الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمُحَمّد بن الْحسن فَإِنَّهُم قَالُوا: لَا بَأْس أَن يكون الْعَامِل هاشميا وَيَأْخُذ عمالته مِنْهَا، لِأَن ذَلِك على عمله، وَلقَائِل أَن يَقُول: هَذَا الْقيَاس لَيْسَ بِصَحِيح: لِأَن الْغَنِيّ إِذا كَانَ عَاملا يكون متفرغا لذَلِك صارفا نَفسه وحابسها لأجل ذَلِك فَيسْتَحق الْجعَالَة فِي مُقَابلَة هَذَا الْفِعْل، وَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَة يكون لِحَاجَتِهِ إِلَى ذَلِك، فَيصير كَابْن السَّبِيل تُبَاح لَهُ الصَّدَقَة، وَإِن كَانَ غَنِيا، بِخِلَاف الْهَاشِمِي فَإِنَّهُ إِنَّمَا تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة لكَونهَا أوساخ النَّاس وَلأَجل لُحُوق الذلة والهوان لشرف نسبه، فَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود دَائِما سَوَاء كَانَ الَّذِي يَأْخُذهُ من الصَّدَقَة على وَجه الاعتمال والاجتعال أَو غير ذَلِك. وَفِيه: دَلِيل على تَحْويل الصَّدَقَة إِلَى هَدِيَّة لِأَنَّهُ لما كَانَ يجوز التَّصَرُّف للمتصدق عَلَيْهِ فِيهَا بِالْبيعِ وَالْهِبَة لصِحَّة ملكه لَهَا، حكم لَهَا بِحكم الْهِبَة، وخروجها عَن معنى الصَّدَقَة فَصَارَت حَلَالا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا كَانَ يَأْكُل الْهَدِيَّة دون الصَّدَقَة لما فِي الْهَدِيَّة من التألف وَالدُّعَاء إِلَى الْمحبَّة، وَقَالَ: تهادوا تحَابوا) ، وَجَائِز أَن يثبت عَلَيْهَا وَأفضل مِنْهَا فيرفع الذلة والْمنَّة بِخِلَاف الصَّدَقَة. وَفِيه: بَيَان أَن الْأَشْيَاء الْمُحرمَة لعلل مَعْلُومَة إِذا ارْتَفَعت عَنْهَا تِلْكَ الْعِلَل حلت وَأَن التَّحْرِيم فِي الْأَشْيَاء لَيْسَ لعينها.
5941 -
حدَّثنا يَحْيَى بنُ مُوسى اقال حدَّثنا وَكِيعٌ قَالَ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَحْمٍ تُصُدِّقَ بِهِ عَلى بَريرَة فَقَالَ هُوَ عَلَيْها صدقَةٌ وَهْوَ لَنا هَدِيَّةٌ.
(الحَدِيث 5941 طرفه فِي: 7752) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الصَّدَقَة الَّتِي تصدق بهَا على بَرِيرَة صَارَت هَدِيَّة لملكها إِيَّاهَا.
وَرِجَاله قد ذكرُوا وَيحيى بن مُوسَى بن عبد ربه أَبُو زَكَرِيَّا السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي يُقَال لَهُ: خت، قد مر فِي آخر كتاب الصَّلَاة، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الزّهْد عَن يحيى بن مُوسَى عَن وَكِيع، وَفِي الْهِبَة عَن بنْدَار عَن غنْدر. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب كِلَاهُمَا عَن وَكِيع وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار كلا من غنْدر وَعَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عَمْرو بن مَرْزُوق. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعمريّ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن وَكِيع.
قَوْله: (هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَة)، قد لفظ:(عَلَيْهَا) ليُفِيد الْحصْر أَي: عَلَيْهَا صَدَقَة لَا علينا، وَحَاصِله أَنَّهَا إِذا قبضهَا الْمُتَصَدّق زَالَ عَنْهَا وصف الصَّدَقَة وَحكمهَا، فَيجوز للغني شراها للْفَقِير، وللهاشمي أكله مِنْهَا.
وَقَالَ أبُو داوُدَ أنْبَأنا شُعْبَةُ عنُ قَتَادَةَ سَمِعَ أنسا رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
أَبُو دَاوُد هُوَ سُلَيْمَان الطَّيَالِسِيّ الْحَافِظ، كتب عَنهُ بأصفهان أَرْبَعُونَ ألف حَدِيث، وَلم يكن مَعَه كتاب، مَاتَ سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ. وَهَذَا التَّعْلِيق أسْندهُ أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) فَقَالَ: حَدثنَا عبد الله حَدثنَا يُونُس حَدثنَا أَبُو دَاوُد يَعْنِي الطَّيَالِسِيّ قَالَ: أَنبأَنَا شُعْبَة، فَذكره وَفَائِدَته تَصْرِيح قَتَادَة بِسَمَاعِهِ إِيَّاه من أنس، وَلما كَانَ قَتَادَة مدلسا قوي الْإِسْنَاد الأول بِهَذَا حَيْثُ قَالَ: سمع أنسا، إِذْ فِيهِ التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ. قَوْله:(أَنبأَنَا) أَي: أخبرنَا. قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: دَرَجَة أَنبأَنَا أحط من دَرَجَة أخبرنَا، وَهُوَ قَلِيل فِي الِاسْتِعْمَال، وثلاثيه من النبأ وَهُوَ الْخَبَر.
36 -
(بابُ أخْذِ الصَّدَقَةِ مِن الأغْنِيَاءِ وتُرَدُّ فِي الفُقرَاءِ حَيْثُ كَانُوا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَخذ الصَّدَقَة، أَي: الزَّكَاة، من الْأَغْنِيَاء، فَإِذا أخذت مَا يكون حكمهَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله:(وَترد فِي الْفُقَرَاء) وَترد، بِنصب الدَّال بِتَقْدِير: أَن، ليَكُون فِي حكم الْمصدر، وَيكون التَّقْدِير: وَأَن ترد، أَي: وَالرَّدّ فِي الْفُقَرَاء حَاصله: بَاب فِي أَخذ الصَّدَقَة، وَفِي ردهَا فِي الْفُقَرَاء حَيْثُ كَانَ الْفُقَرَاء. قَوْله:(حَيْثُ كَانُوا) ، يشْعر بِأَنَّهُ اخْتَار جَوَاز نقل الزَّكَاة من بلد إِلَى بلد، وَفِيه خلاف، فَعَن اللَّيْث بن سعد وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه جَوَازه، وَنَقله ابْن الْمُنْذر عَن الشَّافِعِي وَاخْتَارَهُ، وَالأَصَح عِنْد الشَّافِعِيَّة والمالكية ترك النَّقْل، فَلَو نقل أَجْزَأَ عِنْد الْمَالِكِيَّة على الْأَصَح، وَلم يجزىء عِنْد الشَّافِعِيَّة على الْأَصَح إلَاّ إِذا فقد المستحقون لَهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن غَرَض البُخَارِيّ بَيَان الِامْتِنَاع، أَي: ترد على فُقَرَاء أُولَئِكَ الْأَغْنِيَاء، أَي: فِي مَوضِع
وجد لَهُم الْفُقَرَاء، وإلَاّ جَازَ النَّقْل، وَيحْتَمل أَن يكون غَرَضه عَكسه. قلت: لَيْسَ الظَّاهِر مَا قَالَه، فَإِنَّهُ قَالَ: ترد حَيْثُ كَانُوا، أَي: الْفُقَرَاء، وَهُوَ أَعم من أَن يَكُونُوا فِي مَوضِع كَانَ فِيهِ الْأَغْنِيَاء أَو فِي غَيره، فالعجب مِنْهُ الْعَكْس حَيْثُ جعل الِامْتِنَاع ظَاهرا وَهُوَ مُحْتَمل، وَجعل الظَّاهِر عكسا. فَافْهَم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي حَدِيث معَاذ فِي أَوَائِل الزَّكَاة.
6941 -
حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا زَكَرِيَّاءُ بنُ إسْحَاقَ عنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الله ابنِ صَيْفِيٍ ّ عنْ أبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ حِينَ بَعثَهُ إِلَى اليَمَنُ إنَّكَ سَتأتِي قَوْما أهْلَ كِتَابٍ فإذَا جِئْتُهمْ فادْعُهُمْ إلَى أنْ يَشْهَدُوا أنْ لَا إلاهَ إلَاّ الله وَأَن مُحَمَّدا رسُولَ الله فإنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذالِكَ فأخْبِرْهُمْ أنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ فإنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذالِكَ فأخْبِرْهُمْ أنَّ الله قَدْ فَرَضَ علَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائهِمْ فَتُرَدُّ عَلىَ فُقَرَائِهِمْ فإنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذالِكَ فإيَّاكَ وَكَرَائِمَ أمْوالِهِم وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فإنَّهُ ليْسَ بَيْنَهُ وبيْنَ الله حِجَابٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد على فقرائهم)، وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي أول: بَاب وجوب الزَّكَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد عَن زَكَرِيَّاء بن إِسْحَاق. . إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله بن الْمُبَارك
…
إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً، وَهَهُنَا زِيَادَة، وَهِي قَوْله:(فإياك وكرائم أَمْوَالهم وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم) إِلَى آخِره، ولنذكر هُنَا مَا لم نذكرهُ هُنَاكَ. فَقَوله:(عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِمعَاذ حِين بَعثه إِلَى الْيمن) ، هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع الطّرق إلَاّ مَا أخرجه مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَأبي كريب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ثَلَاثَتهمْ عَن وَكِيع، فَقَالَ فِيهِ: عَن ابْن عَبَّاس (عَن معَاذ بن جبل، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيمن) فعلى هَذَا فَهُوَ من مُسْند معَاذ، وَسَائِر الرِّوَايَات غير هَذِه من مُرْسل ابْن عَبَّاس. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن أبي كريب عَن وَكِيع عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، بعث معَاذًا، وَكَذَا أخرجه إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن وَكِيع نَحوه، وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) عَن وَكِيع، وَأخرجه عَنهُ أَبُو دَاوُد، وَأخرجه البُخَارِيّ فِي الْمَظَالِم عَن يحيى بن مُوسَى عَن وَكِيع كَذَلِك. وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) عَن مُحَمَّد بن عبد الله المَخْزُومِي، وجعفر بن مُحَمَّد الثَّعْلَبِيّ والإسماعيلي من طَرِيق أبي خَيْثَمَة، ومُوسَى بن المسندي وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي، وَإِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم الْبَغَوِيّ، كلهم عَن وَكِيع كَذَلِك، وَلَا يستبعد حُضُور ابْن عَبَّاس لذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَاخِر حَيَاة النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ إِذْ ذَاك مَعَ أَبَوَيْهِ.
قَوْله: (ستأتي قوما) تَوْطِئَة للْوَصِيَّة ليقوي همته عَلَيْهَا لكَون أهل الْكتاب أهل علم فِي الْجُمْلَة فَلذَلِك خصهم بِالذكر تَفْضِيلًا لَهُم على غَيرهم. قَوْله: (أهل كتاب) ، بدل لَا صفة، وَكَانَ فِي الْيمن أهل الذِّمَّة وَغَيرهم. وَحكى ابْن إِسْحَاق فِي أول (السِّيرَة) : إِن أصل دُخُول الْيَهُود فِي الْيمن فِي زمن أسعد أبي كرب، وَهُوَ تبع الْأَصْفَر. قَوْله:(فَإِذا جئتهم) إِنَّمَا ذكر لَفْظَة: إِذا، دون: أَن، تفاؤلاً بِحُصُول الْوُصُول إِلَيْهِم. قَوْله:(فادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إلاهَ إلَاّ الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله) ، كَذَا فِي رِوَايَة زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق لم يخْتَلف عَلَيْهِ فِيهَا، وَفِي رِوَايَة روح بن الْقَاسِم عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة:(فَأول مَا تدعوهم إِلَيْهِ عبَادَة الله تَعَالَى، فَإِذا عرفُوا الله) . وَفِي رِوَايَة الْفضل بن الْعَلَاء عَنهُ: (إِلَى أَن يوحدوا الله، وَإِذا عرفُوا ذَلِك) . قَوْله: (فَإِن هم أطاعوا لَك بذلك) أَي: شهدُوا وانقادوا، وَفِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة:(فَإِن هم أجابوا لذَلِك)، وَفِي رِوَايَة الْفضل ابْن الْعَلَاء:(فَإِذا عرفُوا ذَلِك)، وَإِنَّمَا عدى: أطاعوا، بِاللَّامِ وَإِن كَانَ يتَعَدَّى بِنَفسِهِ لتَضَمّنه معنى: انقادوا قَوْله (فإياك) كلمة تحذير (وكرائم) مَنْصُوب بِفعل مُضْمر لَا يجوز إِظْهَاره قَالَ ابْن قُتَيْبَة وَلَا يجوز حذف