الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
44 -
(بابُ تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وبَيْعِهَا وشِرَائِهَا وَأنَّ النَّاسَ فِي مَسْجِدِ الحَرَامِ سَوَاءٌ خاصَّةٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم تَوْرِيث دور مَكَّة وَبَيْعهَا وشرائها، وَإِنَّمَا لم يبين الحكم بِالْجَوَازِ أَو بِعَدَمِهِ لمَكَان الِاخْتِلَاف فِيهِ. وَقَالَ بَعضهم: أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى تَضْعِيف حَدِيث عَلْقَمَة بن نَضْلَة، قَالَ: توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَمَا ترعى رباع مَكَّة إلَاّ السوائب، من احْتَاجَ سكن، رَوَاهُ ابْن مَاجَه، قلت: لَيْت شعري مَا وَجه هَذِه الْإِشَارَة؟ وَالْإِشَارَة لَا تكون إلَاّ للحاضر. وروى هَذَا الحَدِيث الطَّحَاوِيّ من طَرِيقين بِرِجَال ثِقَات، وَلكنه مُنْقَطع، لِأَن عَلْقَمَة بن نَضْلَة لَيْسَ بصحابي، وَلَفظ الطَّحَاوِيّ فِي أحد الطَّرِيقَيْنِ، عَن عَلْقَمَة بن نَضْلَة، قَالَ: كَانَت الدّور على عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: مَا تبَاع وَلَا تكرى وَلَا ترعى إلَاّ السوائب، من احْتَاجَ سكن، وَمن اسْتغنى أسكن. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَلَفظه عَن عَلْقَمَة بن نَضْلَة الْكِنَانِي، قَالَ: كَانَت بيُوت مَكَّة ترعى السوائب، لم يبع رباعها فِي زمن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَلَا أبي بكر وَلَا عمر، من احْتَاجَ سكن، وَمن اسْتغنى أسكن. قَوْله: السوائب، جمع سائبة، وَأَصلهَا من تسييب الدَّوَابّ، وَهُوَ: إرسالها تذْهب وتجيء كَيفَ شَاءَت، وَأَرَادَ بهَا: أَنَّهَا كَانَت سائبة لكل أحد من شَاءَ كَانَ يسكنهَا فَإِذا فرغ مِنْهَا أسكن غَيره فَلَا بيع وَلَا إجَازَة، والرباع جمع رَبع، وَهُوَ الْمنزل، قَالَ الْجَوْهَرِي: الرّبع الدَّار بِعَينهَا حَيْثُ كَانَت، وَجَمعهَا: رباع وَأَرْبع وربوع وأرباع وَالرّبع: الْمحلة، أَيْضا وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث مُجَاهِد عَن عبد الله بن عَمْرو، أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَا يحل بيع بيُوت مَكَّة وَلَا إِجَارَتهَا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَذهب قوم إِلَى هَذِه الْآثَار فَقَالُوا: لَا يجوز بيع أَرض مَكَّة وَلَا إِجَارَتهَا، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا القَوْل: أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَالثَّوْري. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ، عَطاء بن أبي رَبَاح ومجاهدا ومالكا وَإِسْحَاق وَأَبا عبيد، ثمَّ قَالَ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَقَالُوا: لَا بَأْس بِبيع أرْضهَا وإجارتها، وجعلوها فِي ذَلِك كَسَائِر الْبلدَانِ، وَمِمَّنْ ذهب إِلَى هَذَا القَوْل أَبُو يُوسُف. قلت: أَرَادَ بالآخرين طاووسا وَعَمْرو بن دِينَار وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَابْن الْمُنْذر مَعَهم، وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِحَدِيث الْبَاب، على مَا يَأْتِي. قَوْله:(فَإِن النَّاس)، عطف على قَوْله:(فِي دور مَكَّة)، وَالتَّقْدِير: وَفِي بَيَان أَن النَّاس فِي مَسْجِد الْحرم سَوَاء أَي: متساوون. قَالَ الْكرْمَانِي: أَي فِي نفس الْمَسْجِد، لَا فِي سَائِر الْمَوَاضِع من مَكَّة. قلت: هَذَا ميل مِنْهُ إِلَى تَرْجِيح مذْهبه، وَالْمرَاد من الْمَسْجِد الْحَرَام: الْحرم كُله، ورد ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَمُجاهد. أخرجه ابْن أبي حَاتِم وَغَيرهم عَنْهُم، وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن عمر: أَن الْحرم كُله مَسْجِد ويروى فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، بِالْألف وَاللَّام فِي الْمَسْجِد قَوْله:(خَاصَّة) قيد لِلْمَسْجِدِ الْحَرَام، وَقد قُلْنَا إِن الْمَسْجِد الْحَرَام كُله حرم.
لِقَوْلِهِ تَعَالى: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ويَصُدُّونَ عنْ سَبِيلِ الله والمَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءٌ الْعَاكِفُ فِيِهِ والْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بإلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ ألِيمٍ} (الْحَج: 52) .
هَذَا تَعْلِيل لقَوْله: (وَإِن النَّاس فِي الْمَسْجِد الْحَرَام سَوَاء) . قَوْله: {إِن الَّذين كفرُوا} يَعْنِي: أهل مَكَّة. قَوْله: {ويصدون عَن سَبِيل الله} أَي: ويصرفون النَّاس عَن دين الْإِسْلَام. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الصدود مِنْهُم مُسْتَمر دَائِم للنَّاس، أَي للَّذين يَقع عَلَيْهِم اسْم النَّاس من غير فرق بَين حَاضر وباد وناى وظارىء مكي وآفقي وَقد اسْتشْهد بِهِ أَصْحَاب أبي حنيفَة قائلين بِأَن المُرَاد من الْمَسْجِد الْحَرَام مَكَّة على امْتنَاع بيع دور مَكَّة وإجارتها. وَقَالَ أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي فِي (تَفْسِيره) وَهَذِه الْآيَة مَدَنِيَّة، وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما خرج من الْمَدِينَة مَنعهم الْمُشْركُونَ عَن الْمَسْجِد الْحَرَام، ثمَّ وصف الْمَسْجِد الْحَرَام فَقَالَ:{اللَّذين جَعَلْنَاهُ للنَّاس سَوَاء} للْمُؤْمِنين جَمِيعًا، ثمَّ قَالَ:{العاكف فِيهِ والبادي} يَعْنِي: سَوَاء الْمُقِيم فِي الْحرم، وَمن دخل مَكَّة من غير أَهلهَا، وَيُقَال: الْمُقِيم والغريب سَوَاء. وَقَرَأَ عَاصِم فِي رِوَايَة حَفْص: {سَوَاء} بِالنّصب يَعْنِي: جَعَلْنَاهُ سَوَاء، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ سواءُ، على معنى الِابْتِدَاء، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَجه النصب أَنه ثَانِي مفعولي: جَعَلْنَاهُ، أَي: جَعَلْنَاهُ مستويا العاكف فِيهِ والبادي، وَفِي الْقِرَاءَة بِالرَّفْع الْجُمْلَة مفعول ثَان. قَوْله:{وَمن يرد فِيهِ بإلحاد} الْبَاء فِيهِ صلَة، وَأَصله: وَمن يرد فِيهِ إلحادا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {تنْبت بالدهن} (الْمُؤْمِنُونَ: 02) . وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ومفعول: يرد، مَتْرُوك ليتناول كل متناول كَأَنَّهُ قَالَ: وَمن يرد فِيهِ مرَادا مَا عادلاً عَن الْقَصْد ظَالِما، وقرىء: يرد، بِفَتْح الْيَاء من الْوُرُود، وَمَعْنَاهُ: من أَتَى فِيهِ بإلحاد ظَالِما
الْإِلْحَاد الْعُدُول عَن الْقَصْد، وَقيل: الْإِلْحَاد فِي الْحرم منع النَّاس عَن عِمَارَته، وَعَن سعيد بن جُبَير: الاحتكار، وَقيل: الظُّلم، وَقَالَ مقَاتل: نزلت الْآيَة فِي عبد الله بن أنيس بن خطل الْقرشِي، وَذَاكَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعث رجلَيْنِ أَحدهمَا مُهَاجِرِي وَالْآخر أَنْصَارِي، فافتخرا فِي الْأَنْسَاب. فنضب عبد الله بن أنيس فَقتل الْأنْصَارِيّ، ثمَّ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام، وهرب إِلَى مَكَّة، فَأمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم فتح مَكَّة بقتْله فَقتل. قَوْله:{بإلحاد بظُلْم} حالان مُتَرَادِفَانِ، وَعَن الْحسن: وَمن يرد إلحاده بظُلْم، أَرَادَ إلحادا فِيهِ، فأضافه على الاتساع فِي الظّرْف، كمكر اللَّيْل وَمَعْنَاهُ: من يرد أَن يلحذ فِيهِ ظَالِما، وَخبر: أَن، مَحْذُوف لدلَالَة جَوَاب الشَّرْط عَلَيْهِ، تَقْدِيره: أَن الَّذين كفرُوا ويصدون عَن سَبِيل الله وَالْمَسْجِد الْحَرَام يذيقهم من عَذَاب أَلِيم وكل من ارْتكب فِيهِ ذَنبا فَهُوَ كَذَلِك.
البادِ الطَّارى مَعْكُوفا مَحْبُوسا
هَذَا تَفْسِير من البُخَارِيّ بِالْمَعْنَى، وَمعنى الطاري الْمُسَافِر، كَمَا أَن معنى العاكف الْمُقِيم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: معكوفا، إِشَارَة إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَالْهَدْي معكوفا أَن يبلغ مَحَله} (الْحَج: 52) . قلت: لَيست هَذِه الْكَلِمَة فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة، فَلَا مُنَاسبَة لذكرها هُنَا، وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال: إِنَّمَا ذكر المعكوف لكَون العاكف مَذْكُورا هَهُنَا، وَفِيه مَا فِيهِ.
8851 -
حدَّثنا أصْبَغُ قَالَ أخْبَرَنِي ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ عَنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْن عنْ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ عنْ أسامَةَ بنِ زَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّهُ قَالَ يَا رسولَ الله أيْنَ تَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ فقالَ وهَلْ ترَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أوْ دُورٍ وكانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أبَا طَالِبٍ هُوَ وطَالِبٌ ولَمْ يَرثْهُ جَعْفَرٌ ولَا عَلِيٌّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا شَيْئا لأِنَّهُمَا كانَا مُسْلِمَيْنِ وكانَ عَقِيلٌ مطَالب كافِرَيْنِ فَكانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ لَا يَرِثُ الْمُؤمِنُ الْكَافِرَ. قَالَ ابنُ شِهَابٍ وكانُوا يتأوَّلُونَ قَوْلَ الله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وهاجَرُوا وجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله والَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أولائكَ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (الْأَنْفَال: 27) . الْآيَة..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَهل ترك عقيل من رباع أَو دور وَكَانَ عقيل ورث أَبَا طَالب) إِلَى قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر رِجَاله: وهم: سَبْعَة: الأول: أصبغ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره غين مُعْجمَة: ابْن الْفرج أَبُو عبد الله. الثَّانِي: عبد الله بن وهب. الثَّالِث: يُونُس بن يزِيد. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، الْخَامِس: عَليّ بن الْحُسَيْن الْمَشْهُور بزين العابدين. السَّادِس: عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان أَمِير الْمُؤمنِينَ. السَّابِع: أُسَامَة ابْن زيد بن حَارِثَة حب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه وَابْن وهب مصريان وَأَن يُونُس أيلي والبقية مدنيون.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق، وَفِي الْمَغَازِي عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن. وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن أبي الطَّاهِر وحرملة بن يحيى، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن مهْرَان وَابْن أبي عمر وَعبد بن حميد وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رَافع وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَعَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن عبد الرَّزَّاق وَفِي الْفَرَائِض عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَيْن تنزل فِي دَارك؟) قَالَ بَعضهم: حذفت أَدَاة الِاسْتِفْهَام
من قَوْله: فِي دَارك. قلت: هَذَا كَلَام من لَا يفهم الْعَرَبيَّة وَلَا استنباط الْمعَانِي من الْأَلْفَاظ، وَقَوله: أَيْن، كلمة اسْتِفْهَام، فَلم يبْق وَجه لتقدير حرف الِاسْتِفْهَام، فَمَا وَجه قَوْله: حذفت أَدَاة الِاسْتِفْهَام من قَوْله: فِي دَارك؟ والاستفهام عَن النُّزُول فِي الدَّار لَا عَن نفس الدَّار؟ فَافْهَم. وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ ستأتي فِي الْمَغَازِي: أَيْن تنزل غَدا. قَوْله: (وَهل ترك عقيل؟) وَفِي رِوَايَة مُسلم وَغَيره، (وَهل ترك لنا؟) قَوْله:(من رباع؟) ، جمع ربع، وقذ ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله:(أَو دور؟) للتَّأْكِيد إِذا فسر الرّبع بِالدَّار أَو وَهُوَ شكّ من الرَّاوِي، قَوْله:(وَكَانَ عقيل) ، إدراج من بعض الروَاة، وَلَعَلَّه من أُسَامَة، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي: وَعقيل بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة. قَوْله: (هُوَ) أَي: عقيل. قَوْله: (وطالب) أَي: ورث طَالب مَعَ عقيل أباهما أَبَا طَالب، وَاسم أبي طَالب: عبد منَاف، وكنى بِابْنِهِ طَالب، قَوْله:(وَلم يَرِثهُ جَعْفَر) ، وَهُوَ الْمَشْهُور بالطيار ذِي الجناحين، وطالب أسن من عقيل، وَهُوَ من جَعْفَر وَهُوَ من عَليّ، والتفاوت بَين كل وَاحِد وَالْآخر عشر سِنِين، وَهُوَ من النَّوَادِر. قَوْله:(كَافِرين) نصب على أَنه خبر: كَانَ، أَي: وَكَانَ كِلَاهُمَا كَافِرين عِنْد وَفَاة أَبِيهِمَا، وَلِأَن عقيلاً أسلم بعد ذَلِك عِنْد الْحُدَيْبِيَة قيل: لما كَانَ أَبُو طَالب أكبر ولد عبد الْمطلب احتوى على أملاكه وحازها وَحده على عَادَة الْجَاهِلِيَّة من تَقْدِيم الأسن، فتسلط عقيل أَيْضا بعد هِجْرَة رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ الدَّاودِيّ: بَاعَ عقيل مَا كَانَ للنَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَلمن هَاجر من بني عبد الْمطلب، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بدور من هَاجر من الْمُؤمنِينَ، وَإِنَّمَا أمضى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَصَرُّفَات عقيل كرما وجودا، وَإِمَّا استمالة لعقيل، وَإِمَّا تَصْحِيحا بتصرفات الْجَاهِلِيَّة، كَمَا أَنه يصحح أنكحة الْكفَّار، وَقَالُوا: فقد طَالب ببدر فَبَاعَ عقيل الدَّار كلهَا، وَقيل: وَلم تزل الدَّار بيد أَوْلَاد عقيل إِلَى أَن باعوها لمُحَمد بن يُوسُف أخي الْحجَّاج بن يُوسُف بِمِائَة ألف دِينَار، وَكَانَ عَليّ ابْن الْحُسَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يَقُول: من أجل ذَلِك بتركنا نصيبنا من الشّعب، أَي: حِصَّة جدهم عَليّ من أَبِيه أبي طَالب. قَوْله: (فَكَانَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: لَا يَرث الْمُؤمن الْكَافِر) هَذَا مَوْقُوف على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد ثَبت مَرْفُوعا بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي من طَرِيق مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة وَمعمر عَن الزُّهْرِيّ، وَأخرجه مُفردا فِي الْفَرَائِض من طَرِيق ابْن جريج عَنهُ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَمن أجل ذَلِك كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول
…
قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، هُوَ الْمَذْكُور فِي إِسْنَاد الحَدِيث. قَوْله:(وَكَانُوا يتأولون) أَي: السّلف كَانُوا يفسرون الْولَايَة فِي هَذِه الْآيَة بِولَايَة الْمِيرَاث. قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين آمنُوا} (الْأَنْفَال: 27) . أَي: صدقُوا بتوحيد الله تَعَالَى، وَبِمُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وسلم، وَالْقُرْآن {وَهَاجرُوا} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَجَاهدُوا} الْعَدو {بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله} أَي: فِي طَاعَة الله، وَفِيمَا فِيهِ رضى الله تَعَالَى، ثمَّ ذكر الْأَنْصَار فَقَالَ:{وَالَّذين آووا} يَعْنِي أووا الْمُهَاجِرين: يَعْنِي: أنزلوهم وأسكنوهم فِي دِيَارهمْ {ونصروا} رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بِالسَّيْفِ {أُولَئِكَ بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} يَعْنِي فِي الْمِيرَاث وَفِي الْولَايَة. قَوْله:(الْآيَة) ، يَعْنِي الْآيَة بِتَمَامِهَا، أَو: إقرأ الْآيَة، وتمامها:{وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من ولايتهم من شَيْء حَتَّى يهاجروا وَإِن استنصروكم فِي الدّين فَعَلَيْكُم النَّصْر إلَاّ على قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق، وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} (الْأَنْفَال: 27) . قَوْله: {وَلم يهاجروا} يَعْنِي: إِلَى الْمَدِينَة {مَا لكم من ولايتهم من شَيْء} فِي الْمِيرَاث {حَتَّى يهاجروا} إِلَى الْمَدِينَة، وَقَالُوا: يَا رَسُول الله! هَل نعينهم إِذا استعانوا بِنَا؟ يَعْنِي: الَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا؟ فَنزل: {وَإِن استنصروكم فِي الدّين} يَعْنِي: إِن اسْتَغَاثُوا بكم على الْمُشْركين فانصروهم {فَعَلَيْكُم النَّصْر} على من قَاتلهم {إِلَّا على قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق} أَي: عهد يَعْنِي إلَاّ أَن يقاتلوا قوما بَيْنكُم وَبينهمْ عهد وميثاق فَلَا تنصروهم عَلَيْهِم وَأَصْلحُوا بَينهم {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} فِي العون والنصرة، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة، قَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ يتوارثون بِالْهِجْرَةِ وبالمؤاخاة الَّتِي وآخى بَينهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَكَانُوا يتوارثون بِالْإِسْلَامِ وبالهجرة، وَكَانَ الرجل يسلم وَلَا يُهَاجر فَلَا يَرث أَخَاهُ، فنسخ ذَلِك بقوله تَعَالَى:{وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} (الْأَنْفَال: 57) [/ ح.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الْخطابِيّ: احْتج بِهَذَا الحَدِيث الشَّافِعِي على جَوَاز بيع دور مَكَّة بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أجَاز بيع عقيل الدّور الَّتِي ورثهَا، وَكَانَ عقيل وطالب ورثا أباهما لِأَنَّهُمَا إِذْ ذَاك كَانَا كَافِرين فورثا، ثمَّ أسلم عقيل وباعها. قَالَ الْخطابِيّ: وَعِنْدِي أَن تِلْكَ الدّور، وَإِن كَانَت قَائِمَة على ملك عقيل، لم ينزلها رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهَا دور هجروها لله تَعَالَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: ظَاهر هَذِه الْإِضَافَة أَنَّهَا كَانَت ملكه، يدل عَلَيْهِ قَوْله:(وَهل ترك لنا عقيل من رباع) فأضافها إِلَى نَفسه، وظاهرها الْملك، فَيحْتَمل أَن عقيلاً أَخذهَا وَتصرف فِيهَا كَمَا فعل أَبُو سُفْيَان بدور الْمُهَاجِرين. فَإِن قلت: يُعَارض هَذَا الحَدِيث حديثُ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن