الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَن يكون أسود أفحج، حَالين متداخلين أَو مترادفتين من الضَّمِير فِي: بِهِ، ويروى أسود مَنْصُوبًا على الذَّم أَو الِاخْتِصَاص، وَلَيْسَ من شَرط الْمَنْصُوب على الِاخْتِصَاص أَن لَا يكون نكرَة، فَهَذَا الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى:{قَائِما بِالْقِسْطِ} (آل عمرَان: 81) . أَنه مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص، وَيجوز أَن يكون بَدَلا من الضَّمِير الَّذِي فِي: بِهِ، وَيجوز إِبْدَال الْمظهر من الْمُضمر الْغَائِب، نَحْو: ضَربته زيدا، قَوْله:(أفحج)، على وزن: أفعل، بفاء ثمَّ حاء مُهْملَة ثمَّ جِيم من الفحج، وَفِي (الْمُنْتَهى) ؛ هُوَ تداني صُدُور الْقَدَمَيْنِ وتباعد العقبين، وَقد فحج يفحج من بَاب علم يعلم، فَهُوَ أفحج، ودابة فحجاء، وَهُوَ عيب فِي الْخَيل، والفحج، بِالْكَسْرِ، مشْيَة الأفحج، وَقد فحج يفحج من بَاب ضرب يضْرب، وفحج يفحج من بَاب، فتح يفتح، وَيُقَال: الفحج بِالتَّحْرِيكِ: تبَاعد مَا بَين السَّاقَيْن، وَمن الدَّوَابّ مَا بَين العرقوبين. وَفِي (الْمُحكم) : فحج فحجا، وَعَن اللحياني فحجة أَيْضا. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الفحج تبَاعد مَا بَين الفخذين. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ تبَاعد مَا بَين الرجلَيْن، وَفِي (الْمُجْمل) : هُوَ تبَاعد مَا بَين السَّاقَيْن فِي الْإِنْسَان وَالدَّابَّة. قَوْله فِي حَدِيث عَليّ: أصلع، وَهُوَ الَّذِي ذهب شعر مقدم رَأسه، والأصلع الصَّغِير الرَّأْس، والأصمع الصَّغِير الْأُذُنَيْنِ. قَوْله:(حمش السَّاقَيْن) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَفِي آخِره شين مُعْجمَة، أَي: دَقِيق. قَوْله: (حجرا حجرا)، نصب على الْحَال نَحْو: بوبته بَابا بَابا أَي: مبوبا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو بدل من الضَّمِير يَعْنِي الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي يقلعها.
6951 -
حدَّثنا يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ.
(انْظُر الحَدِيث 1951) .
قد مضى هَذَا الحَدِيث عَن قريب فِي: بَاب قَول الله عز وجل: {جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام} (الْمَائِدَة: 79) . فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن زِيَاد بن سعد عَن الزُّهْرِيّ، وَهَهُنَا رَوَاهُ عَن يحيى بن أبي بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، عَن اللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ، عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن ابْن شهَاب، هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَالله أعلم.
05 -
(بابُ مَا ذُكِرَ فِي الحَجَرِ الأسْوَدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا ذكر فِي شَأْن الْحجر الْأسود، وَهُوَ الَّذِي فِي ركن الْكَعْبَة الْقَرِيب بِبَاب الْبَيْت من جَانب الشرق، وَيُقَال لَهُ: الرُّكْن الْأسود، ارتفاعه من الأَرْض ذراعان وَثلثا ذِرَاع، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: ارتفاعه من الأَرْض ثَلَاثَة أَذْرع إلَاّ سبع أَصَابِع.
7951 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبرنَا سُفْيَانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عابِسِ بنِ رَبِيعَةَ عنْ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ جاءَ إلَى الحَجَرِ الأسْوَدِ فقَبَّلَهُ فَقَالَ إنِّي أعلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ ولَا تَنْفَعُ ولَوْلَا أنِّي رأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الَّذِي عِنْده على شَرطه هَذَا الحَدِيث، وإلَاّ فَفِيهِ وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة صَحِيحَة وضعيفة على مَا سنذكر شَيْئا من ذَلِك.
ذكر رِجَاله: وهم: سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن كثير ضد الْقَلِيل أَبُو عبد الله الْعَبدَرِي، مر فِي كتاب الْعلم. الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ. الثَّالِث: سُلَيْمَان الْأَعْمَش. الرَّابِع: إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ. الْخَامِس: عَابس، بِالْعينِ الْمُهْملَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن ربيعَة، بِفَتْح الرَّاء: النَّخعِيّ. السَّادِس: عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي والبقية كلهم كوفيون. قَوْله: (عَن إِبْرَاهِيم) هُوَ النَّخعِيّ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَن إِبْرَاهِيم ابْن عبد الْأَعْلَى عَن سُوَيْد بن غَفلَة عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى وَأبي بكر بن أبي شيبَة، وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وَزُهَيْر بن حَرْب أربعتهم عَن أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش بِهِ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن كثير بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هناد عَن أبي مُعَاوِيَة بِهِ. وَقَالَ: حسن صَحِيح، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنِّي أعلم أَنَّك حجر لَا تضر وَلَا تَنْفَع) ، تكلم الشارحون فِي مُرَاد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِهَذَا الْكَلَام، فَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن النَّاس كَانُوا حَدِيثي عهد بِعبَادة الْأَصْنَام، فخشي عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يظنّ الْجُهَّال بِأَن استلام الْحجر، هُوَ مثل مَا كَانَت الْعَرَب تَفْعَلهُ، فَأَرَادَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يعلم أَن استلامه لَا يقْصد بِهِ إلَاّ تَعْظِيم الله، عز وجل، وَالْوُقُوف عِنْد أَمر نبيه صلى الله عليه وسلم، وَأَن ذَلِك من شَعَائِر الْحَج الَّتِي أَمر الله بتعظيمها، وَأَن استلامه مُخَالف لفعل الْجَاهِلِيَّة فِي عِبَادَتهم الْأَصْنَام، لأَنهم كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تقربهم إِلَى الله زلفى، فنبه عمر على مُخَالفَة هَذَا الِاعْتِقَاد، وَأَنه لَا يَنْبَغِي أَن يعبد إلَاّ من يملك الضَّرَر والنفع، وَهُوَ الله جل جلاله، وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: أَن قَول عمر لذَلِك طلب مِنْهُ للآثار وَبحث عَنْهَا وَعَن مَعَانِيهَا. قَالَ: وَلما رأى أَن الْحجر يسْتَلم وَلَا يعلم لَهُ سَبَب يظْهر للحس، وَلَا من جِهَة الْعقل، ترك فِيهِ الرَّأْي وَالْقِيَاس، وَصَارَ إِلَى مَحْض الِاتِّبَاع، كَمَا صنع فِي الرمل. وَقَالَ الْخطابِيّ: فِي حَدِيث عمر من الْفِقْه أَن مُتَابعَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَاجِبَة وَإِن لم يُوقف فِيهَا على علل مَعْلُومَة وَأَسْبَاب معقولة، وَأَن أعيانها حجَّة على من بلغته وَإِن لم يفقه مَعَانِيهَا، وَمن الْمَعْلُوم أَن تَقْبِيل الْحجر إكرام وإعظام لحقه. قَالَ: وفضَّل الله بعض الْأَحْجَار على بعض، كَمَا فضل بعضَ الْبِقَاع على بعض، وَبَعض اللَّيَالِي وَالْأَيَّام على بعض. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْحِكْمَة فِي كَون الرُّكْن الَّذِي فِيهِ الْحجر الْأسود يجمع فِيهِ بَين التَّقْبِيل والاستلام، كَونه على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم، وَفِيه الْحجر الْأسود، وَأَن الرُّكْن الْيَمَانِيّ اقْتصر فِيهِ على الاستلام لكَونه على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم وَلم يقبَّل، وَإِن الرُّكْنَيْنِ الغربيين لَا يقبلان وَلَا يستلمان لفقد الْأَمريْنِ الْمَذْكُورين فيهمَا. قَوْله:(وَلَا تضر وَلَا تَنْفَع) يَعْنِي إلَاّ بِإِذن الله، وروى الْحَاكِم من حَدِيث أبي سعيد:(حجَجنَا مَعَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَمَّا دخل الطّواف اسْتقْبل الْحجر، فَقَالَ: إِنِّي أعلم أَنَّك حجر لَا تضر وَلَا تَنْفَع، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبَّلك مَا قبلتك، ثمَّ قبله، فَقَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِنَّه يضر وينفع. قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: بِكِتَاب الله تَعَالَى. عز وجل {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أَنفسكُم أَلَسْت بربكم؟ قَالُوا: بلَى} (الْأَعْرَاف: 271) . وَذَلِكَ أَن الله لما خلق آدم مسح يَده على ظَهره فقررهم بِأَنَّهُ الرب، وَأَنَّهُمْ العبيد وَأخذ عهودهم ومواثيقهم، وَكتب ذَلِك فِي رق، وَكَانَ لهَذَا الْحجر عينان ولسان، فَقَالَ: إفتح، فَفتح فَاه فألقمه ذَلِك الرّقّ، فَقَالَ: أشهد لمن وافاك بالموافاة يَوْم الْقِيَامَة، وَأَنِّي أشهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بِالْحجرِ الْأسود وَله لِسَان دلق يشْهد لمن يستلمه بِالتَّوْحِيدِ، فَهُوَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يضر وينفع. فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أعوذ بِاللَّه من قوم لست فيهم يَا أَبَا الْحسن) . وَفِي سَنَده أَبُو هَارُون، عمَارَة بن جُوَيْن ضَعِيف، وَرَوَاهُ الْأَزْرَقِيّ أَيْضا فِي (تَارِيخ مَكَّة) وَفِي لَفظه:(أعوذ بِاللَّه أَن أعيش فِي قوم لست فيهم) .
وَمن الْحِكْمَة فِي تَقْبِيل الْحجر الْأسود غير مَا ذكر عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أخبر أَنه من أَحْجَار الْجنَّة على، مَا يَأْتِي، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فالتقبيل ارتياح إِلَى الْجنَّة وآثارها. وَمِنْهَا:(أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أخبر أَنه يَمِين الله فِي الأَرْض)، رَوَاهُ أَبُو عبيد فِي (غَرِيب الحَدِيث) . وَفِي (فَضَائِل مَكَّة) للجندي من حَدِيث ابْن جريج عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر عَن ابْن عَبَّاس:(إِن هَذَا الرُّكْن الْأسود هُوَ يَمِين الله فِي الأَرْض، يُصَافح بِهِ عباده مصافحة الرجل أَخَاهُ) . وَمن حَدِيث الحكم بن أبان عَن عِكْرِمَة عَنهُ زِيَادَة: (فَمن لم يدْرك بيعَة رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، ثمَّ اسْتَلم الْحجر فقد بَايع الله وَرَسُوله) . وَفِي (سنَن ابْن مَاجَه) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (من فاوض الْحجر الْأسود فَكَأَنَّمَا يفاوض يَد الرَّحْمَن) . وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: وَالْمعْنَى فِي كَونه يَمِين الله، وَالله أعلم، أَن كل ملك إِذا قدم عَلَيْهِ قبلت يَمِينه، وَلما كَانَ الْحَاج والمعتمر أول مَا يقدمان يسن لَهما تقبيله، فَنزل منزلَة يَمِين الْملك، وَيَده، وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى، وَلذَلِك من صافحه كَانَ لَهُ عِنْد الله عهد، كَمَا أَن الْملك يُعْطي الْعَهْد بالمصافحة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن تَقْبِيل الْحجر الْأسود سنة، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: الْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم يستحبون
تَقْبِيل الْحجر، فَإِن لم يُمكنهُ وَلم يصل إِلَيْهِ اسْتَلم بِيَدِهِ، وَقيل يَده، وَإِن كَانَ لم يصل إِلَيْهِ استقبله إِذا حَاذَى بِهِ وَكبر، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي انْتهى. وَخَالف مَالك فِي تَقْبِيل الْيَد، فَقَالَ: يستلمه وَلَا يقبل يَده، وَهُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ عَنهُ، وَالْجُمْهُور على أَنه يستلمه ثمَّ يقبل يَده، وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد وَجَابِر وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَابْن أبي مليكَة وَعِكْرِمَة بن خَالِد وَسَعِيد بن جُبَير وَمُجاهد وَعَمْرو بن دِينَار، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وروى الْحَاكِم من حَدِيث جَابر:(بَدَأَ بِالْحجرِ الْأسود فاستلمه، وفاضت عَيناهُ بالبكاء وَقَبله، وَوضع يَده عَلَيْهِ وَمسح بهما وَجهه) . وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَنهُ أَنه قبله ثَلَاثًا. وَعند الْحَاكِم: وَسجد عَلَيْهِ، وَصحح إِسْنَاده، وَفِيه كَرَاهَة تَقْبِيل مَا لم يرد الشَّرْع بتقبيله من الْأَحْجَار وَغَيرهَا. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: وَأما قَول الشَّافِعِي: وَمهما قبل من الْبَيْت فَحسن، فَإِنَّهُ لم يرد بالْحسنِ مَشْرُوعِيَّة ذَلِك، بل أَرَادَ إِبَاحَة ذَلِك، والمباح من جملَة الْحسن، كَمَا ذكره الأصوليون. قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى، وَقَالَ أَيْضا: وَأما تَقْبِيل الْأَمَاكِن الشَّرِيفَة على قصد التَّبَرُّك، وَكَذَلِكَ تَقْبِيل أَيدي الصَّالِحين وأرجلهم فَهُوَ حسن مَحْمُود بِاعْتِبَار الْقَصْد وَالنِّيَّة، وَقد سَأَلَ أَبُو هُرَيْرَة الْحسن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يكْشف لَهُ الْمَكَان الَّذِي قبله، رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ سرته، فَقبله تبركا بآثاره وَذريته، صلى الله عليه وسلم، وَقد كَانَ ثَابت الْبنانِيّ لَا يدع يَد أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَتَّى يقبلهَا، وَيَقُول: يَد مست يَد رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ أَيْضا: وَأَخْبرنِي الْحَافِظ أَبُو سعيد ابْن العلائي قَالَ: رَأَيْت فِي كَلَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي جُزْء قديم عَلَيْهِ خطّ ابْن نَاصِر وَغَيره من الْحفاظ، أَن الإِمَام أَحْمد سُئِلَ عَن تَقْبِيل قبر النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وتقبيل منبره، فَقَالَ: لَا بَأْس بذلك، قَالَ: فأريناه للشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية فَصَارَ يتعجب من ذَلِك، وَيَقُول: عجبت أَحْمد عِنْدِي جليل يَقُوله؟ هَذَا كَلَامه أَو معنى كَلَامه؟ وَقَالَ: وَأي عجب فِي ذَلِك وَقد روينَا عَن الإِمَام أَحْمد أَنه غسل قَمِيصًا للشَّافِعِيّ وَشرب المَاء الَّذِي غسله بِهِ، وَإِذا كَانَ هَذَا تَعْظِيمه لأهل الْعلم فَكيف بمقادير الصَّحَابَة؟ وَكَيف بآثار الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام؟ وَلَقَد أحسن مَجْنُون ليلى حَيْثُ يَقُول:
(أَمر على الديار ديار ليلى
…
أقبل ذَا الْجِدَار وَذَا الْجِدَار)
(وَمَا حب الدَّار شغفن قلبِي
…
وَلَكِن حبُّ من سكن الديارا)
وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: وَيُمكن أَن يستنبط من تَقْبِيل الْحجر واستلام الْأَركان جَوَاز تَقْبِيل مَا فِي تقبيله تَعْظِيم الله تَعَالَى، فَإِنَّهُ إِن لم يرد فِيهِ خبر بالندب لم يرد بِالْكَرَاهَةِ. قَالَ: وَقد رَأَيْت فِي بعض تعاليق جدي مُحَمَّد بن أبي بكر، عَن الإِمَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي الصَّيف: أَن بَعضهم كَانَ إِذا رأى الْمَصَاحِف قبلهَا، وَإِذا رأى أَجزَاء الحَدِيث قبلهَا، وَإِذا رأى قُبُور الصَّالِحين قبلهَا، قَالَ: وَلَا يبعد هَذَا، وَالله أعلم فِي كل مَا فِيهِ تَعْظِيم لله تَعَالَى.
وَفِيه: فِي قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، التَّسْلِيم للشارع فِي أُمُور الدّين وَحسن الإتباع فِيمَا لم يكْشف عَن مَعَانِيهَا. وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ: تَسْلِيم الْحِكْمَة وَترك طلب الْعِلَل وَحسن الإتباع فِيمَا لم يكْشف لنا عَنهُ من الْمَعْنى، وَأُمُور الشَّرِيعَة على ضَرْبَيْنِ: مَا كشف عَن علته وَمَا لم يكْشف، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّسْلِيم.
وَفِيه: قَاعِدَة عَظِيمَة فِي اتِّبَاع النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فِيمَا يَفْعَله وَلَو لم يعلم الْحِكْمَة فِيهِ. وَفِيه: دفع مَا وَقع لبَعض الْجُهَّال من أَن فِي الْحجر الْأسود خاصية ترجع إِلَى ذَاته. وَفِيه: بَيَان السّنَن بالْقَوْل وَالْفِعْل. وَفِيه: أَن للْإِمَام إِذا خشِي على أحد من فعله فَسَادًا اعْتِقَاده أَن يُبَادر إِلَى بَيَان الْأَمر ويوضح ذَلِك.
فَائِدَة: روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فِي الْحجر الْأسود:(وَإنَّهُ ليَبْعَثهُ الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة، لَهُ عينان يبصر بهما، ولسان ينْطق بِهِ يشْهد على من استلمه بِحَق) . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا، وَابْن حبَان فِي (صَحِيحه)، وروى الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (المعجم الْأَوْسَط) من حَدِيث عبد الله ابْن عَمْرو: أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(يُؤْتى الرُّكْن يَوْم الْقِيَامَة أعظم من أبي قبيس، لَهُ لِسَان وشفتان يتَكَلَّم عَمَّن استلمه بِالنِّيَّةِ، وَهُوَ يَمِين الله الَّتِي يُصَافح بهَا خلقه) . قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح. وَفِيه: جَوَاز كَلَام الجمادات، وَمِنْه تَسْبِيح الْحَصَى وَكَلَام الْحجر وَوُجُود اللِّسَان والعينين للحجر الْأسود هَل يخلقه الله تَعَالَى فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة أَو هُوَ مَوْجُود فِيهِ قبل ذَلِك؟ وَإِنَّمَا هُوَ أَمر خَفِي غامض يحْتَمل الْأَمريْنِ. وَفِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أَن هَذَا الْوَصْف كَانَ مَوْجُودا لَهُ من يَوْم {لست بربكم} (الْأَعْرَاف: 271) . قَوْله: (يشْهد على من استلمه)، على: هُنَا بِمَعْنى: اللَّام، وَقد ورد فِي رِوَايَة الأحمد والدارمي فِي مسنديهما يشْهد لمن استلمه بِحَق وَكَذَلِكَ