الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَعْتَقِدُونَ أَنهم يَتَقَرَّبُون بِمثلِهِ إِلَى الله تَعَالَى. قَوْله: (وبشيء غير ذَلِك) كَأَن الرَّاوِي لم يضْبط مَا كَانَ مربوطا بِهِ، فلأجل ذَلِك شكّ فِيهِ، وَغير السّير وَالْخَيْط نَحْو المنديل الَّذِي يرْبط بِهِ أَو الْوتر أَو غَيرهمَا. قَوْله:(قده)، بِضَم الْقَاف: أَمر من قَادَهُ يَقُودهُ من القيادة أَو الْقود، وَهُوَ الْجَرّ والسجب، ويروى:(قد بِيَدِهِ)، بِدُونِ الضَّمِير فِي: قده، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَالنَّسَائِيّ: قده، بالضمير. وَفِي (التَّلْوِيح) بِخَط مُصَنفه: خُذ بِيَدِهِ، قيل: ظَاهر الحَدِيث أَن المقود كَانَ ضريرا، ورد بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون لِمَعْنى آخر، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل: إسم الرجل المقود ثَوَاب ضد الْعقَاب وَقَالَ بَعضهم: وَلم أر ذَلِك لغيره، وَلَا أَدْرِي من أَيْن أَخذه. قلت: إِن هَذَا مِمَّا يتعجب مِنْهُ، فَلَا يلْزم من عدم رُؤْيَته كَذَلِك، عدم رُؤْيَة الْغَيْر، وَلَا اطلع هُوَ على الْمَوَاضِع الْمُتَعَلّقَة بِهَذَا جَمِيعًا جتى يستغرب ذَلِك.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: إِبَاحَة الْكَلَام بِالْخَيرِ فِي الطّواف. وَفِيه: أَنه يجوز للطائف فعل مَا خف من الْأَفْعَال. وَفِيه: أَنه إِذا رأى مُنْكرا فَلهُ أَن يُغير بِيَدِهِ. وَفِيه: أَن من نذر مَالا طَاعَة لله فِيهِ لَا يلْزمه، ذكره الدَّاودِيّ وَاعْتَرضهُ ابْن التِّين، فَقَالَ: لَيْسَ هُنَا نذر ذَلِك، وغفل أَنه ذكره فِي النّذر، وَقد روى أَحْمد من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده:(أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أدْرك رجلَيْنِ وهما مقترنان، فَقَالَ: مَا بَال القِران؟ قَالَا: إِنَّا نذرنا لنقترنن حَتَّى نأتي الْكَعْبَة. فَقَالَ: أطلقا أنفسكما، لَيْسَ هَذَا نذرا إِنَّمَا النّذر مَا يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله) . وروى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق فَاطِمَة بنت مُسلم: (حَدثنِي خَليفَة بن بشر عَن أَبِيه أَنه أسلم، فَرد عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَاله وَولده، ثمَّ لقِيه هُوَ وَابْنه طلق بن بشر مقترنين بِحَبل، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: حَلَفت لَئِن رد الله عَليّ مَالِي وَوَلَدي لأحجن بَيت الله مَقْرُونا. فَأخذ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْحَبل فَقَطعه، وَقَالَ لَهما: حجا، إِن هَذَا من عمل الشَّيْطَان) . وَقَالَ النَّوَوِيّ: قطعه صلى الله عليه وسلم السّير مَحْمُول على أَنه لم يُمكن إِزَالَة هَذَا الْمُنكر إلَاّ بِقطعِهِ.
فروع ذكرهَا الشَّافِعِيَّة: وَهِي: يجوز لَهُ إنشاد الشّعْر وَالرجز فِي الطّواف إِذا كَانَ مُبَاحا، قَالَه الْمَاوَرْدِيّ، وَتَبعهُ صَاحب (الْبَحْر) وَيكرهُ أَن يبصق فِيهِ أَو يتنخم أَو يغتاب أَو ينم فَلَا يفْسد طَوَافه بِشَيْء من ذَلِك، وَإِن أَثم صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ، وَقيل: لَا يكره لَهُ التَّعْلِيم فِيهِ كَمَا فِي الِاعْتِكَاف، قَالَه الرَّوْيَانِيّ، وَيكرهُ أَن يضع يَده على فَمه كَمَا فِي الصَّلَاة، قَالَه الرَّوْيَانِيّ، وَلَو احْتَاجَ إِلَيْهِ للتثاوب فَلَا بَأْس بذلك، وَلَو طافت الْمَرْأَة متنقبة وَهِي غير مُحرمَة، قَالَ فِي (التَّوْضِيح) : فَمُقْتَضى مَذْهَبنَا كَرَاهَته كَمَا فِي الصَّلَاة. وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تَطوف متنقبة، وَبِه قَالَ أَحْمد وَابْن الْمُنْذر، وَكَرِهَهُ طَاوُوس وَغَيره، وَالله أعلم.
66 -
(بابٌ إذَا رأى سَيْرا أوْ شَيْئا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ قَطَعَهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن شخصا إِذا رأى سيرا ربط بِهِ آخر فِي الطّواف وَهُوَ يُقَاد بِهِ قطعه. قَوْله: (أَو رأى شَيْئا يكره فعله فِي الطّواف مَنعه) قَوْله: (يكره) على صِيغَة الْمَجْهُول، صفة لقَوْله: شَيْئا، ويروى: يكرههُ الرَّائِي من فعل مُنْكرا أَو قَول مُنكر، وَقَوله:(قطعه) بِصِيغَة الْمَاضِي جَوَاب إِذا، وَلَكِن مَعْنَاهُ فِي السّير على الْحَقِيقَة، وَفِي الشَّيْء الَّذِي يكره بِمَعْنى الْمَنْع كَمَا ذَكرْنَاهُ.
1261 -
حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عَن سُلَيْمَانَ الأحْوَلِ عنْ طَاوُوسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجُلاً يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِزِمَام أَو غَيْرِهِ فقَطَعَهُ..
هَذَا وَجه آخر من حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور. أخرجه عَن أبي عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن سُلَيْمَان بن أبي مُسلم الْأَحول إِلَى آخِره. قَوْله: (أَو غَيره) شكّ من الرَّاوِي.
76 -
(بابٌ لَا يَطُوفُ بالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ولَا يَحُجُّ مُشْرِكٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يطوف
…
إِلَى آخِره.
2261 -
حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ قَالَ ابنُ شِهَابٍ حدَّثني حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أخْبَرَهُ أنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ بعَثَهُ فِي الحَجَّةِ الَّتِي أمَّرَهُ عَلَيْهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤذِّنُ فِي النَّاسِ ألَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى بن بكير هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وَاللَّيْث هُوَ ابْن سعيد الْمصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَحميد، بِضَم الْحَاء: ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقطعَة وافرة من الحَدِيث مَضَت فِي: بَاب مَا يستر من الْعَوْرَة، فِي كتاب الصَّلَاة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن أخي ابْن شهَاب عَن معن عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بَعثه) أَي: بعث أَبَا هُرَيْرَة. قَوْله: (فِي الْحجَّة الْبَيْت أمره عَلَيْهَا) ، بتَشْديد الْمِيم، أَي: جعله أَمِيرا عَلَيْهَا. وَقَالَ التَّيْمِيّ: بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سنة تسع من الْهِجْرَة ليحج بِالنَّاسِ، وَكَانَ مَعَه أَبُو هُرَيْرَة. وَقَالَ السُّهيْلي: كَانَ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين قدم من تَبُوك أَرَادَ الْحَج، فَذكر مُخَالطَة الْمُشْركين للنَّاس فِي حجهم وتلبيتهم بالشرك وطوافهم عُرَاة بِالْبَيْتِ، وَكَانُوا يقصدون بذلك أَن يطوفوا، كَمَا ولدُوا بِغَيْر الثِّيَاب الَّتِي أذنبوا فِيهَا وظلموا، فَأمْسك صلى الله عليه وسلم عَن الْحَج فِي ذَلِك الْعَام، وَبعث أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِسُورَة بَرَاءَة لينبذ إِلَى كل ذِي عهد عَهده من الْمُشْركين إلَاّ بعض بني بكر الَّذين كَانَ لَهُم عهد إِلَى أجل خَاص، ثمَّ أرْدف بعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرجع أَبُو بكر إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَل أنزل فِي قُرْآن؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن أردْت أَن يبلغ عني من هُوَ من أهل بَيْتِي. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَأمرنِي عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن أَطُوف فِي الْمنَازل من منى بِبَرَاءَة، فَكنت أصيح حَتَّى صَحِلَ حلقي، فَقيل لَهُ: بِمَ كنت تنادي؟ قَالَ: بِأَرْبَع: أَن لَا يدْخل الْجنَّة إلَاّ مُؤمن، وَأَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك، وَأَن لَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، وَمن كَانَ لَهُ عهد فَلهُ أجل أَرْبَعَة أشهر. ثمَّ لَا عهد لَهُ. وَكَانَ الْمُشْركُونَ إِذا سمعُوا النداء بِبَرَاءَة يَقُولُونَ لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: سَتَرَوْنَ بعد الْأَرْبَعَة أشهر بِأَنَّهُ لَا عهد بَيْننَا وَبَين ابْن عمك إلَاّ الطعْن وَالضَّرْب، ثمَّ إِن النَّاس فِي تِلْكَ الْمدَّة رَغِبُوا فِي الْإِسْلَام حَتَّى دخلُوا فِيهِ طَوْعًا وَكرها. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لما خرج أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى الْحَج نزل صدر بَرَاءَة بعده، فَقيل: يَا رَسُول الله لَو بعثت بهَا إِلَى أبي بكر، فَقَالَ: إِنَّه لَا يُؤَدِّيهَا عني إلَاّ رجل من أهل بَيْتِي، ثمَّ دَعَا عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأرْسلهُ، فَخرج رَاكِبًا على نَاقَة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم العضباء حَتَّى أدْرك أَبَا بكر بالعرج، فَقَالَ لَهُ: أَبُو بكر: استعملك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على الْحَج؟ قَالَ: لَا وَلَكِن بَعَثَنِي بِقِرَاءَة بَرَاءَة على النَّاس.
قَالُوا: وَالْحكمَة فِي إِعْطَاء بَرَاءَة لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَن فِيهَا نقض الْعَهْد، وَكَانَت سيرة الْعَرَب أَنه لَا يحل العقد إلَاّ الَّذِي عقده أَو رجل من أهل بَيته، فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يقطع أَلْسِنَة الْعَرَب بِالْحجَّةِ. وَقيل: إِن فِي سُورَة بَرَاءَة فَضِيلَة لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهِي {ثَانِي اثْنَيْنِ} (بَرَاءَة (التَّوْبَة) : 04) . فَأَرَادَ صلى الله عليه وسلم أَن يكون يَقْرَأها غَيره.
قَوْله: (يَوْم النَّحْر)، ظرف لقَوْله: بَعثه. قَوْله: (فِي رَهْط) أَي: فِي جملَة رَهْط، والرهط من الرِّجَال مَا دون الْعشْرَة، وَقيل: إِلَى الْأَرْبَعين، وَلَا يكون فيهم امْرَأَة، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَيجمع على: أرهط وأرهاط وأراهط جمع القَوْل. قَوْله: (يُؤذن) ، الضَّمِير فِيهِ رَاجع إِلَى الرَّهْط بِاعْتِبَار اللَّفْظ، وَيجوز أَن يكون لأبي هُرَيْرَة على الِالْتِفَات، وَهُوَ من الإيذان وَهُوَ الْإِعْلَام. قَوْله:(ألَا لَا يحجّ)، كلمة: ألَا، بِفَتْح الْهمزَة، واللَاّم المخففة تَأتي على أوجه، وَلَكِن هُنَا للتّنْبِيه، فتدل على تحقق مَا بعْدهَا. قَوْله:(لَا يحجّ) نفي، وفاعله، قَوْله: مُشْرك، ويروى: أَن لَا يحجّ، بِالنّصب بِكَلِمَة: أَن، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي التَّفْسِير: أَن لَا يَحُجن، بنُون التَّأْكِيد، وَفِي بعض النّسخ: ألَاّ بِفَتْح الْهمزَة: يحجّ، وبتشديد اللَاّم، وَعَلِيهِ تكلم الْكرْمَانِي، فَقَالَ: إِن أَصله: أَن لَا يحجّ، وَأَن مخففةٍ من الثَّقِيلَة أَي: أَن الشَّأْن. قلت: تَقْدِيره أَنه لَا يحجّ، فَيكون: لَا يحجّ، مَرْفُوعا على كل حَال. قَوْله:(وَلَا يطوف)، بِالرَّفْع عطفا على: لَا يحجّ، وعَلى رِوَايَة: أَن لَا يحجّ، يكون بِالنّصب عطفا عَلَيْهِ. وَقَوله:(عُرْيَان) فَاعل: لَا يطوف، وَفِي مُسلم عَن هِشَام عَن أَبِيه عُرْوَة، قَالَ: كَانَت الْعَرَب يطوفون عُرَاة، إلَاّ أَن يعطيهم الحمس ثيابًا، فيعطي الرِّجَال الرِّجَال وَالنِّسَاء النِّسَاء، وَكَانَت الحمس لَا يخرجُون من الْمزْدَلِفَة، وَكَانَ النَّاس كلهم يبلغون عَرَفَات، وروى مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة مُسلم البطين عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة تَطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَانَة، وَتقول:
(الْيَوْم يَبْدُو بعضه أَو كُله
…
فَمَا بدا مِنْهُ فَلَا أحله)
فَنزلت: {يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} (الْأَعْرَاف: 13) . وَذكر الْأَزْرَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَت قبائل الْعَرَب من بني عَامر وَغَيرهم يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة، الرِّجَال بِالنَّهَارِ وَالنِّسَاء بِاللَّيْلِ، فَإِذا بلغ أحدهم بَاب الْمَسْجِد قَالَ للحمس: من يعير معوزا؟ فَإِن أَعَارَهُ