {وَفِي الرّقاب} (التَّوْبَة: 06) . وَكَذَا من قَوْله: {وَفِي سَبِيل الله} (التَّوْبَة: 06) . وهما من آيَة الصَّدقَات، وَهِي قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين. .} (التَّوْبَة: 06) . الْآيَة، اقتطعهما مِنْهَا للاحتياج إِلَيْهِمَا فِي جملَة مصارف الزَّكَاة، وَهِي ثَمَانِيَة، من جُمْلَتهَا: الرّقاب، وَهُوَ جمع: رَقَبَة، وَالْمرَاد: المكاتبون يعانون من الزَّكَاة فِي فك رقابهم، وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء، مِنْهُم سعيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالزهْرِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث، وَهُوَ رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَابْن نَافِع عَن اللَّيْث، وَفِي (الْمُغنِي) : وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد، وَقَالَ ابْن تَيْمِية: إِن كَانَ مَعَه وَفَاء لكتابته لم يُعْط لأجل فقره لِأَنَّهُ عبد، وَإِن لم يكن مَعَه شَيْء أعطي الْجَمِيع، وَإِن كَانَ مَعَه بعضه تمم، سَوَاء كَانَ قبل حُلُول النَّجْم أَو بعده كَيْلا يحل النَّجْم وَلَيْسَ مَعَه شَيْء فتفسخ الْكِتَابَة، وَيجوز دَفعهَا إِلَى سَيّده. وَعند الشَّافِعِيَّة: إِن لم يحل عَلَيْهِ نجم فَفِي صرفه إِلَيْهِ وَجْهَان، وَإِن دَفعه إِلَيْهِ فَأعْتقهُ الْمولى أَو أَبرَأَهُ من بدل الْكِتَابَة أَو عجر نَفسه وَالْمَال فِي يَد الْمكَاتب رَجَعَ فِيهِ. قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ الْمَذْهَب. قَوْله: {فِي سَبِيل الله} (التَّوْبَة: 06) . وَهُوَ مُنْقَطع الْغُزَاة عِنْد أبي يُوسُف، ومنقطع الْحَاج عِنْد مُحَمَّد، وَفِي (الْمَبْسُوط) : وَفِي سَبِيل الله فُقَرَاء الْغُزَاة عِنْد أبي يُوسُف، وَعند مُحَمَّد: فُقَرَاء الْحَاج. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَفِي (الْأَشْرَاف) قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد: فِي سَبِيل الله هُوَ الْغَازِي غير الْغَنِيّ، وَحكى أَبُو ثَوْر عَن أبي حنيفَة أَنه الْغَازِي دون الْحَاج، وَذكر ابْن بطال أَنه قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ، وَمثله النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) . وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَأما قَول أبي حنيفَة: لَا يُعطى الْغَازِي من الزَّكَاة إلَاّ أَن يكون مُحْتَاجا، فَهُوَ خلاف ظَاهر للْكتاب وَالسّنة، فَأَما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى:{وَفِي سَبِيل الله} (التَّوْبَة: 06) . وَأما السّنة فروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ إلَاّ لخمسة: لعامل عَلَيْهَا، أَو لغاز فِي سَبِيل الله، أَو غَنِي اشْتَرَاهَا بِمَالِه، أَو فَقير تصدق عَلَيْهِ فأهدى لَغَنِيّ إو غَارِم) . وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُرْسلا فَإِن قلت: مَا أحسن الْأَدَب سِيمَا مَعَ الأكابر، وَأَبُو حنيفَة لم يُخَالف الْكتاب وَلَا السّنة، وَإِنَّمَا عمل بِالسنةِ فِيمَا ذهب إِلَيْهِ، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم: (لَا تحل
الصَّدَقَة لَغَنِيّ) ، وَقَالَ: المُرَاد من قَوْله: (لغاز فِي سَبِيل الله) ، هُوَ الْغَازِي الْغَنِيّ بِقُوَّة الْبدن، وَالْقُدْرَة على الْكسْب لَا الْغَنِيّ بالنصاب الشَّرْعِيّ، بِدَلِيل حَدِيث معَاذ: وردهَا إِلَى فقرائهم.
وَيُذْكَرُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مالِهِ ويُعْطِي فِي الحَجِّ
علق هَذَا عَن ابْن عَبَّاس ليشير أَن شِرَاء العَبْد وعتقه من مَال الزَّكَاة جَائِز، وَهُوَ مُطَابق للجزء الأول من التَّرْجَمَة، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو بكر فِي (مُصَنفه) : عَن أبي جَعْفَر عَن الْأَعْمَش عَن حسان عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يعْطى الرجل من زَكَاته فِي الْحَج، وَأَن يعْتق النَّسمَة مِنْهَا. وَفِي (كتاب الْعِلَل) لعبد الله بن أَحْمد عَن أَبِيه: حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش حَدثنَا الْأَعْمَش عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، قَالَ ابْن عَبَّاس: أعتق من زكاتك، وَفِي رِوَايَة أبي عبيد: أعتق من زَكَاة مَالك. وَقَالَ الْمَيْمُونِيّ: قيل لأبي عبد الله: يشترى الرجل من زَكَاة مَاله الرّقاب فَيعتق وَيجْعَل فِي ابْن السَّبِيل؟ قَالَ: نعم، ابْن عَبَّاس يَقُول ذَلِك، وَلَا أعلم شَيْئا يَدْفَعهُ، وَهُوَ ظَاهر الْكتاب. قَالَ الْخلال فِي (علله) : هَذَا قَوْله الأول، وَالْعَمَل على مَا بَينه الْجَمَاعَة فِي ضعف الحَدِيث. أخبرنَا أَحْمد بن هَاشم الْأَنْطَاكِي، قَالَ: قَالَ أَحْمد: كنت أرى أَن يعْتق من الزَّكَاة، ثمَّ كَفَفْت عَن ذَلِك لِأَنِّي لم أر إِسْنَادًا يَصح. قَالَ حَرْب: فاحتج عَلَيْهِ بِحَدِيث ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: هُوَ مُضْطَرب. انْتهى. وَبقول ابْن عَبَّاس فِي عتق الرَّقَبَة من الزَّكَاة قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَعبد الله بن الْحسن الْعَنْبَري وَمَالك وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر. وَفِي (الْجَوَاهِر) للمالكية: يَشْتَرِي بهَا الإِمَام الرّقاب فيعقتها عَن الْمُسلمين وَالْوَلَاء لجميعهم. وَقَالَ ابْن وهب: هُوَ فِي فكاك المكاتبين، وَوَافَقَ الْجَمَاعَة، وَلَو اشْترى بِزَكَاتِهِ رَقَبَة فَأعْتقهَا ليَكُون ولاؤها لَهُ لَا يجْزِيه عِنْد ابْن الْقَاسِم، خلافًا لأَشْهَب، وَلَا يَجْزِي فك الْأَسير بهَا عِنْد ابْن الْقَاسِم خلافًا لِابْنِ حبيب، وَلَا يدْفع عِنْد مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ إِلَى مكَاتب وَلَا إِلَى عبد مُوسِرًا كَانَ سَيّده أَو مُعسرا، وَلَا من الْكَفَّارَات. وَجه قَول الْجُمْهُور مَا رَوَاهُ الْبَراء بن عَازِب:(أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: دلَّنِي على عمل يقربنِي من الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي من النَّار، فَقَالَ: أعتق النَّسمَة، وَفك الرَّقَبَة، قَالَ: يَا رَسُول الله أوليسا وَاحِدًا، قَالَ: لَا، عتق النَّسمَة أَن تنفرد بِعتْقِهَا، وَفك الرَّقَبَة: أَن تعين فِي ثمنهَا) . رَوَاهُ أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَقَالَ الحسَنُ إنِ اشْتَرَى أباهُ مِنَ الزَّكَاةِ جازَ وَيُعْطِي فِي المُجَاهِدِينَ وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ تَلا إنَّما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ الآيةَ فِي أيِّهَا أعْطَيْتَ أجْزَأتْ
مطابقته فِي الْجُزْء الْأَخير من التَّرْجَمَة، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، هَذَا التَّعْلِيق روى بعضه أَبُو بكر بن أبي شيبَة عَن حَفْص عَن أَشْعَث بن سوار، قَالَ: سُئِلَ الْحسن عَن رجل اشْترى أَبَاهُ من الزَّكَاة فَأعْتقهُ. قَالَ: اشْترى خير الرّقاب. قَوْله: (فِي أَيهَا) أَي: فِي مصرف من المصارف الثَّمَانِية أَعْطَيْت (أجزت) كَذَا فِي الأَصْل بِغَيْر همز أَي: قَضَت. قَالَ الْكرْمَانِي: أَعْطَيْت، بِلَفْظ الْمَعْرُوف والمجهول، وَكَذَلِكَ: أَجْزَأت، من الْإِجْزَاء، وَذكر ابْن التِّين بِلَفْظ: أجزت، بِدُونِ الْهمزَة، وَقَالَ: مَعْنَاهُ قَضَت عَنهُ وَقيل: جزأ وأجزأ بِمَعْنى، أَي: قضى. وَمن قَول الْحسن يعلم أَن اللَّام فِي قَوْله: (للْفُقَرَاء) لبَيَان الْمصرف لَا للتَّمْلِيك. فَلَو صرف الزَّكَاة فِي صنف وَاحِد كفى.
وَقَالَ النبيُ صلى الله عليه وسلم إنَّ خالِدا احْتَبَسَ أدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ الله
هَذَا التَّعْلِيق يَأْتِي فِي هَذَا الْبَاب مَوْصُولا، والإدراع جمع: درع، ويروى: أدرعه.
وَيُذْكَرُ عنْ أبِي لَاسٍ حَمَلَنَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ
أَبُو لاس، بِالسِّين الْمُهْملَة: خزاعي، وَقيل: حارثي يعد فِي الْمَدَنِيين، اخْتلف فِي اسْمه فَقيل: زِيَاد، وَقيل: عبد الله بن عتمة، بِعَين مُهْملَة مَفْتُوحَة بعْدهَا نون مَفْتُوحَة، وَقيل: مُحَمَّد بن الْأسود، وَله حديثان أَحدهمَا هَذَا، وَلَيْسَ لَهُم أَبُو لاس غَيره، وَهُوَ فَرد. وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن عبيد بن غَنَّام: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَحدثنَا أَبُو خَليفَة حَدثنَا ابْن الْمَدِينِيّ حَدثنَا
مُحَمَّد بن عبيد الطنافسي، حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث عَن عمر بن الحكم بن ثَوْبَان عَن أبي لاس، قَالَ:(حملنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصَّدَقَة ضِعَاف لِلْحَجِّ، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله مَا نرى أَن تحملنا هَذِه! فَقَالَ: مَا من بعير إلَاّ وَفِي ذروته شَيْطَان، فَإِذا ركبتموها فاذكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم كَمَا أَمركُم الله ثمَّ امتهنوها لأنفسكم، فَإِنَّمَا يحمل الله) ، وَأخرجه أَحْمد أَيْضا وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَغَيرهم وَرِجَاله ثِقَات، إلَاّ أَن فِيهِ عنعنة ابْن إِسْحَاق، وَلِهَذَا توقف ابْن الْمُنْذر فِي ثُبُوته.
8641 -
حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ حدَّثنا أبُو الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. قَالَ أمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالصَّدَقَةِ فَقِيلَ منَعَ ابنُ جَميلٍ وخالِدُ بنُ الوَلِيدِ وعَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَا يَنْقِمُ ابنُ جَمِيلٍ ألَاّ أنَّهُ كانَ فَقِيرا فأغْنَاهُ الله ورسولُهُ وأمَّا خالِدٌ فإنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خالِدا قَدِ احْتَبَسَ أدْرَاعَهُ وَأعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ الله وأمَّا العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَعَمُّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَهْيَ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا معَهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وأعبده فِي سَبِيل الله) . وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد قد مضوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق عَليّ بن عَيَّاش: عَن شُعَيْب مِمَّا حَدثهُ عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج مِمَّا ذكر أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَذكره، صرح بِالْحَدِيثِ فِي الْإِسْنَاد وَزَاد فِيهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالْمَحْفُوظ أَنه من مُسْند أبي هُرَيْرَة، وَإِنَّمَا جرى لعمر فِيهِ ذكر فَقَط.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالصَّدَقَةِ) أَي: بِالصَّدَقَةِ الْوَاجِبَة، يَعْنِي: الزَّكَاة لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَة بانصراف الْألف وَاللَّام إِلَيْهَا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْجُمْهُور صَارُوا إِلَى أَن الصَّدَقَة هِيَ الْوَاجِبَة، لَكِن يلْزم على هَذَا استبعاد هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين لَهَا، وَلذَلِك قَالَ بعض الْعلمَاء: كَانَت صَدَقَة التَّطَوُّع، وَقد روى عبد الرَّزَّاق هَذَا الحَدِيث. وَفِيه:(أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ندب النَّاس إِلَى الصَّدَقَة) الحَدِيث، وَقَالَ ابْن الْقصار: وَهَذَا أليق بالقصة لأَنا لَا نظن بأحدهم منع الْوَاجِب. قَوْله: (فَقيل: منع ابْن جميل) الْقَائِل هُوَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد عِنْد أبي عبيد، فَقَالَ بعض من يلمز أَي: يعيب وَابْن جميل بِفَتْح الْجِيم، ذكره الذَّهَبِيّ فِيمَن عرف بِابْنِهِ وَلم يسم، قيل: وَقع فِي تَعْلِيق القَاضِي حُسَيْن الْمروزِي الشَّافِعِي وَتَبعهُ الرَّوْيَانِيّ أَن اسْمه: عبد الله، وَوَقع فِي (التَّوْضِيح) أَن ابْن بزيزة سَمَّاهُ حميدا، وَلَيْسَ بمذكور فِي كِتَابه، وَقيل: وَقع فِي رِوَايَة ابْن جريج: أَبُو جهم ابْن حُذَيْفَة، بدل ابْن جميل وَهُوَ خطأ لإطباق الْجَمِيع على ابْن جميل لِأَنَّهُ أَنْصَارِي، وَأَبُو جهم قرشي. قَوْله:(وخَالِد بن الْوَلِيد) بِالرَّفْع عطف على: منع ابْن جميل، (وعباس بن عبد الْمطلب) عطف عَلَيْهِ، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي عبيد:(منع ابْن جميل وخَالِد وعباس أَن يُعْطوا) ، وَهُوَ مُقَدّر هَهُنَا، لِأَن: منع، يَسْتَدْعِي مَفْعُولا. وَقَوله:(أَن يُعْطوا) فِي مَحل النصب على المفعولية، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير: منع هَؤُلَاءِ الْإِعْطَاء. قَوْله: (فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَيَان لوجه امْتنَاع هَؤُلَاءِ عَن الْإِعْطَاء فَلذَلِك ذكره بِالْفَاءِ. قَوْله: (مَا ينقم) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتحهَا، أَي: مَا يُنكر أَي: لَا يَنْبَغِي أَن يمْنَع الزَّكَاة، وَقد كَانَ فَقِيرا فأغناه الله إِذْ لَيْسَ هَذَا جَزَاء النِّعْمَة قَالَ ابْن الْمُهلب: كَانَ ابْن جميل منافقا فَمنع الزَّكَاة فاستتابه الله تَعَالَى بقوله: {وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله فَإِن يتوبوا يَك خيرا لَهُم} (التَّوْبَة: 47) . فَقَالَ: استتابني رَبِّي، فَتَابَ وصلحت حَاله، انْتهى. وَفِيه تَأْكِيد الْمَدْح بِمَا يشبه الذَّم لِأَنَّهُ إِذا لم يكن لَهُ عذر إلَاّ مَا ذكر من أَن الله أغناه فَلَا عذر لَهُ. قَوْله:(وَأما خَالِد) إِلَى آخِره، قَالَ الْخطابِيّ: قصَّة خَالِد تؤول على وُجُوه: أَحدهَا: أَنه قد اعتذر لخَالِد ودافع عَنهُ بِأَنَّهُ احْتبسَ فِي سَبِيل الله تقربا إِلَيْهِ، وَذَلِكَ غير وَاجِب عَلَيْهِ، فَكيف يجوز عَلَيْهِ منع الْوَاجِب؟ وَثَانِيها: أَن خَالِدا طُولِبَ بِالزَّكَاةِ عَن أَثمَان الأدرع، على معنى أَنَّهَا كَانَت عِنْده للتِّجَارَة، فَأخْبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه لَا زَكَاة عَلَيْهِ فِيهَا إِذْ جعلهَا حبسا فِي سَبِيل الله. وَثَالِثهَا: أَنه قد أجَاز لَهُ أَن يحْتَسب بِمَا حَبسه فِي سَبِيل الله من
الصَّدَقَة الَّتِي أَمر بقبضها مِنْهُ، وَذَلِكَ لِأَن أحد الْأَصْنَاف: سَبِيل الله، وهم المجاهدون، فصرفها فِي الْحَال كصرفها فِي الْمَآل. قَوْله:(قد احْتبسَ) أَي: حبس (أدراعه)، جمع: درع. قَوْله: (وأعبده)، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: جمع عبد، حَكَاهُ عِيَاض، وَالْمَشْهُور: أعتده، بِضَم التَّاء المثناء من فَوق، جمع: عتد، بِفتْحَتَيْنِ. وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: أعتاده، وَهُوَ أَيْضا جمع: عتد. قيل: هُوَ مَا يعده الرجل من الدَّوَابّ وَالسِّلَاح، وَقيل: الْخَيل خَاصَّة، يُقَال: فرس عتيد، أَي: صلب أَو معد للرُّكُوب أَو سريع الْوُثُوب. قَوْله: (وَأما الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب) فَأخْبر عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه عَمه، وَعم الرجل صنو أَبِيه، وَعَن الحكم بن عتيبة: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعث عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مُصدقا، فَشَكَاهُ الْعَبَّاس إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا ابْن الْخطاب! أما علمت أَن عَم الرجل صنو الْأَب؟ وَأَنا استسلفنا زَكَاته عَام الأول؟ وَمعنى: صنو أَبِيه: أَصله وأصل أَبِيه وَاحِد، وأصل ذَلِك أَن طلع النخلات من عرق وَاحِد. قَوْله:(فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَة)، مَعْنَاهُ: هِيَ صَدَقَة ثَابِتَة عَلَيْهِ سيتصدق بهَا وَمثلهَا مَعهَا، أَي: وَيتَصَدَّق مثل هَذِه الصَّدَقَة مَعهَا كرما مِنْهُ، إِ لَا امْتنَاع مِنْهُ وَلَا بخل فِيهِ، وَقيل: مَعْنَاهُ فأمواله هِيَ كالصدقة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَدَانَ فِي مفاداة نَفسه، وَعقيل، فَصَارَ من الغارمين الَّذين لَا تلزمهم الزَّكَاة، وَقيل: إِن الْقِصَّة جرت فِي صَدَقَة التَّطَوُّع فَلَا إِشْكَال عَلَيْهِ، لكنه خلاف الْمَشْهُور وَمَا عَلَيْهِ الرِّوَايَات.
ثمَّ إعلم أَن لَفْظَة الصَّدَقَة إِنَّمَا وَقعت فِي رِوَايَة شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد كَمَا مرت. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ، فِي رِوَايَة شُعَيْب هَذِه: يبعد أَن تكون مَحْفُوظَة لِأَن الْعَبَّاس كَانَ من صلبية بني هَاشم مِمَّن تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة، فَكيف يَجْعَل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا عَلَيْهِ من صَدَقَة عَاميْنِ صَدَقَة عَلَيْهِ؟ وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: لَعَلَّ ذَلِك قبل تَحْرِيم الصَّدَقَة على آل النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فَرَأى إِسْقَاط الزَّكَاة عَنهُ عَاميْنِ لوجه رَآهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذِه لَفْظَة لم يُتَابع عَلَيْهَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، ورد عَلَيْهِ بِأَن اثْنَيْنِ تَابعا شعيبا: أَحدهمَا: عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، كَمَا سَيَأْتِي عَن قريب، وَالْآخر: مُوسَى بن عقبَة، فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن عمرَان: حَدثنَا عَليّ ابْن عَيَّاش عَن شُعَيْب. . وَسَاقه بِلَفْظ البُخَارِيّ، قَالَ: وَأَخْبرنِي أَحْمد بن حَفْص حَدثنِي أبي حَدثنِي إِبْرَاهِيم عَن مُوسَى أَخْبرنِي أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: أَمر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بِصَدقَة) الحَدِيث، وَفِي آخِره:(فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَة وَمثلهَا مَعهَا) .
وَاعْلَم أَيْضا أَنه وَقع اخْتِلَاف فِي هَذَا اللَّفْظ، فَفِي لفظ وَقع: مثلهَا، فِي متن حَدِيث الْبَاب، وَفِي لفظ:(فَهِيَ لَهُ وَمثلهَا مَعهَا)، وَفِي لفظ:(فَهِيَ عَليّ وَمثلهَا مَعهَا)، وَفِي لفظ:(فَهِيَ عَلَيْهِ وَمثلهَا مَعهَا) . أما معنى الَّذِي فِي متن حَدِيث الْبَاب أَي: (فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَة) وَاجِبَة فأداها قبلمحلها (وَمثلهَا مَعهَا) : أَي: قد أَدَّاهَا لعام آخر، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن الحكم آنِفا. وَأما معنى:(فَهِيَ لَهُ وَمثلهَا مَعهَا) ، وَهِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة، أَي: فَهِيَ عَلَيْهِ، قيل: عَلَيْهِ وَله بِمَعْنى وَاحِد، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَلَهُم اللَّعْنَة} (غَافِر: 25) . وَفِي قَوْله: {وَإِن أسأتم فلهَا} (الْإِسْرَاء: 7) . وَيحْتَمل أَن يكون: فَهِيَ لَهُ، أَي فَهِيَ لَهُ عَليّ، وَيحْتَمل أَنَّهَا كَانَت لَهُ عَلَيْهِ إِذا كَانَ قدمهَا. وَأما معنى قَوْله:(فَهِيَ عَليّ وَمثلهَا مَعهَا)، أَي: فَهَذِهِ الصَّدَقَة عَليّ بِمَعْنى: أؤديها عَنهُ لما لَهُ عَليّ من الْحق، خُصُوصا لَهُ، وَلِهَذَا قَالَ: عَم الرجل صنو أَبِيه، وَأما معنى:(فَهِيَ عَلَيْهِ وَمثلهَا مَعهَا) ، وَهِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، قَالَ أَبُو عبيد: نرَاهُ، وَالله أعلم، أَنه كَانَ أخر الصَّدَقَة عَنهُ عَاميْنِ من أجل حَاجَة الْعَبَّاس فَإِنَّهُ يجوز للْإِمَام أَن يؤخرها على وَجه النظرة ثمَّ يَأْخُذهَا مِنْهُ بعد، كَمَا فعل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِصَدقَة عَام الرَّمَادَة، فَلَمَّا أجبى النَّاس فِي الْعَام الْمقبل أَخذ مِنْهُم صَدَقَة عَاميْنِ. وَقيل: إِنَّمَا تعجل مِنْهُ لِأَنَّهُ أوجبهَا عَلَيْهِ وضمنها إِيَّاه وَلم يقبضهَا مِنْهُ، فَكَانَت دينا على الْعَبَّاس. ألَا ترى قَوْله:(فَإِنَّهَا عَلَيْهِ وَمثلهَا مَعَه؟) قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: قَالَ لنا ابْن نَاصِر: يجوز أَن يكون قد قَالَ: هُوَ عَلَيْهِ، بتَشْديد الْيَاء، وَزَاد فِيهَا هَاء السكت.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: إِثْبَات الزَّكَاة فِي أَمْوَال التِّجَارَة. وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز أَخذ الْقيمَة عَن أَعْيَان الْأَمْوَال. وَفِيه: جَوَاز وضع الصَّدَقَة فِي صنف وَاحِد. وَفِيه: جَوَاز تَأْخِير الزَّكَاة إِذا رأى الإِمَام فِيهِ نظرة. وَفِيه: جَوَاز تَعْجِيل الزَّكَاة. وَقَالَ أَبُو عَليّ الطوسي: اخْتلف أهل الْعلم فِي تَعْجِيل الزَّكَاة قبل محلهَا، فَرَأى طَائِفَة من أهل الْعلم أَن لَا يعجلها، وَبِه يَقُول سُفْيَان، وَقَالَ أَكثر أهل الْعلم: إِن عجلها قبل محلهَا أَجْزَأت عَنهُ، وَبِه يَقُول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَكره مَالك وَاللَّيْث بن سعد تَعْجِيلهَا قبل وَقتهَا، وَقَالَ الْحسن: من زكى قبل الْوَقْت أعَاد، كَالصَّلَاةِ. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَعند مَالك فِي إخْرَاجهَا قبل الْحول بِيَسِير قَولَانِ، وحدَّ الْقَلِيل بِشَهْر وَنصف شهر وَخَمْسَة أَيَّام وَثَلَاثَة. وَفِيه: تحبيس آلَات الْحَرْب وَالثيَاب وكل مَا ينْتَفع بِهِ مَعَ بَقَاء عينه وَالْخَيْل وَالْإِبِل كالأعبد، وَفِي تحبيس غير الْعقار