الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
32 -
(بابُ مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ وَالأرْدِيَةِ وَالأُزُرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يلبس وَلما بَين مَا لَا يلبس، شرع فِي بَيَان مَا يلبس، وَكلمَة: مَا، يجوز أَن تكون مَوْصُولَة أَي: بَاب فِي بَيَان الشَّيْء الَّذِي يلبس الْمحرم، وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة أَي: فِي بَيَان لبس الْمحرم، وَكلمَة: من، فِي: من الثِّيَاب، بَيَانِيَّة وَهُوَ جمع ثوب، والأردية جمع رِدَاء، والأزر بِضَم الْهمزَة وَالزَّاي جمع إِزَار، وَيجوز تسكين الزَّاي وَضمّهَا اتبَاعا للهمزة، والرداء لِلنِّصْفِ الْأَعْلَى، والإزار لِلنِّصْفِ الْأَسْفَل، وَعطف الْأَرْبَعَة على الثِّيَاب من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام.
ولَبِسَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا الثِّيَابَ المُعَصْفَرَةَ وَهْيَ مُحْرِمَةٌ وقالَتْ لَا تَلَثَّمْ وَلَا تَتَبَرْقَعْ وَلَا تلْبَسْ ثَوْبا بِوَرْسٍ وَلَا زَعْفَرَانٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي صدر هَذَا التَّعْلِيق أَعنِي قَوْله: (ولبست عَائِشَة الثِّيَاب المعصفرة) أَي: المعصفرة أَي: المصبوغة بالعصفر. قَوْله: (وَهِي مُحرمَة) جملَة إسمية وَقعت حَالا، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق سعيد بن الْمَنْصُور من طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد، قَالَ:(كَانَت عَائِشَة تلبس المعصفرة) . وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن أبي مليكَة: (أَن عَائِشَة كَانَت تلبس الثِّيَاب المورد بالعصفر الْخَفِيف وَهِي مُحرمَة) وَقيل: الثَّوْب المورد: الْمَصْبُوغ بالورد. قَوْله: (وَقَالَت) أَي: عَائِشَة: لَا تلثم، بتاء مثناة وَاحِدَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَأَصله: تتلثم، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ كَمَا فِي: تلظى، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: لَا تلتثم، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون اللَّام وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الثَّاء الْمُثَلَّثَة: من الالتثام، من بَاب الافتعال، وَالْأول من بَاب التفعل، وَسقط هَذَا من الأَصْل فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ، وَكِلَاهُمَا من اللثام، وَهُوَ مَا يُغطي الشّفة. وَالْمعْنَى هَهُنَا: لَا تغطي الْمَرْأَة شفتها بِثَوْب. قَوْله: (وَلَا تتبرقع) أَي: وَلَا تلبس البرقع، بِضَم الْبَاء وَسُكُون الرَّاء وَضم الْقَاف وَفتحهَا، وَهُوَ مَا يُغطي الْوَجْه. وَعَن الْحسن وَعَطَاء مثل مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مصنفة) عَن عبد الْأَعْلَى عَن هِشَام عَن الْحسن وَعَطَاء، قَالَا: لَا تلبس الْمُحرمَة القفازين والسراويل وَلَا تبرقع وَلَا تلثم وتلبس مَا شَاءَت من الثِّيَاب إلَاّ ثوبا ينفض عَلَيْهَا ورسا أَو زعفرانا. قَوْله: (وَلَا تلبس ثوبا بورس وزعفران) أَي: مصبوغا بورس وزعفران، وَقد روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (نهى النِّسَاء فِي إحرامهن عَن القفازين والنقاب، وَمَا مَسّه الورس والزعفران من الثِّيَاب، ولتلبس بعد ذَلِك مَا أحبت من ألوان الثِّيَاب من معصفر أَو خَز أَو حلي أَو قَمِيص أَو سَرَاوِيل.
وَقَالَ جابِرٌ: لَا أرَى المُعَصْف طِيبا
أَي: قَالَ جَابر بن عبد الله الصَّحَابِيّ: أَي: لَا أرَاهُ مطيبا لِأَنَّهُ لَا يَصح أَن يكون الْمَفْعُول الثَّانِي معنى، وَالْأول عينا، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق الشَّافِعِي، ومسدد بِلَفْظ:(لَا تلبس الْمَرْأَة ثِيَاب الطّيب، وَلَا أرى المعصفر طيبا) .
وَلَمُ تَرَ عائِشَةُ بَأسا بِالحُلِيِّ وَالثَّوْبِ الأسْوَدِ والمُوَدَّدِ والخُفِّ لِلْمَرْأةِ
الْحلِيّ، بِضَم الْحَاء وَكسر اللَّام، جمع الحلى. وَالثَّوْب المورَّد الْمَصْبُوغ بالورد، يَعْنِي: على لون الْورْد، وروى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن باباه الْمَكِّيّ أَن امْرَأَة سَأَلت عَائِشَة: مَا تلبس الْمَرْأَة فِي إحرامها؟ قَالَت عَائِشَة: تلبس من خزها وبزها وأصباغها وحليها. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أَجمعُوا على أَن الْمَرْأَة تلبس الْمخيط كُله والخفاف وَإِن لَهَا أَن تغطي رَأسهَا وتستر شعرهَا إلَاّ وَجههَا تسدل عَلَيْهِ الثَّوْب سدلاف خَفِيفا تستتر بِهِ عَن نظر الرِّجَال، وَلَا تخمره إلَاّ مَا رُوِيَ عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر، قَالَت: كُنَّا نخمر وُجُوهنَا وَنحن مُحرمَات مَعَ أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. تَعْنِي: جدَّتهَا. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك التخمير سدلاً كَمَا جَاءَ عَن عَائِشَة، قَالَت: كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، إِذا مر بِنَا ركب سدلنا الثَّوْب على وُجُوهنَا وَنحن مُحرمَات، فَإِذا جَاوز رفعنَا. قلت: فِيمَا أخرجه الْجَمَاعَة: وَلَا تنتقب الْمَرْأَة الْمُحرمَة فِيهِ دَلِيل على أَنه يحرم على الْمَرْأَة ستر وَجههَا فِي الْإِحْرَام. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: مَفْهُومه يدل على إِبَاحَة تَغْطِيَة الْوَجْه للرجل وإلَاّ لما كَانَ فِي التَّقْيِيد بِالْمَرْأَةِ فَائِدَة. قلت: قد ذهب إِلَى جَوَاز تَغْطِيَة الرجل الْمحرم وَجهه عُثْمَان بن عَفَّان وَزيد بن ثَابت ومروان بن
الحكم وَمُجاهد وطاووس، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي وَجُمْهُور أهل الْعلم، وَذهب أَبُو حنيفَة وَمَالك إِلَى الْمَنْع من ذَلِك، واحتجا بِحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الْمحرم الَّذِي وقصته نَاقَته، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَا تخمروا وَجهه وَلَا رَأسه، رَوَاهُ مُسلم، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: وكفنوه فِي ثَوْبَيْنِ خَارِجا وَجهه وَرَأسه. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَهَذَا أَمر فِيهِ خَفَاء على الْخلق وَلَيْسوا على الْحق. قَالَ: وَلَقَد رَأَيْت بعض أَصْحَابنَا من أهل الْعلم مِمَّن يتعاطى الْفِقْه والْحَدِيث يَبْنِي الْمَسْأَلَة على أَن الْوَجْه من الرَّأْس أم لَا؟ فعجبت لضلالته عَن دلَالَته ونسيانه لصنعته، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: لَا أَدْرِي مَا وَجه إِنْكَاره على من بنى الْمَسْأَلَة على ذَلِك، وَمَا قَالَه وَاضح فِي قَول ابْن عمر الَّذِي رَوَاهُ مَالك، وَقد جَاءَ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح التَّفْرِقَة بَين أَعلَى الْوَجْه وأسفله، فروى سعيد بن مَنْصُور فِي (سنَنه) بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ قَالَ: يُغطي الْمحرم وَجهه مَا دون الحاجبين، وَفِي رِوَايَة لَهُ: مَا دون عَيْنَيْهِ، وَيحْتَمل أَن يُرِيد بذلك الِاحْتِيَاط لكشف الرَّأْس، وَلَكِن هَذَا أَمر زَائِد على الِاحْتِيَاط لذَلِك، وَالِاحْتِيَاط يحصل بِدُونِ ذَلِك.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ لَا بأسَ أنْ يُبْدِلَ ثِيابَهُ
أَي: إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَوَصله أَبُو بكر، قَالَ: حَدثنَا جرير عَن مُغيرَة بن شُعْبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: يُغير الْمحرم ثِيَابه مَا شَاءَ بعد أَن يلبس ثِيَاب الْمحرم، قَالَ: وَحدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن سعيد بن يُوسُف عَن يحيى بن أبي كثير عَن عِكْرِمَة قَالَ: غيَّر النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، ثوبيه بِالتَّنْعِيمِ. وَحدثنَا هشيم عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم وَيُونُس عَن الْحسن وحجاج عَن عبد الْملك وَعَطَاء أَنهم لم يرَوا بَأْسا أَن يُبدل الْمحرم ثِيَابه، وَكَذَا قَالَه طَاوُوس وَسَعِيد بن جُبَير، سُئِلَ: أيبيع الْمحرم ثِيَابه؟ قَالَ: نعم. وَقَالَ ابْن التِّين: مَذْهَب مَالك وَأَصْحَابه أَنه يجوز لَهُ التّرْك للباس الثَّوْب، وَيجوز لَهُ بَيْعه. وَقَالَ سَحْنُون: لَا يجوز لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ يعرض الْقمل للْقَتْل بِالْبيعِ.
5451 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ قَالَ حدَّثنا فُضَيْلُ بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثني مُوسى بنُ عُقْبَةَ قَالَ أَخْبرنِي كُرَيْبٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ انْطَلَقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَدِينَةِ بَعْدَما ترَجَّلَ وادَّهَنَ ولَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وأصْحَابُهُ فلَمْ يَنْهَ عنْ شيءٍ مِنَ الأرْدِيَةِ والأُزْرِ تُلْبَسُ إلَاّ المُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلى الجِلدِ فأصبَحَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوى عَلى البيْدَاءِ أهَلَّ هُوَ وأصْحابُهُ وقَلَّدَ بَدَنتَهُ وذالِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ فقَدِمَ مَكَّةَ لأِرْبَعِ لَيالٍ خَلَوْنَ مِن ذِي الحِجَّةِ فطافَ بِالبَيْتِ وسعَى بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ ولَمْ يَحِلَّ مِنْ أجْلِ بُدْنِهِ لأنَّهُ قَلَّدهَا ثُمَّ نزَلَ بأعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الحَجُونِ وَهْوَ مُهل بِالحَجِّ ولَمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ وأمَرَ أصْحَابَهُ أنْ يَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ وبَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُؤوسِهِمْ ثُمَّ يحِلُّوا وذالِك لِمَنْ لَمْ يَكُنْ معَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا وَمَنْ كانَتْ مَعَهُ امْرَأتُهُ فَهْيَ لَهُ حَلَالٌ والطِّيبُ والثِّيَابُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة قَوْله: (فَلم ينْه عَن شَيْء من الأردية والأزر تلبس) .
وَرِجَاله قد ذكرُوا، والمقدمي، بتَشْديد الدَّال الْمَفْتُوحَة، وفضيل مصغر فضل، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَرَوَاهُ مُخْتَصرا أَيْضا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ترجل) أَي: سرح شعره. قَوْله: (وادهن) أَي: اسْتعْمل الدّهن، وَأَصله: ادتهن، لِأَنَّهُ من بَاب الافتعال، فأبدلت الدَّال من التَّاء وأدغمت الدَّال فِي الدَّال. قَوْله:(هُوَ)، ضمير فصل. قَوْله:(تردع)، بالراء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ أَي: تلطخ الْجلد، يُقَال: تردع إِذا التطخ، والردع أثر الطّيب، وردع بِهِ الطّيب إِذا لزق بجلده، وَقَالَ ابْن بطال: وَقد رُوِيَ: ترذع، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، من قَوْلهم: أرذعت الأَرْض أَي: كثرت مَنَافِع الْمِيَاه فِيهَا، والرذع بِالْمُعْجَمَةِ الطين. قَوْله:(الَّتِي تردع على الْجلد) ، هَكَذَا وَقع فِي الأَصْل. وَقَالَ
ابْن الْجَوْزِيّ: الصَّوَاب حذف على. قَوْله: (فَأصْبح بِذِي الحليفة) أَي: وصل إِلَيْهَا نَهَارا فَبَاتَ بهَا، كَمَا سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي الْبَاب الَّذِي بعده من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(بدنته) قَالَ الْجَوْهَرِي هِيَ: نَاقَة أَو بقرة تنحر بِمَكَّة، سميت بذلك لأَنهم كَانُوا يسمنونها، وَالْجمع بدن بِالضَّمِّ، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: تكون الْبَدنَة من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هِيَ الْبَعِير ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى بِشَرْط أَن يكون فِي سنّ الْأُضْحِية، وَهِي الَّتِي استكملت خمس سِنِين. قَوْله:(فَأصْبح بِذِي الحليفة ركب رَاحِلَته) ، وَفِي (صَحِيح مُسلم) عَنهُ أَنه صلى الله عليه وسلم (صلى الظّهْر بِذِي الحليفة، ثمَّ دعى بناقته فأشعرها فِي صفحة سنامها الْأَيْمن، وسلت الدَّم وقلدها بنعلين، ثمَّ ركب رَاحِلَته، فَلَمَّا اسْتَوَت بِهِ على الْبَيْدَاء أهلَّ بِالْحَجِّ) . وَقَالَ ابْن حزم: فَهَذَا ابْن عَبَّاس يذكر أَنه صلى الظّهْر فِي ذِي الحليفة، وَأنس يذكر أَنه صلَاّها بِالْمَدِينَةِ، وكلا الطَّرِيقَيْنِ فِي غَايَة الصِّحَّة، وَأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أثبت فِي هَذَا الْمَكَان لِأَنَّهُ ذكر أَنه حضر ذَلِك بقوله: صلى الظّهْر بِالْمَدِينَةِ، ثمَّ إِن ابْن عَبَّاس لم يذكر حضورا فِيهَا أَنَّهَا كَانَت يَوْم خُرُوجه صلى الله عليه وسلم من الْمَدِينَة، إِنَّمَا عَنى بِهِ الْيَوْم الثَّانِي، فَلَا تعَارض. وَعند النَّسَائِيّ: عَن أنس أَنه صلى الله عليه وسلم (صلى الظّهْر بِالْبَيْدَاءِ ثمَّ ركب وَصعد جبل الْبَيْدَاء، وأهلَّ بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة) . وَلَا تعَارض، فَإِن الْبَيْدَاء وَذَا الحليفة متصلتان بعضهما مَعَ بعض، فصلى الظّهْر فِي آخر ذِي الحليفة وَهُوَ أول الْبَيْدَاء. قَوْله:(وَذَلِكَ لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة) ، ذَلِك إِشَارَة إِلَى الْمَذْكُور من ركُوبه صلى الله عليه وسلم رَاحِلَته واستوائه على الْبَيْدَاء وإهلاله وتقليده بدنته لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَهُوَ بِكَسْر الْقَاف وَفتحهَا، وَكَذَا فِي ذِي الْحجَّة بِكَسْر الْحَاء وَفتحهَا، وَالْفَتْح هُنَا أشهر. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) قَوْله: وَذَلِكَ لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة يحْتَمل أَنه أَرَادَ الْخُرُوج، وَيحْتَمل الإهلال، فأردنا أَن نَعْرِف أَيهمَا أَرَادَ، فَوَجَدنَا عَائِشَة رَوَت فِي صَحِيح مُسلم:(خرجنَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة) . وَفِي الإكليل من حَدِيث الْوَاقِدِيّ عَن ابْن أبي سُبْرَة عَن سعيد بن مُحَمَّد بن جُبَير عَن أَبِيه مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم أَنه قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (من الْمَدِينَة يَوْم السبت لخمس لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة عشر، فصلى الظّهْر بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ) وَزعم ابْن حزم أَنه: (خرح صلى الله عليه وسلم يَوْم الْخَمِيس لست بَقينَ من ذِي الْقعدَة نَهَارا بعد أَن تغدى وَصلى الظّهْر بِالْمَدِينَةِ، وَصلى الْعَصْر من ذَلِك الْيَوْم بِذِي الحليفة، وَبَات بِذِي الحليفة لَيْلَة الْجُمُعَة، وَطَاف على نِسَائِهِ ثمَّ اغْتسل ثمَّ صلى بهَا الصُّبْح، ثمَّ طيبته عَائِشَة ثمَّ أحرم وَلم يغسل الطّيب، وأهلَّ حِين انبعثت بِهِ رَاحِلَته من عِنْد مَسْجِد ذِي الحليفة بِالْقُرْآنِ: الْعمرَة وَالْحج مَعًا، وَذَلِكَ قبل الظّهْر بِيَسِير، ثمَّ لبَّى ثمَّ نَهَضَ وَصلى الظّهْر بِالْبَيْدَاءِ، ثمَّ تَمَادى واستهل هِلَال ذِي الْحجَّة. قَالَ: فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ: إِنَّه خرج من الْمَدِينَة لست بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَقد ذكر مُسلم من حَدِيث عمْرَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة لَا نرى إلَاّ الْحَج؟ قلت: قد ذكر مُسلم أَيْضا من طَرِيق عُرْوَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، خرجنَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، موافين لهِلَال ذِي الْحجَّة، فَلَمَّا اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَة عَنْهَا رَجعْنَا إِلَى من لم تضطرب الرِّوَايَة عَنهُ فِي ذَلِك، وهما: عمر بن الْخطاب وَابْن عَبَّاس، فَوَجَدنَا ابْن عَبَّاس ذكر أَن اندفاع النَّبِي صلى الله عليه وسلم من ذِي الحليفة بعد أَن بَات بهَا كَانَ لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَذكر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يَوْم عَرَفَة كَانَ يَوْم الْجُمُعَة فِي ذَلِك الْعَام، فَوَجَبَ أَن استهلال ذِي الْحجَّة كَانَ لَيْلَة يَوْم الْخَمِيس، وَأَن آخر يَوْم من ذِي الْقعدَة كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء، فصح أَن خُرُوجه كَانَ يَوْم الْخَمِيس لست بَقينَ من ذِي الْحجَّة، ويزيده وضوحا حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: صلينَا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الظّهْر بِالْمَدِينَةِ أَرْبعا، وَالْعصر بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ، فَلَو كَانَ خُرُوجه لخمس بَقينَ لذِي الْقعدَة لَكَانَ بِلَا شكّ يَوْم الْجُمُعَة، وَالْجُمُعَة لَا تصلى أَرْبعا، فصح أَن ذَلِك كَانَ يَوْم الْخَمِيس. وَعلمنَا أَن معنى قَول عَائِشَة: لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، إِنَّمَا عنت اندفاعه صلى الله عليه وسلم من ذِي الحليفة، فَلم تعد المرحلة الْقَرِيبَة، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذا أَرَادَ أَن يخرج لسفر لم يخرج إلَاّ يَوْم الْخَمِيس، فَبَطل خُرُوجه يَوْم الْجُمُعَة، وَبَطل أَن يكون يَوْم السبت، لِأَنَّهُ كَانَ يكون حِينَئِذٍ خَارِجا من الْمَدِينَة لأَرْبَع بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَصَحَّ أَن خُرُوجه كَانَ لست بَقينَ، واندفاعه من ذِي الحليفة لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وتألفت الرِّوَايَات. قَوْله: (فَقدم مَكَّة لأَرْبَع لَيَال خلون من ذِي الْحجَّة) قَالَ الْوَاقِدِيّ: حَدثنَا أَفْلح بن حميد عَن أَبِيه عَن ابْن عمر أَن هِلَال ذِي الْحجَّة كَانَ لَيْلَة الْخَمِيس، الْيَوْم الثَّامِن من يَوْم خُرُوجه صلى الله عليه وسلم من الْمَدِينَة، وَنزل بِذِي طوى، فَبَاتَ