الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث عِنْدِي، ثمَّ وثب من فوره فجَاء بِأَصْلِهِ، فَأخْرج مِنْهُ هَذَا الحَدِيث عَن أبي مُعَاوِيَة كَمَا ذكره يحيى الْحمانِي، فَكتب عَنهُ يحيى بن معِين، وَكفى لصِحَّة هَذَا الحَدِيث شَهَادَة عبد الرَّحْمَن وَكِتَابَة يحيى بن معِين وَرِوَايَة أبي مُعَاوِيَة، وَأما قَول ابْن حزم: وَلَا نعلمهُ صَحِيحا، فَهِيَ نفي لعلمه بِصِحَّتِهِ، فَهَذَا لَا يسْتَلْزم نفي صِحَة الحَدِيث فِي علم غَيره، فَافْهَم. وَقد روى أَحْمد، رَحمَه الله تَعَالَى، فِي (مُسْنده) من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، حَدِيثا يدل على جَوَاز لبس المزعفر للْمحرمِ إِذا لم يكن فِيهِ نفض وَلَا ردع.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من ظَاهر الحَدِيث: جَوَاز لبس المزعفر والمورس لغير الرجل الْمحرم، لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِك فِي جَوَاز السُّؤَال عَمَّا يلبس الْمحرم، فَدلَّ على جَوَازه لغيره، فَإِن قلت: أخرج الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى أَن يتزعفر الرجل؟ قلت: قَالَ شَيخنَا زين الدّين، رحمه الله: الْجمع بَين الْحَدِيثين أَنه يحْتَمل أَن يُقَال: إِن جَوَاب سُؤَالهمْ انْتهى عِنْد قَوْله: أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ اسْتَأْنف بِهَذَا لَا تعلق لَهُ بالمسؤول عَنهُ، فَقَالَ: وَلَا تلبسوا شَيْئا من الثِّيَاب
…
إِلَى آخِره، ثمَّ ذكر حكم الْمَرْأَة الْمُحرمَة. انْتهى. قلت: هَذَا الِاحْتِمَال فِيهِ بعد، بل الْأَوْجه أَن المُرَاد من النَّهْي عَن تزعفر الرجل أَن يزعفر بدنه، فَأَما لبس الثَّوْب المزعفر لغير الْمحرم فَلَا بَأْس بِهِ، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس، قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يزعفر الرجل جلده، وَإِسْنَاده صَحِيح، والْحَدِيث الَّذِي يُنْهِي النَّهْي عَن مُطلق التزعفر، وَيحمل الْمُطلق على الْمُقَيد الَّذِي فِيهِ بِأَن يزعفر الرجل جلده، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا ورد فِي جَوَاز لبس الثِّيَاب المزعفرة والمورسة للرِّجَال، فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث قيس بن سعد، قَالَ: أَتَانَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْنَا لَهُ مَا يتبرَّد فاغتسل، ثمَّ أَتَيْته بملحفة صفراء فَرَأَيْت أثر الورس عَلَيْهِ، لفظ ابْن مَاجَه. وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: كَانَ يصْبغ بالصفرة ثِيَابه كلهَا حَتَّى عمَامَته، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَفِي لفظ لَهُ: إِن ابْن عمر كَانَ يصْبغ ثِيَابه بالزعفران، فأصله فِي (الصَّحِيح) وَلَفظه: أما الصُّفْرَة فَإِنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يصْبغ بهَا. وَجمع الْخطابِيّ بِأَن مَا صبغ غزله ثمَّ نسج فَلَيْسَ بداخل فِي النَّهْي، وَوَافَقَهُ الْبَيْهَقِيّ على هَذَا، فَإِن قلت: قد علم أَن الْمحرم قد منع من لبس الثَّوْب الْمَصْبُوغ بالزعفران أَو الورس، فَمَا حكمه إِذا توسد عَلَيْهِ أَو نَام؟ قلت: قَالَ أَبُو يُوسُف فِي (الْإِمْلَاء) : لَا يَنْبَغِي لمحرم أَن يتوسد ثوبا مصبوغا بالزعفران وَلَا الورس، وَلَا ينَام عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يصير مُسْتَعْملا للطيب، فَكَانَ كاللبس، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: اخْتلف أهل الْعلم فِي الورس هَل هُوَ طيب أم لَا؟ فَذكر ابْن الْعَرَبِيّ أَنه لَيْسَ بِطيب، فَقَالَ: والورس، وَإِن لم يكن طيبا فَلهُ رَائِحَة طيبَة، فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يبين تجنب الطّيب الْمَحْض، وَمَا يشبه الطّيب فِي ملايمة الشم واستحسانه. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: هُوَ فِيمَا يُقَال: أشهر طيب فِي بِلَاد الْيمن، وَفِي كَلَام النَّوَوِيّ أَيْضا مَا يشْعر أَنه طيب. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: نبه النَّبِي صلى الله عليه وسلم بالورس والزعفران على مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا يقْصد بِهِ الطّيب فَهِيَ حرَام على القبيلتين، فَيكْرَه للْمحرمِ لبس الثَّوْب الْمَصْبُوغ بِغَيْر طيب، وَأما الْفَوَاكِه كالأترج والتفاح وأزهار الْبَوَادِي كالشيخ والقيصوم وَغَيرهمَا فَلَيْسَ بِحرَام.
22 -
(بابُ الرُّكُوبِ وَالارْتِدَافِ فِي الحَجِّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الرّكُوب والارتداف فِي الْحَج، والارتداف أَن يركب الرَّاكِب خَلفه آخر.
4451 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ قَالَ حدَّثنا أبي عنْ يُونُسَ الأيْلِيِّ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ أُسَامَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ كَانَ رِدْفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَةَ إلَى المُزْدَلِفَةِ ثُمَّ أرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ المُزْدَلِفَةَ إلَى مِنَىً قَالَ فَكلَاهُمَا قَالَ لَمْ يَزَلِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ.
(الحَدِيث 3451 طرفه فِي: 6861) ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا. وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، ووهب هُوَ ابْن جرير بن حَازِم يروي عَن أَبِيه جرير، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد مُسلم، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن
مَسْعُود أَبُو عبد الله الهزلي أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة، مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث كريب مولى ابْن عَبَّاس عَن أُسَامَة بن زيد، قَالَ: ردفت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من عَرَفَات
…
الحَدِيث، وَفِيه: قَالَ كريب: فَأَخْبرنِي عبد الله بن عَبَّاس عَن الْفضل أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يُلَبِّي حَتَّى بلغ الْجَمْرَة. وروى من حَدِيث عَطاء قَالَ: أَخْبرنِي ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أرْدف الْفضل من جمع، قَالَ: فَأَخْبرنِي ابْن عَبَّاس أَن الْفضل أخبرهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ردف النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره فَاء، بِمَعْنى: الرديف، وَهُوَ الَّذِي يركب خلف الرَّاكِب، وَكَذَلِكَ الرديف، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة أَحْمد. قَوْله: (من عَرَفَة) أَي: من عَرَفَات، وَهُوَ اسْم لموْضِع الْوُقُوف. قَوْله:(إِلَى الْمزْدَلِفَة) ، بِلَفْظ الْفَاعِل من الإزدلاف، وَهُوَ التَّقَرُّب والتقدم لِأَن الْحجَّاج إِذا أفاضوا من عَرَفَات ازدلفوا إِلَيْهَا، أَي: تقربُوا مِنْهَا وتقدموا إِلَيْهَا، وَسميت بذلك لمجيء النَّاس فِي زلف من اللَّيْل، وَهُوَ مَوضِع بحرم مَكَّة. قَوْله:(الْفضل) هُوَ ابْن عَبَّاس بن عبد الْمطلب. قَوْله: (فكلاهما) أَي: أُسَامَة وَالْفضل. قَوْله: (حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة)، أَي: إِلَى أَن رمى جَمْرَة الْعقبَة، وَهِي حد منى من الْجَانِب الغربي من جِهَة مَكَّة. وَيُقَال لَهُ أَيْضا: الْجَمْرَة الْكُبْرَى، والجمرة والحصاة، وَهنا اسْم لمجتمع الْحَصَى.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن الْحَج رَاكِبًا أفضل، وَقد مر الْخلاف فِيهِ فِي: بَاب الْحَج على الرجل. وَفِيه: إرداف الْعَالم. وَفِيه: التَّوَاضُع بالإرداف للرجل الْكَبِير وَالسُّلْطَان الْجَلِيل. وَفِيه: حجَّة لأبي حنيفَة وصاحبيه وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَدَاوُد بن عَليّ وَأبي عبيد والطبري فِي قَوْلهم: يُلَبِّي الْحَاج وَلَا يقطع التَّلْبِيَة حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة، وَهُوَ الْمَنْقُول أَيْضا عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وطاووس وَسَعِيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن أبي ليلى وَالْحسن بن حَيّ، وروى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن مَسْعُود ومَيْمُونَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. ثمَّ اخْتلف بعض هَؤُلَاءِ، فَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: يقطع التَّلْبِيَة مَعَ أول حَصَاة يرميها من جَمْرَة الْعقبَة. وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَطَائِفَة من أهل النّظر والأثر: لَا يقطعهَا حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة بأسرها، قَالُوا: وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (لم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة) وَلم يقل: حَتَّى رمى بَعْضهَا. قلت: روى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شريك عَن عَامر بن شَقِيق عَن أبي وَائِل (عَن عبد الله: رمقت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة بِأول حَصَاة) . فَإِن قلت: أخرج ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) : عَن الْفضل بن عَبَّاس قَالَ: (أفضت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من عَرَفَات، فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة، يكبر مَعَ كل حَصَاة، ثمَّ قطع التَّلْبِيَة مَعَ آخر حَصَاة) . قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذِه زِيَادَة غَرِيبَة لَيست فِي الرِّوَايَات عَن الْفضل، وَإِن كَانَ ابْن خُزَيْمَة قد اخْتَارَهَا. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: فِيهِ نَكَارَة. وَقَوله: (يكبر مَعَ كل حَصَاة)، يدل على أَنه قطع التَّلْبِيَة مَعَ آخر حَصَاة. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَمُحَمّد بن أبي بكر الثَّقَفِيّ وَمَالك وَأَصْحَابه وَأكْثر أهل الْمَدِينَة:(الْحَاج لَا يُلَبِّي فيعرفة بل يكبر ويهلل) . وَرُوِيَ ذَلِك عَن عبد الله بن عمر وَعبد الله بن الزبير وَجَابِر بن عبد الله.
ثمَّ اخْتلفُوا مَتى يقطع التَّلْبِيَة؟ فَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمَالك أَصْحَابه: يقطعهَا إِذا توجه إِلَى عَرَفَات، وَرُوِيَ نَحْو ذَلِك عَن عُثْمَان وَعَائِشَة، وَرُوِيَ عَنْهُمَا خلاف ذَلِك، فَقَالَ الزُّهْرِيّ والسائب بن يزِيد وَسليمَان بن يسَار وَابْن الْمسيب فِي رِوَايَة:(يقطعهَا حِين يقف بِعَرَفَات) ، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ بن أبي طَالب وَسعد بن أبي وَقاص، وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِحَدِيث أُسَامَة بن زيد، أخرجه الطَّحَاوِيّ عَنهُ أَنه قَالَ:(كنت ردف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَشِيَّة عَرَفَة فَكَانَ لَا يزِيد على التَّكْبِير والتهليل، وَكَانَ إِذا وجد فجوة نَص) . قَوْله: (فجوة)، بِفَتْح الْفَاء وَضمّهَا: وَهِي مَا اتَّسع من الأَرْض وَقد روى فِي (الْمُوَطَّأ) : فُرْجَة. قَوْله: (نَص)، أَي: رفع فِي سيره وأسرع، وَالنَّص مُنْتَهى الْغَايَة فِي كل شَيْء، قَالَه فِي (الْمطَالع) وَفِي رِوَايَة أَحْمد:(فَإِذا التحم عَلَيْهِ النَّاس أعنق، وَإِذا وجد فُرْجَة نَص) . قَوْله: (أعتق)، من العَنَق وَهُوَ: السّير الْيَسِير الَّذِي تمد فِيهِ الدَّابَّة عُنُقهَا للاستعانة، وَهُوَ دون الْإِسْرَاع. وَأجِيب: بِأَن ذَلِك لَا يدل على نفي التَّلْبِيَة وَخُرُوج وَقتهَا، وَقَوله: لَا يزِيد على التَّكْبِير والتهليل، يَعْنِي: الزِّيَادَة من جِنْسهَا.