الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 -
(باب ميراث بن الْمُلَاعَنَةِ)
[2906]
(النَّصْرِيُّ) بِالنُّونِ ثُمَّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْجَدِّ (الْمَرْأَةُ تُحْرِزُ) أَيْ تَجْمَعُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَحُوزُ (عَتِيقَهَا) أَيْ مِيرَاثُ عَتِيقِهَا فَإِنَّهُ إِذَا أَعْتَقَتْ عَبْدًا وَمَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ تَرِثُ مَالَهُ بِالْوَلَاءِ (وَلَقِيطُهَا) هُوَ طِفْلٌ يُوجَدُ مُلْقًى عَلَى الطَّرِيقِ لَا يُعْرَفُ أَبَوَاهُ
قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَمَّا اللَّقِيطُ فَإِنَّهُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ حُرٌّ فَإِذَا كَانَ حُرًّا فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَالْمِيرَاثُ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ وَلَيْسَ بَيْنَ اللَّقِيطِ وَمُلْتَقِطِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا
وَكَانَ إِسْحَاقُ بن رَاهْوَيْهِ يَقُولُ وَلَاءُ اللَّقِيطِ لِمُلْتَقِطِهِ وَيَحْتَجُّ بِحَدِيثِ وَاثِلَةَ وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْحَدِيثُ لَمْ يَلْزَمِ الْقَوْلُ بِهِ فَكَانَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى انْتَهَى (لَاعَنَتْ عَلَيْهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْهُ أَيْ عَنْ قِبَلِهِ وَمِنْ أَجْلِهِ
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَأَمَّا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَأُعِلَّ أَيْضًا بِعَبْدِ الْوَاحِد بْن عَبْد اللَّه بْن بُسْر النَّصْرِيّ رَاوِيه عَنْ وَائِلَة قال بن أَبِي حَاتِم صَالِح لَا يُحْتَجّ بِهِ
وَقَدْ اِشْتَمَلَ عَلَى ثَلَاث جُمَل إِحْدَاهَا مِيرَاث الْمَرْأَة عَتِيقهَا وَهُوَ مُتَّفَق عَلَيْهِ
الثَّانِيَة مِيرَاثهَا وَلَدهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَانَ زَيْد بْن ثَابِت يَجْعَل مِيرَاثهَا مِنْهُ كَمِيرَاثِهَا مِنْ الْوَلَد الَّذِي لَمْ تُلَاعِن عَلَيْهِ
وَرُوِيَ عن بن عَبَّاس نَحْوه وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابهمْ وَعِنْدهمْ لَا تَأْثِير لِانْقِطَاعِ نَسَبه مِنْ أَبِيهِ في ميراث الأم منه
وكان الحسن وبن سِيرِينَ وَجَابِر بْن زَيْد وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَن بْن صَالِح وَغَيْرهمْ يَجْعَلُونَ عَصَبَة أُمّه عَصَبَة لَهُ وَهَذَا مَذْهَب أَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن علي وبن عباس
وكان بن مَسْعُود وَعَلِيّ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنْهُ يَجْعَلُونَ أُمّه نَفْسهَا عَصَبَة وَهِيَ قَائِمَة مَقَام أُمّه وَأَبِيهِ فَإِنْ عُدِمَتْ فَعَصَبَتهَا عَصَبَته
الْوَلَدُ الَّذِي نَفَاهُ الرَّجُلُ بِاللِّعَانِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَرِثُ الْآخَرَ لِأَنَّ التَّوَارُثَ بِسَبَبِ النَّسَبِ انْتَفَى بِاللِّعَانِ وَأَمَّا نَسَبُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَثَابِتٌ وَيَتَوَارَثَانِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه الترمذي
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَهَذَا هُوَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَنْ أَحْمَد نَقَلَهَا عَنْهُ أَبُو الْحَارِث وَمُهَنَّا
وَنَقَلَ الْأُولَى الْأَثْرَم وَحَنْبَل وَهُوَ مَذْهَب مَكْحُول وَالشَّعْبِيّ
وَأَصَحّ هَذِهِ الْأَقْوَال أَنَّ أُمّه نَفْسهَا عصبة وَعَصَبَتهَا مِنْ بَعْدهَا عَصَبَة لَهُ هَذَا مُقْتَضَى الْآثَار وَالْقِيَاس
أَمَّا الْآثَار فَمِنْهَا حَدِيث وَاثِلَة هَذَا
وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْبَاب عَنْ مَكْحُول
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِثْله
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الشَّام أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لِوَلَدِ الْمُلَاعَنَة عَصَبَته عصبة أُمّه ذَكَرَهُ فِي الْمَرَاسِيل
وَفِي لَفْظ لَهُ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر قَالَ كَتَبْت إِلَى صَدِيق لِي مِنْ أَهْل الْمَدِينَة مِنْ بَنِي زُرَيْق أَسْأَلهُ عَنْ وَلَد الملاعنة لِمَنْ قَضَى بِهِ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَكَتَبَ إِلَيَّ إِنِّي سَأَلْت فَأُخْبِرْت أَنَّهُ قَضَى بِهِ لِأُمِّهِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ وَأُمّه
وَهَذِهِ آثَار يَشُدّ بَعْضهَا بَعْضًا
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيّ إِنَّ الْمُرْسَل إِذَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ رُوِيَ مُسْنَدًا أَوْ اُعْتُضِدَ بِعَمَلِ بَعْض الصَّحَابَة فَهُوَ حُجَّة
وَهَذَا قَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوه مُتَعَدِّدَة وَعَمِلَ بِهِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَة وَالْقِيَاس مَعَهُ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُعْتَقَة كَانَ عَصَبَتهَا مِنْ الْوَلَاء عَصَبَة لِوَلَدِهَا وَلَا يَكُون عَصَبَتهَا مِنْ النَّسَب عَصَبَة لَهُمْ
وَمَعْلُوم أَنَّ تَعْصِيب الْوَلَاء الثَّابِت لِغَيْرِ الْمُبَاشَر بِالْعِتْقِ فَرْع عَلَى ثُبُوت تَعْصِيب النَّسَب فَكَيْف يَثْبُت الْفَرْع مَعَ اِنْتِفَاء أَصْله وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَلَاء فِي الْأَصْل لِمَوَالِي الْأَب فَإِذَا اِنْقَطَعَ مِنْ جِهَتهمْ رَجَعَ إِلَى مَوَالِي الْأُمّ فَإِذَا عَادَ مِنْ جِهَة الْأَب اِنْتَقَلَ مِنْ مَوَالِي الْأُمّ إِلَى مَوَالِي الْأَب وَهَكَذَا النَّسَب هُوَ فِي الْأَصْل لِلْأَبِ وَعَصَبَاته فَإِذَا اِنْقَطَعَ مِنْ جِهَته بِاللِّعَانِ عَادَ إِلَى الْأُمّ وَعَصَبَاتهَا فَإِذَا عَادَ إِلَى الْأَب بِاعْتِرَافِهِ بِالْوَلَدِ وَإِكْذَابه نَفْسه رَجَعَ النَّسَب إِلَيْهِ كَالْوَلَاءِ سَوَاء بَلْ النَّسَب هُوَ الْأَصْل فِي ذَلِكَ وَالْوَلَاء مُلْحَق بِهِ
وَهَذَا مِنْ أَوْضَح الْقِيَاس وَأَبْيَنه وَأَدَلّه عَلَى دِقَّة أَفْهَام الصَّحَابَة وَبُعْد غَوْرهمْ فِي مَأْخَذ الْأَحْكَام
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا فِي قَوْله فِي الْحَدِيث هِيَ بِمَنْزِلَةِ أُمّه وَأَبِيهِ
والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَفِي إِسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ رُوَيَّةَ التَّغْلِبِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَسُئِلَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فَقَالَ صَالِحُ الْحَدِيثِ قِيلَ تَقُومُ بِالْحُجَّةِ فَقَالَ لَا وَلَكِنْ صَالِحٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يُثْبِتِ الْبُخَارِيُّ وَلَا مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثُ لِجَهَالَةِ بَعْضِ رُوَاتِهِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
حَتَّى لَوْ لَمْ تَرِد هَذِهِ الْآثَار لَكَانَ هَذَا مَحْض الْقِيَاس الصَّحِيح
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَصَبَة أُمّه عَصَبَة لَهُ فَهِيَ أَوْلَى أَنْ تَكُون عَصَبَته لِأَنَّهُمْ فَرْعهَا وَهُمْ إِنَّمَا صَارُوا عَصَبَة لَهُ بِوَاسِطَتِهَا وَمِنْ جِهَتهَا اِسْتَفَادُوا تَعْصِيبهمْ فَلَأَنْ تَكُون هِيَ نَفْسهَا عَصَبَة أَوْلَى وَأَحْرَى
فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ أُمّه بِمَنْزِلَةِ أُمّه وَأَبِيهِ لَحَجَبَتْ إِخْوَته وَلَمْ يَرِثُوا مَعَهَا شَيْئًا وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَرِثُونَ مِنْهُ بِالْفَرْضِ فَكَيْف يَكُونُونَ عَصَبَة لَهُ فَالْجَوَاب إِنَّهَا إِنَّمَا لَمْ تَحْجُب إِخْوَته مِنْ حَيْثُ إِنَّ تَعْصِيبهَا مُفَرَّع عَلَى اِنْقِطَاع تَعْصِيبه مِنْ جِهَة الْأَب كَمَا أَنَّ تَعْصِيب الْوَلَاء مُفَرَّع عَلَى اِنْقِطَاع التَّعْصِيب مِنْ جِهَة النَّسَب فَكَمَا لَا يَحْجُب عَصَبَة الْوَلَاء أَحَدًا مِنْ أَهْل النَّسَب كَذَلِكَ لَا تَحْجُب الْأُمّ الْإِخْوَة لِضَعْفِ تَعْصِيبهَا وَكَوْنه إِنَّمَا صَارَ إِلَيْهَا ضَرُورَة تَعَذُّره مِنْ جِهَة أَصْله وَهُوَ بِعَرْضِ الزَّوَال بِأَنْ يُقِرّ بِهِ الْمُلَاعِن فَيَزُول
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِخْوَة اِسْتَفَادُوا مِنْ جِهَتهَا أَمْرَيْنِ أُخُوَّة وَلَد الْمُلَاعَنَة وَتَعْصِيبه
فَهُمْ يَرِثُونَ أَخَاهُمْ مَعَهَا بِالْأُخُوَّةِ لَا بِالتَّعْصِيبِ وَتَعْصِيبهَا إِنَّمَا يَدْفَع تَعْصِيبهمْ لَا أُخُوَّتهمْ وَلِهَذَا وَرِثُوا مَعَهَا بِالْفَرْضِ لَا بِالتَّعْصِيبِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق
الْجُمْلَة الثَّالِثَة فِي حَدِيث وَاثِلَة مِيرَاث اللَّقِيط وَهَذَا قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ
فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ لَا تَوَارُث بَيْنه وَبَيْن مُلْتَقِطه بِذَلِكَ
وَذَهَبَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ إِلَى أَنَّ مِيرَاثه لِمُلْتَقِطِهِ عِنْد عَدَم نَسَبه لِظَاهِرِ حَدِيث وَاثِلَة وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيث فَالْقَوْل مَا قَالَ إِسْحَاق لِأَنَّ إِنْعَام الْمُلْتَقِط عَلَى اللَّقِيط بِتَرْبِيَتِهِ وَالْقِيَام عَلَيْهِ وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ لَيْسَ بِدُونِ إِنْعَام الْمُعْتِق عَلَى الْعَبْد بِعِتْقِهِ فَإِذَا كَانَ الْإِنْعَام بِالْعِتْقِ سَبَبًا لِمِيرَاثِ الْمُعْتَق مَعَ أَنَّهُ لَا نَسَب بَيْنهمَا فَكَيْف يُسْتَبْعَد أَنْ يَكُون الْإِنْعَام بِالِالْتِقَاطِ سَبَبًا لَهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُون أَعْظَم مَوْقِعًا وَأَتَمّ نِعْمَة وَأَيْضًا فَقَدْ سَاوَى هَذَا الْمُلْتَقِط الْمُسْلِمِينَ فِي مَال اللَّقِيط وَامْتَازَ عَنْهُمْ بِتَرْبِيَةِ اللَّقِيط وَالْقِيَام بِمَصَالِحِهِ وَإِحْيَائِهِ مِنْ الْهَلَكَة فَمِنْ مَحَاسِن الشَّرْع وَمَصْلَحَته وَحِكْمَته أَنْ يَكُون أَحَقّ بِمِيرَاثِهِ
وَإِذَا تَدَبَّرْت هَذَا وَجَدْته أَصَحّ مِنْ كَثِير مِنْ الْقِيَاسَات الَّتِي يَبْنُونَ عَلَيْهَا الْأَحْكَام وَالْعُقُول أَشَدّ قَبُولًا لَهُ