الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَأْخُوذٌ مِنْ شَرْطِ الْحَجَّامِ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْطَعُونَ بَعْضَ حَلْقِهَا وَيَتْرُكُونَهَا حَتَّى تَمُوتَ وَإِنَّمَا أَضَافَهَا إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (وَهِيَ) أَيْ شَرِيطَةُ الشَّيْطَانِ (لَا تُفْرَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَا تُقْطَعُ مِنَ الْفَرْيِ وَهُوَ الْقَطْعُ (الْأَوْدَاجُ) أَيِ الْعُرُوقُ الْمُحِيطَةُ بِالْعُنُقِ الَّتِي تُقْطَعُ حَالَةَ الذَّبْحِ وَاحِدُهَا وَدَجٌ مُحَرَّكَةٌ وَالْمَعْنَى يَشُقُّ مِنْهَا جِلْدَهَا وَلَا يَقْطَعُ أَوْدَاجَهَا حَتَّى يَخْرُجَ مَا فِيهَا مِنَ الدَّمِ وَيَكْتَفِي بِذَلِكَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيُّ وهو الذي يقال له عمرو بن برق وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
81 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي ذَكَاةِ الْجَنِينِ)
[2827]
الذَّكَاةُ الذَّبْحُ وَالْجَنِينُ الْوَلَدُ مَا دَامَ فِي الْبَطْنِ (كُلُوهُ) أَيِ الجنين
(فإن ذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ) أَيْ تَذْكِيَةُ أُمِّهِ مُغْنِيَةٌ عَنْ تَذْكِيَتِهِ وَهَذَا إِنْ خَرَجَ مَيِّتًا بِخِلَافِ مَا إِذَا خَرَجَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَيْضًا مَالِكٌ وَاشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَشْعَرَ
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى تَحْرِيمِ الْجَنِينِ إِذَا خَرَجَ مَيْتًا وَأَنَّهَا لَا تُغْنِي تَذْكِيَةُ الْأُمِّ عَنْ تَذْكِيَتِهِ
ذَكَرَهُ فِي النَّيْلِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ جَوَازِ أَكْلِ الْجَنِينِ إِذَا ذُكِّيَتْ أُمُّهُ وَإِنْ لَمْ تُجَدَّدْ لِلْجَنِينِ ذَكَاةٌ
وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ مَنْ لَا يَرَى أَكْلَ الْجَنِينِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْجَنِينَ يُذَكَّى كَمَا تُذَكَّى أُمُّهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ تُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَتُدْحِضُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ
ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهُ تَعْلِيلٌ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِ ذَكَاةٍ ثَانِيَةٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى النِّيَابَةِ عَنْهَا
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَفِي إِسْنَادِهِ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
[2828]
(ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) أَيْ ذَكَاتُهَا الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لَهَا وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا وَذَكَاتُهَا ذَكَاةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ بن الْمُنْذِرِ إِنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يُؤْكَلُ إِلَّا بِاسْتِثْنَاءِ الذَّكَاةِ فِيهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وحديث جابر قال بن الْقَطَّانِ فِيهِ عُبَيْد اللَّه بْن زِيَاد الْقَدَّاح وَفِيهِ عَتَّاب بْن بِشْر الْحَرَّانِيُّ زَعَمُوا أَنَّهُ رَوَى بِآخِرِهِ أَحَادِيث مُنْكَرَة وَأَنَّهُ اِخْتَلَطَ عَلَيْهِ الْعَرْض وَالسَّمَاع فَتَكَلَّمُوا فِيهِ قَالَ وَهَذَا مِنْ الْوَسْوَاس وَلَا يَضُرّهُ ذَلِكَ فَإِنَّ كُلّ وَاحِد منهما بمحمل صحيح وفي الباب حديث بن عُمَر يَرْفَعهُ ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أُمّه أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِر ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَلَهُ عِلَّتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ الصَّوَاب وَقْفه قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَالثَّانِيَة أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة عِصَام بْن يُوسُف عَنْ مُبَارَك بْن مُجَاهِد وَضَعَّفَ الْبُخَارِيّ مُبَارَك بْنَ مُجَاهِد وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ مَا أَرَى بِحَدِيثِهِ بَأْسًا
وَقَوْله فِي بَعْض أَلْفَاظه فَإِنَّ ذَكَاته ذَكَاة أُمّه مِمَّا يُبْطِل تَأْوِيل مَنْ رَوَاهُ بِالنَّصْبِ وَقَالَ ذَكَاة الْجَنِين كَذَكَاةِ أُمّه
قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَهَذَا بَاطِل مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّ سِيَاق الْحَدِيث يُبْطِلهُ فَإِنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجَنِين الَّذِي يُوجَد فِي بَطْن الشَّاة أَيَأْكُلُونَهُ أَمْ يُلْقُونَهُ فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ وَرَفَعَ عَنْهُمْ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ كَوْنه مَيْتَة بِأَنَّ ذَكَاة أُمّه ذَكَاة لَهُ لِأَنَّهُ جُزْء مِنْ أَجْزَائِهَا كَيَدِهَا وَكَبِدهَا وَرَأْسهَا وَأَجْزَاء الْمَذْبُوح لَا تَفْتَقِر إِلَى ذَكَاة مُسْتَقِلَّة
وَالْحَمْل مَا دَامَ جَنِينًا فَهُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا لَا يَنْفَرِد بِحُكْمٍ فَإِذَا ذُكِّيَتْ الْأُمّ أَتَتْ الذَّكَاة عَلَى جَمِيع أَجْزَائِهَا الَّتِي مِنْ جُمْلَتهَا الْجَنِين فَهَذَا هُوَ الْقِيَاس الْجَلِيّ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَة نَصّ
إِسْنَادِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْمَكِّيُّ الْقَدَّاحُ وَفِيهِ مَقَالٌ وَأَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْحَدَّادِ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ
وَيُونُسُ وَإِنْ تُكُلِّمَ فِيهِ فَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الثَّانِي أَنَّ الْجَوَاب لَا بُدّ وَأَنْ يَقَع عَنْ السُّؤَال وَالصَّحَابَة لَمْ يَسْأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّة ذَكَاته لِيَكُونَ قَوْله ذَكَاته كَذَكَاةِ أُمّه جَوَابًا لَهُمْ وَإِنَّمَا سَأَلُوا عَنْ أَكْل الْجَنِين الَّذِي يَجِدُونَهُ بَعْد الذَّبْح فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ حَلَالًا بِجَرَيَانِ ذَكَاة أُمّه عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاج إِلَى أن ينفرد بالزكاة
الثَّالِث أَنَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَعْظَم الْخَلْق فَهْمًا لِمُرَادِهِ بِكَلَامِهِ وَقَدْ فَهِمُوا مِنْ هَذَا الْحَدِيث اِكْتِفَاءَهُمْ بِذَكَاةِ الْأُمّ عَنْ ذَكَاة الْجَنِين وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاج أَنْ يَنْفَرِد بِذَكَاةٍ بَلْ يُؤْكَل
قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك كَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ إِذَا أَشْعَرَ الْجَنِين فَذَكَاته ذَكَاة أُمّه وَهَذَا إشارة إلى جميعهم
قال بن الْمُنْذِر كَانَ النَّاس عَلَى إِبَاحَته لَا نَعْلَم أَحَدًا مِنْهُمْ خَالَفَ مَا قَالُوهُ إِلَى أَنْ جَاءَ النُّعْمَان فَقَالَ لَا يَحِلّ لِأَنَّ ذَكَاة نَفْس لَا تَكُون ذَكَاة نَفْسَيْنِ
الرَّابِع أَنَّ الشَّرِيعَة قَدْ اِسْتَقَرَّتْ عَلَى أَنَّ الذَّكَاة تَخْتَلِف بِالْقُدْرَةِ وَالْعَجْز فَذَكَاة الصَّيْد الْمُمْتَنِع بِجُرْحِهِ فِي أَيّ مَوْضِع كَانَ بِخِلَافِ الْمَقْدُور عَلَيْهِ وَذَكَاة الْمُتَرَدِّيَة لَا يُمْكِن إِلَّا بِطَعْنِهَا فِي أَيّ مَوْضِع كَانَ وَمَعْلُوم أَنَّ الْجَنِين لَا يُتَوَصَّل إِلَى ذَبْحه بِأَكْثَر مِنْ ذَبْح أُمّه فَتَكُون ذَكَاة أُمّه ذَكَاة لَهُ هُوَ مَحْض الْقِيَاس
الْخَامِس أَنَّ قَوْله ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أُمّه جملة خبرية جعل الْخَبَر فِيهَا نَفْس الْمُبْتَدَأ
فَهِيَ كَقَوْلِك غِذَاء الْجَنِين غِذَاء أُمّه وَلِهَذَا جُعِلَتْ الْجُمْلَة لِتَتْمِيمِ إِنَّ وَخَبَرهَا فِي قَوْله فَإِنَّ ذَكَاته ذَكَاة أُمّه وَإِذْ كَانَ هَكَذَا لَمْ يَجُزْ فِي ذَكَاة أُمّه إِلَّا بِالرَّفْعِ وَلَا يَجُوز نَصْبه لِبَقَاءِ الْمُبْتَدَأ بِغَيْرِ خَبَر فَيَخْرُج الْكَلَام عَنْ الْإِفَادَة وَالتَّمَام إِذْ الْخَبَر مَحَلّ الْفَائِدَة وَهُوَ غَيْر مَعْلُوم
السَّادِس أَنَّهُ إِذَا نَصَبَ ذَكَاة أُمّه فَلَا بُدّ وَأَنْ يَجْعَل الْأَوَّل فِي تَقْدِير فِعْل لِيَنْتَصِب عَنْهُ الْمَصْدَر وَيَكُون تَقْدِيره يُذْكِي الْجَنِين ذَكَاة أُمّه وَنَحْوه
وَلَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَقِيلَ ذَكُّوا الْجَنِين ذَكَاة أُمّه أَوْ يُذَكَّى كَمَا يُقَال اِضْرِبْ زَيْدًا ضَرْب عَمْرو وَيَنْتَصِب الثَّانِي عَلَى مَعْنَى اِضْرِبْ زَيْدًا ضَرْب عَمْرو فَهَذَا لَا يَجُوز وَلَيْسَ هُوَ كَلَامًا عَرَبِيًّا إِلَّا إِذَا نُصِبَ الْجُزْءَانِ مَعًا فَتَقُول ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أُمّه وَهَذَا
عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ مَرْفُوعًا
وَقَالَ غَيْرُهُ رَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ يُفْرَضُ لَهُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةً يَعْنِي بِنَصْبِ الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ لِيُوجِبَ ابْتِدَاءَ الذَّكَاةِ فِيهِ إِذَا خَرَجَ وَلَا يَكْتَفِي بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ بِرَفْعِ الثَّانِيَةِ كَرَفْعِ الْأُولَى خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ الرَّفْعُ فِيهِمَا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ مَا يُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَيَدْحَضُهُ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ غير إحداث ذكاة
وقال بن الْمُنْذِرِ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يُؤْكَلُ إِلَّا بِاسْتِئْنَافِ الذَّكَاةِ فِيهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
قَالَ وَلَا أَحْسَبُ أَصْحَابَهُ وَافَقُوا عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مَعَ أَنَّهُ خِلَاف رِوَايَة النَّاس وَأَهْل الْحَدِيث قَاطِبَة فَهُوَ أَيْضًا مُمْتَنِع فَإِنَّ الْمَصْدَر لَا بُدّ لَهُ مِنْ فِعْل يَعْمَل فِيهِ فَيُؤَوَّل التَّقْدِير إِلَى ذَكُّوا ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أُمّه وَيَصِير نَظِير قَوْلك ضَرْب زَيْد ضَرْب عَمْرو تنصبهما
وَتَقْدِيره اِضْرِبْ ضَرْب زَيْد ضَرْب عَمْرو وَهَذَا إِنَّمَا يَكُون فِي الْمَصْدَر بَدَلًا مِنْ اللَّفْظ بِالْفِعْلِ إِذَا كَانَ مُنْكَرًا نَحْو ضَرْبًا زَيْد أَيّ ضَرْب زَيْد
وَلِهَذَا كَانَ قَوْلك ضَرْبًا زَيْدًا كَلَامًا تَامًّا وَقَوْلك ضَرْب زَيْد لَيْسَ بِكَلَامٍ تَامّ فَإِنَّ الْأَوَّل يَتَضَمَّن اِضْرِبْ زَيْدًا بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ مُفْرَد فَقَطْ فَيُعْطِي ذَلِكَ مَعْنَى الْجُمْلَة فَأَمَّا إِذَا أَضَفْته وَقُلْت ضَرْب زَيْد فَإِنَّهُ يَصِير مُفْرَدًا وَلَا يَجُوز تَقْدِيره بِاضْرِبْ زَيْد وَيَدُلّ عَلَى بُطْلَانه الْوَجْه السَّابِع وَهُوَ أَنَّ الْجَنِين إِنَّمَا يُذَكَّى مِثْل ذَكَاة أُمّه إِذَا خَرَجَ حَيًّا وَحِينَئِذٍ فَلَا يُؤْكَل حتى يذكى ذكاة مستقبلة لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَهُ حُكْم نَفْسه وَهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا عَنْ هَذَا وَلَا أُجِيبُوا بِهِ فَلَا السُّؤَال دَلَّ عَلَيْهِ وَلَا هُوَ جَوَاب مُطَابِق لِسُؤَالِهِمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا نَذْبَح الْبَقَرَة أَوْ الشَّاة فِي بَطْنهَا الْجَنِين أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلهُ فَقَالَ كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاته ذَكَاة أُمّه فَهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوهُ عَنْ أَكْله أَيَحِلُّ لَهُمْ أَمْ لَا فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ وَأَزَالَ عَنْهُمْ مَا عَلِمَ أَنَّهُ يَقَع فِي أَوْهَامهمْ مِنْ كَوْنه مَيْتَة بِأَنَّهُ ذُكِّيَ بِذَكَاةِ الْأُمّ
وَمَعْلُوم أَنَّ هَذَا الْجَوَاب وَالسُّؤَال لَا يُطَابِق ذَكُّوا الْجَنِين مِثْل ذَكَاة أُمّه بَلْ كَانَ الْجَوَاب حِينَئِذٍ لَا تَأْكُلُوهُ إِلَّا أَنْ يَخْرُج حَيًّا فَذَكَاته مِثْل ذَكَاة أُمّه وَهَذَا ضِدّ مَدْلُول الْحَدِيث وَاَللَّه أَعْلَم
وَبِهَذَا يُعْلَم فَسَاد مَا سَلَكَهُ أبو الفتح بن جِنِّيّ وَغَيْره فِي إِعْرَاب هَذَا الْحَدِيث حَيْثُ قَالُوا ذَكَاة أُمّه عَلَى تَقْدِير مُضَاف مَحْذُوف أَيّ ذَكَاة الْجَنِين مِثْل ذَكَاة أُمّه
وَحَذْف الْمُضَاف وَإِقَامَة الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه كَثِير وَهَذَا إِنَّمَا يَكُون حَيْثُ لَا لَبْس وَأَمَّا إِذَا أَوْقَعَ فِي اللَّبْس فَإِنَّهُ تَمْتَنِع وَمَا تَقَدَّمَ كَافٍ فِي فَسَاده وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق