الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَادَ الْحمَيْدِيُّ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ حَدثنَا عَمْرٌ وَقَالَ سَمِعْتُ عَطاءً عنِ ابنِ عَبَّاسٍ مِثْلهُ
وَقَول ابْن عَبَّاس: (ليري الْمُشْركين قوته)، فِيهِ حصر السَّبَب فِيمَا ذكره على مَا هُوَ الْمَشْهُور فِي: إِنَّمَا، من إِفَادَة الْحصْر، وَقد جَاءَ عَن ابْن عَبَّاس سَبَب آخر وَهُوَ سعي أَبينَا إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، فَيجوز أَن يكون هُوَ الْمُقْتَضِي لمشروعية الْإِسْرَاع على مَا رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَوْله:(قَالَ: إِن إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، لما أَمر بالمناسك عرض لَهُ الشَّيْطَان عِنْد السَّعْي، فسبقه فسابقه إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام . وَقد ورد أَيْضا سَبَب آخر، وَهُوَ: سعي هَاجر عليها السلام، على مَا صرح بِهِ البُخَارِيّ (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: جَاءَ إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام الحَدِيث، وَفِيه: (فَهَبَطت من الصَّفَا حَتَّى إِذا بلغت الْوَادي رفعت طرف درعها وسعت سعي إِنْسَان مجهود حَتَّى جَاوَزت الْوَادي) الحَدِيث، وَفِيه:(فَفعلت ذَلِك سبع مَرَّات. قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم: فَلذَلِك سعى النَّاس بَينهمَا) . فَإِن كَانَ المُرَاد بقوله: فَلذَلِك سعى النَّاس بَينهمَا: الْإِسْرَاع فِي الْمَشْي فَهَذِهِ الْعلَّة من نَص الشَّارِع، فهى أولى مَا يُعلل بِهِ السَّعْي، وَإِن أَرَادَ بالسعي مُطلق الذّهاب فَلَا، وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة الْأَزْرَقِيّ، فَلذَلِك طَاف النَّاس بَين الصَّفَا والمروة، وَالله أعلم.
قَوْله: (الْحميدِي)، بِضَم الْحَاء نِسْبَة إِلَى: حميد أحد أجداد عبد الله بن الزبير بن عبد الله الْقرشِي الْمَكِّيّ شيخ البُخَارِيّ، وَمن أَفْرَاده، وَمعنى هَذِه الزِّيَادَة أَن الْحميدِي صرح بِالتَّحْدِيثِ فِي رِوَايَته عَن عَمْرو بن دِينَار، وَصرح عَمْرو بِالسَّمَاعِ من عَطاء بن أبي رَبَاح، وَمن طَرِيقه أخرجه أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) . وَقَالَ الْكرْمَانِي: زَاد لفظ: حَدثنَا وَسمعت، بدل المعنعن، وَفَائِدَته الْخُرُوج عَن الْخلاف فِي الْقبُول، سِيمَا وسُفْيَان من المدلسين. قَوْله:(مثله)، أَي: مثل مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي الحَدِيث السَّابِق.
18 -
(بابٌ تَقْضي الحَائِضُ المَناسِكَ كُلَّها إلَاّ الطَّوافَ بالبَيْتِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: تقضي الْحَائِض
…
إِلَى رخره، وَأَرَادَ بالمناسك أَفعَال الْحَج ووصرح بالحكم فِي هَذَا وَهُوَ أَن الْحَائِض تقضي الْمَنَاسِك كلهَا إِلَّا الطّواف بِالْبَيْتِ للْمَنْع الْوَارِد فِيهِ على مَا يَأْتِي فِي حَدِيث الْبَاب، وَإِنَّمَا صرح بِهِ لعدم الْخلاف فِيهِ.
وإذَا سعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ
هَذَا أَيْضا من التَّرْجَمَة أَي: وَإِذا سعى الْحَاج أَو الْمُعْتَمِر بَين الصَّفَا والمروة وَهُوَ على غير وضوء، وَإِنَّمَا لم يذكر الحكم فِيهِ لأجل الْخلاف فِيهِ، فَإِن الْحسن الْبَصْرِيّ اشْترط الطَّهَارَة للسعي، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لم يذكر عَن أحد من السّلف اشْتِرَاط الطَّهَارَة للسعي إلَاّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن الْحَنَابِلَة فِي رِوَايَة.
0561 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ الْقَاسِمِ عنْ أبيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّها قالَتْ قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنا حَائِضٌ ولَمْ أطُفْ بِالبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ قالَتْ فشَكَوْتُ ذالِكَ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إفْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غيرَ أنْ لَا تَطُوفي بالبيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إفعلي كَمَا يفعل الْحَاج) إِلَى آخِره، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب تقضي الْحَائِض الْمَنَاسِك كلهَا إلَاّ الطّواف بِالْبَيْتِ، فِي كتاب الْحيض عَن أبي نعيم عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة، وَأخرجه أَيْضا فِي: بَاب كَيفَ كَانَ بَدْء الْحيض فِي أول كتاب الْحيض، بأتم مِنْهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان، قَالَ: سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم سَمِعت الْقَاسِم، يَقُول: سَمِعت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، تَقول: خرجنَا لَا نرى إِلَّا الْحَج
…
الحَدِيث. قَوْله: (حَتَّى تطهري)، بِفَتْح التَّاء والطاء الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة وَتَشْديد الْهَاء أَيْضا. وَأَصله: تتطهري، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَمَعْنَاهُ: حَتَّى تغتسلي وتطهري بِالْغسْلِ، وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي رِوَايَة مُسلم:(حَتَّى تغتسلي)، وَقَالَ ابْن بطال: الْعلمَاء مجمعون أَن الْحَائِض تشهد الْمَنَاسِك كلهَا غير الطّواف بِالْبَيْتِ، وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا منعت الْحَائِض
من الطوا على غير طَهَارَة تَنْزِيها لِلْمَسْجِدِ عَن النَّجَاسَات، ولأمره صلى الله عليه وسلم الْحيض فِي الْعِيدَيْنِ بالإعتزال. وَقَالَ ابْن التِّين: وَقَول عَائِشَة: وَلم أطف بِالْبَيْتِ، تُرِيدُ أَن طواف الْعمرَة منعهَا مِنْهُ حَيْضهَا. قَوْله:(كَمَا يفعل الْحَاج) لَا يكون إِلَّا بِأَن يردف الْحَج على الْعمرَة، قَالَ: وَقيل: كَانَت حاجَّة، ذكره ابْن عبد الْملك، وَلَا يَصح لَهَا السَّعْي، وَإِن كَانَ يَصح فعله بِغَيْر طَهَارَة كَانَ الطّواف قبله، وَذَلِكَ لَا يَصح حَتَّى تطهر، وَلَا يكون السَّعْي مُفردا، وَيصِح إِفْرَاد الطّواف. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَكَانَ البُخَارِيّ فهم أَن قَوْله صلى الله عليه وسلم لَهَا: (إفعلي كَمَا يفعل الْحَاج، غير أَن لَا تطوفي) أَنَّهَا تسْعَى، فبوب:(وَإِذا سعى على غير وضوء) . انْتهى. قلت: لَيْسَ الْأَمر كَمَا ذكره، وَإِنَّمَا قَوْله:(وَإِذا سعى. .) إِلَى آخِره من التَّرْجَمَة كَمَا ذكرنَا، وَأَشَارَ بهَا إِلَى الْخلاف فِي اشْتِرَاط الطَّهَارَة فِي السَّعْي، فَلذَلِك لم يجْزم بالحكم، غير أَنه لم يذكر فِي الْبَاب شَيْئا يدل عَلَيْهِ، وَاكْتفى بِمُجَرَّد ذكر هَذِه التَّرْجَمَة، فَافْهَم.
1561 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ وَقَالَ لي خَلِيفَةُ حَدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ حدَّثنا حبيبٌ المُعَلِّمُ عنْ عَطَاءٍ عَن جابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أهلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هُوَ وأصْحَابُهُ بالحَجِّ ولَيْسَ مَعَ أحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وطَلْحَةَ وقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ ومَعَهُ هَدْيٌ فَقَالَ أهْلَلْتُ بِمَا أهَلَّ بِهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصْحَابَهُ أنْ يَجْعَلوهَا عُمْرَةً ويَطُوفوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا ويَحِلُّوا إلَاّ مَنْ كانَ مَعَهُ الهَدُيُ فقالُوا ننْطَلِقُ إلَى مِنىً وذَكَرُ أحَدِنَا يَقْطُرُ مَنيُّا فبَلَغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أهْدَيْتُ ولَوْلا أنَّ مَعِي الْهَدْي لأَحْلَلْتُ وحاضَتْ عائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أنَّهَا لَمْ تَطُف بِالبَيْتِ فلَمَّا طَهُرَتْ طافَتْ بِالْبَيْتِ قالتْ يَا رسولَ الله تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وعُمْرَةٍ وأنْطَلِقُ بِحَجٍّ فأمرَ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ أبِي بَكْرٍ أنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمَ فاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لَا تخفى.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن الْمثنى بن عبيد الْمَعْرُوف بالزمن، وَقد مر غير مرّة، الثَّانِي: عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ. الثَّالِث: خَليفَة، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالفاءين خياط، من خياطَة الثِّيَاب، وَقد مر فِي: بَاب الْمَيِّت يسمع خَفق النِّعَال. الرَّابِع: حبيب بن ابْن قريبَة الْمعلم بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التَّعْلِيم. الْخَامِس: عَطاء بن أبي رَبَاح. السَّادِس: جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَنه ذكر هَذَا الْإِسْنَاد من طَرِيقين: الأول: عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب عَن حبيب، وَالثَّانِي: أَنه ذكره على سَبِيل المذاكرة حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ لي خَليفَة لَا على سَبِيل التَّحَمُّل، فَلذَلِك لم يقل: حَدثنَا خَليفَة مَعَ أَنه شَيْخه، وَهُوَ من أَفْرَاده. وَفِيه: أَنهم كلهم بصريون إلَاّ عَطاء فَإِنَّهُ مكي، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج عَن أَحْمد بن حَنْبَل عَن الثَّقَفِيّ بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَالَ وَقَالَ) فَاعل قَالَ الأول البُخَارِيّ، وفاعل الثَّانِي ظَاهر، وَهُوَ خَليفَة. قَوْله:(أهل) أَي: أحرم. قَوْله: (وَلَيْسَ مَعَ أحد) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (وَطَلْحَة) بِالرَّفْع عطف على غير النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (عَليّ) ، هُوَ ابْن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم أرْسلهُ إِلَى الْيمن. قَوْله:(وَمَعَهُ هدي)، جملَة إسمية وَقعت حَالا. قَوْله:(أَن يجعلوها)، أَي: الْحجَّة الَّتِي أهلوا بهَا. قَوْله: (ويطوفوا) أَي: بِالْبَيْتِ، وَبَين الصَّفَا والمروة. قَوْله:(ويحلوا) أَي: ويصيرون حَلَالا. قَوْله: (يقطر) أَي: منيا بِسَبَب قرب عهدنا بِالْجِمَاعِ أَي: كُنَّا متمتعين بِالنسَاء. قَوْله: (فَبلغ) أَي: الشَّأْن يَعْنِي: بلغ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَوْلهم، هَذَا وَهُوَ أَنهم تمَتَّعُوا بِهِ، وَقُلُوبهمْ لَا تطيب بِهِ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم غير متمتع، وَكَانُوا يحبونَ مُوَافَقَته صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(فَقَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عليه وسلم (لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي) أَي: لَو عرفت فِي أول الْحَال مَا عرفت آخرا، من جَوَاز الْعمرَة فِي أشهر الْحَج (لما أهديت) أَي: لَكُنْت مُتَمَتِّعا إِرَادَة لمُخَالفَة أهل الْجَاهِلِيَّة (ولأحللت) من الْإِحْرَام لَكِن امْتنع الْإِحْلَال لصَاحب الْهَدْي هُوَ
الْمُفْرد أَو الْقَارِن حَتَّى يبلغ الْهَدْي إِلَى مَحَله، وَذَلِكَ فِي أَيَّام النَّحْر لَا قبلهَا، وَيُقَال: مَعْنَاهُ لَو اسْتقْبلت هَذَا الرَّأْي، وَهُوَ الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج من أول أَمْرِي لم أسق الْهَدْي. قَوْله:(فنسكت الْمَنَاسِك كلهَا) أَي: أَتَت بِأَفْعَال الْحَج كلهَا غير الطّواف بِالْبَيْتِ. قَوْله: (فَلَمَّا طهرت) ، بِفَتْح الْهَاء وَضمّهَا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ النَّوَوِيّ: احْتج بِهِ من قَالَ: إِن التَّمَتُّع أفضل لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يتَمَنَّى إلَاّ الْأَفْضَل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَأجَاب الْقَائِلُونَ بتفضيل الْإِفْرَاد أَنه صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا قَالَ من أجل فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة الَّذِي هُوَ خَاص بهم فِي تِلْكَ السّنة فَقَط، مُخَالفَة للجاهلية. وَقَالَ هَذَا الْكَلَام تطييبا لقلوب أَصْحَابه، لِأَن نُفُوسهم كَانَت لَا تسمح بِفَسْخ الْحَج قلت: قَالَ الطَّبَرِيّ: وَجُمْلَة الْحَال لَهُ أَنه لم يكن مُتَمَتِّعا، لِأَنَّهُ قَالَ:(لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا أهديت) يَعْنِي مَا سقت الْهَدْي ولجعلتها عمْرَة، وَلَا كَانَ مُفردا لِأَن الْهَدْي كَانَ وَاجِبا كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا للقارن. وَفِيه: فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، لَكِن نقُول: إِنَّه كَانَ مَخْصُوصًا بهم فِي تِلْكَ السّنة، وَأَنه لَا يجوز الْيَوْم إلَاّ عِنْد ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد والظاهري. وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز الْأَمريْنِ، وَأَنه لَوْلَا مَا سبق من سوقه صلى الله عليه وسلم الْهَدْي لحل مَعَهم، إلَاّ أَن السنَّة فِيمَن سَاق الْهَدْي أَنه لَا يحل إلَاّ بعد بُلُوغ الْهَدْي مَحَله، وَهُوَ نَحره يَوْم النَّحْر. قَالَ القَاضِي: وَفِيه: دَلِيل على أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ مهلا بِالْحَجِّ. قلت: يَعْنِي لم يكن مُعْتَمِرًا، بل كَانَ قَارنا، كَمَا قَالَه الطَّبَرِيّ. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ، رحمه الله: احْتج بِهَذَا الحَدِيث قوم على جَوَاز فسخ الْحَج فِي الْعمرَة، وَقَالُوا: من طَاف من الْحجَّاج بِالْبَيْتِ قبل وُقُوفه بِعَرَفَة وَلم يكن مِمَّن سَاق الْهَدْي فَإِنَّهُ يحل قلت: أَرَادَ بهؤلاء الْقَوْم جمَاعَة الظَّاهِرِيَّة، وَأحمد، ثمَّ قَالَ: وَخَالفهُم آخَرُونَ، فَقَالُوا: لَيْسَ لأحد دخل فِي حجَّة أَن يخرج مِنْهَا إلَاّ بِتَمَامِهَا، وَلَا يحله شَيْء مِنْهَا قبل يَوْم النَّحْر من طواف وَلَا غَيره. قلت: أَرَادَ بالآخرين جَمَاهِير التَّابِعين وَالْفُقَهَاء مِنْهُم أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وأصحابهم، ثمَّ أجَاب عَن ذَلِك بِمثل مَا ذكرنَا الْآن أَنه كَانَ خَاصّا لَهُم فِي حجتهم تِلْكَ دون سَائِر النَّاس بعدهمْ، ثمَّ قَالَ: وَالدَّلِيل على أَن ذَلِك كَانَ خَاصّا للصحابة الَّذين حجُّوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دون غَيرهم حَدِيث بِلَال بن الْحَارِث، قَالَ:(قلت: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت فسخ حجنا هَذَا لنا خَاصَّة أم للنَّاس عَامَّة؟ قَالَ: بل لكم خَاصَّة) . وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه.
2561 -
حدَّثنا مُؤَمَّلُ بنُ هِشَامٍ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ عنْ أيُّوبَ عَن حَفْصَةَ قالَتْ كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أنْ يخْرُجْنَ فقَدِمَتِ امْرَأةٌ فنزَلَتْ قَصْرَ بَني خَلَفَ فَحَدَّثَتْ أنَّ أختَهَا كانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أصْحَابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ غَزَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثِنْتَي عَشْرَةَ غَزْوَةً وكانَتْ أُختِي مَعَهُ فِي سَتِّ غَزَواتٍ قالَتْ كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى ونَقُومُ علَى المَرْضى فسَألْت أُخْتِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَتْ هَلْ عَلى إحْدانَا بأسٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَها جِلْبابٌ أنْ لَا تَخْرُجَ قَالَ لِتُلْبِسهَا صاحِبتُهَا مِنْ جلْبابِهَا ولْتَشْهَدِ الخَيْرَ ودَعْوةَ المُؤْمِنِينَ فلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عطِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا سَألْنَهَا أوْ قالَتْ سألْناها فقالَتْ وكانَتْ لَا تَذْكُر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلَاّ قالَتْ بِأبِي فقُلْنا أسَمِعْتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ كذَا وكَذا قالَتْ نَعَمْ بِأبِي فقالَ لِتَخْرُجِ العَوَاتِقُ ذَواتُ الخُدُورِ أوِ العَواتِقِ وذَوَاتِ الخُدُورِ والحُيَّضُ فيَشْهَدْنَ الخَبَرَ ودَعْوةَ المُسْلِمِينَ ويَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى فَقُلْتُ آلْحَائِضُ فقالتْ أوَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرفَةَ وتَشْهَدُ كَذا وتَشْهَدُ كذَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَو لَيْسَ تشهد عَرَفَة وَتشهد كَذَا وَتشهد كَذَا وَتشهد كَذَا؟) لِأَن مَعْنَاهُ: تشهد الْوُقُوف بِعَرَفَة، وَتشهد الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة وَرمي الْجمار وَغير ذَلِك من أَفعَال الْحَج غير الطّواف بِالْبَيْتِ، وَهَذَا مُوَافق لقَوْل جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فنسكت الْمَنَاسِك كلهَا غير أَنَّهَا لم تطف بِالْبَيْتِ، وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي: بَاب شُهُود الْحَائِض