الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذلك. قَوْله: (قَالَ رجل)، قَالَ الْكرْمَانِي: ظَاهر سِيَاق هَذَا الْكَلَام يقْضِي أَن يكون المُرَاد بِهِ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَأَنَّهُ يُرِيد عُثْمَان، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون أَبَا بكر أَو عمر أَو عُثْمَان، وَفِيه تَأمل، لَا يخفى. وَقَالَ النَّوَوِيّ والقرطبي: يَعْنِي عمر بن الْخطاب، وَحكى الْحميدِي أَنه وَقع فِي البُخَارِيّ فِي رِوَايَة أبي رَجَاء عَن عمرَان، قَالَ البُخَارِيّ: يُقَال: إِنَّه عمر، أَي الرجل الَّذِي عناه عمرَان بن حُصَيْن قيل: الأولى أَن يُفَسر بهَا عمر، فَإِنَّهُ أول من نهى عَنْهَا، وَأما من نهي بعده فِي ذَلِك فَهُوَ تَابع لَهُ. وَقَالَ عِيَاض. وَغَيره جازمين بِأَن الْمُتْعَة الَّتِي نهى عَنْهَا عمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، هِيَ فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، لَا الْعمرَة الَّتِي يحجّ بعْدهَا. قلت: يرد عَلَيْهِم مَا جَاءَ فِي رِوَايَة مُسلم فِي بعض طرقه التَّصْرِيح بِكَوْنِهَا مُتْعَة الْحَج، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَفِي رِوَايَة لَهُ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أعمر بعض أَهله فِي الْعشْر، وَفِي رِوَايَة لَهُ: جمع بَين حج وَعمرَة، وَمرَاده التَّمَتُّع الْمَذْكُور، وَهُوَ الْجمع بَينهمَا فِي عَام وَاحِد.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وُقُوع الِاجْتِهَاد فِي الْأَحْكَام بَين الصَّحَابَة، وإنكار بعض الْمُجْتَهدين على بعض بِالنَّصِّ.
73 -
(بابُ تَفْسِيرِ قَوْلِ الله تعَالى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حاضِرِي المَسْجِدِ الْحَرَامُ} (الْبَقَرَة:
691) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الله عز وجل: {ذَلِك لمن لم يكن. .} (الْبَقَرَة: 691) . إِلَى آخِره. قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى التَّمَتُّع لِأَنَّهُ سيق فِيهَا، وَهُوَ قَوْله:{فَإِذا أمنتم فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهدى فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام، وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَن الله شَدِيد الْعقَاب} (الْبَقَرَة: 691) . قَوْله: {فَإِذا أمنتم} (الْبَقَرَة: 691) . أَي: إِذا تمكنتم من أَدَاء الْمَنَاسِك، فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ أَي: فَمن كَانَ مِنْكُم مُتَمَتِّعا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج، وَهُوَ يَشْمَل من أحرم بهما أَو أحرم بِالْعُمْرَةِ أَولا، فَلَمَّا فرغ مِنْهَا أحرم بِالْحَجِّ، وَهَذَا هوالتمتع الْخَاص. والتمتع الْعَام يَشْمَل الْقسمَيْنِ. قَوْله:{فَمَا اسْتَيْسَرَ} (الْبَقَرَة: 691) . أَي: فَعَلَيهِ مَا قدر عَلَيْهِ من الْهَدْي يذبحه، وَأقله شَاة. قَوْله:{فَمن لم يجد} أَي: هَديا: {فَعَلَيهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج} أَي: فِي أَيَّام الْمَنَاسِك. قَوْله: {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} أَي: وَعَلِيهِ صِيَام سَبْعَة أَيَّام إِذا رجعتم إِلَى أوطانكم وَقيل: إِذا فَرَغْتُمْ عَن مَنَاسِككُم. قَوْله: {تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} تَأْكِيد، كَمَا تَقول: رَأَيْت بعيني وَسمعت بأذني وكتبت بيَدي. قَوْله: {ذَلِك} أَي: التَّمَتُّع {لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} وَأَصله: حاضرين، فَلَمَّا أضيف إِلَى الْمَسْجِد سَقَطت النُّون للإضافة، وَسَقَطت الْيَاء فِي الْوَصْل لسكونها وَسُكُون اللَّام فِي الْمَسْجِد.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي: {حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} من هم؟ فَذهب طَاوُوس وَمُجاهد إِلَى أَنهم أهل الْحرم، وَبِه قَالَ دَاوُد، وَقَالَت طَائِفَة: من أهل مَكَّة بِعَينهَا، رُوِيَ هَذَا عَن نَافِع وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج، وَهُوَ قَول مَالك: هم أهل مَكَّة ذِي طوى وَشبههَا، وَأما أهل منى وعرفة والمناهل مثل: قديد وَمر الظهْرَان، وَعُسْفَان فَعَلَيْهِم الدَّم. وَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى: أَنهم أهل الْمَوَاقِيت، فَمن دونهم إِلَى مَكَّة، وَهُوَ قَول عَطاء وَمَكْحُول، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي بالعراق، وَقَالَ الشَّافِعِي أَيْضا، وَأحمد: من كَانَ من الْحرم على مَسَافَة لَا تقصر فِي مثلهَا الصَّلَاة فَهُوَ من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام، وَعند الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك وَدَاوُد: أَن الْمَكِّيّ لَا يكره لَهُ التَّمَتُّع وَلَا الْقرَان، وَإِن تمتّع لم يلْزمه دم وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره لَهُ التَّمَتُّع وَالْقرَان، فَإِن تمتّع أَو قرن فَعَلَيهِ دم جبرا، وهما فِي حق الأفقي مستحبان، وَيلْزمهُ الدَّم شكرا.
وَقَالَ أبُو كامِلٍ فُضَيْلُ بنُ حُسَيْنٍ البَصْرِيُّ قَالَ حدَّثنا أبُو مَعْشَرٍ حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ غِياثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ فَقَالَ أهَلَّ المُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ وَأزْوَاجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَأهْلَلْنَا فلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اجْعَلُوا إهْلَالَكُمْ بالحَجِّ عُمْرَةً إلَاّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ. طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ونَسَكْنَا مَناسِكَ وأتَيْنَا النِّسَاءَ ولَبِسْنَا الثِّيَابَ وقَالَ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فإنَّهُ لَا يَحِلُ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ ثُمَّ أمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أنْ نُهِلَّ
بِالحَجِّ فَإذَا فَرَغْنَا مِنَ المَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بالْبَيْتِ وبِالصَّفَا والمَرْوةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ فِي الحَجِّ وسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ} (الْبَقَرَة: 691) . إلَى أمْصَارِكُمْالشَّاةُ تَجْزِي فَجَمَعُوا نُسْكَيْنِ فِي عامٍ بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ فإنَّ الله تَعَالَى أنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وسَنَّهُ نبِيُّهُ صلى الله عليه وسلم وأبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيرَ أهْلِ مَكَّةَ قَالَ الله ذالِكَ لِمَنْ لَم يَكُنْ أهْلُهِ حاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ. وأشْهُرِ الحَجِّ الَّتي ذَكَرَ الله تَعَالَى شَوَّالٌ وذُو القَعْدَةِ وذُو الحَجَّةِ فَمَنْ تمَتَّعَ فِي هاذِهِ الأشْهُرِ فعَلَيْهِ دَمٌ أوْ صَوْمٌ والرَّفْثُ الجِمَاعُ والْفُسوقُ والمَعَاصِي والْجِدَالُ المِرَاءُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ، قَالَ: حَدثنَا الْقَاسِم الْمُطَرز حَدثنَا أَحْمد بن سِنَان حَدثنَا أَبُو كَامِل فَذكره بِطُولِهِ، لكنه قَالَ: عُثْمَان بن سعد، بدل عُثْمَان بن غياث، وَكِلَاهُمَا بصريان لَهما رِوَايَة عَن عِكْرِمَة، لَكِن عُثْمَان بن غياث ثِقَة، وَعُثْمَان بن سعد ضَعِيف.
ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: أَبُو كَامِل فُضَيْل بن حُسَيْن الجحدري، مَاتَ سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: أَبُو معشر، بِفَتْح الْمِيم: واسْمه يُوسُف بن يزِيد الْبَراء، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الرَّاء، وَكَانَ يبري الْعود، الْعَطَّار أَيْضا الْبَصْرِيّ. الثَّالِث: عُثْمَان بن غياث، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف ثاء مُثَلّثَة: الرَّاسِبِي، بِالْبَاء الْمُوَحدَة: الْبَاهِلِيّ. الرَّابِع: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حجَّة الْوَدَاع)، بِفَتْح الْحَاء وَالْوَاو وكسرهما. قَوْله:(فَلَمَّا قدمنَا مَكَّة)، أَي: فَلَمَّا قربنا من مَكَّة، لِأَن ذَلِك كَانَ بسرف. قَوْله:(اجعلوا)، خطاب لمن كَانَ أهلَّ بِالْحَجِّ مُفردا لأَنهم كَانُوا ثَلَاث فرق. قَوْله:(طفنا)، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ:(فطفنا) ، بِالْفَاءِ العاطفة، قَالَ بَعضهم: هُوَ الْوَجْه. قلت: كِلَاهُمَا موجه. أما الرِّوَايَة بِالْفَاءِ فظاهرة، وَأما الرِّوَايَة الْمُجَرَّدَة عَنْهَا فوجهها أَنه اسْتِئْنَاف، وَيجوز أَن يكون جَوَاب. (فَلَمَّا قدمنَا) . قَوْله:(وَقَالَ) ، جملَة حَالية، و: قد، مقدرَة فِيهَا لِأَن الْجُمْلَة الفعلية إِذا كَانَ فعلهَا مَاضِيا وَوَقعت حَالا فَلَا بُد أَن يكون فِيهَا كلمة: قد، إِمَّا ظَاهِرَة أَو مقدرَة. قَوْله:(ونسكنا الْمَنَاسِك) أَي: من الْوُقُوف وَالْمَبِيت بِمُزْدَلِفَة وَغير ذَلِك. قَوْله: (وأتينا النِّسَاء) ، وَابْن عَبَّاس غير دَاخل فِيهِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لم يكن مدْركا، وَإِنَّمَا هُوَ يَحْكِي ذَلِك عَنْهُم. قَوْله:(ثمَّ أمرنَا)، بِفَتْح الرَّاء أَي: ثمَّ أمرنَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (عَشِيَّة التَّرويَة) أَي: بعد الظّهْر ثامن ذيي الْحجَّة. قَوْله: (فَإِذا فَرغْنَا من الْمَنَاسِك) أَي: الْوُقُوف بِعَرَفَة وَالْمَبِيت بِمُزْدَلِفَة وَرمي يَوْم الْعِيد وَالْحلق. قَوْله: (فقد تمّ حجنا) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، وَقد تمّ بِالْوَاو، وَمن هَهُنَا إِلَى آخر الحَدِيث مَوْقُوف على ابْن عَبَّاس، وَمن أَوله إِلَى هُنَا مَرْفُوع. قَوْله:(كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} (الْبَقَرَة: 691) .) قد فسرناه عَن قريب. قَوْله: (إِذا رجعتم إِلَى أمصاركم) تَفْسِير من ابْن عَبَّاس بِمَعْنى: الرُّجُوع. قَوْله: (الشَّاة تجزي) تَفْسِير من ابْن عَبَّاس، و: تجزي، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: تَكْفِي لدم التَّمَتُّع. فَإِن قلت: مَا وَقعت هَذِه الْجُمْلَة أَعنِي: (الشَّاة تجزي) . قلت: جملَة حَالية وَقعت حَالا بِلَا وَاو وَهُوَ جَائِز كَمَا فِي قَوْلك: كَلمته فوه إِلَى فِي. قَوْله: (بَين نسكين) وهما: الْحَج وَالْعمْرَة. قَوْله: (بَين الْحَج وَالْعمْرَة) فَائِدَة ذكرهمَا الْبَيَان والتأكيد لِأَنَّهُمَا نفس النُّسُكَيْنِ، وَهُوَ بِإِسْكَان السِّين. قَالَ الْجَوْهَرِي: النّسك، بالإسكان الْعِبَادَة، وبالضم الذَّبِيحَة. قَوْله:(فَإِن الله أنزلهُ) أَي: أنزل الْجمع بَين الْحَج وَالْعمْرَة أخذا من قَوْله: {فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج} (الْبَقَرَة: 691) . قَوْله: (وسنَّهُ) أَي: شرَّعه نبيه صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أَمر بِهِ أَصْحَابه. قَوْله: (وأباجه) أَي: وأباح التَّمَتُّع للنَّاس غير أهل مَكَّة وَيجوز فِي غير النصب والجر، أما النصب فعلى الِاسْتِثْنَاء، وَأما الْجَرّ فعلى أَنه صفة للنَّاس. وَقَالَ بَعضهم بِنصب: غير، وَيجوز كَسره. قلت: الْكسر لَا يسْتَعْمل إلَاّ فِي الْمَبْنِيّ، وَفِي المعرب لَا يسْتَعْمل إلَاّ بِالْجَرِّ. قَوْله:(ذَلِك) أَي: التَّمَتُّع. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا دَلِيل للحنفية فِي أَن لفظ ذَلِك للتمتع لَا لحكمه، ثمَّ أجَاب بقوله: قَول الصَّحَابِيّ لَيْسَ بِحجَّة عِنْد الشَّافِعِي، إِذْ الْمُجْتَهد لَا يجوز لَهُ تَقْلِيد الْمُجْتَهد؟ قلت: هَذَا جَوَاب واهٍ مَعَ إساءة الْأَدَب، لَيْت شعري مَا وَجه هَذَا القَوْل الَّذِي يأباه الْعقل؟ فَإِن مثل ابْن عَبَّاس كَيفَ لَا يحْتَج بقوله؟
وَأي مُجْتَهد بعد الصَّحَابَة يلْحق ابْن عَبَّاس أَو يقرب مِنْهُ حَتَّى لَا يقلده؟ فَإِن هَذَا عسف عَظِيم. قَوْله: (الَّتِي ذكر الله تَعَالَى) أَي: فِي الْآيَة الَّتِي بعْدهَا آيَة التَّمَتُّع، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{الْحَج أشهر مَعْلُومَات} (الْبَقَرَة: 791) . قَوْله: (فِي هَذِه الْأَشْهر) وَفَائِدَة هَذَا التَّقْيِيد هُوَ التَّنْبِيه على أَن التَّمَتُّع الَّذِي يُوجب الدَّم أَو الصَّوْم الَّذِي فِي أشهر الْحَج. قَوْله: (شَوَّال)، مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ: شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة. قَوْله: (والرفث) إِلَى آخِره، قد مر بَيَانه مستقصىً. قَوْله:(والفسوق) ، الْمعاصِي فِيهِ إِشْعَار أَن الفسوق جمع فسق لَا مصدر، وَتَفْسِير الْأَشْهر، وَسَائِر الْأَلْفَاظ زِيَادَة للفوائد بِاعْتِبَار أدنى مُلَابسَة بَين الْآيَتَيْنِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: دَلِيل على مَشْرُوعِيَّة التَّمَتُّع، وَأَن الْمُتَمَتّع على قسمَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يكون سائق الْهَدْي، فَلَا يتَحَلَّل حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله، وَالْآخر: غير سائق الْهَدْي، فَإِنَّهُ يتَحَلَّل إِذا فرغ عَن عمرته، ثمَّ يحرم بِالْحَجِّ. وَفِيه: أَن الْمَكِّيّ لَا تمتّع عَلَيْهِ، وَعند الْجُمْهُور: التَّمَتُّع أَن يجمع الشَّخْص بَين الْعمرَة وَالْحج فِي سفر وَاحِد فِي أشهر الْحَج فِي عَام وَاحِد، وَأَن يقدم الْعمرَة، وَأَن لَا يكون مكيا، فَمَتَى اخْتَلَّ شَرط من هَذِه الشُّرُوط لم يكن مُتَمَتِّعا. وَفِيه: صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج لمن لَا يجد الْهَدْي، وَالْأَفْضَل عِنْد أبي حنيفَة أَن يَصُوم السَّابِع وَالثَّامِن وَالتَّاسِع من ذِي الْحجَّة، رَجَاء أَن يقدر على الْهَدْي الَّذِي هُوَ الأَصْل، وَالْمُسْتَحب فِي السَّبْعَة أَن يكون صَومهَا بعد رُجُوعه إِلَى أَهله، إِذْ جَوَاز ذَلِك مجمع عَلَيْهِ، وَيجوز إِذا رَجَعَ إِلَى مَكَّة بعد أَيَّام التَّشْرِيق فِي مَكَّة، وَفِي الطَّرِيق، وَهُوَ محكي عَن مُجَاهِد وَعَطَاء، وَهُوَ قَول مَالك، وَجوزهُ أَيْضا فِي أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ قَول ابْن عمر وَعَائِشَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالزهْرِيّ، وَلم يجوزه عَليّ بن أبي طَالب للنَّهْي عَن ذَلِك. وَقَالَ أَحْمد: أَرْجُو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس، وَقَالَ إِسْحَاق: يصومها فِي الطَّرِيق، وَللشَّافِعِيّ أَرْبَعَة أَقْوَال: أَصَحهَا: عَنهُ رُجُوعه إِلَى أَهله. الثَّانِي: الرُّجُوع هُوَ التَّوَجُّه من مَكَّة. الثَّالِث: الرُّجُوع من منى إِلَى مَكَّة. الرَّابِع: الْفَرَاغ من أَفعَال الْحَج، فَإِن فَاتَهُ صَوْم الثَّلَاثَة حَتَّى أَتَى يَوْم النَّحْر لم يجزه عِنْد أبي حنيفَة إلَاّ الدَّم. رُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير وطاووس وَمُجاهد وَالْحسن وَعَطَاء، وَجوز صَومهَا بعد أَيَّام التَّشْرِيق حَمَّاد وَالثَّوْري، وَللشَّافِعِيّ سِتَّة أَقْوَال: أَحدهَا: لَا يَصُوم وينتقل إِلَى الْهَدْي. الثَّانِي: عَلَيْهِ صَوْم عشرَة أَيَّام يفرق بِيَوْم. الثَّالِث: عشرَة أَيَّام مُطلقًا. الرَّابِع: يفرق بأَرْبعَة أَيَّام فَقَط. الْخَامِس: يفرق بِمدَّة إِمْكَان السّير. السَّادِس: بأَرْبعَة أَيَّام، وَمُدَّة إِمْكَان السّير، وَهُوَ أَصَحهَا عِنْدهم، وَخرج ابْن شُرَيْح وَأَبُو إِسْحَاق الْمروزِي قولا: أَن الصَّوْم يسْقط ويستقر فِي ذمَّته. وَالله أعلم.
83 -
بابُ الإغْتِسالِ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب الِاغْتِسَال عِنْد دُخُول مَكَّة، شرفها الله تَعَالَى.
3751 -
حدَّثني يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمُ قَالَ حدَّثنا ابنُ عُلَيَّةَ قَالَ أخْبَرَنا أيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كانَ بنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إذَا دَخَلَ أدْنَى الْحَرَمُ أمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبيتُ بذِي طِوىً ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ ويَغْتَسِلُ ويُحَدِّثُ أنَّ نبيَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَفْعَلُ ذالِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ويغتسل بِذِي طوى لدُخُول مَكَّة) . وَقد أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث بأتم مِنْهُ مُعَلّقا فِي: بَاب الإهلال مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً. وَابْن علية هُوَ إِسْمَاعِيل بن علية، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف.
قَوْله: (أدنى الْحرم) أَي: أول مَوضِع مِنْهُ. قَوْله: (أمسك عَن التَّلْبِيَة)، أَي: يَتْرُكهَا، وَالظَّاهِر أَن هَذَا كَانَ مذْهبه، وإلَاّ فالإمساك عَنْهَا فِي يَوْم الْعِيد أَو كَانَ يستأنفها، ذَلِك أَو كَانَ تَركهَا لسَبَب من الْأَسْبَاب. قَوْله:(ويغتسل) أَي: يغْتَسل بِذِي طوى. قَوْله: (ذَلِك)، إِشَارَة إِلَى مَا فعله من الْإِمْسَاك عَن التَّلْبِيَة إِذا دخل أدنى الْحرم والبيتوتة بِذِي طوى والاغتسال فِيهِ. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: الِاغْتِسَال لدُخُول مَكَّة مُسْتَحبّ عِنْد جَمِيع الْعلمَاء، إلَاّ أَنه لَيْسَ فِي تَركه عَامِدًا عِنْدهم فديَة. وَقَالَ أَكْثَرهم: الْوضُوء يجزىء فِيهِ. وَكَانَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يتَوَضَّأ أَحْيَانًا ويغتسل أَحْيَانًا. وروى ابْن نَافِع عَن مَالك. أَنه اسْتحبَّ الْأَخْذ بقول ابْن عمر: يتَوَضَّأ أَحْيَانًا ويغتسل أَحْيَانًا للإهلال بِذِي الحليفة وبذى طوى لدُخُول