الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أتاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فأتاهُ أبي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أبِي أوْفَى..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي على من يَأْتِي بِصَدَقَتِهِ أَي: زَكَاته، والترجمة فِي صَلَاة الإِمَام لصَاحب الصَّدَقَة.
ذكر رِجَاله وهم: أَرْبَعَة: الأول: حَفْص بن عمر بن الْحَارِث أَبُو حَفْص الحوضي. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث: عَمْرو بن مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء: ابْن عبد الله بن طَارق الْمرَادِي، وَقد مر فِي تَسْوِيَة الصُّفُوف. الرَّابِع: عبد الله بن أبي أوفى، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْفَاء وبالقصر: واسْمه عَلْقَمَة بن خَالِد بن الْحَارِث الْأَسْلَمِيّ الْمدنِي من أَصْحَاب بيعَة الرضْوَان، رُوِيَ لَهُ خَمْسَة وَتسْعُونَ حَدِيثا للْبُخَارِيّ خَمْسَة عشر، وَهُوَ آخر من بَقِي من أَصْحَابه بِالْكُوفَةِ، مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَهُوَ أحد الصَّحَابَة السَّبْعَة الَّذين أدركهم أَبُو حنيفَة سنة ثَمَانِينَ، وَكَانَ عمره سبع سِنِين، سنّ التَّمْيِيز والإدراك من الْأَشْيَاء. وَقيل: مولده سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَقيل سنة سبعين، وَالْأول أصح وَأشهر.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: عَن عَمْرو عَن عبد الله وَفِي الْمَغَازِي عَن عَمْرو: وَسمعت ابْن أبي أوفى، وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ كُوفِي وَشعْبَة واسطي وَعَمْرو بن مرّة كُوفِي تَابِعِيّ صَغِير لم يسمع من الصَّحَابَة إلَاّ من ابْن أبي أوفى، وَقَالَ: شُعْبَة كَانَ لَا يُدَلس.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن آدم، وَفِي الدَّعْوَات عَن مُسلم ابْن إِبْرَاهِيم وَسليمَان بن حَرْب فرقهما. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن يحيى بن يحيى وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أربعتهم عَن وَكِيع، وَعَن عبد الله بن معَاذ عَن أَبِيه وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن عبد الله بن إِدْرِيس. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر وَأبي الْوَلِيد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن يزِيد عَن بهز بن أَسد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع كلهم عَن شُعْبَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا أُتِي بِصَدقَة)، أَي: بِزَكَاة. قَوْله: (صلِّ على آل فلَان) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر:(صل على فلَان) . قَوْله: (صلِّ على آل أبي أوفى)، يُرِيد بِهِ: أَبَا أوفى، وَأما لفظ آل، فمقحم، وَأما إِن المُرَاد بِهِ ذَات أبي أوفى لِأَن الْآل يذكر وَيُرَاد بِهِ ذَات الشَّيْء، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي قصَّة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ:(لقد أُوتِيَ مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد) . يُرِيد بِهِ دَاوُد عليه السلام، وَقيل: لَا يُقَال ذَلِك، إلَاّ فِي حق الرجل الْجَلِيل الْقَدِير، كآل أبي بكر وَآل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقيل: آل الرجل: أَهله، وَالْفرق بَين الْآل والأهل: أَن الْآل قد خص بالأشراف، فَلَا يُقَال آل الحائك وَلَا آل الْحجام. فَإِن قلت: كَيفَ قيل: آل فِرْعَوْن؟ قلت: لتصوره بِصُورَة الْأَشْرَاف، وَفِي الصِّحَاح: أصل آل: أول، وَقيل: أهل، وَلِهَذَا يُقَال فِي تصغيره: أهيل.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور من جوز الصَّلَاة على غير الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، بالاستقلال وَهُوَ قَول أَحْمد أَيْضا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَكْثَرُونَ: إِنَّه لَا يُصَلِّي على غير الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام اسْتِقْلَالا، فَلَا يُقَال: اللَّهُمَّ صل على آل أبي بكر وَلَا على آل عمر أَو غَيرهمَا، وَلَكِن يصلى عَلَيْهِم تبعا. وَالْجَوَاب عَن هَذَا أَن هَذَا حَقه، عليه الصلاة والسلام، لَهُ أَن يُعْطِيهِ لمن شَاءَ، وَلَيْسَ لغيره ذَلِك. وَفِيه: جَوَاز أَن يُقَال: آل فلَان، يُرِيد بِهِ فلَانا، وَفِيه: اسْتِحْبَاب الدُّعَاء للمتصدق، كَمَا ذَكرْنَاهُ مشروحا.
56 -
(بابُ مَا يُسْتَخْرَجُ منَ البَحْرِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِي بَيَان حكم مَا يسْتَخْرج من الْبَحْر، وَفِيه حذف تَقْدِيره: هَل تجب فِيهِ الزَّكَاة أم لَا؟ والمحذوف فِي نفس الْأَمر خبر، لِأَن كلمة:(مَا) ، مَوْصُولَة. (ويستخرج) صلتها. وَكلمَة (من) بَيَانِيَّة، وَلَا بُد للموصول من عَائِد، وَهُوَ صفة لشَيْء مَحْذُوف تَقْدِيره:
بَاب فِي بَيَان حكم الشَّيْء الَّذِي يسْتَخْرج من الْبَحْر: هَل تجب فِيهِ الزَّكَاة؟ كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لَيْسَ العَنْبَرُ بِرِكازٍ هُوَ شَيءٌ دَسَرَهْ البَحْرُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي كَون العنبر مِمَّا يسْتَخْرج من الْبَحْر، والعنبر بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ضرب من الطّيب، وَهُوَ غير العبير، بِفَتْح الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، فَإِنَّهُ أخلاط تجمع بالزعفران. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن العنبر زبد الْبَحْر، وَقيل: هُوَ رَوْث دَابَّة بحريّة. وَقيل: إِنَّه شَيْء ينْبت فِي قَعْر الْبَحْر فيأكله بعض الدَّوَابّ، فَإِذا امْتَلَأت مِنْهُ قَذَفته رجيعا. وَقَالَ ابْن سينا: هُوَ نبع عين فِي الْبَحْر. وَقيل: إِنَّه من كور النّخل يخرج فِي السنبل بِبَعْض الجزاير، وَقَالَ الشَّافِعِي فِي كتاب السّلم من الْأُم: أَخْبرنِي عدد مِمَّن أَثِق بِخَبَرِهِ: أَنه نَبَات يخلقه الله تَعَالَى فِي جنبات الْبَحْر. وَحكى ابْن رستم عَن مُحَمَّد بن الْحسن أَنه ينْبت فِي الْبَحْر بِمَنْزِلَة الْحَشِيش فِي الْبر. وَقيل: إِنَّه شجر ينْبت فِي الْبَحْر فينكسر فيلقيه الموج إِلَى السَّاحِل. وَقَالَ ابْن سينا: وَمَا يحْكى من أَنه رَوْث دَابَّة أَو قيؤها أَو من زبد الْبَحْر بعيد. قَوْله: (بركاز) الرِّكَاز، بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْكَاف وَفِي آخِره زَاي، وَهُوَ يُقَال للمعدن والكنز جَمِيعًا، والمعدن خَاص لما يكون فِي بَاطِن الأَرْض خلقَة، والكنز خَاص لما يكون مَدْفُونا. والركاز يصلح لَهما، كَمَا قُلْنَا. وَفِي (مجمع الغرائب) : الرِّكَاز الْمَعَادِن وَقيل: هُوَ كنوز الْجَاهِلِيَّة. وَفِي (النِّهَايَة) لِابْنِ الْأَثِير: كنوز الأَرْض الْجَاهِلِيَّة المدفونة فِي الأَرْض، وَهِي المطالب فِي الْعرف عِنْد أهل الْحجاز، وَهُوَ الْمَعَادِن عِنْد أهل الْعرَاق، وَالْقَوْلَان تحتملهما اللُّغَة، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الرِّكَاز بِمَعْنى المركوز، كالكتاب بِمَعْنى الْمَكْتُوب. قلت: من ركز فِي الأَرْض إِذا اثْبتْ أَصله، والكنز يركز فِي الأَرْض كَمَا يركز الرمْح. قَوْله:(دسره) أَي: دَفعه وَرمى بِهِ إِلَى السَّاحِل. ثمَّ هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق يَعْقُوب بن سُفْيَان: حَدثنَا الْحميدِي وَابْن قعنب وَسَعِيد قَالُوا: حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار عَن أذينة، قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس قَالَ: لَيْسَ العنبر بركاز. وَفِي (المُصَنّف) : حَدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان بن سعيد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن أذينة عَن ابْن عَبَّاس: لَيْسَ فِي العنبر زَكَاة، إِنَّمَا هُوَ شَيْء دسره الْبَحْر، وأذينة مصغر أذن تَابِعِيّ ثِقَة. فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن الثَّوْريّ عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس، سُئِلَ فِي العنبر فَقَالَ: إِن كَانَ فِيهِ شَيْء فَفِيهِ الْخمس. قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: علق القَوْل فِيهِ فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَقطع بِأَن لَا زَكَاة فِيهِ فِي الرِّوَايَة الأولى، وَالْقطع أولى. وَقَالَ ابْن التِّين: قَول ابْن عَبَّاس قَول أَكثر الْعلمَاء. فَإِن قلت: رُوِيَ عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه أَخذ الْخمس من العنبر؟ قلت: هُوَ مَحْمُول على الْجَيْش، يدْخلُونَ أَرض الْحَرْب فيصيبون العنبر فِي ساحلها وَفِيه الْخمس لِأَنَّهُ غنيمَة.
وَقَالَ الحَسَنُ: فِي العَنْبَرِ وَاللّؤْلُؤِ الخُمُس
الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : عَن معَاذ بن معَاذ عَن أَشْعَث عَن الْحسن أَنه كَانَ يَقُول: فِي العنبر الْخمس، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُول: فِي اللُّؤْلُؤ، واللؤلؤ مطر الرّبيع يَقع فِي الصدف فعلى هَذَا أَصله مَاء، وَلَا شَيْء فِي المَاء. وَقيل: إِن الصدف حَيَوَان يخلق فِيهِ اللُّؤْلُؤ. وَفِي (كتاب الْأَحْجَار) لأبي الْعَبَّاس التيغاشي: إِن حَيَوَان الْجَوْهَر الَّذِي يتكون فِيهِ مِنْهُ الْكَبِير وَيُسمى الدّرّ، وَمِنْه الصَّغِير وَيُسمى اللُّؤْلُؤ. وَهَذَا الْحَيَوَان يُسمى باليونانين: أرسطورس، يَعْلُو لحم ذَلِك الْحَيَوَان صدفتان ملتصقتان بجسمه، وَالَّذِي يَلِي الصدفتين من لَحْمه أسود، وَله فَم وأذنان وشحم من داخلها إِلَى غَايَة الصدفتين، وَالْبَاقِي رغوة وزبد وَمَاء. وَقيل: إِن الْبَحْر الْمُحِيط يلْحق آخِره أول الْبَحْر المسلوك، وَإِن الرِّيَاح تصفق الَّذِي فِيهِ الدّرّ فِي وَقت ريح الشمَال، فَيصير لموجه رشاش فيلتقمه الصدف عِنْد ذَلِك إِلَى قَعْر الْبَحْر، فيتغرس هُنَاكَ وَيضْرب بعروق فيتشعب مثل الشّجر وَيصير نباتا بعد أَن كَانَ حَيَوَانا ذَا نفس، فَإِذا تركت هَذِه الصدفة حَتَّى يطول مكثها تَغَيَّرت وفسدت. واللؤلؤ: بهمزتين وبواوين، وَيُقَال: الثَّانِي بِالْوَاو، وَالْأول بِالْهَمْز، وَبِالْعَكْسِ قَالَ النَّوَوِيّ: أَربع لُغَات. قلت: لَا يُقَال لتخفيف الْهمزَة لُغَة، وَقَالَ ابْن قدامَة: وَلَا زَكَاة فِي الْمُسْتَخْرج من الْبَحْر كَاللُّؤْلُؤِ والمرجان والعنبر وَنَحْوه فِي ظَاهر قَول الْخرقِيّ، وَرُوِيَ نَحْو ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَعَطَاء وَمَالك وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى وَالْحسن بن صَالح وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد، وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: أَن فِيهِ الزَّكَاة، لِأَنَّهُ خَارج من مَعْدن التبر، وَبِه قَالَ
أَبُو يُوسُف وَإِسْحَاق. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: أَن وجد عنبرة فِي صفة الْبَحْر خمست، وَإِن غاص عَلَيْهَا فِي مثل بَحر الْهِنْد فَلَا شَيْء فِيهَا لَا خمس وَلَا نفل وَلَا غَيره، وروى ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: لَيْسَ فِي العنبر زَكَاة، وَإِنَّمَا هُوَ غنيمَة لمن أَخذه.
إنَّما جعَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الرِّكازِ الخُمُسَ لَيْسَ فِي الَّذِي يُصَابُ فِي المَاءِ
هَذَا من كَلَام البُخَارِيّ، يُرِيد بِهِ الرَّد على الْحسن، وَوَجهه أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، إِنَّمَا جعل الْخمس فِي الرِّكَاز لَا فِي الشَّيْء الَّذِي يصاب فِي المَاء، وَيَأْتِي الحَدِيث مَوْصُولا عَن قريب، وَقد لفظ فِي الرِّكَاز للحصر. قَوْله:(يصاب) أَي: يُوجد فِي المَاء كالسمك.
8941 -
وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني جَعْفَرُ بنُ رَبِيعَةَ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ سَألَ بَعْضَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِأنْ يُسْلِفَهُ ألْفَ دِينَارٍ فدَفَعَهَا إلَيْهِ فخَرَجَ فِي البَحْرِ فَلَمْ يَجِدْ مَركَبا فأخذَ خَشَبةً فنَقَرهَا فأدْخَلَ فِيهَا ألْفَ دِينَارٍ فرَمَى بِهَا فِي البَحْرِ فخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كانَ أسْلَفَهُ فإذَا بِالخَشَبةِ فأخَذَهَا لأِهْلِهِ حطَبا فذَكَر الحدِيثَ فلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ..
الْكَلَام فِي هَذَا الحَدِيث على أَنْوَاع.
الأول: فِي وَجه إِيرَاده هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، فَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث شَيْء يُنَاسب التَّرْجَمَة، رجل اقْترض قرضا فارتجع قرضه، وَكَذَا قَالَ الدَّاودِيّ: حَدِيث الْخَشَبَة لَيْسَ من هَذَا الْبَاب فِي شَيْء، وَأجَاب عَن ذَلِك من ساعده وَوجه كَلَامه مِنْهُم عبد الْملك فَقَالَ: إِنَّمَا أَدخل البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب لِأَنَّهُ يُرِيد أَن كل مَا أَلْقَاهُ الْبَحْر جَازَ الْتِقَاطه وَلَا خمس فِيهِ إِذا لم يعلم أَنه من مَال الْمُسلمين، وَأما إِذا علم أَنه مِنْهُ فَلَا يجوز أَخذه لِأَن الرجل إِنَّمَا أَخذ خَشَبَة على الْإِبَاحَة ليملكها، فَوجدَ فِيهَا المَال، وَلَو وَقع هَذَا الْيَوْم كَانَ كاللقطة لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَن الله تَعَالَى لَا يخلق الدَّنَانِير المضروبة فِي الْخَشَبَة. قلت: يَنْبَغِي أَن يُقيد عَادَة، لِأَن قدرَة الله تَعَالَى صَالِحَة لكل شَيْء عقلا، وَمِنْهُم ابْن الْمُنِير، فَقَالَ: مَوضِع الاستشهاد إِنَّمَا هُوَ أَخذ الْخَشَبَة على أَنَّهَا حطب، فَدلَّ على إِبَاحَة مثل ذَلِك مِمَّا يلفظه الْبَحْر، أما مِمَّا ينشأ فِيهِ كالعنبر أَو مِمَّا سبق فِيهِ ملك وعطب وَانْقطع ملك صَاحبه مِنْهُ على اخْتِلَاف بَين الْعلمَاء فِي تمْلِيك هَذَا مُطلقًا أَو مفصلا، وَإِذا جَازَ تمْلِيك الْخَشَبَة، وَقد تقدم عَلَيْهَا ملك متملك، فنحو العنبر الَّذِي لم يتَقَدَّم عَلَيْهِ ملك أولى. قلت: التَّرْجَمَة مَا يسْتَخْرج من الْبَحْر، والْحَدِيث يدل على مَا يسْتَخْرج من الْبَحْر، فالمطابقة فِي مُجَرّد الاستخراج من الْبَحْر مَعَ قطع النّظر عَن غَيره، وَأدنى الملابسة فِي التطابق كَاف.
النَّوْع الثَّانِي: أَنه ذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا مُعَلّقا مُخْتَصرا، وَوَقع فِي بعض نسخه عَقِيبه: حَدثنِي بذلك عبد الله بن صَالح، قَالَ: حَدثنِي اللَّيْث، ذكره الْحَافِظ الْمزي، قَالَ: وَهُوَ ثَابت فِي عدَّة أصُول من كتاب الْبيُوع من الْجَامِع من رِوَايَة أبي الْوَقْت عَن الدَّاودِيّ عَن أبي حمويه عَن الْفربرِي عَنهُ، وَقَالَ الطرقي: أخرجه مُحَمَّد فِي خَمْسَة مَوَاضِع من الْكتاب، فَقَالَ: قَالَ اللَّيْث) قلت: أخرجه هُنَا أَعنِي فِي الزَّكَاة وَفِي الْكفَالَة وَفِي الاستقراض وَفِي اللّقطَة وَفِي الشُّرُوط وَفِي الاسْتِئْذَان، وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي جَعْفَر بن ربيعَة، وَقَالَ فِي: بَاب التِّجَارَة فِي الْبَحْر، فِي الْبيُوع. وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي جَعْفَر بن ربيعَة عَن الْأَعْرَج (عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه ذكر رجلا من بني إِسْرَائِيل خرج فِي الْبَحْر فَقضى حَاجته) ، وسَاق الحَدِيث. حَدثنِي عبد الله ابْن صَالح، قَالَ: حَدثنِي اللَّيْث بِهَذَا، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي اللّقطَة عَن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ عَن دَاوُد بن مَنْصُور عَن اللَّيْث نَحوه.
أما الَّذِي أخرجه فِي الْكفَالَة فَهُوَ فِي: بَاب الْكفَالَة فِي الْقَرْض والديون، وَلَفظه: قَالَ أَبُو عبد الله، وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي جَعْفَر بن ربيعَة عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز (عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، أَنه ذكر رجلا من بني إِسْرَائِيل سَأَلَ بعض بني إِسْرَائِيل أَن يسلفه ألف دِينَار، فَقَالَ: إيتني بِالشُّهَدَاءِ أشهدهم، فَقَالَ: كفى بِاللَّه شَهِيدا. قَالَ: فَاتَنِي بالكفيل، قَالَ: كفى بِاللَّه كَفِيلا، قَالَ: صدقت، فَدَفعهَا إِلَيْهِ إِلَى أجل مُسَمّى، فَخرج فِي االبحر فَقضى حَاجته ثمَّ التمس مركبا
يركبهَا يقدم عَلَيْهِ للأجل الَّذِي أَجله فَلم يجد مركبا، فَأخذ خَشَبَة فنقرها فأحل فِيهَا ألف دِينَار وصحيفة مِنْهُ إِلَى صَاحبه ثمَّ زجج موضعهَا ثمَّ أَتَى بِهِ إِلَى الْبَحْر، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي كنت تسلفت فلَانا ألف دِينَار، فَسَأَلَنِي كَفِيلا فَقلت: كفى بِاللَّه كَفِيلا، فَرضِي بك، وسألني شَهِيدا، فَقلت: كفى بِاللَّه شَهِيدا، فَرضِي بك، وَإِنِّي جهدت أَن أجد مركبا أبْعث إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ، فَلم أقدر، وَإِنِّي أستودعتكها. فَرمى بهَا فِي الْبَحْر حَتَّى ولجت فِيهِ، ثمَّ انْصَرف وَهُوَ فِي ذَلِك يلْتَمس مركبا يخرج إِلَى بَلَده، فَخرج الرجل الَّذِي كَانَ أسلفه ينظر لَعَلَّ مركبا قد جَاءَ بِمَالِه، فَإِذا بالخشبة الَّتِي فِيهَا المَال فَأَخذهَا لأَهله حطبا، فَلَمَّا نشرها وجد المَال والصحيفة، ثمَّ قدم الَّذِي كَانَ أسلفه، فَأتى بِالْألف دِينَار، فَقَالَ: وَالله مَا زلت جاهدا فِي طلب مركب لآتيك بِمَالك فَمَا وجدت مركبا قبل الَّذِي أتيت فِيهِ، قَالَ: هَل كنت بعثت إِلَيّ بِشَيْء؟ قَالَ: أَخْبَرتك إِنِّي لم أجد مركبا قبل الَّذِي جِئْت فِيهِ. قَالَ: فَإِن الله قد أدّى عَنْك الَّذِي بعثت فِي الْخَشَبَة، فَانْصَرف بِالْألف دِينَار راشدا.
وَأما الَّذِي فِي الاستقراض فَأخْرجهُ مُخْتَصرا فِي: بَاب إِذا أقْرضهُ إِلَى أجل مُسَمّى، فَقَالَ: وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي جَعْفَر بن ربيعَة عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: أَنه ذكر رجلا من بني إِسْرَائِيل سَأَلَ بعض بني إِسْرَائِيل أَن يسلفه، فَدَفعهَا إِلَيْهِ إِلَى أجل مُسَمّى) فَذكر الحَدِيث.
وَأما الَّذِي فِي اللّقطَة، فَأخْرجهُ فِي: بَاب إِذا وجد خَشَبَة فِي الْبَحْر أَو سَوْطًا أَو نَحوه، وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي جَعْفَر بن ربيعَة عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز (عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أَنه ذكر رجلا من بني إِسْرَائِيل) ، وسَاق الحَدِيث (فَخرج ينظر لَعَلَّ مركبا قد جَاءَ بِمَالِه فَإِذا هُوَ بالخشبة، فَأَخذهَا لأَهله حطبا فَلَمَّا نشرها وجد المَال والصحيفة.
وَأما الَّذِي فِي الشُّرُوط فَأخْرجهُ فِي: بَاب الشُّرُوط فِي الْفَرْض مُخْتَصرا، وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي جَعْفَر بن ربيعَة عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز (عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أَنه ذكر رجلا سَأَلَ بعض بني إِسْرَائِيل أَن يسلفه ألف دِينَار فَدَفعهَا إِلَيْهِ إِلَى أجل مُسَمّى) .
وَأما الَّذِي فِي الاسْتِئْذَان فَأخْرجهُ فِي: بَاب بِمن يبْدَأ فِي الْكتاب، وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي جَعْفَر بن ربيعَة عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج (عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أَنه ذكر رجلا من بني إِسْرَائِيل أَخذ خَشَبَة فنقرها فَأدْخل فِيهَا ألف دِينَار، وصحيفة مِنْهُ إِلَى صَاحبه) ، وَقَالَ عمر ابْن أبي سَلمَة (عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: نجر خَشَبَة فَجعل المَال فِي جوفها وَكتب إِلَيْهِ صحيفَة من فلَان إِلَى فلَان) .
النَّوْع الثَّالِث: فِي مَعَاني الحَدِيث، فَقَوله:(أَن يسلفه) ، بِضَم الْيَاء، من أسلف إسلافا، يُقَال: سلفت تسليفا وأسلفت إسلافا، وَالِاسْم السّلف، وَهُوَ فِي الْمُعَامَلَات على وَجْهَيْن: أَحدهمَا الْقَرْض الَّذِي لَا مَنْفَعَة فِيهِ للمقرض غير الْأجر وَالشُّكْر، وعَلى الْمُقْتَرض رده، وَالْعرب تسمي الْقَرْض سلفا. وَالثَّانِي: هُوَ أَن يُعْطي مَالا فِي سلْعَة إِلَى أجل مَعْلُوم بِزِيَادَة فِي السّعر الْمَوْجُود عِنْد السّلف، وَذَلِكَ مَنْفَعَة للمسلف، وَيُقَال لَهُ: سلم، وَالْمرَاد هَهُنَا هُوَ الْمَعْنى الأول. قَوْله:(فَلم يجد مركبا)، أَي: سفينة يركب عَلَيْهَا وَيَجِيء إِلَى صَاحبه أَو يبْعَث فِيهَا شَيْئا إِلَيْهِ لقَضَاء دينه. قَوْله: (فَأخذ خَشَبَة) والخشبة وَاحِدَة الْخشب. قَوْله: (فنقرها) أَي: قوَّرها. قَوْله: (وَرمى بهَا)، أَي: الْخَشَبَة المنقورة قَاصِدا وصولها إِلَى صَاحب المَال. قَوْله: (فَإِذا بالخشبة) أَي: فَإِذا هُوَ مفاجىء بالخشبة. قَوْله: (حطبا) ، نصب على أَن أَخذ من أَفعَال المقاربة، فَيعْمل عمل كَانَ، وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا بمقدر تَقْدِيره فَأَخذهَا يَجْعَلهَا حطبا، يَعْنِي: يستعملها اسْتِعْمَال الْحَطب فِي الوقيد. قَوْله: (بِالشُّهَدَاءِ)، جمع شَهِيد بِمَعْنى: شَاهد، قَوْله:(يقدم)، بِفَتْح الدَّال من قدم يقدم من: بَاب فعل يفعل بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي، وَفتحهَا فِي الغابر. قَوْله:(فأحل فِيهَا) من الْإِحْلَال، وَهُوَ الْإِنْزَال وَالْمرَاد وضع فِي الْخَشَبَة المنقورة ألف دِينَار. قَوْله:(وصحيفة) بِالنّصب عطف على ألف دِينَار، وَالْمرَاد مِنْهَا الْمَكْتُوب. قَوْله:(ثمَّ زجج موضعهَا)، أَي: أصلح مَوضِع النقرة وسواه، قيل: لَعَلَّه من تزجيج الحواجب وَهُوَ الْتِقَاط زَوَائِد الشّعْر الْخَارِج عَن الْخَدين، وَإِن أَخذ من الزج وَهُوَ سِنَان الرمْح فَيكون النقر قد وَقع فِي طرف من الْخَشَبَة فسد عَلَيْهِ رَجَاء أَن يمسِكهُ ويحفظ مَا فِي بَطْنه. قَوْله:(تسلفت)، من بَاب التفعل مَعْنَاهُ: افترضت. قَوْله: (جهدت) من بَاب: فعل يفعل، بِالْفَتْح فيهمَا أَي: تحملت الْمَشَقَّة. قَوْله: (ولجت)، من الولوج وَهُوَ: الدُّخُول. قَوْله: (فَلَمَّا نشرها) أَي: قطعهَا بِالْمِنْشَارِ. قَوْله: (بِالْألف دِينَار)، هُوَ جَائِز على رَأْي الْكُوفِيّين. قَوْله:(راشدا) نصب على الْحَال من فَاعل: انْصَرف.